تقرير "مركز طاوب": تآكل أجور المستخدمين الأكاديميين وارتفاع غلاء المعيشة يبعدان العائلات الشابة عن الطبقة الوسطى

وثائق وتقارير

 *تقارير صحافية: خصخصة جهاز التعليم الإسرائيلي العام آخذة في التسارع من خلال مسار التفافي خاص في وزارة التربية والتعليم*

 غم السياسة المعلنة لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية المعارضة للمدارس الخاصة، إلا أنه طرأ ارتفاع كبير على عدد المدارس الخاصة، خلال العقد الأخير. كذلك يزداد عدد الطلبات التي يتم تقديمها من أجل فتح مدارس خاصة من عام إلى آخر. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، فإنه عندما تحاول وزارة التربية والتعليم كبح هذه الظاهرة، تتم إقامة مدارس خاصة بواسطة "مسار التفافي" من خلال لجنة استئناف في الوزارة نفسها، تصادق على افتتاح مثل هذه المدارس. وترى لجنة الاستئناف أن حق الأهالي في حكم ذاتي تربوي وتعليمي يعلو على مصلحة التربية والتعليم العامة والحق في المساواة، وعمليا توجه اللجنة سياسة وزارة التربية والتعليم وتؤدي إلى حدوث تراجع في جهاز التعليم العام.

 

وحاولت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية حتى الآن محاربة هذه الظاهرة ومنع إصدار تراخيص لفتح مدارس خاصة، لكنها لم تنجح في ذلك. لكن الوزارة تلقت، مؤخرا، إشارة من المحكمة العليا الإسرائيلية تقضي بأن منع إصدار تراخيص ليس سياسة ناجعة، وأن على الوزارة القيام بخطوة "شجاعة" تتمثل بتغيير القانون أو منع الاعتراف وتمويل المدارس الخاصة. وقال قاضي المحكمة العليا، حنان ميلتسر، خلال نظر المحكمة في التماس يتعلق بالموضوع، "إننا نلمح إلى الحاجة بأنه يجب أن يكون هناك سن قانون رئيسي". وعندما سأل القضاة مندوبي وزارة التربية والتعليم عن سبب عدم قيامهم بسن قانون، أجاب مندوبو الوزارة إن "الوزير درس اعتباراته".

لكن "هآرتس" أشارت إلى أنه واضح بالنسبة للوزارة أن سن قوانين بهذا الصدد سيؤدي إلى فتح "صندوق باندورا"، ستخرج منه كل الشرور، إذ أن هناك مئات المؤسسات التعليمية الخاصة "المعترف بها وليست رسمية"، التي تحظى اليوم باعتراف وتمويل يكاد يكون كاملا من الدولة، وعلى رأسها المؤسسات التعليمية الحريدية.

وفي هذا السياق، قدمت النيابة العامة تصريحا مقتضبا باسم وزارة التربية والتعليم، قبل ثلاثة أسابيع، جاء فيه أنه "على ضوء ملاحظات المحكمة الموقرة، قررت الملتمسة شطب الالتماس". وبهذا انتهى، بهدوء، صراع قضائي طويل، تعرضت له وسائل الإعلام بشكل واسع، أجرته الوزارة، خلال السنوات الثلاث الماضية، ضد المدرسة الخاصة "حفروتا". وأصرت الوزارة على رفضها منح رخصة للمدرسة، التي يبلغ القسط السنوي فيها 35 ألف شيكل لكل طالب، وخاضت صراعا ضد الوزارة في ثلاث مستويات من المحاكم، الصلح والمركزية والعليا.

وصرح وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، غدعون ساعر، قبل سنتين تقريبا، عندما هاجم المدرسة بأن الحديث لا يدور على تعليم خاص وإنما تعليم تموله الدولة. لكن سبب شطب الالتماس، الذي يعني منح رخصة لمدرسة "حفروتا"، يسلط الضوء على "المسار الموازي"، الذي تضطر وزارة التربية والتعليم إلى مواجهته، حتى داخل أروقتها. وقد تحول هذا المسار إلى قناة مركزية لتزايد عدد المدارس الخاصة، وتم فتحه بسبب رفض الوزارة منح رخصة لمدرسة خاصة. وتسمح هذه القناة للمدرسة بالحصول على رخصة "التفافية" بواسطة تقديم استئناف إلى لجنة تابعة لوزارة التربية والتعليم.

ويشار إلى أن لجان الاستئناف هي هيئة شبه قانونية، تعمل من خلال قانون الإشراف على المدارس، وتمنح المدارس الخاصة رخصا رغم معارضة وزارة التربية والتعليم، وفيما المحاكم الإدارية ترفض التماسات الوزارة.

وقال مدير دائرة حقوق الإنسان في المركز الأكاديمي للقانون والأعمال ورئيس مركز "أدفا"، البروفسور يوسي دهان، إن "نشاط المحاكم الإدارية، وخاصة لجان الاستئناف، الذي يتم التعبير عنه من خلال قرارات مفصلة تقضي بمنح رخص للمدارس، أضفى شرعية أخلاقية وقانونية على هذه المدارس وأحدث عمليا خصخصة لجهاز التعليم".

