المراسل السياسي والدبلوماسي في صحيفة هآرتس: أتوقع أن ينتهي اللقاء بين نتنياهو وأوباما بمزيد من النفور

وثائق وتقارير

 *التقرير الذي يصدر مرّة كل عامين يؤكد أن استمرار الاحتلال ينهك الاقتصاد الإسرائيلي ويجعل وتيرة نموه بطيئة *زوال الاحتلال سيرفع نسب النمو *الحكومات تصرف على المستوطنات والمستوطنين أكثر مما تصرف على البلدات والمواطنين داخل إسرائيل *ميزانية وزارة الدفاع تأتي بشكل مستمر على حساب القضايا الاجتماعية والرفاه *في العامين الأخيرين أبعدت الحكومة ملف الصراع عن رأس جدول أعمالها والكنيست اتجه لضرب المنظمات المناهضة للاحتلال*

 

 عرض برهوم جرايسي:

 قال تقرير جديد أعده "مركز أدفا" الإسرائيلي، الذي يعنى بالقضايا الاقتصادية- الاجتماعية، وصدر في الأيام الأخيرة، إن استمرار الاحتلال ينهك الاقتصاد الإسرائيلي، وليس فقط يدمر الاقتصاد الفلسطيني، مبينا بالمعطيات والوثائق أن حكومات الاحتلال ترصد ميزانيات ضخمة للجيش كي يعزز الاحتلال، ولكن بشكل خاص تصرف ميزانيات ضخمة على المستوطنين كي تبقي على وجودهم في المستوطنات، وهذا على حساب نواح حياتية، وأساسا على حساب القضايا الاجتماعية والرفاه.

 

كما يستعرض التقرير انعكاسات استمرار الاحتلال على السياسة الداخلية في إسرائيل، والمحاولات لضرب الديمقراطية والتنظيمات المناهضة للاحتلال.

 

ويصدر عن "مركز أدفا" تقرير كهذا مرّة كل عامين.

 

 

الثمن الأكبر يدفعه الفلسطينيون

 

 

يقول التقرير إنه منذ سنين وإسرائيل منقسمة بين طموح لحل سياسي وبين طموح لتبقي في أيديها وبقدر كبير السيطرة على المناطق الفلسطينية، ولأن تقلص بقدر الإمكان آفاق الفلسطينيين لحل دائم، إن كان على مستوى الأرض، أو السيادة والتطور الاقتصادي والأمني ومستوى الحركة والتجارة وغيرها.

 

ويلفت تقرير "مركز أدفا" إلى حقيقة أنه مع بدء الاحتلال لم تكن الأثقال الاقتصادية، والاقتصادية- الأمنية، أمرا مركزيا، ويقول إن الأمر بات يظهر أكثر بعد حرب أكتوبر العام 1973 وأيضا بعد اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، وبعدها الحرب على لبنان في العام 1982، وبات الأمر بارزا أكثر مع نشوب انتفاضة الحجر في نهاية العام 1987 لتمتد على مدى خمس سنوات، وتلتقي نهايتها باتفاقيات اوسلو.

 

ويقول التقرير "إن الثمن الأكبر للاحتلال يدفعه الفلسطينيون، فهم خاضعون لسيطرة عسكرية متغلغلة في كل مؤسسة وبيت لديهم، وهم منقسمون بين "دولة حماس" و"دولة فتح"، ويستصعبون بناء مؤسسات سياسية ثابتة تتمتع بالشرعية من الاجماع الفلسطيني، وهم يستصعبون دفع عملية التطور الاقتصادي، أما حياتهم اليومية فهي تعتمد على النوايا الحسنة للجهات المانحة".

 

ويتابع التقرير "أما على مستوى الأفراد والعائلات، فإن الفلسطينيين معرضون لمصادرة الأراضي والممتلكات وللعنف والسجون والطرد والتنكيل والإهانات في بيوتهم وشوارعهم وعند الحواجز العسكرية، والكثير منهم محرومون من التعليم، ويعانون من نسب فقر عالية جدا وبطالة واسعة الانتشار، وفقدان الأمن الغذائي".

 

ويؤكد التقرير أن إسرائيل رسخت "ظروف حياة طبيعية" لها وللمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة من خلال سلسلة إجراءات وبنى تحتية عزلت الفلسطينيين كليا في بلداتهم في الضفة، بينما أتاحت حرية الحركة والبناء للمستوطنين على مر السنين.

