وثائق وتقارير

اعتبر الخبير القانوني والدبلوماسي الإسرائيلي ألين بيكر، العضو في لجنة فحص أعمال البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة هو "وضع فريد من نوعه. هذا وضع هو بمثابة احتلال طوال 45 عاما، لكنه لا يتضمن عناصر احتلال لأنه لم تكن هناك سيادة سابقة على هذه المنطقة. ويوجد لدينا أساس تاريخي للمطالبة بهذه المنطقة، لكننا لم نجد أنه من الصواب أن نضمها، لأننا تعهدنا بإجراء مفاوضات. لذلك بقيت هذه منطقة متنازعا عليها".

 

وقال بيكر إنه فوجئ من الضجة التي ثارت في أعقاب الكشف عن تقرير لجنة فحص البناء الاستيطاني في الضفة الغربية برئاسة قاضي المحكمة العليا المتقاعد إدموند ليفي. وكانت لجنة ليفي قد سلمت تقريرها إلى رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بشكل سري في شهر حزيران الماضي، وتسرب إلى وسائل الإعلام في التاسع من تموز الحالي. وجاء في التقرير أنه لا يوجد احتلال في الضفة وأنه لا يتعين على الدولة التعامل مع نهب أراضي الفلسطينيين وإقامة بؤر استيطانية عشوائية عليها، وإنما هذا من اختصاص المحاكم الإسرائيلية بادعاء أن هذه أراض متنازع عليها.

والجدير بالإشارة أن بيكر هو خبير في القانون الدولي، وعمل لسنوات طويلة في الماضي كمستشار قانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وكان سفيرا لإسرائيل في كندا، ولديه خبرة طويلة في المفاوضات التي أجرتها إسرائيل مع لبنان والفلسطينيين.

وكشف بيكر عن عنصريته عندما قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، إن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان يقدم له الساندويشات وأنه "لا يمكنك الرفض عندما يقدم لك العربي الطعام، لكن من يعلم أين كانت أصابعه قبل ذلك".

 

"إسرائيل ليست محتلة"

 

يتناول تقرير لجنة ليفي موضوعين: الموضوع الأول هو مكانة المستوطنات والخلاف بشأن ملكية الأرض، مثلما انعكس، مؤخرا، في قضية البؤرة الاستيطانية العشوائية "ميغرون" وقضية الحي الاستيطاني "غفعات هأولبانا"، وكلاهما أقيما على أراض بملكية فلسطينية خاصة. والموضوع الثاني هو إجراء تدقيق قانوني لمكانة إسرائيل في الضفة الغربية.

وقالت "غلوبس" إن استنتاج لجنة ليفي بأنه "لا يوجد احتلال" استند إلى أن إسرائيل احتلت الضفة الغربية عندما كانت بيد الأردن، وأنه منذ البداية كان يوجد خلاف فيما يتعلق بسيادة الأردن عليها. وأشار تقرير اللجنة أيضا إلى أنه في العام 1988 أعلن الأردن عن فك ارتباطه مع الضفة، وتنازل عن أية مطالب إقليمية. إضافة إلى ذلك اعتبر التقرير أنه يوجد لدى إسرائيل سبب للادعاء أن الضفة تابعة لها، وفقا لتصريح بلفور، ولأن العرب لم يوافقوا على قرار التقسيم.

وتطرق بيكر إلى مكانة سكان الضفة، الفلسطينيين، وقال إن "تعريف الاحتلال هو تعريف قانوني يستند إلى وضع واقعي موجود. لكن ما العمل أنه عندما دخلنا إلى المنطقة في العام 1967 وجدنا هناك سكانا محليين ويتعين علينا أن ندير شؤونهم. ولذلك وافقنا على أن تسري على هؤلاء السكان الحقوق الإنسانية الممنوحة لسكان تحت الاحتلال بموجب معاهدة جنيف والقانون الدولي، لكن من دون الاعتراف بأن الحديث يدور على احتلال".

