شلومو ساند: "الصهاينة الجدد" اخترعوا "أرض إسرائيل" كمصطلح جيو - سياسي عصري

وثائق وتقارير

يؤذن بيع صحيفة "معاريف" بعهد جديد في عالم الصحافة الإسرائيلية، عهد يأخذ هذه الصحافة نحو اليمين الإسرائيلي، بعيدا عن التعددية والانفتاح، ونحو تكريس وسائل الإعلام لخدمة مصالح مالكيها، سواء كانوا من رجال الأعمال الأثرياء، الذين يشترون صحيفة أو يشاركون في ملكيتها من أجل دفع مصالحهم، أو رجال أعمال من اليمين للترويج لأفكارهم.

 

وهذه التحولات في عالم الصحافة الإسرائيلية ليست جديدة، لكن صفقة بيع "معاريف" تشكل انكسارا لعالم الصحافة الذي كان سائدا، رغم الانتقادات له.

وكانت تسيطر على "معاريف" شركة "أي. دي. بي" (IDB)، التي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي، نوحي دانكنر، وهو واحد من أبرز أثرياء إسرائيل، وكان بحوزته 66% من أسهم الصحيفة، ورجل الأعمال عوفر نمرودي، نجل تاجر الأسلحة الإسرائيلي يعقوب نمرودي، والذي يملك شركة التأمين "هخشَرات هَيِيشوف"، وكان بحوزته 27% من أسهم الصحيفة.

ووقع دانكنر ومحاموه، يوم الخميس الماضي، على صفقة مع رجل الأعمال شلومو بن تسفي، ناشر صحيفة اليمين - الديني المتطرف "مَكور ريشون"، بمبلغ 40 مليون شيكل. وبن تسفي هو مستوطن يسكن في مستوطنة "إفرات"، وهو أحد أبرز أعضاء حركة "قيادة يهودية" برئاسة موشيه فايغلين، والتي تعتبر الجناح اليميني المتطرف في حزب الليكود الحاكم. كذلك فإن بن تسفي يملك 20% من أسهم القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي. وهو شريك في أعمال تجارية، خصوصا في مجال البناء والعقارات، مع رئيس "الكونغرس اليهودي العالمي"، رون لاودر، الذي يؤدي دور مبعوث خاص لرئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إلى زعماء في العالم وبينهم زعماء عرب.

وبموجب الصفقة بين دانكنر وبن تسفي سيحصل الأخير على صحيفة "معاريف" وموقعها الالكتروني nrg ودار النشر التابعة للصحيفة والصحف المحلية الأسبوعية والمجلات التابعة للصحيفة واشتراكات الصحيفة وملكيتها الفكرية.

لكن الصفقة لم تشمل العاملين في الصحيفة، من محررين ومراسلين وكتاب أعمدة ومصممين وموظفين إداريين وموزعين، البالغ عددهم حوالي 1750 شخصا. وبحسب بيان وجهته شركة "معاريف" إلى البورصة الإسرائيلية، تعهد بن تسفي باستيعاب 300 شخص من العاملين في الصحيفة إضافة إلى 100 موظف آخر سيتم استيعابهم وفقا للحاجة.

وتجري في هذه الأثناء مفاوضات بين الإدارة الجديدة للصحيفة وبين مندوبي عمال الطباعة والتوزيع، وعددهم أكثر من ألف شخص، حول استمرار تشغيلهم لمدة نصف عام ولكن لن يكونوا تابعين لبن تسفي.

وتفيد المعطيات حول الوضع المالي لشركة "معاريف" بأن حجم ديون الشركة بلغ 400 مليون شيكل، بينها 5ر95 مليون شيكل هي ديون للعاملين فيها. من الجهة الأخرى فإن قيمة كل ما تمتلكه شركة "معاريف" يُقدر بـ 242 مليون شيكل.

وفي ظل الغموض الذي يكتنف مستقبل العاملين في شركة "معاريف"، وخاصة في كل ما يتعلق بتعويضاتهم ومخصصات تقاعدهم- إذ تبين أن الشركة لم تسدد جميع الدفعات لصناديق التعويضات والتقاعد- تظاهر المئات من العاملين في وسط تل أبيب، يوم الخميس الماضي. واحتج العاملون على عدم إشراكهم في المفاوضات حول بيع الشركة، وعلى فصل غالبيتهم من العمل وطالبوا بالحصول على حقوقهم كاملة، وهو أمر مشكوك فيه، خاصة وأن خزينة الصحيفة تعاني من عجز مالي هائل.

