باراك أعلن أنه باق في حكومة أولمرت لكن لمح إلى نيته إجراء انتخابات قبل العام 2010 * الائتلاف الحكومي المؤلف من سبعة وستين نائبا يجعل لكل نائب وزنا * استمرارية حكومة أولمرت تحتاج لتوسيع القاعدة الائتلافية، وهذا ممكن مقابل 225 مليون دولار * ليبرمان خسر الرهان وعودته للحكومة شبه مستحيلة
كتب برهوم جرايسي:
سارع رئيس حزب "العمل" الإسرائيلي، ووزير الدفاع، إيهود باراك، في مطلع الأسبوع الحالي (3/2/2008)، إلى الإعلان أنه باق في حكومة إيهود أولمرت، حتى بعد صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد المكلفة بفحص مجريات الحرب على لبنان، لينقشع بذلك الضباب عن موقفه، الذي انتظرته الساحتان الحزبية والشعبية، كونه المقرر الأساس لمصير حكومة أولمرت، بعد أن أعلن الحزبان الآخران الشريكان لحزب "كديما" الحاكم، "شاس" و"المتقاعدون"، بقاءهما في الحكومة في كل الأحوال.
وبذلك يكون أولمرت قد أزال عقبة أساسية أمام مستقبله السياسي، بعد أن خففت لجنة فينوغراد لهجتها الانتقادية ضده، في ما يتعلق بدوره القيادي في الحرب العدوانية على لبنان، في صيف 2006.
وقبل الدخول في تفاصيل الحلبة السياسية ومستقبل البرلمان الإسرائيلي ومسألة الانتخابات، من الضروري الإشارة إلى أن ما كان يحكم موقف مختلف الأحزاب في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) من مسألة الانتخابات المبكرة، هو حسابات الربح والخسارة في أي انتخابات مبكرة، إذ أن العين كانت مسلطة أكثر على نتائج استطلاعات الرأي التي تصدر تباعا في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
أما ترقب تقرير فينوغراد فقد كان لغرض واحد، وهو: هل ستُثقل صيغة التقرير على حسابات هذه الأحزاب أم تخفف عليها؟.
في معالجة سابقة في العدد السابق من "المشهد الإسرائيلي" استعرضنا هذه الحسابات، وعليه فإنه بعد صدور التقرير وخاصة ما تبعه من استطلاعات للرأي أبقت كل حزب في موقفه، فهناك الحزب الوحيد المتحمس لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو حزب الليكود، وزعيمه نتنياهو، وعدا ذلك فإن جميع الأحزاب لا تفيدها مثل هذه الانتخابات، فهي إما ستحافظ على قوتها، ولكنها ستفقد مكانتها البرلمانية وقوة تأثيرها الحاليين، أو أنها ستخسر من قوتها الحالية.
دعائم موقف باراك
لم ينتظر إيهود باراك عقد جلسة لواحدة من الهيئات المسؤولة في حزبه، ولا حتى اجتماع كتلة حزبه البرلمانية، أو على الأقل لم يتم الإعلان عن اجتماع كهذا، ولكن باراك لم يكن بحاجة لمثل هذا الاجتماع لأنه يعرف تماما اتجاه الريح في حزبه، فهو استند إلى موقف قادة أكبر المعسكرات في الحزب، وأيضا إلى استطلاعات الرأي التي قالت له إن ثلثي جمهور مصوتي الحزب يطالبونه بالبقاء في الحزب، وهذه النسبة ترتفع في اللجنة المركزية للحزب التي تضم 1800 عضو.
وعلى أساس هذا استطاع أن يواجه وسائل الإعلام والرأي العام بنوع من القوة، عندما تمت مواجهته بالوعد الذي قطعه أمام الجمهور، في مطلع شهر حزيران/ يونيو من العام الماضي، وهو يستعد للجولة الثانية لانتخابات رئاسة حزب "العمل" أمام منافسه عامي أيالون، بأنه سيسحب الحزب من الائتلاف الحكومي فور صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد.
وقد دافع باراك عن نفسه قائلا: أنا أعلم جيدا ما وعدت به، لكن إسرائيل اليوم تقف أمام تحديات، والمسؤوليات السياسية تدفعني لهذا الموقف.
ولكن ما دفع باراك لهذا الموقف، أولا وقبل كل شيء، هو وضعيته السيئة في استطلاعات الرأي، التي ظهرت في كبرى الصحف الإسرائيلية، وفي كل صحيفة كانت النتائج تتناغم مع موقف الصحيفة، ولهذا فإنه قرأ "نتائج مربكة" له في صحيفتي "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تحذرانه عمليا من التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، وتطمئنه بأن جمهور مصوتي حزبه يريده أن يبقى، علما أن هاتين الصحيفتين اتخذتا موقفا مساندا لرئيس الحكومة أولمرت، قبل وبعد فينوغراد.
