المؤتمر السنوي لـ"المركز العربي للتخطيط البديل": إسرائيل تتعامل مع مواطنيها العرب بانعدام حس إنساني

وثائق وتقارير

يعتبر موضوع حماية الجبهة الداخلية، السكان والبنى التحتية، أحد أكثر المواضيع التي تعمل إسرائيل على تطويرها. وتزايد الاهتمام بشكل كبير بهذا الموضوع في أعقاب حرب لبنان الثانية، في صيف العام 2006، وذلك على أثر سقوط كميات كبيرة من الصواريخ، التي أطلقها حزب الله، في مناطق شمال إسرائيل وتهديد وسطها. وقد أصبح هذا التهديد داهما أكثر اليوم، بل يهدد كافة أنحاء البلاد من دون استثناء، وخصوصا على ضوء احتمال اندلاع حرب إقليمية، تتسبب بها إسرائيل نفسها، في حال نفذت تهديداتها وشنت هجوما على المنشآت النووية في إيران.

 

وأصدر "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، في تموز الفائت، كراسة حول موضوع الجبهة الداخلية تحت عنوان "الفسيفساء المعقدة للجبهة المدنية في إسرائيل".

وتضمنت الكراسة محاضرات ألقيت في يوم دراسي عقده المعهد في أيلول الماضي. وأشار محررا الكراسة، مئير إلران وأليكس ألتشولر، في مقدمتها إلى أنه رغم مرور شهور على اليوم الدراسي إلا أنه لم يطرأ جديد على حال الجبهة الداخلية، أو المدنية، وعلى أداء الجهات المختلفة، العسكرية والمدنية، من أجل حمايتها.

وقال الوزير لحماية الجبهة الداخلية، متان فيلنائي، الذي أصبح حاليا سفير إسرائيل في الصين، إن موضوع حماية الجبهة المدنية ليس جديدا وأنه برز عمليا منذ حرب العام 1948 "التي قتل الكثيرون فيها جراء قصف الطيران المصري على تل أبيب". وأضاف أنه خلال العدوان الثلاثي على مصر، في العام 1956، قرر رئيس حكومة إسرائيل في حينه، دافيد بن غوريون، أن موضوع حماية الجبهة الداخلية هو موضوع مركزي وطالب بأن يحمي الطيران البريطاني والفرنسي الأجواء الإسرائيلية.

وأوضح فيلنائي أن التهديد في حينه كان من جانب الطائرات المقاتلة، وكلمة صواريخ لم تكن دارجة في تلك الفترة. وقد كان التهديد الصاروخي ظاهرة هامشية لم تشكل تهديدا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. وقال فيلنائي إن الصورة تغيرت بصورة حادة منذ حرب الخليج الأولى في العام 1991، بعد أن سقط نحو أربعين صاروخا في إسرائيل أطلقها العراق، "ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، كان هناك إطلاق صواريخ واسع النطاق على الجبهة الداخلية للدولة في كافة الأحداث الأمنية الكبيرة... وهذا يعني أن التهديد [الصاروخي] ليس جديدا. دائما كانت هناك جبهة عسكرية وستبقى الجبهة المدنية إلى الأبد. ولذلك فإنه في جميع الأوقات يجب أن نكون جاهزين في الجبهة العسكرية والجبهة المدنية على حد سواء".

 

حماية الجبهة الداخلية تمنح مناعة

 

وأشار المتحدثون في اليوم الدراسي الذي عقده "معهد دراسات الأمن القومي" إلى احتمال نشوء وضع تكون فيه الجبهة الداخلية في حالة حرب بينما لا توجد مواجهة في الجبهة الحدودية للدولة. وهذا يعني، وفقا لقائد الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي، اللواء إيال آيزنبرغ، أن "جانبي المواجهة ينقلان أطنانا من المواد المتفجرة من جانب إلى آخر. وأعداؤنا يفعلون ذلك بواسطة الصواريخ ونحن بواسطة الطائرات، وندقق من تسبب بأضرار أكبر للآخر. وهكذا، فإن المناعة في الجبهة الداخلية هي التي ستحسم نتائج الحرب المقبلة، ومن هنا أهميتها".

وأشار آيزنبرغ إلى أنه لا أحد يحب الحديث عن المناعة الوطنية، لأن هذا شيء لا يمكن قياسه كميا، إضافة إلى عدم وجود أي قانون أو أية أنظمة في إسرائيل تكلف جهة ما بتحمل مسؤولية بناء هذه المناعة. وأضاف أنه على الرغم من ذلك "فإننا نعمل بموجب توجه واسع وبموجبه كل ما هو في الجبهة الداخلية يكون في نطاق عملنا ومسؤوليتنا وبضمن ذلك أمور ليست جذابة يطلق عليها المناعة الوطنية، لأنه إذا لم نفعل نحن ذلك فإنه لا أحد سيفعل هذا".

