كتب حلمي موسى:
واصلت القيادة الإسرائيلية التزامها جانب الصمت المدوي إزاء انتهاك الأجواء السورية في وقت بالغ الحساسية والتوتر. بل إن رئيس الحكومة إيهود أولمرت أمر وزراءه بالمحافظة على أقصى درجات الصمت في كل ما يتعلق بالتوتر القائم مع سورية. ولم يجد يوم أمس (9/9/2007) في مستهل الجلسة الأسبوعية للحكومة سوى تقديم الشكر لأجهزة الأمن الإسرائيلية على ما تقوم به من جهد ضد "قادة الإرهاب ومنفذيه".
ورغم أن الكثيرين فهموا من كلامه هذا أنه يقصد الجهد الأمني والعسكري الذي تبذله إسرائيل ضد مطلقي الصواريخ وتشكيلات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، إلا أن البعض آثر أن ينال من ذلك تلميحاً إلى الاختراق الجوي. وركّز هؤلاء على وجه الخصوص على قول أولمرت: "تقديري لرجال الجيش وقادته الذين ينفذون عمليات شجاعة غير اعتيادية، لا تتوقف ولو للحظة واحدة، وهي عمليات ليس بالوسع دائماً كشف أوراقها أمام الجمهور".
غير أن ما بدا، يوم أمس، هو أن أولمرت لم يكشف أوراقه حتى أمام أعضاء الحكومة. حيث أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن وزير الدفاع إيهود باراك لم يقدم كالعادة تقريراً أمنياً وتم الاكتفاء بتقرير يقدمه رئيس الشاباك. وجرت الإشارة إلى أن جدول الأعمال هذا كان مقرراً سلفاً ولم يتغير بفعل ما حدث في الأجواء السورية. والأهم أن وسائل الإعلام أشارت إلى جهد واضح بذلته رئاسة الأركان لإبعاد الصحافيين عن الوزراء. بل إن قولاً عديم القيمة من جانب الوزير العربي الوحيد في الحكومة الإسرائيلية غالب المجادلة حول عدم الخشية مما جرى، لأنه أمر روتيني أثار درجة كبيرة من السخط في الحلبة السياسية.
ومع ذلك يمكن القول إنه يبدو أكثر من أي وقت مضى أن إسرائيل تريد أن يكون الصمت أكثر دوياً من الكلام. وهذا هو طابع الرسالة التي صاغها الجيش ووافقت عليها الحكومة الإسرائيلية "بصمتها" وصدقتها الإدارة الأميركية أيضاً. وفي ذلك ما يدفع للاعتقاد بأن إسرائيل والولايات المتحدة تريدان لهذا الصمت أن يلعب دوراً في اللعبة السياسية مقابل سورية، حتى لو لم يكن ذلك أصلاً نتاج تخطيط مسبق.
وكان دوي الصمت الإسرائيلي إزاء انتهاك الأجواء السورية قد بدأ عملياً بتجنب أولمرت أية إشارة لسورية في خطابه أمام حفل كديما بمناسبة رأس السنة العبرية، يوم الخميس الفائت.
وقد أعطى أولمرت تعليماته للوزراء بالامتناع عن التحدث إلى الصحافيين بشأن الموضوع السوري عموماً، وبخصوص الاختراق الجوي تحديداً. وشدد ناطقون باسم الحكومة الإسرائيلية على أنه ليس لدى أعضائها ما يضيفونه إلى بلاغ الناطق بلسان الجيش الذي أعلن أنه ليست من عادته التعليق على بيانات كهذه.
ورغم أن بعض المسؤولين الإسرائيليين أوحوا بأن الصمت يهدف إلى تجنب التصعيد، وأن الكثير من رسائل الطمأنة تم تبادلها عبر أطراف ثالثة، إلا أن الصمت زاد من التصعيد. وهذا ما أفسح المجال لتخمينات كبيرة لا تتعلق فقط بما جرى وإنما بما سوف يجري. فقد ترددت شائعات عن تجنيد قوات احتياطية في الجيش السوري وهو ما تفحصه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن قرب. وترددت شائعات حول احتمال أن تكون لما جرى صلة بـ"تهريب" جزء من المشروع النووي الكوري الشمالي إلى إيران عبر سورية.
وفي كل الأحوال فإن الصمت لم يسهم في تجنب التصعيد، إلا إذا كانت القيادة الإسرائيلية ترى أن التصعيد غير المرغوب فيه هو اهتمام وسائل الإعلام الدولية بالأمر، وليس ما يجري فعلاً على الأرض. ومن شبه المؤكد أن استمرار هذه الشائعات، خصوصاً في ظل تقارير حول احتجاج تركيا على انتهاك الطائرات الإسرائيلية لأجوائها من دون إذن والعثور على خزانات الوقود الإضافية لهذه الطائرات. وكانت الصحافة التركية قد أشارت إلى أن الخزانات تعود كما يبدو لطائرات إف 15 القادرة على تنفيذ مهمات إستراتيجية في أماكن بعيدة.
ومن المعلوم أن أحد التقديرات لأسباب الانتهاك الجوي الإسرائيلي للعمق السوري هو التدرب على أو اختيار مسار ملائم للطيران الإسرائيلي للضرب أو للمشاركة في قصف منشآت إيرانية.
وقد كتب المراسل السياسي لـ"هآرتس"، ألوف بن، أن الصمت الرسمي الإسرائيلي حيال ما جرى في سورية يوحي بثقة القيادة الإسرائيلية بنفسها. وأشار إلى أن الاعتبارات الأمنية تبدو في نظر أولمرت ووزير دفاعه إيهود باراك أكبر من محاولة الإفادة الإعلامية مما حدث. ولاحظ أن أولمرت وباراك أرادا "إثبات زعامتهما عن طريق الصمت". وعرض بن سيناريوهين لاحتمالات انتهاء التوتر القائم: التورط .وأوضح بن أن أحداً لن يتهم أولمرت بالتسرع لو حدث الصدام، لأنه هذه المرة أجرى للجيش التدريبات اللازمة من ناحية، واستكشف عبر قنوات تركية مثلاً فرص السلام مع سورية. كما تم إعداد الجمهور الإسرائيلي طوال شهور لاحتمالات الصدام مع سورية مما يظهر الفارق بين ذلك وما جرى في حرب لبنان الثانية.
أما السيناريو الثاني فهو أكثر فائدة لأولمرت وهو هبوط الدولتين عن شجرة التصعيد العالية. ولهذا السبب يرى بن أن الصمت مجز لأولمرت وباراك على حد سواء. ولا يقل أهمية أن "الرجلين يزيدان أسهمهما في الاستطلاعات. والأهم أن المزاج القومي يرتفع. فالإحباط الذي غرق فيه كثير من الإسرائيليين بعد الفشل العسكري في حرب لبنان الثانية يتبدد، ويحتل مكانه إحساس بالأمن، وارتكاز على زعامة وثقة أكبر بمستقبل الدولة". هل هذا صحيح؟