كذلك فإن باراك كان مطمئنا لأن قادة المعسكرات في الحزب يطالبونه بالبقاء في الحكومة، وعلى رأسهم منافسه في الانتخابات لرئاسة الحزب، الوزير عامي أيالون، الذي حصد أكثر من 46% من الأصوات، والذي دعا باراك إلى عدم الانسحاب من الائتلاف الحكومي.
وكذلك الأمر بالنسبة لسلفه في رئاسة الحزب والوزارة عمير بيرتس، والوزير بنيامين بن إليعازر، صاحب أقوى نفوذ بين الكوادر الميدانية، ووزير الزراعة، شالوم سمحون، زعيم جناح القرى التعاونية الذي دعم باراك في الانتخابات لرئاسة الحزب.
أضف إلى هذا، أنه من أصل 19 نائبا يضاف إليهم باراك (فهو وزير وليس نائبا في الكنيست) هناك أربعة نواب فقط يطالبون باراك بالاستقالة، وهما: أوفير بينيس والسكرتير العام للحزب إيتان كابل، وداني ياتوم وشيلي يحيموفيتش، وعداهم فإن الجميع يريدون البقاء في الحكومة، والأسباب لذلك واضحة، فما ينتظر حزب "العمل" في انتخابات مبكرة، هو الحفاظ على نفس القوة البرلمانية والانتقال إلى مقاعد المعارضة.
ائتلاف هزيل قد تنتظره عواصف
بعد انسحاب حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة المتطرف أفيغدور ليبرمان من الحكومة، في منتصف الشهر الماضي، فإن الائتلاف الحاكم يسيطر الآن على 67 نائبا من أصل 120 نائبا، وهو فارق ضعيف، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن قسما كبيرا من نواب الائتلاف هم وزراء، ويحكمهم جدول أعمالهم بالتغيب عن الجلسات البرلمانية مما يجعل الفارق بين الائتلاف والمعارضة يتقلص.
وهذا الحال الذي شهدناه في كل دوره برلمانية سيزيد من حالة التوتر في العمل البرلماني اليومي، ولربما يعيد له بريقه الذي اختفى بفعل الائتلاف الذي حاز على ثلثي مقاعد البرلمان، وأضعف وزن المعارضة المنقسمة أصلا، بين يمين متطرف، وكتل ناشطة بين الجمهور الفلسطيني في إسرائيل، ومعها كتلة ميرتس اليسارية.
هذا الأمر سيضع أمام أولمرت عقبات من نوع جديد، لأن أولمرت يعرف الآن أن مصير حكومته مرتبط ليس فقط بكل واحدة من الكتل الأربع، بل أيضا بكل مجموعة صغيرة من النواب، إذا ما قررت التمرد في واحد من الملفات المطروحة على جدول الأعمال.
أضف إلى هذا أن الكتل الثلاث، "العمل" و"شاس" و"المتقاعدون"، ستعيد ترتيب أوراقها وتطرح من جديد مطالبها الآنية، وبالأساس المدنية، التي ستحتاج إلى صرف ميزانيات ضخمة، مثل تعديل جديد لمخصصات المسنين، وهو مطلب في حال تحقيقه، أو تحقيق جزء منه، سيعيد الوحدة لهذه الكتلة الأخيرة التي تشهد شرخا.
كذلك فإن لدى كتلة "شاس"، التي أعلنت أن ملف القدس في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني يعتبر من ناحيتها خطا أحمر، هي الأخرى، مطالب هامة بالنسبة لجمهورها، مثل زيادة مخصصات الأولاد التي تدفعها مؤسسة الضمان الاجتماعي لكل ولد دون سن الثامنة عشرة، وهو المطلب الذي سنأتي عليه مرة أخرى هنا، وهذا إلى جانب مطالب أخرى مثل زيادة ميزانيات المعاهد الدينية الأصولية.
أما حزب "العمل" فإنه سيطالب بمردود سياسي يثبت أنه يتمتع بوزن سياسي قادر على التغيير في ظل الحكومة الحالية، سعيا منه إلى تغيير صورته المتدهورة باستمرار في الشارع الإسرائيلي، وعدم قدرته على النهوض من جديد، منذ أكثر من عشرة أعوام.
