سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

تحليل أخباري

تكثفت في الايام الاخيرة التقارير والتصريحات الاسرائيلية التي تضع اسرائيل في خانة الدول التي تريد "محاربة الارهاب العالمي"، وهذا على ضوء العمليات التفجيرية الارهابية في لندن وشرم الشيخ وما سبقها من عمليات.

 وفي نفس الوقت فإن اسرائيل ترفض الربط بين تلك العمليات والصراع الاسرائيلي الفلسطيني، الى درجة انها اعلنت "انها ليست على خارطة عمليات تنظيم القاعدة"، في محاولة منها لابعاد تهمة كونها احد مسببات الارهاب العالمي.

 

 فما أن وقعت العمليات التفجيرية الارهابية في منطقة شرم الشيخ قبيل فجر يوم السبت الماضي، واتضح حجم الكارثة، حتى راح المحللون الاسرائيليون، ومعهم من يسمون انفسهم بـ"مصادر سياسية"، يجتهدون ليخرجوا إسرائيل وجرائم احتلالها من الأرضية والتربة الخصبة التي تدفع في اتجاه هذه الجرائم، التي باتت تنتشر في كل بقاع الأرض.

ومن تابع جميع وسائل الاعلام الاسرائيلية طوال الايام الماضية من الصعب ان يتحرر من الشعور بأن هناك نوعا من "الفرحة الشامتة" في الشارع الاسرائيلي، وقد ظهر هذا جليا في تعليقات مئات المواطنين في اكبر مواقع الانترنت الاخبارية الاسرائيلية، وحتى "توجّها" مقال لسفير اسرائيل السابق في مصر، تسفي مازال، سنأتي عليه لاحقا.

حتى المحلل السياسي المتخصص في الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسفي بارئيل، ذكر هذه الشماتة في مقاله التحليلية، فقال: هل يوجد إسرائيليون؟ هذا هو السؤال الأول الذي تثيره العمليات الارهابية، إن كانت في لندن، او في شرم الشيخ، وبعد ان يتضح "حجم الضرر الاسرائيلي" (بمعنى عدم وجوده) ينتشر بشكل عام الشعور القومي الدافئ الشبيه بالشماتة، وكنوع من مواساة النفس، مثل "الآن الآن ستبدأ دول العالم وبشكل خاص الدول العربية تتفهم ما تعيشه اسرائيل، الآن سيتوقفون عن ادانة سياسة اسرائيل ويفهمون انه لا يوجد نوعان من الارهاب... كل الارهاب واحد"، كما جاء في المقال المذكور.

قبل يوم من وقوع تلك العمليات القاتلة ظهر تقرير لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (اقرأ عنه في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي")، يقول إن "إسرائيل ليست مستهدفة من قبل تنظيم القاعدة"، وهذا على الرغم من ان المؤسسة الأمنية الاسرائيلية لا تكف عن ذكر ان ثلاثة أو اربع عمليات، من التي وقعت في اسرائيل او تم ضبطها، كان يقف من ورائها تنظيم القاعدة، وفجأة شطبت هذا لتقول استخباراتها العسكرية: "إن اسرائيل موجودة خارج نطاق لعبة الارهاب الدولي، وليست مستهدفة من قبل القاعدة... والجهاد العالمي لا يضع اسرائيل ضمن اولويات الاهداف لتنفيذ عمليات".

وجاء في تقرير الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية ان اسرائيل "تغضب" من ربط العمليات التفجيرية التي تحدث في العالم، مثل مدريد ولندن مؤخرا. ويقول التقرير "إن الاميركان الذين ضبطوا الخارطة الاستراتيجية لتنظيم القاعدة في افغانستان يعرفون الحقيقة، وحسب هذه الخارطة فإن العالم المسيحي تم صبغه باللون الأخضر، إن حربهم الاستنزافية هي ضد العالم المسيحي، واسرائيل ليست موجودة على هذه الخارطة"، كما جاء في التقرير.

بطبيعة الحال فإن الهدف من وراء هذا التقرير هو أمر واحد: محاولة إسرائيل الساعية لإخراجها من حلقة الاسباب الدولية الاساسية التي تنمي ظواهر العنف والتطرف وخلق اجواء اليأس والاحباط والظلم، فاسرائيل لا ترى في احتلالها للاراضي الفلسطينية والتنكيل بشعب بأكمله جريمة بحق الانسانية، وانما هذا "حق لها في ارض اسرائيل الكاملة"، لينسجم هذا مع جهود اسرائيل لوضع نضال الشعب الفلسطيني، من اجل حقوقه المشروعة، في خانة الارهاب ليس إلا، وتعمل جاهدة لاشغال العالم بما تسميه هي "الارهاب الفلسطيني"، وتبعد عن الرأي العام العالمي حقيقة القضية الفلسطينية، ليصبح المطلب الاول هو "وقف الارهاب" بدلا من ازالة الاحتلال.

ونعود الى ما اقتبس من مقال بارئيل، لنلفت النظر الى ان هناك جوا سائدا ومتغلغلا فرضته المؤسسة الاسرائيلية الرسمية في الشارع الاسرائيلي، مفاده ان اسرائيل "تحارب الارهاب الفلسطيني"، وليس ان اسرائيل تحتل ارضا فلسطينية.

وبطبيعة الحال فإن المهمة الاسرائيلية تسهل في الساحة الدولية حين تجد توافقا وانسجاما معها في الادارة الأميركية وبعض الدول التي تدور في فلكها، ولكن ما يساعد هذا اكثر هو قيام جهات دولية، ومنها وسائل اعلام مركزية في العالم، بالخلط بين النضال العادل من اجل زوال الاحتلال وبين الارهاب العالمي، مستغلة خطاب الجهات المنفذة التي تضع القضية الفلسطينية في صلب هذا الخطاب.