وأضاف بيكر أنه "لا يوجد احتلال، لكن يوجد سكان يتم إدارة شؤونهم من دون سيادة، ومع قيود. وهذه، فعلا، ملامح احتلال. وهذا وضع مقبول، والقانون الدولي يعترف بحالات احتلال مختلفة". وتابع أنه "قالوا لنا إنه ’إذا كان يوجد احتلال فإنه يوجد حكم عسكري، وإذا لم يكن هناك احتلال فإنكم عمليا ضممتم المناطق من دون منح السكان (الفلسطينيين) حقوقا مدنية’. لكن لا يمكن رؤية الأمور بالأسود والأبيض... وهذه ليست خدعة لغوية، وإنما هذا هو وضع فريد من نوعه. والاحتلال يكون في العادة لفترة مؤقتة، وهنا مرت سنوات طويلة جدا، ووُلد أناس ومات أناس".

وشدد بيكر على أن القانون الدولي لا يتطرق إلى الفترة الزمنية التي يمكن بعدها اعتبار الاحتلال احتلالا. وهل تسمح الفترة الطويلة التي مرت بإلغاء حقيقة أن إسرائيل هي دولة محتلة في الضفة؟ ورد بيكر على ذلك بأنه "نحن لا نقول هذا. ولو كانت إسرائيل تعتقد ذلك، لضمت هذه المناطق. نحن نقول إن كل شيء مفتوح للمفاوضات، والمستوطنات أيضا. وفي حركة السلام الآن يقولون ’أنتم تبنون المستوطنات في هذه الأثناء وهذا سيؤثر على المفاوضات’. ونحن نقول ’ليس بالضرورة’. وأنا أسكن في (مستوطنة) هار أدار وقد وقعت على اتفاقية مع دائرة أراضي إسرائيل مفادها أنه في اللحظة التي تكون فيها مطالبة بإعادة المنطقة نتيجة لعملية سياسية ما، فإنه يتعين عليّ أن أغادر. وواضح لي أن الأرض ليست مسجلة على اسمي في التابو وهي ليست لي".

وحول الحل لمكانة الفلسطينيين في الضفة الغربية، قال بيكر إنه "لا يوجد حل. طالما أن الوضع الحالي مستمر ولا يوجد حسم سياسي بين الجانبين، فإن هذا الوضع سيستمر. لذلك ثمة حاجة إلى مفاوضات سياسية. وإذا نجحنا في التقرير أن نقترح طريقة تتوقف فيها فوضى البناء اليهودي، وفي الوقت نفسه التلميح إلى القيادة السياسية بأنه يجب أخيرا التوصل إلى مفاوضات وتسوية الأمر، فإنني أعتقد أننا أدينا مهمتنا".

 

فرض وقائع

 

تعيّن على لجنة ليفي تناول موضوع الاحتلال لكي تبحث على ضوئه في ما إذا يسمح القانون الدولي لإسرائيل بإقامة مستوطنات جديدة في الضفة. وقد تم تشكيل لجنة ليفي على خلفية أنه من الناحية الرسمية يجب أن تجمد إسرائيل إقامة مستوطنات جديدة بعد اتفاقيات أوسلو. لكن الوضع مختلف على أرض الواقع، من خلال إقامة أكثر من 100 بؤرة استيطانية عشوائية بإيعاز ودعم من الحكومات الإسرائيلية.

وكانت المسؤولة في النيابة العامة في حينه، طاليا ساسون، قد أعدت "تقرير البؤر الاستيطانية" بتكليف من رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، أريئيل شارون، في العام 2005. وأشار تقرير ساسون إلى وجود نحو 120 بؤرة استيطانية عشوائية في الضفة الغربية وجميعها مقامة على أراض بملكية فلسطينية خاصة. وتعهد شارون في حينه، وخلفه ايهود أولمرت بإزالة البؤر الاستيطانية العشوائية، بينما أعلن نتنياهو عن نيته شرعنة هذه البؤر الاستيطانية.

ولفتت "غلوبس" إلى أنه في مقابل تقرير ساسون، فإن تقرير لجنة ليفي ينظر بتسامح تجاه البؤر الاستيطانية، ويؤكد على أن معظم هذه البؤر عكس نوايا الحكومات الإسرائيلية، ويعتبر أنه بإمكان هذه البؤر أن تكون قانونية، وحتى أنه بالإمكان إقامة مستوطنات جديدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إسرائيل تعتبر المستوطنات قانونية، لأنها أقيمت بقرار حكومي، والبؤر الاستيطانية غير قانونية لأنها أقيمت بدون قرار حكومي رسمي.

