*التوقعات تشير إلى أنه في العام 2020 ستصل نسبة الشبان المعفيين من الخدمة العسكرية لكونهم حريديم إلى 20%* توقعات بأن تحتل قضية تجنيد الحريديم مكانا مركزيا في المعركة الانتخابية الحالية*
كتب بلال ضاهر:
دلّت معطيات جديدة، تم نشرها الأسبوع الماضي، على ارتفاع نسبة الحريديم، أي اليهود المتزمتين دينيا، الذين صادق الجيش الإسرائيلي على عدم تجنيدهم للجيش بموجب النظام المعروف باسم "توراتهم حرفتهم"، والذي يعني السماح لهم بالدراسة في "الييشيفاه"، أي المعهد الديني اليهودي، بدلا من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية.
ووفقا لهذه المعطيات الجديدة، فإن نسبة الحريديم الذي تلقوا إعفاء من الخدمة العسكرية، بموجب "توراتهم حرفتهم"، بلغت في العام الحالي 8ر13% من بين مجمل الرجال في إسرائيل الملزمين بالتجند للجيش. ويشكل هذا المعطى ارتفاعا بنسبة 8ر0% قياسا بالأعوام الثلاثة الماضية، التي كانت فيها نسبة الإعفاء من الخدمة العسكرية قد توقفت عند 13%. وتشير التوقعات في الجيش الإسرائيلي إلى أن هذه النسبة سترتفع في العام 2013 أيضا، وإلى أنه على ما يبدو سترتفع هذه النسبة أكثر في السنوات المقبلة، لتصل إلى 20% في العام 2020، في حال عدم بلورة نموذج تجنيد جديد يزيد عدد المجندين بين الحريديم (صحيفة "هآرتس" – 31.10.2012).
وبموجب معطيات الجيش الإسرائيلي، فإن نسبة إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية في العام الحالي، تشكل رقما قياسيا غير مسبوق في تاريخ إسرائيل. فقد كانت نسبة الإعفاء هذه 4ر8% في العام 2005، و9ر10% في العام 2008، و13% خلال الأعوام 2009 – 2011.
ويفسر الجيش الإسرائيلي الارتفاع الحالي في نسب الإعفاء هذه بارتفاع الولادة بين الحريديم في بداية سنوات التسعين. وأوضح الناطق العسكري الإسرائيلي أنه "يتوقع حدوث ارتفاع آخر في حجم الذين لا يتجندون على خلفية توراتهم حرفتهم في العام 2013". وأشار إلى أن ارتفاع الإعفاء من التجند بنسبة 1% في العام يعني وجود 500 شاب لا يؤدون الخدمة العسكرية في العام الواحد، وأن هذا معطى يوازي فقدان كتيبة عسكرية نظامية في السنة بالنسبة لقوات الجيش الإسرائيلي.
وكان الجيش الإسرائيلي قد سلم، خلال العام الحالي، معلومات إلى "مركز الأبحاث والمعلومات" التابع للكنيست، تبين منها أن نسبة مجمل الرجال الحاصلين على إعفاء من الخدمة العسكرية في العام 2011 قد بلغت 1ر25%، بينهم 13% بموجب "توراتهم حرفتهم"، و1ر12% لأسباب أخرى، بينها تسريح من الخدمة العسكرية لأسباب صحية وأسباب نفسية. وإذا تم احتساب نسبة التلاميذ الحريديم في صفوف الأول ابتدائي، في بداية العقد الحالي، فإنه يتوقع بموجب نموذج التجنيد المستقبلي للجيش الإسرائيلي، وفي حال عدم اتخاذ إجراءات لزيادة تجنيد الحريديم، أن يحصل 20% من الشبان في سن التجنيد على إعفاء من الخدمة العسكرية بسبب الدراسة في "الييشيفاه".
عدم سن قانون
بديل لـ "قانون طال"
قضية تجنيد الحريديم للجيش كانت أحد الأسباب المركزية لإنهاء ولاية حكومة إسرائيل الحالية، برئاسة بنيامين نتنياهو. ففي شهر أيار الماضي، قررت المحكمة العليا أنه بحلول الأول من شهر آب الماضي ينتهي سريان مفعول "قانون طال"، الذي منح الحريديم امتيازات وإعفاءات في الخدمة العسكرية، وسط معارضة شديدة من جانب الأحزاب الحريدية، وخاصة حزبي شاس و"يهدوت هتوراة"، الشريكين في التحالف الحاكم. وعندما انضم حزب كاديما إلى الحكومة، أعلن نتنياهو ورئيس كديما، شاؤول موفاز، عن أن سن قانون بديل هو أحد أربعة أهداف مركزية لـ "حكومة الوحدة"، التي لم تدُم سوى 70 يوما. وكان تشكيل لجنة خاصة لصياغة قانون بديل، برئاسة عضو الكنيست من كاديما، يوحنان بليسنر، إحدى المحاولات لسن قانون بديل لـ "قانون طال". لكن نتنياهو أفشل هذه اللجنة خوفا من انسحاب الأحزاب الحريدية من حكومته. وكانت النتيجة أن انسحب حزب كاديما من الحكومة على هذه الخلفية.
