نتنياهو يلغي جولة أوروبية وينفي تخوفه من ضغوط وانتقادات

تحليل أخباري

الطيارون الإسرائيليون لم يمتحنوا منذ 1982 في القتال ضد دولة تملك سلاحا جويا ومنظومات دفاعية جوية!

 أحضرت إسرائيل، يوم الجمعة الماضي، جنودها الستة الذين لقوا مصرعهم في حادث تحطم طائرة مروحية عسكرية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي في رومانيا وقانت بدفنهم في البلاد. وقد قُتل في الحادث نفسه، بالإضافة للجنود الإسرائيليين، ضابط في الجيش الروماني كان على متن المروحية نفسها. لكن الأمر المثير في هذا الحادث هو أن محللين عسكريين إسرائيليين حذروا من المبالغة وتحويل الحادث ومقتل الجنود الستة إلى "حادث مأساوي وطني". كذلك أطلق قائد سلاح الجو الإسرائيلي، اللواء عيدو نحوشتان، تصريحات في أعقاب الحادث، بالإمكان الفهم منها أن ثمة شيئا كبيرا وهاما للغاية وراء هذا الحادث. فقد أعلن نحوشتان أنه حتى لو لم يتم العثور على الصندوق الأسود للمروحية المحطمة، فإن ذلك لن يؤثر على التحقيق في أسباب تحطمها. واللافت أنه على غير عادة الإسرائيليين، ورغم التغطية الواسعة للحادث، إلا إنه في هذه المرة لم يتم تحويله إلى "مأساة وطنية".   

 

لقد كشف حادث تحطم المروحية عن تدريب يجريه سلاح الجو الإسرائيلي في رومانيا. وعلى ما يبدو فإن قادة الجيش الإسرائيلي عموما، وقادة سلاح الجو خصوصا، راضون من نتائج التدريب وأنه كان ناجحا، رغم الحادث ومقتل الجنود الستة، وبينهم أربعة طيارين. وتدل المعلومات التي نشرتها الصحف الإسرائيلية على أن الهدف من التدريب هو الاستعداد لهجوم محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية. ورغم أن التقارير الإسرائيلية ركزت، في نهاية الأسبوع الماضي، على تدريب سلاح الجو في رومانيا، إلا إنها أشارت إلى تدريبات أخرى أجراها السلاح في دول أوروبية، وخصوصا تدريبين في هنغاريا واليونان. فقبل أكثر من شهرين ذكرت تقارير أن طائرة مقاتلة إسرائيلية، من طراز F-15، اضطرت للهبوط في جزيرة كريت في إثر خلل. وتبين أن هذه الطائرة كانت تشارك في تدريب لسلاح الجو الإسرائيلي في اليونان.

"سماء زرقاء"

 

أطلق سلاح الجو الإسرائيلي على التدريب في رومانيا اسم "سماء زرقاء". وبدأ هذا التدريب في 18 تموز الفائت. ووصفت التقارير الإسرائيلية التدريب بأنه معقد جدا وشارك فيه، لأول مرة، سرب من المروحيات العسكرية الكبيرة التي تستخدم لنقل الجنود من طراز "CH-53 سي ستاليون"(والمعروفة في إسرائيل باسم "يسعور")، بلغ عدده ثماني مروحيات، تم تزويدها بالوقود في الجو بواسطة طائرة شحن من طراز "هيركوليس" في الأجواء اليونانية. واستغرق هذه المروحيات عشر ساعات في الجو للوصول من قاعدة سلاح الجو "تل نوف" في جنوب إسرائيل إلى قاعدة سلاح الجو الروماني في بوفوك. واستوجب مكوث قوات سلاح الجو الإسرائيلي في رومانيا لمدة أسبوعين استعدادات لوجيستية دامت شهورا.

وانضمت إلى طواقم الطيارين في رومانيا طواقم تقنية وإدارية وتصنت ومراقبة جوية. وقاد التدريب المقدم "ي"، وهو قائد سرب الطائرات المقاتلة رقم 118 والمعروف باسم "جوارح الليل". وينتمي الطيارون الأربعة القتلى في حادث تحطم المروحية إلى سربه. وعلى ضوء أهمية التدريب فقد شاركت فيه طواقم من سرب مروحيات "اليسعور" رقم 114 والمعروف باسم "ناقلو الليل".

