كيف تناولت الصحافة البريطانية جولة بوش

تحليل أخباري

كتب أحمد سيف:

ماذا حققت جولة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المنطقة؟- هذا السؤال حاز على اهتمام كبار معلقي الصحف البريطانية، ليس فقط لأن بريطانيا كانت شريكا رئيسا لواشنطن في سياستها تجاه العراق والشرق الأوسط، الأهم من ذلك الرغبة الحقة في عهد رئيس الوزراء الجديد، جولدن براون، في رؤية  هذا التحالف وهو يحقق إنجازا على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية، والتقليل ما أمكن من المضاعفات السيئة على مصالح بريطانيا الشرق أوسطية، في وقت يلاحظ فيه  تصاعد التوتر في المنطقة الى درجات مقلقة. ويترافق ذلك مع أزمات اقتصادية تعصف بقطاعي المال والطاقة على جانبي الأطلسي ونجاح دول أخرى في الإتحاد الأوروبي، خاصة جارتها المنافسة فرنسا، في الحصول على عقود مالية ضخمة ومشاريع استثمار حديثة ذات أبعاد إستراتيجية تمتد من المحيط الى الخليج ولا يغفل أهميتها صناع السياسة في  داونينغ ستريت 10 .

 

 

صحيفة "الفايننشال تايمز" اللندنية، وهي أهم صحيفة للعاملين في التجارة والاستثمار ومرجع رئيس لصانعي القرار، ترى أن "زيارة بوش المكثفة الى الشرق الأوسط قد أوضحت تماما التغيرات الأخيرة في السياسات الخارجية الأميركية تجاه المنطقة والتي جرت مؤخرا". خلال الأشهر الأخيرة- تقول الصحيفة- كان بوش مُراقبا ممن يسمون بالمحافظين الجدد الذين سعوا الى تطبيق الديمقراطية في العالم العربي ولكنهم أغفلوا جهود السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. لقد تغير الاتجاه، لكن الشكوك تتراكم حول ما الذي يمكن أن يحققه الرئيس بوش في السنة الأخيرة من حكمه، تقول الصحيفة. وهي  تلاحظ ما قاله الرئيس الأميركي خلال تواجده خاصة في رام الله عن "وجوب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ سنة 1967" وعزمه العودة الى المنطقة في أيار المقبل لمتابعة تنفيذ هذه الأهداف، "وهذا أمر سيتبين مدى جديته، خاصة لجهة إقناع إسرائيل في التخلي عن المستوطنات في الضفة الغربية". وتشير الصحيفة في السياق الى تغيير  في سياسات واشنطن خاصة تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين وتعتبر حديثه عن إنهاء الاحتلال "تكرارا لما جاء في خطابه سنة 2002 وتناول فيه قضايا المنطقة...".

من القضايا القليلة التي تشير الصحيفة الى نوع من الخلاف حولها بين واشنطن وتل أبيب، قضية إصرار أولمرت على أن تكون غزة "جزءا من الصفقة"، في حين تتفهم واشنطن رأي الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه يمكن توفير دعم الشارع الفلسطيني عبر استفتاء الفلسطينيين في غزة والضفة على اتفاق يتم التوصل إليه.

تحذر الصحيفة من هامش المناورة ومحدوديتها لدى الرئيس بوش ولدى حزبه الذي يواجه استحقاق انتخاب خليفة له على رأس الحزب الجمهوري، لكنها ترى من زاوية أخرى أن "تصميم بوش وجهده الحقيقي لتحقيق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل هو الطريق الوحيد لإبقاء نفسه  تحت الأضواء".

ينقل مراسل الصحيفة عن المبعوث الأميركي السابق دينيس روس تصوره حول عدم إمكانية التقدم في عملية السلام بدون تغيير رؤية الطرفين وإزالة الشكوك والتأكيد أن السلام يحتاج الى تغيير جذري في  نظرة الإسرائيليين والفلسطينيين وأنه ما زال عند وجهة نظره هذه، الأمر الذي لا يأخذ به المراسل وهو يشير الى تفاقم الأزمة، حتى قبل "مغادرة بوش المنطقة بعد التوتر في غزة والضفة وسقوط عدد كبير من الضحايا  بينهم سقوط نجل آخر للقيادي في حماس محمود الزهار". هذا إضافة الى تصدع التحالف الذي يقوده أولمرت بعد انسحاب حزب "إسرائيل بيتنا" .

