بعد ليفني، بيرتس أيضًا يدفع خطة سياسية جديدة

وثائق وتقارير

 *التقرير يصدر تقييما للعامين الحالي والماضي ويتركز في عدة جوانب متعلقة بإسرائيل واليهود في العالم *العالم يلقي مسؤولية جمود العملية السياسية مع الفلسطينيين على إسرائيل *استمرار الاستيطان يعرقل قبول الموقف الإسرائيلي عالميا *الفلسطينيون محبطون من غياب قضيتهم عن سلم أولويات الحلبة الدولية *استمرار الاهتزازات في العالم العربي يعرقل إدارة السياسة الخارجية*

 

  كتب برهوم جرايسي:

 حذر التقرير السنوي لـ "معهد سياسة الشعب اليهودي" التابع للوكالة اليهودية، عن العامين الجاري والماضي، من أن الاهتزازات الكثيرة في الدول العربية، من شأنها أن تغير الكثير من الاستراتيجيات المستقبلية، خاصة على ضوء ما وصفه التقرير بـ "انهيار المحاور الاستراتيجية" مع مصر وتركيا.

 ويصدر التقرير سنويا، منذ العام 2006، تقريرا تقييميا لمختلف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، المرتبطة بإسرائيل أساسا، ولكن أيضا تلك المرتبطة بأبناء الديانة اليهودية في العالم، الذين تعتبرهم الحركة الصهيونية "شعبا يهوديا واحد". ويستعرض التقرير مختلف الأوضاع المرتبطة بالعلاقات بين الأطر اليهودية والصهيونية وإسرائيل، والعلاقة الجدلية بينهما.

وكنا في العدد الماضي من "المشهد الإسرائيلي" قد استعرضنا الجانب الديمغرافي الذي أورده التقرير، وفي هذه المعالجة نتوقف عند أبرز القضايا السياسية التي يستعرضها التقرير، بدءًا من القضية الفلسطينية، ومن ثم تطورات العالم العربي والمنطقة.

 

 القضية الفلسطينية

 يقول التقرير إن انغلاق آفاق الحل السياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يثير السؤال، بشأن احتمالات "اندلاع عنف" في الضفة الغربية، وحسب التقرير "هناك من يدعي أن احتمالات اندلاع عنف كهذا ضعيفة، وهذا لأن للسكان الفلسطينيين سيخسرون الكثير، فلا تزال ملامح التعب من فترة العنف القاسي، الذي كان في الانتفاضة الثانية، بادية، ويتمتع الفلسطينيون بالأمن النسبي وبالتطور الاقتصادي (المرتبط طبعا بقدر كبير بأموال التبرعات التي يتلقونها)".

 

ويتابع التقرير: "إلا أنه يجب عدم تجاهل سيناريوهات أقل تفاؤلا، واحتمال امتداد حالة التمرد في أنحاء العالم العربي إلى مناطق السلطة الفلسطينية. إن الجمهور الفلسطيني وقيادته يشعران بإحباط على ضوء حقيقة أن قضيتهما، مرة أخرى، ليست على رأس اهتمامات العالم العربي. إن الأحداث المثيرة في العالم العربي، والأزمة الاقتصادية العالمية، ومسألة إيران، واليأس من إيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني- كل ذلك يحجب الاهتمام العالمي والعربي بالشأن الفلسطيني".

 

ويقول التقرير "إن هذا الإحباط من شأنه أن يدفع نحو نشاطات عنيفة تعيد الشأن الفلسطيني إلى مركز الاهتمام، واندلاع عنف كهذا كان من الممكن أن يكون على خلفية الاضراب عن الطعام الذي شارك فيه نحو 1600 سجين (أسير فلسطيني)، من 17 نيسان إلى 15 أيار العام 2012".