وبعد بدء التدريب تم إحضار طيارين إسرائيليين آخرين إلى رومانيا برحلات جوية تجارية للمشاركة فيه. واللافت أن هؤلاء كانوا من قوات الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي والذين لديهم خبرة واسعة، أو طيارين يؤدون مهمات أخرى، لكن في حال الطوارئ يمتثلون في سرب مروحيات "اليسعور".

وتتعلق المعلومات المهمة التي زودتها التقارير التي نشرتها الصحف الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، بطبيعة تدريب سلاح الجو في رومانيا. وأفاد أحد هذه التقارير بأن "تدريب ’سماء زرقاء’ في رومانيا وضع أمام طياري اليسعور تحديات متميزة كثيرة: تحليق متواصل فوق منطقة يعرفونها من خلال الخرائط فقط؛ تضاريس متغيرة بوتيرة سريعة من حقول واسعة إلى سلاسل جبال يصل ارتفاع قمم بعضها إلى 2500 متر وأحوال جوية متطرفة، تشمل ضبابا كثيفا وعواصف رعدية مفاجئة". (هآرتس - 30.7.2010)

وأضاف التقرير أنه "في الطريق المؤدية إلى قاعدة سلاح الجو الروماني في بوفوك، حيث تواجدت قيادة التدريب، كان بالإمكان ملاحظة سبب آخر لإجراء التدريبات في رومانيا ودول أخرى في وسط وشرق أوروبا، وهو بطاريات صواريخ مضادة للطائرات وأجهزة رادار من صنع سوفييتي، التي تسمح بالتدرب على مواصفات مشابهة لتلك التي قد يعمل سلاح الجو [الإسرائيلي] ضدها. وقبل شهرين أجرت الطائرات المقاتلة التابعة لسلاح الجو تدريبا كبيرا في أجواء اليونان، التي تملك صواريخ S-300 متطورة من صنع روسي. وعبرت إسرائيل في الشهور الأخير عن قلق كبير من تسلح إيران بصواريخ كهذه". ويشار إلى أنه في هذه الأثناء أعلنت روسيا أنها لا تنوي بيع إيران هذا النوع من الصواريخ المضادة للطائرات وذلك في أعقاب فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب استمرارها في تطوير البرنامج النووي.

وتأتي تدريبات سلاح الجو الإسرائيلي في الدول الأوروبية في ظل تفكير في قيادة الجيش الإسرائيلي بأنه رغم آلاف الغارات التي شنها الطيران الحربي الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان في السنوات الأخيرة، إلا إنه لم يتم امتحان الطيارين في القتال أمام دولة تملك سلاحا جويا ومنظومات دفاعية جوية منذ أن هاجمت إسرائيل المنظومة الصاروخية السورية في لبنان في العام 1982. وكان نحوشتان قد لخص العمليات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي خلال الحرب على غزة بالقول إنه على الرغم من "النجاحات العسكرية" إلا إنه لا يعرف كيف سيكون أداء الطيارين أمام سلاح جو نظامي، لأنهم لم يواجهوا وضعا كهذا أبدا. وتأتي هذه التدريبات لملء هذا الفراغ. وأشارت هآرتس إلى أنه على الرغم من العزلة السياسية التي تواجهها إسرائيل في العالم، إلا إن "جيوشا كثيرة مهتمة باستضافة طياريها في تدريبات مشتركة والتعلم من خبرتهم".

واستهزأ الطيارون الحربيون الإسرائيليون في أعقاب حادث تحطم المروحية، الأسبوع الماضي، بالأصوات التي تعالت وشككت بقدرة إسرائيل على تنفيذ عملية عسكرية في مناطق بعيدة وفي ظروف معقدة "مثل هجوم محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية". واعتبروا أن التدريبات "بمواصفات صعبة وتنطوي على تحدٍ هو الدليل على وجود هذه القدرة".