 

هذ الوضع يقود المراسل الدبلوماسي للصحيفة الى التقليل من أهمية "التفاؤل المفرط" للرئيس بوش الذي كان عليه "ربما أن يبقى متفائلا... وفي النتيجة قد يجادل المرء بأن الرئيس لم يبذل جهدا كافيا ولكن من ناحية ثانية يمكن القول إنه لم يتسبب بالأذى وإنه كان فقط يقوم بمهمته. إنه لأمر لا يصدق أن يبدأ الرئيس بوش الآن في التعرف على المنطقة التي تأثرت كثيرا بسياساته، ولكن ذلك أفضل من لا شيء حتى وإن كان ذلك في اللحظات الأخيرة"- كما يقول المحرر الدبلوماسي، الذي يختتم تغطيته لجولة الرئيس بوش عبر مرافقته له طوال أيام الرحلة الثمانية- وهي الجولة الرابعة له وآخرها كان مع رئيس الوزراء السابق طوني بلير-  بقول للأديب صمويل بيكت: "لا أستطيع أن أواصل... بإمكانك أنت أن تواصل، أنا سأواصل".  وهكذا تتواصل الدائرة ..."آمال كبيرة في البداية، نتائج متواضعة يتبعها انفجار العنف في اليوم التالي... وكما يحدث في كل مرة، ولن يكون الفشل مميزا ومقتصرا على الرئيس بوش، عليك أن تحاول، هذا مع أنك غالبا ما ستفشل".

 

الانتظار حتى... 2016

 

 

صحيفة "الغارديان" التي تهتم عادة بالشأن الإسرائيلي الفلسطيني- رغم أنه انحسر في السنوات الأخيرة- وتستضيف صفحاتها آراء متعددة من طرفي الصراع، رأت بدورها ان الرئيس بوش يعلن "تفاؤله وهو يعود من جولة استمرت ثمانية أيام ولكن غير الهدايا السخية من ملوك وأمراء الخليج، يمكنه وبدون شك التأكد من أن سياساته  في الشرق الأوسط- باستثناء إسرائيل- غير مقبولة وغير ناجحة كما يظهر انفجار الأوضاع في غزة وما تشير إلية تصريحات إيهود أولمرت عن عملية سلام نظرية وفي الخيال وليس عملية سلام حقيقية". تضيف الصحيفة القول "إن دول المنطقة  كانت أقل مفاجأة من الولايات المتحدة وهي ترى تصاعد التدهور  في المنطقة خاصة منذ عقد مؤتمر أنابوليس في تشرين الثاني الماضي، وهي المحاولة المتأخرة والإقرار المتأخر بوجوب عمل شيء في الشرق الأوسط بعد سبع سنوات من ترك الصراع يتفاقم".  بحسب الصحيفة فإن عدم التقدم الفعلي على الأرض جعل من الصعب على بوش الضغط على العرب لتطبيع علاقاتهم مع إسرائيل. ولاحظت الصحيفة باهتمام تصريحات الرئيس بوش حول إزالة احتلال سنة 1967 وكذلك مطالبته بإنهاء التوسع الاستيطاني وللفلسطينيين بمواجهة الإرهاب وحديثه عن حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عبر تعويضهم وتوفير فرصة لهم بالعيش في دولة فلسطينية مستقبلا.

اعتبرت الصحيفة "موافقة بوش عل مبدأ تعديل الحدود بين دولة فلسطين وإسرائيل عبر اتفاق الطرفين إقرارا لإسرائيل بإمكانية الاحتفاظ بعدد من التجمعات الاستيطانية الكبيرة في الضفة وبما يتوافق مع رسالته الى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أريئيل شارون".