وأشار آيزنبرغ إلى وجود خمسة أركان معتمدة لحماية الجبهة المدنية:

الركن الأول هو التحذير من سقوط صاروخ خلال فترة قصيرة. وبحسب آيزنبرغ فإن هذا التحذير يجب أن يكون متوفرا لدى جميع السكان في الدولة. ويجب أن تسمح مهلة التحذير للمواطن بالوصول إلى مكان آمن والاحتماء فيه قبل سقوط الصاروخ. لكنه أشار إلى أن المهلة للاحتماء تتفاوت بحسب المنطقة التي تتعرض للقصف الصاروخي، فإذا تم إطلاق الصاروخ من غزة باتجاه جنوب إسرائيل فإن المهلة مدتها 15 ثانية، وكذلك الأمر في شمال البلاد عندما يتم إطلاق الصاروخ من جنوب لبنان، بينما المهلة لدى سكان وسط إسرائيل هي دقيقة ونصف الدقيقة. كذلك فإن هذه المهلة تتغير وفقا للمكان الذي يتم إطلاق الصاروخ منه، فإذا تم إطلاق الصاروخ من إيران فإن المهلة تكون عشر دقائق.

الركن الثاني يتعلق بتحصين المباني. وأشار آيزنبرغ إلى أن مفهوم الدفاع في إسرائيل مبني من ست طبقات أساسية، وثلاث طبقات منها ليست متعلقة بقيادة الجبهة الداخلية. الطبقة الأولى هي الطبقة السياسية، وينبغي في إطارها القيام بخطوات لمنع الحرب. والطبقة الثانية هي العسكرية، ويعمل الجيش خلالها بوسائل هجومية من أجل منع وجود تهديد على الجبهة الداخلية. والطبقة الثالثة هي الحماية الفعالة، مثل المضادات الصاروخية والجوية على أنواعها. وهذه الطبقات الثلاث لا توجد لقيادة الجبهة الداخلية سيطرة عليها. والطبقات الأخرى التي تسيطر عليها الجبهة الداخلية هي الملاجئ العامة، والملاجئ في المباني والغرف الآمنة في البيوت، والأقنعة الواقية من أسلحة الدمار الشامل.

الركن الثالث هو السلطات المحلية. وقال آيزنبرغ إن السلطات المحلية فشلت فشلا ذريعا خلال حرب لبنان الثانية، ولذا فإنه بعد هذه الحرب زادت قيادة الجبهة الداخلية من تدخلها في عمل السلطات المحلية خلال فترات الطوارئ. وأضاف أنه توجد في إسرائيل 255 سلطة محلية وإقليمية، و25% منها ليست جاهزة أبدا لمواجهة حالات الطوارئ.

الركن الرابع يتعلق بالإرشاد والإعلام، ويشمل ذلك استخدام وسائل الإعلام. وبإمكان قيادة الجبهة الداخلية اختراق بث جميع قنوات التلفزيون والإذاعة العامة والخاصة في حالات الطوارئ.

والركن الخامس والأخير يتعلق بأجهزة الطوارئ.

 

إسرائيل ما زالت بعيدة

عن مستوى الجهوزية اللائق

 

تم التأكيد خلال اليوم الدراسي على أنه "على الرغم من تعميق العمل المهني لقيادة الجبهة الداخلية، ورغم تشكيل وعمل سلطة الطوارئ الوطنية وإقامة وزارة حماية الجبهة الداخلية، إلا أن إسرائيل ما زالت بعيدة، وربما أنها تبتعد، عن مستوى الجهوزية اللائق على ضوء التهديدات المتصاعدة عليها وتعاظم قوة الأعداء في كل ما يتعلق بمجمل أنواع الأسلحة الصاروخية".

وتبين أنه "بالأساس، حسبما ظهر خلال اليوم الدراسي وفي الأحداث الميدانية، فإن مجمل الأجهزة والأنظمة المستخدمة في هذه الجبهة لم تنجح بعد في بلورة استراتيجيا عليا تطرح ردا متكاملا ومتعدد الأبعاد من أجل تقليص التهديد المتصاعد. ويتعين على استراتيجيا عليا كهذه أن تكون جزءا مركزيا من مفهوم الأمن الإسرائيلي، بالاستناد إلى تحليل حديث وشامل للتهديدات. وإضافة إلى ضلوع الجهات العسكرية، ينبغي أن نتذكر أن دمج الجهات المدنية، من القطاع العام والقطاع الثالث [أي المؤسسات والمنظمات التي تعمل بدون هدف الربح] والقطاع التجاري، يكمن فيه قدرة كبيرة على إحداث تحول حقيقي في كل ما يتعلق بالجبهة المدنية".

وخلص تقويم اليوم الدراسي إلى أن "مؤسسة متعددة الجوانب كهذه، تتحدث في الغالب بلغات تنظيمية وثقافية متنوعة، بحاجة إلى بوصلة قيادية وعقائدية وتنظيمية متبلورة. ويجب أن يتم ذلك من خلال ’ارتقاء درجة’ من حيث الحجم وأن يتم تنفيذها دون تأخير، وفقط من خلال خلق قيادة نشطة ومسؤولة تعمل على بلورة استراتيجيا وخطة عمل وعقيدة شاملة، وتهتم بتطبيقها بشكل فعلي وخلال جدول زمني واقعي، سيتمكن الفسيفساء المعقد للجبهة المدنية في إسرائيل من التعبير عن كامل حيويته من أجل الحفاظ على حياة البشر وإنقاذهم في حالات الطوارئ".