ويتوقع محللون أن تلعب قضية تجنيد الحريديم للجيش دورا مركزيا في المعركة الانتخابية الإسرائيلية الحالية، خاصة وأن موعد انتهاء سريان "قانون طال" قد مضى من دون سن قانون جديد. وفي المقابل تطالب حركات إسرائيلية، وأنشطة يقوم بها جنود في الخدمة العسكرية الاحتياطية، بفرض "أعباء متساوية" على جميع المواطنين، والمطالبة خصوصا بتجنيد الحريديم.
ونقلت "هآرتس" عن مدير عام "الجمعية من أجل حرية الدين والمساواة"، الحاخام المحامي أوري ريغف، قوله إنه "بعد انتهاء مفعول قانون طال أصبح الوضع الذي لا يتم فيه تجنيد شبان الييشيفوت يشكل انتهاكا جماعيا للقانون. ورغم أن وزارة الدفاع أمرت بإرسال أوامر تجنيد كثيرة جدا لطلاب الييشيفوت، إلا أنه لم يتجند أحد في الواقع. والجيش يحذر مرة تلو الأخرى من أنه إذا لم يتم تجنيد شبان الييشيفوت فإنه لن يكون هناك ما يكفي من الجنود في المستقبل".
العلمانيون هاجموا الحريديم
بدلا من التحاور معهم
أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، في بداية شهر تشرين الأول الماضي، تعليمات للجيش الإسرائيلي بإرسال أوامر للامتثال لمقابلات في مكاتب التجنيد شملت حوالي 15 ألف شاب حريدي تتراوح أعمارهم ما بين 17 - 19 عاما. وأوضحت تقارير صحافية أن الحديث لا يدور على أوامر تجنيد وإنما على إجراءات، ستمتد لمدة عام، لتصنيف هؤلاء الشبان. ونصت تعليمات باراك للجيش على تقديم خطة جديدة لتجنيد الحريديم تأخذ بالحسبان قرار المحكمة العليا بشأن "قانون طال"، واحتياجات الجيش، والمساواة في تحمل الأعباء وملاءمة المجندين الحريديين للخدمة العسكرية.
لكن المحللين الإسرائيليين رأوا في تعليمات باراك، في التوقيت الحالي، أنها مرتبطة بالانتخابات العامة القريبة، التي ستجري في 22 كانون الثاني المقبل. وأشار محللون إلى أن طرح نموذج تجنيد جديد، سيعارضه الحريديم وسيتسبب بمواجهة كلامية مع حزب "عتسماؤوت"، الذي يرأسه باراك، ويصارع على عبور نسبة الحسم.
ورأى دافيد زولدن، وهو كاتب حريدي خدم في الجيش الإسرائيلي، أن باراك حاول في خطته "إحياء حصان ميت". وأشار في مقال في "هآرتس" (15.10.2012) إلى أن الانجاز الكبير الذي حققه الجمهور الحريدي في إسرائيل من خلال إعلان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن تقديم موعد الانتخابات، هو من دون شك إزالة موضوع تجنيدهم عن الأجندة العامة. إذ أنه قبل ثلاثة شهور فقط، كان واضحا للجميع أن الخطوة التي ستشرعن تجنيد الحريديم للجيش هي مسألة وقت وحسب، وها هي بضعة أسابيع قد مرت وتبين كأنه تم حِفظ القضية".
وكانت "لجنة بليسنر"، التي قدمت توصيات لصيغة قانون بديل لـ "قانون طال"، قد أوصت بتجنيد 80% من الحريديم في سن الجندية، في كل عام، للخدمة العسكرية أو المدنية، وفرض غرامة بقيمة 7500 شيكل على كل من يرفض أمر التجنيد، وغرامة بقيمة 75 شيكل لقاء كل يوم لا يمتثل فيه المجند للخدمة العسكرية. كذلك نصت التوصيات على أنه في حال رفض المجند الحريدي تأدية الخدمة العسكرية، فإنه لن يحصل على مخصصات الدراسة في "الييشيفاه" ومخصصات ضمان الدخل، وستلغى مكانته كشاب يدرس في "الييشيفاه" ويلغى حقه في الحصول على معونة الدولة في مجال السكن وقروض الإسكان وضريبة السلطة المحلية.