وكل هذا سيتطلب من أولمرت إما ميزانيات ليست متوفرة في الإطار القائم للميزانية العامة، أو إتباع سياسة لا تحظى بأغلبية في ائتلافه الحاكم، ولهذا فإنه منذ الآن سيبدأ أولمرت بمواجهة ضغوط داخلية من نوع آخر.
فرص توسيع الائتلاف الحكومي
أمام وضعية كهذه فإن أولمرت سيسعى إلى توسيع ائتلافه الحكومي، وعمليا لن يكون أمامه سوى مسار واحد، وقد يكون وحيدا، وهو في اتجاه الكتلة الدينية الأصولية الثانية، يهدوت هتوراة، أو بعض منها، لكونها تتشكل من كتلتين وفيها أكثر من ثلاثة تيارات دينية بين اليهود الاشكناز.
والثمن الأولي لضم هذه الكتلة يكمن في زيادة مخصصات الأولاد، وهي الفاتورة الأكبر التي ستحتاج إلى ما لا يقل عن 225 مليون دولار سنويا، إضافة إلى مطالب مالية أقل كلفة، وقد يكون أولمرت على استعداد لدفع ثمن كهذا، خاصة وأن كتلة "شاس" لديها نفس المطلب، وهناك أصوات داعمة له في كتلة حزب "العمل".
إلا أن هذا لا يعني أن المهمة سهلة، لأن الإطار العام للميزانية الحالية، الذي حدده وقيده مسؤولو وزارة المالية، لا يتحمل فاتورة كهذه، ستدفع سنويا وعلى مدار السنوات القادمة.
من جهة أخرى فإن أمام أولمرت فرصة المناورة مع هذه الكتلة، بمعنى جعلها محايدة، كما كان حالها بعد الانتخابات البرلمانية السابقة وحتى دخول حزب يسرائيل بيتينو بزعامة أفيغدور ليبرمان إلى الحكومة، إذ تم إسناد منصب رئيس اللجنة المالية البرلمانية، وهي أهم لجنة برلمانية كونها وحدها لديها صلاحيات، لأحد نواب الكتلة، رغم أن هذا المنصب يسيطر عليه الائتلاف عادة.
ويجري الحديث الآن على إعادة التجربة، وهذا ما سيتأكد في الأيام القادمة.
من جهة أخرى فإن أولمرت لن يكون بمقدوره إعادة ليبرمان إلى حكومته، ويجمع المحللون على أن ليبرمان قد يكون "نادما" على خطوته بالإسراع في الخروج من الحكومة، فهو زعم أن سبب خروجه هو بدء مفاوضات الحل النهائي مع الجانب الفلسطيني، ولم يستطع إقناع أي جهة في الرأي العام الإسرائيلي، ولا حتى زملاءه في الحزب، بهذا السبب، كون هذه المفاوضات لم تبدأ فعلا، وحتى وإن بدأت فلا أحد يتوقع لها تقدما جديا وفق الظروف الحالية.
ولكن ليبرمان قرأ مستقبل الخارطة السياسية بصورة مخطوءة، إذ اعتقد أن حكومة أولمرت ساقطة لا محالة بعد تقرير فينوغراد، ولهذا أراد استباق الأمور ليعلن أن انسحابه من الحكومة لأسباب سياسية مصيرية ويمينية وليس بسبب فينوغراد، في محاولة لإقناع جمهور مصوتيه من المستوطنين.
ولهذا فإن ليبرمان لا يستطيع إيجاد ما يبرر عودته إلى الحكومة مما سيبقيه في صفوف المعارضة بعيدا عن الأضواء التي يسعى للبقاء أمامها.
كذلك فإنه ليس بإمكان أولمرت التحالف مع حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني، الذي يحتل خمسة نواب، وهذا لعدة أسباب، أهمها أن كتلة "شاس" الدينية لن تحتمل شراكة كهذه، تزيد من المنسوب اليساري في الحكومة، وأيضا لأن هناك بين نواب الكتلة من يلح على مطلب استقالة أولمرت بعد تقرير فينوغراد.
أجندة جديدة لأولمرت؟
في هذه المرحلة الجديدة سيحاول أولمرت، على ما يبدو، الخروج بأجندة جديدة موجهة بالأساس إلى الساحة الداخلية الإسرائيلية، أي تتعلق بالشؤون الحياتية والمدنية، وبعيدة عن كل ما من شأنه أن يشكل ضغطا على استمرار استقرار حكومته مثل العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني، على أمل أن يغير صورته ويستعيد شعبيته في الشارع الإسرائيلي، ومحاولا تأجيل انتخابات برلمانية مبكرة بقدر ما يمكن.