 

ويضيف التقرير "على خلفية الشلل السياسي، فقد استعد الجيش الإسرائيلي لسيناريو احتجاجات مختلفة، بما في ذلك امكانية مسيرات جماهيرية إلى الحواجز (العسكرية) والطرقات ونحو المستوطنات، وربما إلى القدس، ومسيرات كهذه كان من الممكن بسهولة نسبية أن تتدهور إلى عنف قاس. وحتى أن الفلسطينيين يتلاعبون بفكرة حل السلطة الفلسطينية، "وإعادة المفاتيح"، وإعادة المسؤولية عن إدارة المناطق (الفلسطينية) إلى القوة المحتلة".

 

ويقول التقرير "إن هذه الأفكار تندمج مع بدائل سياسية أخرى يطرحها الفلسطينيون، مثل ترك صيغة حل الدولتين، وتفضيل حل الدولة الواحدة بدلا منها.، وحسب هذا السيناريو، فإن الكفاح الفلسطيني سيشهد تحولا راديكاليا ويتركز أساسا في مساواة الحقوق في البلاد ذاتها، بما في ذلك حق الترشح والانتخاب. ويعتقد الفلسطينيون المؤيدون لهذه الفكرة أن العالم سيكون مصغيا أكثر لاحتجاجاتهم، لأنه وفق منظورهم، فإن الكفاح لن يكون من أجل الاستقلال، وإنما "ضد نظام الأبارتهايد الإسرائيلي" ويقود في نهاية المطاف إلى دولة ثنائية القومية، بين البحر والنهر، التي ستكون فيها أغلبية اسلامية مقابل أقلية يهودية".

 

ويرى التقرير أن "مسار المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية في الحلبة القضائية، وربما حتى الأمنية، سيقود إلى زيادة العبء على إسرائيل في جميع المجالات، ولذا يجب أن نضيف إلى هذا انعكاسات احتمال استقالة (الرئيس) أبو مازن، الذي يتحدث دائما عن انتهاء ولايته، ويكرر تعهده بعدم الترشح في الانتخابات القادمة. إن عمره- 76 عاما- المتقدم، ويأسه من احتمال أن يكون الرئيس الأول لدولة فلسطينية مستقلة، من شأنهما أن يزيدا من عرضه لمواقف متصلبة ومجابهة لإسرائيل والولايات المتحدة، ومن سعيه بقوة للوحدة مع حركة حماس، من أجل ترك ميراث شخصي، كمن لم يتنازل عن مطالب شعبه، وحقق الوحدة المنشودة بين الفصائل".

 

ويضيف التقرير "إن الحلبة الدولية تلقي على إسرائيل المسؤولية عن غياب الدفع نحو حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهذا الواقع يمس بمكانة إسرائيل العالمية، ويدفع نحو عزلها، ويغذي توجهات سحب شرعيتها، وفي هذا المجال فإن مسألة البناء في المستوطنات تستمر في كونها العائق الأكبر أمام القبول بمواقف حكومة إسرائيل".

 

ويقول التقرير "إن الجهات الخارجية التي تلقي على إسرائيل مسؤولية شلل العملية السياسية، تتلقى مساندة من الخلافات الداخلية في إسرائيل حول هذه القضية، وثمة انعكاس فظ بشكل خاص عن هذه الحال، عبّر عنه رئيس "الشاباك" السابق يوفال ديسكين حينما قال: "لا يتحادثون مع الفلسطينيين لأنه لا يوجد شأن لهذه الحكومة بالتحدث مع الفلسطينيين... رئيس الحكومة هذا (نتنياهو) يعرف أنه إذا ما أقدم على خطوة صغيرة إلى الأمام في هذا الشأن، فإن حكمه الذي يرتكز على ائتلافه، سيتفكك ببساطة"، كما أن رئيس الدولة (شمعون بيريس) الذي يتحدث بطريقة أقل فظاظة، يقول إن الرئيس أبو مازن جدي وهو شريك مناسب، وبالتأكيد بالإمكان التوصل معه إلى اتفاق، وهذا خلافا لموقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يقول إن أبو مازن ليس معنيا بالمفاوضات".