وأعلن العاملون في "معاريف" أنه ولأول مرة منذ تأسيسها، في العام 1948، سيمنعون صدور عدد الصحيفة، اليوم الثلاثاء. وشدد العاملون على أنهم بإجراءاتهم هذه لا يحاربون من أجل استمرار وجود الصحيفة، إذ أن "معاريف" بحلتها الحالية شارفت على نهايتها، وإنما هم يحاربون من أجل حقوقهم، وبضمنها ضمان تلقي راتب شهر أيلول الجاري.

 

"إدارة فاشلة

وعلاقات فاسدة"

 

رأى محرر صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لمجموعة "هآرتس"، غاي رولنيك، في مقال نشره يوم الجمعة الماضي، أن انهيار "معاريف" ليس مرتبطا بتزايد أهمية الانترنت والاتصالات الالكترونية مقابل تراجع الصحافة المطبوعة. وأشار إلى أن خسائر "معاريف"، في بداية العام 2000 وقبل أن يتحول الانترنت إلى وسيلة تسويق مركزية للإعلانات، بلغت 81 مليون شيكل. وأضاف أن "كل من أجرى في السنوات الأخيرة تدقيقا اقتصاديا جديا في ’معاريف’ توصل إلى النتيجة بأن هذه شركة منتهية وستُغلق مع قيمة [اقتصادية] تراوح الصفر أو قيمة سلبية".

وأضاف رولنيك أن "صحافيي ’معاريف’ قرأوا واطلعوا وشاهدوا أيضا إدارة الشركة من الداخل. وكانوا يعرفون أن هذه شركة عفنة. وقسم منهم كان يعلم، ومعظمهم تكهن، بأن استعداد هخشرات هييشوف وبنك هبوعليم ومجموعة أي دي بي لضخ مئات ملايين الشواكل للشركة الفاشلة نابع من أسباب خفية، ليست اقتصادية وبالطبع ليست صحافية".

وشدد رولنيك على أن "انهيار ’معاريف’ ليس قصة حول الانترنت والتكنولوجيا، وإنما حول إدارة فاشلة وعلاقات فاسدة بين صحافة وأعضاء نادي مركزية النظام الاقتصادي في إسرائيل. والأمور الخفية في هذه القصة ما زالت أكثر من تلك المكشوفة. ويخطئ كل من يعتقد أن هذه قصة حول هذه الصحيفة فقط. فالمصالح التي لعبت دورا في الصحيفة مرتبطة بأجزاء أخرى في وسائل الإعلام والجهاز الاقتصادي المركزي الإسرائيلي. فهل كانت هذه صدفة أن قررت مجموعة أي دي بي شراء ’معاريف’ بعد تشكيل لجنة المركزية الاقتصادية، وبعد أن بدأ وزير الاتصالات دفع الإصلاحات [المتعلقة بدخول شركات جديدة] في سوق الهواتف الخليوية؟ وهل كانت مصادفة أن من موّل ’معاريف’ هو البنك المقرب من مجموعة أي دي بي؟".

ودعا رولنيك الصحافيين في إسرائيل إلى "فتح أعينهم والنظر حولهم والتساؤل: هل من الجائز أنه فوق رؤوسهم، في قيادة المحررين والمدراء والمالكين، تجري لعبة مختلفة تماما من المصالح، وأنهم مجرد دمى فيها؟ هل مالك صحيفتهم يرى فيها، حقا، أداة صحافية أم معولا يحفر بواسطته من أجل دفع مصالحه وتقدم أصدقائه؟".

وخلص رولنيك إلى أنه "حتى انهيار ’معاريف’ أراد معظم الصحافيين في إسرائيل أن يصدقوا أن هذا النوع من الصحافة، وهذا النوع من النماذج التجارية، بإمكانه أن يبقى إلى الأبد. أي أن نغض الطرف أو نخدم المصالح الغريبة، وفي المقابل سنتمكن من القيام بما نحبه، وهو الصحافة. وقد تلقى جميعهم صفعة مدوية الآن. هل سيكون هناك تعقل، أم أنه سيستمر كل واحد منهم في التفكير، كما كانت حال صحافيي ’معاريف’ حتى الأسبوع الماضي، بأنهم سيكونون دائما أعضاء في نادي المال - السلطة - الصحافة التركيزي، الذي أدار الدولة حتى قبل سنة خلت ومن دون عائق؟".

 

 

أجندة سياسية

يمينية واضحة

 

وصف سكرتير حركة "السلام الآن"، ياريف أوبنهايمر، في مقال نشره في "هآرتس"، في التاسع من أيلول الحالي، صفقة شراء اليميني بن تسفي "معاريف" بأنها "ليست حبل نجاة لمعاريف، وإنما حبل مشنقة للصحيفة وعامليها".