 

سرية مضمونة

 

أجرى سلاح الجو الإسرائيلي تدريبات في السنوات الأخيرة في كل من هنغاريا ورومانيا واليونان وايطاليا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفي دول أخرى. لكن جميع هذه الدول لا تعرف أبدا هدف إسرائيل من وراء التدريبات التي يجريها سلاحها الجوي في أراضيها وأجوائها (يديعوت أحرونوت - 30.7.2010)

وفي معظم الحالات لا يجري سلاح الجو الإسرائيلي تدريبات مشتركة مع سلاح الجو المضيف، وإنما تكون مهمة هذا الأخير  توفير "مأوى" للإسرائيليين ليجروا تدريباتهم لمدة أسبوعين أو أكثر في الدولة المضيفة. ورغم أن الدولة المضيفة تعين مراقبين محليين للتدريب الإسرائيلي ويشاركون في إرشادات قادة التدريب، إلا إن المضيفين لا يطلعون على أية تفاصيل من شأنها أن تكشف خطة إسرائيلية يجري التدرب عليها.

ومن أجل منع الكشف عن أهداف التدريب أو قدرات عسكرية وتكنولوجية فإن سلاح الجو الإسرائيلي لا يستخدم في التدريبات التي يجريها في الدول الأجنبية وسائل قتالية سرية أو أجهزة تستخدم في الحروب الالكترونية وما شابه ذلك، والتي من شأنها التلميح إلى قدرات أو نوايا تسعى إسرائيل إلى إخفائها. لكن تواجد القوات الإسرائيلية في دولة أوروبية لغرض إجراء تدريب لا يكون سريا في غالب الأحيان.

وقد سلط حادث تحطم المروحية العسكرية الضوء على نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في رومانيا. لكن الأمر الأهم الذي كشف عنه الحادث هو مشاركة مروحيات "اليسعور" في التدريب وأنها تشكل جزءا لا يتجزأ من "الذراع الإستراتيجية الطويلة المدى لسلاح الجو". فقد اتضح أن هذه المروحيات تتدرب على التحليق لمسافات طويلة، تبعد آلاف الكيلومترات عن حدود إسرائيل، وبمواصفات قتالية متنوعة على وجه البسيطة. وقد تركزت المعلومات، حتى اليوم، على تدريبات مشتركة لطائرات مقاتلة إسرائيلية مع أسلحة جو أوروبية، في إطار الحديث عن بناء تحالف لأسلحة جو الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لشن هجوم محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وكتب المحلل العسكري في يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان، أن "مروحيات اليسعور لم تصل إلى رومانيا مفككة ولم يتم تركيبها مجددا هناك، وإنما حلقت على طول آلاف الكيلومترات، وفي مسارات غير معروفة، وتزودت بالوقود في الجو وهي في طريقها إلى رومانيا. وعلى ما يبدو فإن العتاد، الذي تم نشره في رومانيا، وصل في طائرات هيركوليس، وهي طائرات شحن قادرة على أن تستخدم كطائرات لتزويد الوقود في الجو. وبالمناسبة، فإن طائرات هيركوليس قادرة على أن تحمل في باطنها مروحيتين قتاليتين. وتظهر أمامكم الآن صورة انتشار ممكن لقوة نقل لتنفيذ عمليات عسكرية خاصة، وحمل قوات خاصة إلى عمق خطوط العدو على بعد آلاف الكيلومترات عن إسرائيل. وأضيفوا إلى ذلك القوات البرية المنتشرة في الميدان [للدولة هدف الهجوم] والمراقبين الإسرائيليين الذين يعملون في برج المراقبة بالتعاون مع مراقب جوي عسكري محلي، لتظهر أماكم قوة قادرة، بصورة نظرية، على الانطلاق من مطار سري من مكان ما على وجه البسيطة لتنفيذ عملية عسكرية بالغة الأهمية، أو لعملية إنقاذ قوة عسكرية أو طيار غادر طائرته المقاتلة بعد إصابتها بعيدا عن حدود إسرائيل".