وفوضت حكومة نتنياهو لجنة ليفي لدى تشكيلها بإزالة الإشكالية القانونية للاستيطان في الأراضي المحتلة. وجاء في ملخص تقرير اللجنة أن "استنتاجنا الأساس هو أنه من وجهة نظر القانون الدولي فإن قوانين ال’احتلال’... لا تسري في الظروف التاريخية والقانونية الفريدة من نوعها على الوجود الإسرائيلي في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) طوال عشرات السنوات. كما أن بنود معاهدة جنيف الرابعة بشأن نقل سكان (من دولة الاحتلال إلى المناطق الخاضعة للاحتلال) لا تسري، وليست غايتها أن تسري فيما يتعلق بالاستيطان مثل ذلك الإسرائيلي في يهودا والسامرة... وعلى ضوء ذلك، يوجد لدى إسرائيل الحق القانوني في الاستيطان في يهودا والسامرة، ولذلك فإن إقامة مستوطنات بحد ذاتها لا تنطوي على مخالفة قانونية".

ويذكر أن المستوطنين رحبوا بتقرير لجنة ليفي.

وكان بيكر قد كتب في وجهة نظر قانونية لصالح المستوطنين وتم تقديمها إلى محكمة إسرائيلية أنه "في أي حالة يتم فيها تنفيذ بناء أو غرس أشجار في أراضي الآخرين بصورة بريئة، فإنه يوجد حل بواسطة التعويض وليس الهدم فقط". وقد جاء تقرير لجنة ليفي بهذه الروح فيما يتعلق بالبؤر الاستيطانية.

"تعويض الفلسطينيين

وليس هدم البؤر الاستيطانية"

 

يتناول الجزء الثاني من التقرير ما يجري على أرض الواقع، أي البؤر الاستيطانية التي أقيمت بذرائع مختلفة وعلى أراض بملكية فلسطينية خاصة. وادعى التقرير في هذا السياق أن مكانة هذه الأراضي غير واضحة.

البؤرة الاستيطانية "ميغرون" هي أحد الأمثلة البارزة. فقد أقيمت هذه البؤرة الاستيطانية في العام 1999. وجاء في الموقع الالكتروني لهذه البؤرة أنها أقيمت بتشجيع من جهات أمنية، وأنه تم مدها ببنى تحتية من جانب شركة الكهرباء وشركة "بيزك" للاتصالات السلكية. وقالت ساسون في تقريرها إن هذه البؤرة أقيمت تحت غطاء وضع هوائية خليوية. وقدمت حركة السلام الآن التماسا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، في العام 2006، أكدت فيه على أن بؤرة "ميغرون" أقيمت على أراض فلسطينية بملكية خاصة. وقد اعترفت السلطات الإسرائيلية بذلك. وتم تحديد موعد لإخلاء البؤرة الاستيطانية بحلول الأول من آب المقبل، لكن حكومة إسرائيل تحاول إرجاء هذا الموعد.

وقال بيكر إن "ما يحدث في ميغرون يحدث في جميع الحالات التي يوجد فيها سجال حول ملكية الأرض. ويجب البحث في سجال كهذا في المحكمة. ولا يمكن أن يقرر ضابط برتبة متدنية أو موظف في النيابة العامة بصورة تعسفية من هو المحق. لذلك فإن إحدى توصياتنا المركزية هي (إقامة) محكمة للأراضي. وإذا قررت محكمة كهذه أن الفلسطيني مُحق، فإنه بالإمكان الإخلاء، ولكن بالإمكان دفع تعويضات أيضا".

وأضاف بيكر أن معالجة حكومة إسرائيل لقضية "ميغرون" يميز التعامل السائد حتى الآن في كل ما يتعلق بقضية البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وأنه "منذ العام 1993 لم يتم بناء مستوطنات جديدة وإنما توسيع (مستوطنات قائمة) أو (إقامة) بؤر استيطانية، وغالبيتها بدون تصاريح بناء لأن جانبا كهذا أو ذاك في عملية البناء لم يحصل على تصريح (علما أن إسرائيل تعهدت في اتفاقيات أوسلو بعدم إقامة مستوطنات جديدة)".