 

التطورات في

الدول العربية

 

 

يؤكد التقرير أنه على الرغم من الهزات في العالم العربي التي من شأنها أن تستمر لسنوات، بالإمكان منذ الآن ملاحظة عدة قضايا يجب أخذها بالحسبان لدى بلورة اية سياسة للتعامل مع الغليان الجاري في الشرق الأوسط. ومن هذه القضايا يشير إلى ما يلي:

 

ازدهار الإسلام السياسي: يظهر الإسلام السياسي كالمنتصر الأساس في حركة التمرد العربية، والسؤال المطروح هنا هو: هل دخول الإخوان المسلمين للعبة السياسية في الدول العربية سيؤدي إلى تخفيف حدة مواقفهم، وسيقودون الحكم من خلال ائتلافات مع أحزاب علمانية، أم أننا سنشهد أنظمة ثيوقراطية (دينية) ظلامية؟، وهل سيعمل الإخوان المسلمون على إلغاء اتفاقيات سلام، أم أنهم سيحترمونها، وبهذا يمنحون شرعية دينية لهذه الاتفاقيات، بل وحتى يضغطون على حركة حماس لتلجم مواقفها؟.

ويتابع التقرير: لا توجد لإسرائيل القدرة للتأثير على ازدهار الإسلام السياسي، ولكن هل سيكون بمقدورها أن تقلص حجم العدائية لإسرائيل لدى هذه الأنظمة؟.

 

تعزز قوة الشارع: يُخيّل منذ الآن أن الحكّام في الدول العربية سيكونون ملزمين بأن تكون لهم آذان صاغية اكثر تجاه الشارع ومشاعره، ومن المتوقع أن تنعكس على السياسة الخارجية لهذه الدول العربية، قوة تأثير الجماهير في الشارع، التي تملأها الكراهية لإسرائيل، وترى أهمية لحل القضية الفلسطينية، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل للشعب اليهودي القدرة على لجم حالة العداء لإسرائيل في الشارع العربي؟.

 

الأزمة الاقتصادية المستفحلة: إن الوضع الاقتصادي المتدهور في الدول العربية، يساعد على اندلاع المظاهرات والمواجهات، وهذه الأزمة من شأنها أن تجعل الحكومات العربية تتركز في الشؤون الداخلية، ولكن من الوارد أيضا أن يكون في هذا اغراء لتوجيه حالات الاحباط والغضب "ضد العدو الصهيوني".

 

اندلاع الخلافات الإثنية: إن اهتزاز أنظمة في الدول العربية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية المستفحلة، والشعور بأن الولايات المتحدة تضعف أكثر فأكثر، ولا تطرح أجندة واضحة، من شأن كل هذا أن يشجع على اندلاع صراعات على خلفيات إثنية ودينية.

 

إيران: إن دفع إيران لمشروعها النووي يضع إسرائيل أمام معضلة: هل تخاطر بوضع تكون فيه دولة واقعة تحت سيطرة قيادات دينية أصولية وتعلن أنه لا يوجد لإسرائيل حق في الوجود، وتمتلك سلاح يوم القيامة؟ أم تهاجم مواقع المشروع النووي، وتخاطر بدهورة الأوضاع الأمنية بشكل خطير، وتزيد من جاهزية إيران للحصول على سلاح نووي، والانتقام من إسرائيل، وحتى أيضا من أهداف يهودية في العالم.

 

الولايات المتحدة: على خلفية عملية خروج الولايات المتحدة الأميركية من العراق وأفغانستان، وعدم نجاحها في لجم جهود إيران لامتلاك أسلحة نووية، والفشل في دفع اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني، وشكل ردها على حركات التمرد في العالم العربي، كل هذا أظهر الولايات المتحدة كمترددة، وليست مثابرة، وبطبيعة الحال فإن هذا هو نتاج الأزمة الاقتصادية العميقة في الولايات المتحدة.