وأشار أوبنهايمر إلى أن شراء بن تسفي "معاريف" ليس مجرد صفقة اقتصادية، وإنما "ينطوي على دلالات سياسية وصحافية، من شأنها أن تؤثر على خريطة الإعلام كلها. فقد أخذ متمول صحيفة قديمة ومعروفة، لديها اسم في عالم الإعلام الإسرائيلي وباعها لمستثمر يملك صحيفة يمينية - دينية بارزة. وهكذا بين ليلة وضحاها يتحول صحافيون بارزون إلى خدام أجندة سياسية واضحة من صناعة ’مكور ريشون’. وأصحاب ’مكور ريشون’ ليسوا ساذجين ويوجد لديهم أيضا دافع واضح للصفقة، وشلومو بن تسفي وأصدقاؤه يريدون أن يشتروا بسعر منخفض اسم وسمعة ’معاريف’ بصفتها واحدة من أركان الصحافة الإسرائيلية، وتحت غطائها سيملون على الجمهور أيديولوجيا سياسية أحادية الجانب وذات طابع يميني - ديني. وإذا ما عملوا بحكمة، فإن التغيير لن يحدث في لحظة واحدة وروح القائد ستتغلغل إلى الصحافيين الذين سيتم إبقاؤهم في الصحيفة بصورة بطيئة وتدريجية".

وبعد فصل معظم العاملين من عملهم في "معاريف"، رأى أوبنهايمر أن "العاملين الذين سيبقون في الصحيفة سيضطرون إلى العمل والكتابة ’بحرية’ فيما سيف الفصل من العمل مصلت على رقابهم. وتحويل ’معاريف’ إلى ذراع إعلامية للصهيونية الدينية لن ينقذ رزق أغلبية العاملين، ولذلك فإنه لا يبرر الإفلاس الصحافي لواحدة من الماركات التجارية القوية في الحياة العامة الإسرائيلية".

ولفت أوبنهايمر إلى أن "معاريف لم تثر اهتمام نوحي دانكنر أبدا. ودوافع شرائه الصحيفة كانت اقتصادية منذ البداية، من أجل دفع أعماله ومحاربة وسائل إعلام أخرى تغطي علاقاته وعلاقات مجموعة أي دي بي مع السلطة. ومنذ أن توقفت الصحيفة عن تأدية هذا الدور لأصحابها، سعى دانكنر إلى التخلص منها بأسرع ما يمكن وبيع الصحيفة لكل من يدفع ثمنا أعلى، ومن دون التفكير في دوافع المشتري ومستقبل الصحيفة".

ورأى الكاتب أن "بيع معاريف إلى مجموعة لديها مصالح واضحة، وتملك صحيفة ذات توجهات واضحة وأحادية الجانب، أسوأ من إغلاق معاريف بشكل كامل. وقد وافق دانكنر على بيع صحيفة لديها اسم وتراث صحافة حرة لكل من يدفع ثمنا أعلى، وتجاهل بشكل ظاهر دوافع المشتري الواضحة، والتي هدفها تحويل معاريف إلى بوق يمثل وجهة نظر أحادية الجانب ويتم التعبير عنها اليوم من خلال صحيفة ’مكور ريشون’".

وأضاف أوبنهايمر أنه "تعين على دانكنر أن يبحث على ضوء الشموع عن مشتر آخر، يحافظ على العاملين في الصحيفة وليس فقط في المجال المالي وإنما في المجال المهني أيضا، ويضمن ألا تكون استمرارية معاريف على الورق فقط وإنما بالمضمون التعددي والحر بقدر الإمكان. وإلى حين العثور على مشتر من هذا النوع، كان بإمكانه اتخاذ خطوات نجاعة وإجراء تغييرات مطلوبة على ضوء التحولات التي يمر بها عالم الصحافة المطبوعة. فمتمول يسيطر على أملاك كثيرة بهذا الشكل ولديه تأثير كبير جدا على كل مواطن إسرائيلي، عليه أن يتحلى بمسؤولية عامة والتعامل مع خيار شراء وبيع صحيفة بصورة تحترم مهنة الصحافة وليس بنظرة ربح وخسارة".

وخلص أوبنهايمر إلى أن "بيع معاريف إلى جماعة ’مكور ريشون’ لن يسبب توجها سهلا للصحيفة نحو اليمين فقط، وإنما أيضًا سيحوّل ما كان في الماضي مؤسسة صحافية محترمة إلى ناطق آخر يمثل مواقف دينية ويمينية بارزة. وهذا، بكل تأكيد، لا يحسن الوضع المهتز أصلا للصحافة الإسرائيلية".