إن هذا الخلط يسبب مآسي جمّة للنضال الفلسطيني، وهذا ما يعيه كل فرد فلسطيني يعاني الاحتلال، وكان من الطبيعي ان نقرأ بيانات الاستنكار لعمليات شرم الشيخ من كافة الفصائل الفلسطينية المركزية، من السلطة الفلسطينية وفتح وحماس وغيرها.   

كذلك فإن اسرائيل تستغل النقاش العالمي الذي يخلط ايضا بين الدين والعمليات الارهابية، مستغلة النقمة العالمية على تلك العمليات ونتائجها. ففي مقال ينضح بالسم لسفير اسرائيل السابق في القاهرة، تسفي مازال، نشره في اكبر موقع انترنت اخباري اسرائيلي تابع لصحيفة "يديعوت احرونوت" يوم السبت الاخير، صب كل "غضبه" على الدول العربية والاسلامية معتبرا اياها انها الدفيئة التي تربي التطرف، حتى انه وصل الى حد ادعى فيه ان هذه الدول تربي اطفالها على "استعلاء الاسلام" وشطب الاديان السماوية الأخرى والكراهية اتجاهها.

ليس المقال في مستوى النقاش، كون ان عنصرية الكاتب تفضحه، ففي احد التعليقات على المقال في نفس موقع الانترنت، ذكّره احد القراء بإستعلاء اليهودية من خلال تعابير "شعب الله المختار"، وانكار كافة الاديان وغيرها، لكن المهم في هذا المقال هو التوجه الاسرائيلي الصهيوني منذ عشرات السنوات بجعل الصراع دينيا وليس على اساس قومي، ولا يستطيع الفكر الصهيوني إلا التشبث بالدين في محاولة لاثبات مزاعم "حقه بالأرض والوطن".

كذلك فإن مازال، الذي مكث في السفارة الاسرائيلية في القاهرة لعدة سنوات محاصرا كشخص غير مرغوب فيه، هاجم المحللين المصريين والعرب الذي ربطوا بين العمليات التفجيرية وممارسات الاحتلال الاسرائيلي، وراح مازال "يشرح" زاعما ان "الجهاد العالمي" انطلق من مصر، متهما النظام انه هو الذي نما وربى الاصوليين المتطرفين، وأن الاصولية المتزمتة مترسخة في مصر منذ سنوات الثلاثين من القرن الماضي.

 

إسرائيل تريد المشاركة في "الحرب"!

 

في تقرير الاستخبارات العسكرية المذكور جاء أن هذا الجهاز أعد خطة يتم تطبيقها على مدى ثلاث سنوات، وبعد اتمامها سيكون بامكان المخابرات الاسرائيلية احباط عمليات تنظيم القاعدة والجهاد محليا ومنطقيا وفي العالم، بنسبة تتراوح من 70% الى 90%، وفي صلب هذه الخطة رفع امكانيات اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية في جمع المعلومات في العالم، دون توضيح الاشكال والوسائل، ولكن بناء على تقارير سابقة حول تطور التسلح التكنولوجي الاسرائيلي فإن المقصود ايضا اطلاق اجهزة رصد وتجسس فضائية.

بمعنى أن أجهزة المخابرات العسكرية تقول ان بامكانها ان تلاحق تنظيم القاعدة وعناصره في مناطق أخرى في العالم، وليس فقط في اسرائيل والمنطقة.

ومنذ ساعات صباح يوم السبت الماضي ركزت وسائل الاعلام الاسرائيلية على ان مصر رفضت عرضا اسرائيليا لارسال طواقم انقاذ الى شرم الشيخ، ولاحقا قيل ان مصر رفضت عرضا اسرائيليا للمشاركة في التحقيقات.

إن الاستعلاء الاسرائيلي والزعم بقدرات وتفوق الأجهزة الاسرائيلية على الصعيد العالمي برز في سلسلة من المقالات لكتاب ومحللين اسرائيليين، زعموا ان العمليات في شرم الشيخ تشكل ضربة لجهاز المخابرات المصرية، ومن هؤلاء الكتاب نذكر كبير المحللين العسكريين الاسرائيليين زئيف شيف، والدكتور بوعز غانور المعرّف بأنه "خبير في الارهاب في مركز الدراسات المتعددة- هرتسليا" ومقال تسفي مازال المذكور سابقا، وايضا المحلل بارئيل، وتصريحات لرئيس اللجنة البرلمانية للشؤون الامنية والخارجية عضو الكنيست يوفال شتاينتس.

فيلمّح شيف في مقاله الى ان "مستوى التنسيق بين اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والبريطانية يعتبر جيدا"، وهذا في الوقت الذي "يظهر فيه عدم تنسيق بين اجهزة الاستخبارات المختلفة في اوروبا"، حسب زعم شيف.

الى جانب كل هذا، فقد ابرزت وسائل الاعلام الاسرائيلية تصريحات لرئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق رفيق الحريري، الذي اعلن ان لجنته تلقت معلومات هامة جدا وحيوية من اسرائيل حول عملية الاغتيال.

بكلمات أخرى فإن سعي اسرائيل الى الظهور وكأنها شريكة في "الحرب على الارهاب الدولي"، فيه ايضا رسالة داخلية الى الرأي العام الاسرائيلي لاقناعه بأن دولته ليست دولة محتلة، وانما فقط "تحارب الارهاب الفلسطيني" مثلها مثل أي دولة أخرى.

مهما حاولت إسرائيل الخروج من دائرة مسببات الارهاب فإنها لن تنجح، ولكن المأساة أن إسرائيل تجد من يساعدها في محاولتها هذه في مثل هذه العمليات لتشغل العالم عن القضية الأهم.