الصحيفة لاحظت من ناحية ثانية أن تأكيد الرئيس بوش في نفس الرحلة على "تواصل الدولة الفلسطينية، التي لن تكون ناجحة إذا ما كانت ستشبه قطعة جبن سويسرية". حسنا .. أيهما؟ يتساءل المحرر السياسي للصحيفة ويقول إما "الوقائع الجديدة" أو "الجبنة الفرنسية". ولكن لا يمكن اختيار كليهما.

 في الموقف من القدس اعتبرت الصحيفة أن موقف الرئيس بوش غامض في حين تميز إسرائيل بين المستوطنات في الضفة وبين "الأراضي المتنازع عليها مع الفلسطينيين في حدود منطقه القدس العظمى". وتستبعد الصحيفة ممارسة واشنطن ضغوطًا على إسرائيل بسبب سياساتها الاستيطانية وتقول إن اولمرت أشاد بالرئيس بوش بكونه "الرئيس الأميركي الوحيد الذي تكلم عن اتفاق يستند الى حدود سنة 1967 مع إضافات ومثل هذا يعتبر انجازا مدهشا لإسرائيل". مجددا يتساءل المحرر عن الخيار المطروح وما يحتويه من تناقض "أهي المستوطنات التي يجب تفكيكها وإزالتها أم الإضافات التي سيحتفظ بها ويتم تبادلها؟"

وتعتبر الصحيفة أن "عبارات مثل هذه تفرغ المفاوضات التي بالكاد بدأت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي". ينطبق الأمر- تضيف الصحيفة- على تناول الرئيس بوش قضية اللاجئين الفلسطينيين "تعويضهم ومنحهم الفرصة للعيش في دولة فلسطينية"، هذا عمليًا يلغي حق العودة الى الأرض المسماة الآن إسرائيل، هذا الحق الذي يعتبر ركنا أساسيا في مطالبات أجيال من الفلسطينيين.

 

هل على الفلسطينيين والإسرائيليين الانتظار طويلا؟ تسأل الصحيفة وتقول "ربما وحتى العام 2016 عندما لا يكون الرئيس أوباما أو كلينتون عرضة للضغوط ويقومان بمواجهة العناد الإسرائيلي والإصرار على تقديم إسرائيل للتنازلات...".

هناك الآن فرصة نادرة- تقول الصحيفة مضيفة "إن الحاجة الى التحرك العاجل لم يكن أكثر إلحاحا مما هو في اللحظة الراهنة". 

 

التغير الآخر الذي تلاحظه وتجمع عليه وسائل الإعلام هنا، تمثل في تجاهل الرئيس بوش لمطالباته السابقة في تطبيق الديمقراطية في العالم العربي.

 

في سنة 2005 تكلم بوش عن الحاجة الى دعم الديمقراطية في كل بلد ولكنه في جولته الحالية امتنع عن توجيه النقد الى أي دولة عربية "وهذا تغيير براغماتي- تقول "الفايننشال تايمز"- من قبل الرئيس بوش الذي يريد من دول الخليج أن تنضم اليه في سياساته لعزل طهران التي تشن بدورها هجوما إيرانيا حادا وهو بدون شك لا يريد إغضاب الحكام الخليجيين عبر حديثه عن الديمقراطية".

 

"الغارديان" بدورها تشكك في نتائج الزيارة إزاء محاولة تشكيل حلف ضد إيران وتشير الى الشكوك في مواقف الدول الخليجية خاصة خشيتها من صفقه تحاك بين واشنطن وطهران على حساب تقسيم العراق ونشر الفوضى في بعض دول الخليج مثل الكويت والبحرين وشرق السعودية، حيث تقيم الجالية الشيعية على مقربة من المناطق الغنية بالنفط.

 

صحيفة "التايمز" المقربة من المحافظين اعتبرت أيضا أن الرئيس فشل في تحقيق المسألة المركزية في جولته، وهي إقناع  الدول الخلًيجية بمواجهة إيران. وعلى الرغم من شكوك هذه الدول بأطماع إيران في المنطقة، فإنها تشكك كذلك في تقديرات واشنطن لقدرات إيران النووية.

 

 

(لندن)