لكن بيكر اعترف بأن البؤر الاستيطانية "حصلت على أموال من وزارة الإسكان، وتلقت تشجيعا من وزراء عديدين، وتم تزويدها بكافة خدمات الهندسة من قِبل المنظمة الصهيونية العالمية. لكن التصريح النهائي، أو تصريح لجنة التخطيط أو تصريح الحدود البلدية، ناقص".

وفي رده على سؤال فيما إذا كان سيتم تصعيد البناء الاستيطاني في حال تبنت الحكومة تقرير لجنة ليفي، قال بيكر إن "هذه مسألة سياسية وليست قانونية. ونحن نقول إن على حكومة إسرائيل أن تتخذ قرارا بشأن سياستها حيال المستوطنات. فإذا كان هناك تجميد، عليها ألا تشجع وتضخ الأموال. لا يمكن أن يتم القيام بكل شيء من خلال التلميح، وأن يقول وزير في حكومة إسرائيل ’اصعدوا إلى التلال’، بينما السلطات لا تصدر تصاريح. ولذلك قلنا في نهاية التقرير إن عهد السور والبرج قد انتهى".

وأضاف بيكر أنه "فيما يتعلق بالمئة بؤرة استيطانية القائمة، إذا تم السماح بعمل اللجان المختلفة فإنه بإمكانها أن تقرر ما إذا كانت البؤرة الاستيطانية تستجيب لشروط القانون، أي أنها بُنيت من خلال خطة بناء، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجب إصدار تصريح. وإذا لم يكن الأمر كذلك فإنه ينبغي الطلب من الحكومة أن تعالج الأمر".

 

هل ستتبنى حكومة إسرائيل

توصيات لجنة ليفي؟

 

ذكرت صحيفة "هآرتس" أنه سبق تشكيل لجنة ليفي صراع طويل بين نتنياهو والمستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، الذي رأى أن تشكيل اللجنة يشكل التفافا على صلاحياته. لكن في نهاية المطاف تقرر تشكيل اللجنة بمستوى استشاري وقبول كافة توصياتها بعد مصادقة المستشار القانوني عليها.

من جانبه قال بيكر إنه "يوجد الكثير من السياسة حول ذلك. والمستشار القانوني للحكومة لم يحب حقيقة أن يتم أخذ ثلاثة خبراء قانونيين كبار ومن خارج مكتب المستشار. ونحن ندرك أنه طلب أن يتضمن تفويض اللجنة أن تكون توصياتها خاضعة لمصادقته، وبالنسبة لنا فإن هذا أمر واضح".

 

"عدالة" غريبة!

 

بيكر هو شريك في مكتب محاماة كبير متخصص في مجال التجارة الدولية والصناعات الالكترونية الرفيعة (هايتك). وتخصصه المميز هو في الصفقات التي يتم إبرامها في روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق. وبين زبائن المكتب مجمع شركات الغاز "غازفروم".

كذلك يعمل بيكر مقابل هيئات حكومية في قضايا تتعلق بالمجال الدبلوماسي ومجال التجارة الدولية.

وهناك قضايا يتولاها بيكر ويمثل فيها يهودا موجودين في أنحاء متفرقة في العالم، ويسعى من خلال هذه القضايا إلى تحقيق "عدالة" غريبة من نوعها.

وقال بيكر في هذا السياق "على سبيل المثال، هناك عائلة من كندا لسجين يهودي اعتقل في تايلاند قبل 20 عاما لارتكابه مخالفة في مجال المخدرات، توجهت إليّ لأمثلها هنا لغرض حصول السجين على جنسية إسرائيلية، كي يصبح بالإمكان نقله إلى إسرائيل لمواصلة عقوبته. وهناك عدد غير قليل من ملفات الطلاق التي يكون أحد الزوجين إسرائيليا والآخر، الزوج في غالب الأحيان، يعترض على مجيء أولاده إلى إسرائيل لأن الوضع خطر هنا ويتجندون للجيش وقد يُقتل. وقد توجهوا إليّ في حالات كهذه كي أظهر في المحكمة والتحدث عن الوضع في إسرائيل، وعن قانون التجنيد وما شابه".