وكتب زولدن في هذا السياق أن "الحكومة لم توافق على التوصيات، ونشبت أزمة بين نتنياهو وشاؤول موفاز، والنهاية بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، هي تقديم موعد الانتخابات الذي يشكل فشلا مدويا لحزب كاديما ونجاحا ساطعا لحزب الليكود برئاسة نتنياهو، وهذا ليس بالأمر العجيب، إذ أن محاولة تجنيد الحريديم سترتبط بشكل أوتوماتيكي في الذاكرة الجماعية للجمهور بفشل المحادثات بين نتنياهو وموفاز. فدولة إسرائيل تتجه إلى انتخابات من دون حل بديل لقانون طال، والمقاتلون [أي الجنود في الاحتياط الذين يطالبون "بالمساواة في تحمل الأعباء"] الذين قادوا الحملة سيعودون مهزومين من الحملة، بعد تقلص عدد نواب حزب كاديما وانخفاض تأثيره [لأن الاستطلاعات تتوقع انهيار هذا الحزب في الانتخابات]. كذلك فإن قوة باراك السياسية آخذة في التضاؤل".
وشدد الكاتب على أن "التهديد الإيراني والوضع الاقتصادي سيحتلان الصدارة في المعركة الانتخابية، والحكومة المقبلة التي سيشكلها الليكود ستكون الأحزاب الحريدية شريكا طبيعيا فيها، وستهتم بإزالة الموضوع عن الأجندة العامة".
وأضاف زولدن أن "أيدي الجمهور العلماني، الذي أراد أن يرى شبان الييشيفوت يرتدون الزي العسكري، ليست نظيفة". وأشار إلى مقال للمحلل السياسي في "هآرتس"، أري شفيط، في منتصف شهر تموز الماضي، وحذر فيه من أنه "إذا كانت الضغوط التي ستمارس على المجتمع الحريدي مفاجئة ومبالغا فيها، فإنه هذا المجتمع سيعود ويتقوقع داخل نفسه. وإذا كان الشعور في [المدينة الحريدية] بني براك هو أنها تحت القصف، فإنه سترد بحرب شعواء".
ورأى زولدن أن "هذا ما حدث. وبدلا من استغلال الوضع الناشئ [بعد إلغاء "قانون طال"]، والتحاور مع الحريديم ومحاولة التوصل إلى حل متفق عليه، بدأ هجوم إعلامي وعام ضد الجمهور الحريدي والتحريض ضد تهربهم من الخدمة العسكرية، بمشاركة سياسيين أرادوا إرضاء الجموع وكسب تأييد سياسي. وكانت رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، الوحيدة التي لم تشارك في هذه الجوقة، وأدركت أنه من أجل التوصل إلى حل حقيقي يجب إنشاء حوار".
ورأت "هآرتس" في افتتاحيتها، يوم 1 تشرين الثاني الحالي، أن "المتهربين الحقيقيين هم السياسيون. إذ أنه مريح بالنسبة لهم التحدث عن مواضيع خارج نطاق سيطرتهم، ولذلك هي خارج نطاق مسؤوليتهم، والتهرب من الانشغال بمواضيع يمكن التأثير فيها، ومحاسبتهم عليها أيضا. والتجنيد للجميع هو موضوع يجب أن يكون جزءا من برنامج أحزاب المعارضة. وفي هذا الموضوع على هذه الأحزاب أن تهاجم بشكل جدي ومثابر كتلة أحزاب نتنياهو – ليبرمان – الحريديم".
الجيش يخطط لإقامة
وحدات خاصة بالحريديم
ذكرت تقارير إسرائيلية، قبل أسبوعين، أن الجيش الإسرائيلي يخطط لإقامة وحدة خاصة مكونة من الجنود الحريديم، وذلك لأول مرة. وستكون هذه وحدة نخبوية وسيتم ضمها إلى لواء المدرعات ويتم اختيار الجنود فيها من كتيبة "هناحال هحريدي". وهذه الخطة هي إحدى خطط الدرج العسكرية، التي تم إعدادها للتنفيذ في حال تمت المصادقة على توسيع تجنيد الحريديم. ولا يعمل الجيش حاليا على تطبيق الخطة، بانتظار اتخاذ قرار سياسي في الحكومة بشأن تجنيد الحريديم، والتي يتوقع اتخاذه بعد الانتخابات، وذلك في حال تم التداول في موضوع تجنيد الحريديم.
إضافة إلى هذه الوحدة الخاصة، يجري العمل على إقامة كتيبة مشاة مشابهة لكتيبة "هناحال هحريدي"، وسرية حريدية لمواجهة حرب بالأسلحة غير التقليدية، وسرية هندسية، وإقامة وحدة تعمل في إطار سلاح المدفعية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن تطبيق هذه الخطط مرتبط بالوضع القانوني لتجنيد الحريديم وقرارات الحكومة. كذلك فإن تطبيق هذه الخطط مقرون بتكاليف مالية كبيرة جدا، وإقامة بنية تحتية في القواعد العسكرية لكي يكون بالإمكان الفصل بين مواقع مباني النوم للجنود الحريديم وبين المواقع التي تخدم فيها مجندات. كذلك سيكلف تجنيد الحريديم الجيش إعداد الطعام الحلال [الكاشير] بموجب الشريعة اليهودية، ودفع مخصصات مالية للجنود الحريديم، الذي سيكون قسم كبير بينهم متزوجا ولديه أولاد.