سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

وثائق وتقارير

كتب بلال ضاهر:

 تبين من بحث جديد أن وضع العائلات الشابة في إسرائيل والتي يعمل فيها الزوجان قد ساء بشكل غير مسبوق، خلال السنوات الخمس التي سبقت الاحتجاجات الاجتماعية التي عمت إسرائيل في صيف العام الماضي.

 

ووفقا للبحث بعنوان "حال الدولة في العام 2012"، الصادر عن "مركز طاوب"، فإن السبب المركزي في تراجع الوضع الاقتصادي لدى الإسرائيليين هو تآكل ملموس في الأجور إلى جانب ارتفاع غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف تربية وتعليم الأولاد وغلاء السكن.

وأظهر البحث أنه بين السنوات 1995 – 2010 تدهورت حال العائلات الشابة في إسرائيل، التي يبلغ أعمار أربابها ما بين 25 عاما و35 عاما، في سلم الطبقات العشرية، فيما يتعلق بالدخل، بطبقة عشرية واحدة. ولا يشمل هذا المعطى عائلات من الوسطين العربي والحريدي، التي تدهور وضعها بشكل أكبر.

وجاء في البحث أن مميزات ساهمت في الماضي بتحسين مستوى معيشة الشبان من الطبقة الوسطى في إسرائيل، فقدت قسما كبيرا من تأثيرها. والمميزات التي تحدث عنها التقرير هي اللقب الجامعي وعمل الزوجين والسكن في منطقة تل أبيب والانتماء إلى الوسط اليهودي. ولم تعد هذه المميزات تؤثر بشكل إيجابي على الوضع الاقتصادي للعائلات الشابة مثلما كانت الحال في الماضي. وبين المجموعات السكانية في إسرائيل، تحسن دخل المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق فقط.

حال الكهول أفضل

وتطرق البحث، الذي استند إلى استطلاعات الدخل التي ينشرها مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، إلى الدخل الفعلي من العمل، الذي يعاني من الجمود وحتى من الانخفاض منذ العام 2005. فقد سجل دخل العائلات الشابة، قياسا بمجمل العائلات في إسرائيل، انخفاضا حادا أكثر خلال الفترة كلها التي تناولها البحث. ووجد البحث "إشارة واضحة لتآكل أجور الشبان، وخاصة أجور الأكاديميين في منطقة وسط إسرائيل". وأظهرت المعطيات أن متوسط دخل العائلات الشابة بلغ 5917 شيكلا شهريا في العام 2010، وأن دخل نصف العائلات كان أقل من ذلك.

وأشار البحث إلى أن الوضع الاقتصادي للأجيرين الكهول، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 35 – 54 عاما، أفضل بكثير من وضع الأجيرين الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 30 – 35 عاما، وذلك بعد المقارنة بين ارتفاع غلاء المعيشة، الذي تم قياسه بواسطة جدول الغلاء في السنوات 2005 – 2008 مع جدول الغلاء في السنتين 2009 – 2010، وبين التغيرات في أجور المستخدمين في هذه الفترات. وارتفع جدول غلاء المعيشة بين هذه الفترات بنسبة 1ر9% وارتفعت أجور المستخدمين الأكاديميين في منطقة وسط إسرائيل الذين تتراوح أعمارهم ما بين 35 – 54 عاما بنسبة 3ر10%. وفي المقابل فإن أجور الأكاديميين الشبان في وسط إسرائيل الذين تتراوح أعمارهم ما بين 30 – 34 عاما انخفضت بنسبة 2ر2% في الفترة نفسها. وذلك من دون احتساب التراجع في الوضع الاقتصادي نتيجة لارتفاع غلاء المعيشة. وارتفعت أجور الأكاديميين الذين يسكنون خارج منطقة وسط إسرائيل بنسبة 6ر3%، لكن هذا يعني أن هذه الأجور تآكلت عمليا بسبب ارتفاع الأسعار.

ورأى البروفسور ميخائيل شاليف، وهو أحد المشاركين في البحث، أن "الكهول، وعلى الأقل الأكاديميين بينهم، نجحوا أكثر في تجاوز التضخم المالي وحتى أنهم حققوا بعض الأرباح، في الوقت الذي خسر فيه الشبان وتآكلت أجورهم. والشبان بعيدون جدا عن الوصول إلى نسبة الارتفاع الحاصل في جدول غلاء المعيشة".