 

ويقول التقرير "إلا أنه على أرض الواقع فإن إسرائيل ليست بلدا طبيعيا، لأن الصراع جاثم كحجر الرحى على عنقها، ولأنه يثير قلاقل في نموها الاقتصادي ويُثقل على ميزانيتها، ويقوض تطورها الاجتماعي، ويمس بمكانتها العالمية، ويُتعب جيشها، ويقسّم حلبتها السياسية، ويهدد كيانها كدولة الشعب اليهودي"، بحسب تعبير التقرير.

 

 

الصرف العسكري والاستيطاني

 

 


جاء في التقرير أنه منذ العام 1989 وحتى العام 2011، صرفت الحكومات الإسرائيلية على جيشها، كميزانيات إضافية تتعلق باستمرار احتلال الضفة وقطاع غزة، قرابة 13 مليار دولار، أي كميزانيات عابرة لتمويل هجمات عسكرية وتوغلات، وهذا لا يشمل الميزانية الثابتة للجيش التي تصل قيمتها الإجمالية السنوية حاليا إلى 19 مليار دولار، من بينها 3 مليارات دعم أميركي سنوي، وقسم جدي من ميزانيات الجيش يصرف على انتشار الجيش في الضفة الغربية المحتلة.

 

ويؤكد التقرير أن زيادة ميزانية وزارة الدفاع التي تشمل ميزانية الجيش باستمرار، تقف عائقا أمام زيادة ميزانيات الرفاه والخدمات الاجتماعية، إذ أنه في كل مرّة تجري مطالبات لتخفيض هذه الميزانية، ينتهي الجدل بزيادة أو تخفيض طفيف من الزيادة المقررة، وليس من الميزانية الأساسية.

 

ويظهر من التقرير حجم الصرف الإسرائيلي الزائد على المستوطنين في جميع مجالات الصرف الحكومية، من باب دعم المستوطنين وزيادة أعدادهم في المستوطنات، فمثلا يبلغ صرف الحكومة العادي على المواطن داخل إسرائيل في قضايا الرفاه الاجتماعي حوالي 458 دولارا سنويا، بينما الصرف على المستوطن الواحد في المستوطنات يصل إلى 605 دولارات، بمعنى زيادة بنسبة 32%.

 

لكن هذا الصرف يبقى هامشيا أمام الدعم الحكومي الكبير لبناء البيوت والمؤسسات في المستوطنات.

 

ويوضح التقرير أنه منذ العام 2000 وحتى العام 2009، جرى بناء قرابة 21 ألف بيت استيطاني في مستوطنات الضفة الغربية، وكما يبدو من دون القدس، كما يثبت التقرير بالمعطيات الرسمية أن الدعم الحكومي للبناء "الإسكاني" في المستوطنات أعلى بكثير مما هو عليه في داخل إسرائيل، ويقول إن هذا يعكس توجهات سياسية للحكومات المتعاقبة.

 

يذكر هنا أن التقرير يستعرض الميزانيات المباشرة لكل واحد من الفروع، فمثلا يتلقى المستوطنون دعما ماليا من وزارات مختلفة، ومن صناديق صهيونية وخارجية لم يذكرها التقرير، الذي يركز أساسا على صرف الخزينة العامة على عصابات المستوطنين.

 

وبالأرقام يتضح أن الحكومات الإسرائيلية رصدت من العام 2000 إلى العام 2009، أكثر من 4 مليارات دولار، وفق معدل سعر الصرف في تلك الفترة، على دعم البناء. وبلغ الدعم الحكومي لمشاريع بدء البناء (بنى تحتية) نسبة 50% من التكلفة العامة، بينما كان الدعم للمباني السكنية 35%، أما في داخل إسرائيل فتنخفض هذه النسبة إلى 18% و10% على التوالي.

 

ويعرض التقرير نماذج للميزانيات الضخمة التي تحصل عليها المستوطنات، فمثلا هناك ميزانيات تدفعها وزارة الداخلية إلى المجالس البلدية والقروية، التي يعتبر وضعها الاقتصادي الاجتماعي ضعيفا، وعلى الرغم من أن معدل مستوى المعيشة في المستوطنات يعتبر جيدا وأكثر، فإن هذه المستوطنات تحصل على هذه الميزانيات، لكون القانون يعتبرها "بلدات مواجهة"، ولكن ما تحصل عليه أعلى من المعدل القائم في داخل إسرائيل.