 

نسبة المدارس

الخاصة 18%

 

امتنعت الوزارة حتى قبل فترة قصيرة عن نشر قرارات لجان الاستئناف ولم يكن بالإمكان معرفة عدد المدارس الخاصة التي حصلت على رخصة بواسطة هذه اللجان بشكل دقيق. رغم ذلك فإن المعطيات التي تنشرها وزارة التربية والتعليم تدل على اتساع عدد المدارس الخاصة، التي تنمو تحت جهاز التعليم العام. وتظهر هذه المعطيات أنه توجد في جهاز التعليم 2278 مدرسة، بينها 419 مدرسة خاصة معرفة على أنها "مؤسسات معترف بها وليست رسمية"، وذلك من دون احتساب مؤسسات التعليم الحريدية. وهذا يعني أن 18% من المدارس في إسرائيل هي مدارس خاصة.

وتزايد عدد المدارس الخاصة في إسرائيل بنسبة 41% بين السنوات 2000 حتى 2011. وتتجه الأمور في السنوات الأخيرة إلى ارتفاع عدد الطلبات التي يتم تقديمها من أجل فتح مدارس خاصة ويتم تقديمها إلى وزارة التربية والتعليم. وتشير المعطيات إلى أنه في العام الدراسي 2008 – 2009 تم تقديم 112 طلبا لفتح مدارس خاصة، وفي العام الدراسي 2010 - 2011 تم تقديم 208 طلبات كهذه، ما يعني ارتفاعا بنسبة 85% في عدد الطلبات. كما تم تقديم 208 طلبات خلال العام الدراسي الماضي. وقد تمت المصادقة على 80 طلبا ورفض 128 طلبا.

ويشار إلى أن المدرسة الخاصة "حفروتا" ليست حالة استثنائية. فقد نمت خلال السنوات الأخيرة مدارس خاصة كثيرة مثلها، تحصل من خزينة الدولة على تمويل بنسب تتراوح ما بين 75% إلى 100%. وتحولت مدرسة "حفروتا" إلى حالة امتحان لعدة أسباب بينها القسط الدراسي السنوي المرتفع، 35 ألف شيكل، وأكثر من ذلك على ضوء المجموعة الكبيرة جدا من المحامين الذين استأجرت هذه المؤسسة خدماتهم في صراعها القضائي ضد الوزارة، إذ أنه خلافا لحالات أخرى قررت وزارة التربية والتعليم خوض صراع ضد "حفروتا".

وعلى أثر تزايد عدد المدارس الخاصة في إسرائيل وضع ساعر، في العام 2009، أنظمة غايتها توسيع ترجيح الرأي ومنع الاعتراف بمدارس خاصة، أو على الأقل المس بميزانيات المدارس الخاصة، التي قال ساعر إنه بفتحها "يوجد مس متوقع باندماج التلاميذ في جهاز التعليم الرسمي الحكومي".

إلا أن وضع الأنظمة لم يمنع لجان الاستئناف والمحاكم الإدارية من الاستمرار في منح رخص لمدارس خاصة في حالات كثيرة. وقد تبنت لجان الاستئناف والمحاكم الإدارية ادعاءات المدارس، التي رفضها مدير عام وزارة التربية والتعليم قبل ذلك، وبموجب هذه الادعاءات ينبغي تفسير قانون الإشراف على المدارس، الذي بموجبه يتم منح رخص للمدارس الخاصة، بشكل ضيّق. ووفقا لهذا التفسير، يتعامل القانون مع المطالب من المدرسة نفسها، لكنه لا يتضمن اعتبارات خارجية تتضمنها الأنظمة الجديدة التي وضعها ساعر، وهدفها منع المس بالمدارس الحكومية واندماج الطلاب من خلالها.

وهذا ما حدث مؤخرا في المحكمة العليا أيضا، لدى نظرها في التماس الوزارة ضد مدرسة "حفروتا"، الأمر الذي دفع الوزارة إلى سحب التماسها. وخلافا لموقف الوزارة رفضت المحكمة الربط ما بين الإشراف على المدارس والاعتراف بها. وكانت الوزارة تربط ما بين الرخصة لفتح مدرسة والاعتراف بها، لأن رخصة بدون اعتراف لا قيمة لها، إذ أن الوالد الذي يرسل ابنه إلى مدرسة غير معترف بها يرتكب مخالفة قانونية.

وقال المحامي هيرن رايخمان، من عيادة القانون والسياسة التعليمية في كلية الحقوق في جامعة حيفا، إن "الرسالة الموجهة إلى وزارة التربية والتعليم هي أن القانون الموجود لا يمكنه منع إقامة مدارس خاصة. وهذا يلزم الدولة بأن تسأل نفسها ما إذا كانت تريد تمويل هذه المدارس، وما إذا أدركت أن هذا يمس بالتعليم الحكومي. وينبغي التعامل بشكل واسع مع مسألة تمويل الدولة لجهاز المدارس الخاصة، وبصورة تتجاوز حالة مدرسة واحدة، إذ توجد مدارس كثيرة مثلها. وينبغي أن نتذكر أن الدولة تسمح، للأسف الشديد، داخل المؤسسات العامة بما تحاربه في حفروتا، مثل انتقاء طلاب وجباية رسوم من الأهالي".