 

ارتفاع نسبة الشبان في بيوت ذويهم

 

أوضح شاليف أن هناك عدة أسباب أدت إلى تراجع وضع الشبان المتعلمين، وبعض هذه الأسباب متعلق باتساع جهاز التعليم العالي وفتح عدد كبير من الكليات، الأمر الذي أدى إلى زيادة المنافسة في أماكن العمل بين حاملي الشهادات الأكاديمية، في مقابل تدني قيمة الشهادات التي تمنحها الكليات. وأضاف شاليف أن الحصول على شهادة أكاديمية بحد ذاته لا يستجيب بالضرورة مع متطلبات الاقتصاد المتطور.

وقال شاليف إن "احتمال انضمام عائلات شابة إلى الطبقة الوسطى العليا انخفض بشكل حاد بين اليهود المولودين في البلاد، وانخفض بشكل هائل بين الحريديم. وفي موازاة ذلك فإن احتمالات المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق ارتفعت مع مرور السنين".

ورأى شاليف أن أحد أسباب تآكل أجور الشبان الأكاديميين نابع من "تراجع شروط تشغيلهم، خاصة في ظل استخدام مقاولين ثانويين من أجل تنفيذ أعمال ينبغي أن ينفذها أكاديميون، وهذا يتم بالأساس في المجالات التي تخضع لمسؤولية الحكومة". وأضاف أن "الاحتجاجات لم تكن على خلفية اقتصادية فقط. فقد برز جدا أن مجموعات من التي وضعها الاقتصادي متدن بشكل أكبر، العرب والحريديم، لم يشاركوا فيها".

وبرز معطى آخر من البحث الصادر عن "مركز طاوب". وهو أنه في جميع المجموعات السكانية ارتفعت نسبة الشبان حتى سن 35 عاما الذين يسكنون مع والديهم بمعدل 8%. وتفيد المعطيات بأنه في سنوات التسعين سكن 14% من الشبان حتى سن 34 عاما المولودين في إسرائيل في بيت ذويهم، وارتفعت هذه النسبة إلى 19% في العام 2010. وكان لدى 50% من الشبان عائلات مستقلة خارج بيت الوالدين في سنوات التسعين، بينما هذه النسبة انخفضت إلى 39% اليوم. وكان 74% من الشبان العاملين في إسرائيل يملكون شقة بين السنوات 2001 – 2004، وانخفضت هذه النسبة في العام 2010 إلى 62%.

 

الرجال يعملون أقل من النساء

 

وتبين من البحث أن المسار الاجتماعي – الاقتصادي الذي تسير فيه إسرائيل في العقود الثلاثة الأخيرة "مثير للقلق"، ويدل على حدوث تراجع في مستوى الحياة وابتعاد دائم عن الانجازات الاقتصادية التي تستعرضها الدول الغربية المتقدمة. ورغم أن مكانة إسرائيل كانت جيدة لدى حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية، في العام 2008، وتسجيلها نموا اقتصاديا بوتيرة مرتفعة قياسا بالدول التي عانت من هذه الأزمة، لكن مدير "مركز طاوب"، البروفسور دان بن دافيد، شدد على أن هذه صورة جزئية وحسب، ولا تعكس الفجوة المتواصلة في نسب النمو الاقتصادي بين إسرائيل والغرب.

وأشار بن دافيد إلى مجال آخر يظهر تقدما متخيلا وهو مجال التشغيل. ولفت في هذا السياق إلى أن نسبة البطالة المتدنية في إسرائيل قياسا بالدول الغربية، والتي كانت في تشرين الأول الماضي 7ر6%، لا تشمل الذين لا يشاركون في دائرة العمل، مثل النساء العربيات والرجال الحريديم.

رغم ذلك، أشار البحث إلى أنه منذ العام 1980 طرأ ارتفاع متواصل في نسبة تعلم وتشغيل النساء في إسرائيل. ووجد البحث أن نسبة كل جيل من الرجال العاملين أقل من الجيل الذي سبقه، بينما ترتفع نسبة النساء العاملات في كل جيل عن الجيل الذي سبقه. وارتفعت نسبة النساء اليهوديات غير الحريديات من 50% في العام 1980 إلى 80% في العام 2010. كذلك ارتفعت نسبة الحريديات العاملات خلال هذه السنوات من 40% إلى 60%، كما ارتفعت نسبة النساء العربيات العاملات من 5% إلى أكثر من 30%.