 

ويظهر مثلا، أن ما تحصل عليه هذه المستوطنات يصل إلى مستوى 915 شيكلا للفرد الواحد بالمعدل، مقابل 303 شواكل في داخل إسرائيل، و776 شيكلا في البلدات العربية التي هي الأكثر فقرا في إسرائيل على الإطلاق، و616 شيكلا في "بلدات التطوير" وهي التسمية المتبعة للبلدات اليهودية الفقيرة.

 

أما في مجال دعم الخدمات العامة في المجالس البلدية والقروية، فإن ما تحصل عليه المستوطنات بالنسبة للفرد الواحد أعلى بنسبة 32% مما تحصل عليه هذه المجالس داخل إسرائيل.

 

ويفرد التقرير قسما خاصا لوضعية الجيش الداخلية، ويقول إن الجيش يجد نفسه في عدد من العمليات العسكرية (حروب وتوغلات وعمليات موضعية) ينفذ توجهات سياسية صرفة، وليست أمنية من حيث الجوهر.

 

كما يستعرض التقرير العلاقة المتنامية بين الجيش والمستوطنين، ويقول إنه في وقت الصدام بين المستوطنين والفلسطينيين، فإن جيش الاحتلال يقف مباشرة إلى جانب المستوطنين، تطبيقا لسياسات عليا، وأيضا لدوافع وأجواء تعم الجيش.

 

 

في المجال الاقتصادي

 

 

أما على الصعيد الاقتصادي فإن التقرير يثبت، بالمعطيات الرسمية، أن الاحتلال يمنع إسرائيل من اللحاق بالدول المتطورة في الغرب، ويقول إن إسرائيل بحاجة إلى نسب نمو اقتصادي كتلك التي في دول شرق آسيا، مثل الصين والهند، كي تلحق بالدول المتطورة، إذ تسعى إسرائيل إلى أن تصبح معطيات الاقتصاد فيها، من مستوى المعيشة والناتج العام، مثلما هي عليه في تلك الدول المتطورة.

 

ويستعرض التقرير مقارنات في نسب النمو، فيتبين أن معدل النمو السنوي في إسرائيل، منذ العام 2001 وحتى العام 2011، كان 3ر3%، بينما في الهند بلغ المعدل السنوي للنمو في نفس الفترة 5ر7%، وفي الصين 4ر10%، بينما في دول الاتحاد الأوروبي 6ر1%، وفي الدول الصناعية الكبرى "جي 7" بلغ 3ر1%.

 

لكن كما ذكر، وعلى الرغم من أن نسبة النمو في إسرائيل أعلى من معدل الدول المتطورة، إلا أنها بحاجة إلى نسب النمو القائمة في دول شرق آسيا، مثل الهند والصين، كي تلحق بالمستوى المعيشي القائم في الدول الاوروبية، في غضون سنوات قليلة.

 

ويقول التقرير إن الدمج بين الأزمات الاقتصادية العالمية، والأزمات الناجمة عن الصراع المحلي، يخلق فجوة بين النمو في إسرائيل وفي الدول الاخرى، وهذه الفجوة تمس بقدرة إسرائيل على الوصول إلى نسب نمو كما هي في شرق آسيا، وإثباتا على هذا فإن التقرير يعرض مقارنة لجم ارتفاع الناتج بالنسبة للفرد، فيظهر أنه منذ العام 2001 وحتى العام 2011 ارتفع الناتج العام بالمعدل للفرد الواحد بنسبة 2ر1%، والنسبة ذاتها كانت في ألمانيا، بينما كانت في البرازيل 3ر2% وفي بولندا 4%، أما في الهند فكانت 9ر5% وفي الصين 8ر9%.

 

ويقتبس التقرير تصريحات لمحافظ بنك إسرائيل المركزي ستانلي فيشر ولنائبه السابق، إذ يقول المحافظ فيشر: "إنني على قناعة بأنه في ظروف السلام سيكون بإمكان الاقتصاد الإسرائيلي أن ينمو بنسب أعلى بكثير مما هي عليه اليوم، وأن تكون أعلى بنسبة 5% إلى 6% مما هي عليه الآن".

 

ويقول النائب السابق لمحافظ بنك إسرائيل تسفي اكشتاين "إن اتفاق السلام من شأنه أن يقود إلى استقرار جيو سياسي، وانخفاض مستوى التهديد، ما يعني أن نسبة النمو الاقتصادي سترتفع رقميا"، بنفس القدر الذي ذكره فيشر، وخبراء اقتصاديون آخرون.