 

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إسرائيل قادرة أو من مصلحتها أن تساعد الولايات المتحدة لإصلاح مكانتها في الشرق الأوسط؟، خاصة وأن هناك من يربط بين قوة إسرائيل وقوة الولايات المتحدة بسبب طبيعة العلاقات بينهما.

 

وحسب التقرير، فإنه ومن خلال دفاعها عن إسرائيل من المحتمل أن تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف الأقلية، الذي يزيد من حالة عداء العالم الاسلامي تجاهها، وهذا ما قد يقود إلى تعكير الأجواء بين واشنطن وتل أبيب.

 

ويشير التقرير إلى نجاح الفلسطينيين في الحصول على قرار لضم فلسطين عضوا كاملا في منظمة اليونسكو، واعتبر أن إسرائيل والولايات المتحدة تواجهان حالة عزلة في منظمات الأمم المتحدة، كما جرى في اليونسكو، وقرار مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، لتشكيل لجنة تحقيق في قضية الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

 

تلخيص

 

 

في تلخيص هذا الباب، يقول التقرير "إن العام الأخير غني بالتطورات الجيو- سياسية الهامة، وفي مركزها الاهتزازات الكبيرة في العالم العربي، وسيكون من باب المغامرة أن تتحدد منذ الآن الاستنتاجات الحاسمة بشأن الوجه الجديد للشرق الأوسط، وعلى الرغم من ذلك، فمن الواضح أن إسرائيل والشعب اليهودي عليهما أن يوجها سياستهما وفق الواقع الجديد، إذ باتت تلوح أخطار وتحديات كبيرة وثقيلة".

 

ويضيف: إن عدم الوضوح الذي يميز الحلبة الشرق أوسطية، والذي يندمج مع حالة عدم الوضوح الناشئ من الأزمة الاقتصادية العالمية، وكثرة الجزيئات المتحركة في الحلبة الدولية، يضع عقبات أمام إدارة السياسة الخارجية، خاصة على ضوء أن الفسيفساء الإستراتيجية من شأنها أن تغير ملامحها في المستقبل القريب. وعلى الرغم من أن مسؤولية صمود إسرائيل في وجه التحديات الجيو- سياسية ملقاة على حكومة إسرائيل، فإن على المنظمات اليهودية أن تأخذ قسطا في هذه الجهود، من خلال فهم انعكاسات هذه التحديات على الجاليات اليهودية، مثل المواجهة مع إيران. ويدعو التقرير إلى تحسين أجهزة الإدارة العالمية للجاليات اليهودية وتوجيهها.

 

ويضع التقرير في تلخيصه عدة سيناريوهات قد تواجهها إسرائيل، مثل تدهور الوضع الأمني على عدة جبهات، ليطال هذا التدهور الجبهة الداخلية في إسرائيل، ويشير إلى أن تدهورا كهذا يمكن أن يكون في أعقاب هجوم إسرائيلي أميركي مفترض على إيران.

 

ومن السيناريوهات أيضا، إلحاق الضرر بمكانة إسرائيل العالمية على خلفية غياب تقدم في العملية السياسية مع الفلسطينيين، وتآكل مكانة الولايات المتحدة العالمية، وانهيار محاور استراتيجية كتلك التي كانت قائمة مع مصر وتركيا.

 

كذلك يحذّر من احتمال التدهور الاقتصادي على خلفية تدهور أوضاع أمنية، أو كامتداد لأزمات اقتصادية عالمية مستفحلة.

 

كما يضع التقرير سيناريو إلحاق الضرر بعلاقات إسرائيل بالولايات المتحدة الأميركية، وأساسًا على خلفية تنامي الانطباع بأن إسرائيل "ناكرة للجميل، وأن ثمن الصداقة معها سيكون على شكل تضرر صورة الولايات المتحدة في العالم الاسلامي، وانعزال الولايات المتحدة في أطر دولية وتلقي الانتقادات، وذلك إلى حدّ إلحاق الضرر بالمصالح الوطنية الأميركية، وكل هذا بسبب موقفها الداعم لإسرائيل".