وأوضح نائب مدير "مركز طاوب"، البروفيسور إيال كيمحي، أن التفسير الأساس لهذا التطور هو المستوى التعليمي. وقال إن "النساء يملن إلى التعلم أكثر، وهذا تطور يبرز جدا بين النساء العربيات. ونسبة التشغيل بين الرجال الشبان لا تتأثر بمستوى التعليم. ولكن كلما يتقدم سن الرجال، يبرز ميل المتعلمين إلى التسرب بشكل اقل من سوق العمل. وهذه الظاهرة تبرز جدا في الوسط العربي أيضا". وشدد على أن "التعليم العالي بحد ذاته ليس شرطا للنجاح في سوق العمل".

كذلك فإن انتاجية العمل (أي الانتاج خلال ساعة عمل) المتدنية في إسرائيل تفسر التراجع النسبي في مستوى الحياة. فإنتاجية العمل هي السبب الأهم الذي يحرك النمو الاقتصادي، وهو نابع من المستوى التكنولوجي ومستوى التأهيل المهني والتعليم للعاملين ونسبة التشغيل.

وبلغت انتاجية العمل في إسرائيل 8ر33 دولار للساعة في العام 2011، وهذا المعطى وضع إسرائيل في المرتبة 24 بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) البالغ عددها 34 دولة. وللمقارنة، فإن انتاجية العمل في الساعة في النرويج، التي تحتل المرتبة الأولى، هي 5ر81 دولار في الساعة ومتوسط الانتاجية في OECD هو 44 دولار في الساعة.

 

تراجع التعليم

 

كتب بن دافيد في تقرير "حال الدولة في العام 2012" أنه "لو أن إسرائيل حسّنت جهاز التربية والتعليم لديها، لازداد ناتجها القومي 41 مليار شيكل سنويا". وأشار إلى أن تحصيل 52% من التلاميذ في إسرائيل، الذين يتعلمون في المدارس الحكومية والحكومية – الدينية، أدنى من تحصيل التلاميذ في الدول المتطورة. وأضاف أن تحصيل 28% من التلاميذ العرب "أدنى من تحصيل تلاميذ في كثير من دول العالم الثالث".

وعلى أثر الطلب المتزايد في سوق العمل على حاملي الشهادات الجامعية خلال الـ 33 سنة الأخيرة، فقد انخفضت نسبة الرجال العاملين ولا يحملون شهادات جامعية من 90% في سنوات السبعين إلى ما بين 30% - 40% في سنوات الـ 2000.

وأفاد البحث أنه على الرغم من ارتفاع ميزانية وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية في السنوات الخمس الأخيرة، إلا أن الصرف الوطني على التعليم لا يعكس حدوث تغيير ملموس في سلم الأفضليات. ويتوقع أن ترتفع ميزانية التعليم في العام المقبل لتصل إلى 41 مليار شيكل، لكن البحث أكد أن ثمة شكا في ما إذا كان ذلك سيؤثر على مستوى التعليم. وأشار البحث إلى أن التقليصات في ميزانيات التعليم، على مدار الأعوام الماضية، أدى إلى حدوث فجوات كبيرة بين مستوى التعليم في إسرائيل ومستواه في دول OECD.

ووفقا للبحث فإن نسبة الصرف القومي على التعليم، الذي يشمل الإنفاق الحكومي والسلطات المحلية والأهالي قياسا بالناتج القومي، تراجعت باستمرار منذ منتصف سنوات التسعين. كذلك تراجع الإنفاق على التعليم في نسبة الإنفاق العام والشخصي.

كذلك وجد البحث أن الازدحام في الغرف الدراسية في إسرائيل هو الأعلى في الدول الغربية، رغم أن النسبة بين عدد التلاميذ وعدد المعلمين مشابهة لدول OECD. وأوضح الباحثون في "مركز طاوب" أن سبب الازدحام في الغرف المدرسية في إسرائيل نابع من عدد ساعات العمل القليلة للمعلمين في إسرائيل قياسا بالدول المتقدمة.