 

ويبين التقرير أن التقليصات المتتالية في الميزانية العامة مست أيضا بجهاز التعليم العالي، فقد خسرت الجامعات الإسرائيلية المئات من وظائف المحاضرين منذ العام 2006، وهذا في أعقاب توصيات لجنة حكومية نصت على عدم زيادة ميزانيات التعليم العالي، وفي المقابل زيادة القسط الجامعي على الطلاب، والبحث عن تبرعات خارجية، وهذه التقليصات ناجمة أيضا عن الصرف الزائد على وزارة الدفاع والجيش.

 

ويتجه التقرير لإثبات انعكاسات الصراع على الاقتصاد، نحو القطاع السياحي، لكون الحركة السياحية مرتبطة بشكل خاص بالاستقرار الأمني والأمان بشكل عام، وعلى الرغم من أن البلاد هنا تعتبر من أكثر الدول التاريخية وذات إرث ديني وعنوانا لمئات الملايين من البشر، إلا أن عدد السياح الذين دخلوا إلى إسرائيل في كل واحد من العامين الماضيين بلغ 8ر2 مليون سائح، وهذا لا يشمل نحو 600 ألف سائح يزورون إسرائيل ليوم واحد، وتشملهم وزارة السياحة ضمن إحصائيات السياح. بينما دخل إلى تركيا 25 مليونا و27 مليونا على التوالي، ودخل إلى مصر 14 مليونا في العام 2010، وقرابة 10 ملايين في العام الماضي 2011 بتأثر من الأحداث هناك، وحتى في الأردن بلغ عدد السياح نحو 4 ملايين سائح أكثر من لبنان التي سجلت 8ر1 مليون و2ر2 مليون سائح.

 

ويقول التقرير إنه على الرغم من المعطيات الاقتصادية في إسرائيل في السنوات الأخيرة، إلا أنه لكونها لا تتمتع باستقرار أمني، فإن درجة الاعتماد التي تمنحها إياها مؤسسات مالية عالمية تبقى أقل من المفروض وأقل من مستوى الاعتماد للدول الأوروبية وشرق آسيا.

 

ويشير التقرير إلى أن لجنة التحقيق الخاصة التي أقامتها الحكومة بشأن فحص اتجاهات اصلاح جوانب في القضايا الاقتصادية الاجتماعية، أوصت بتقليص ميزانية وزارة الدفاع بنحو 5ر2 مليار شيكل، وهو ما يعادل 675 مليون دولار في حينه، إلا أن الحكومة رفضت هذه التوصية بالذات.

 

ويؤكد التقرير انه لا تزال هناك قناعة ضعيفة في الشارع الإسرائيلي بشأن ربط الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية باستمرار الصراع، وينتقد التقرير حملة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إسرائيل في صيف العام الماضي، احتجاجا على غلاء المعيشة، ويقول إن تلك الحملة لم تربط بين سوء الاوضاع الاقتصادية وقضية الصراع، بهدف جمع أكبر ما يمكن من شرائح المجتمع الإسرائيلي، رغم أن الرابط واضح وقوي بين الأمرين.

 

 

الاحتلال يضر بالديمقراطية

 

 

ويتوقف التقرير عند التطورات السياسية في إسرائيل، ويشير إلى أنه في العامين الأخيرين تم ابعاد ملف المفاوضات والقضية الفلسطينية عن رأس جدول أعمال الحكومة، وفي موازاة ذلك تكاثرت المبادرات البرلمانية وغيرها لضرب التنظيمات المناهضة للاحتلال.

 

وقال التقرير "إن هذه المحاولات تذكرنا بطابع الاجراءات الأخطر، التي تتبعها قوات الأمن الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، وهذا بشكل تتغلغل فيه الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين إلى الساحة الداخلية الإسرائيلية لتبلور طابع الاجراءات ضد الاسرائيليين المناهضين للسيطرة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني. وهذا يعني أن الاحتلال يضر بالديمقراطية".

 

ويعدد التقرير سلسلة من القوانين والقرارات الحكومية والبرلمانية التي استهدفت بشكل خاص المنظمات والأطر المناهضة للاحتلال. ويؤكد أن مثل هذه السياسات والتوجهات تزيد من ضعضعة مكانة إسرائيل في الحلبة الدولية، وهي مكانة هشة أصلا بسبب استمرار الاحتلال.