بعد ليفني، بيرتس أيضًا يدفع خطة سياسية جديدة

وثائق وتقارير

*ليبرمان يراهن على حكم لا يمنعه من العودة إلى الخارجية *نتنياهو ضمن له حقيبة الخارجية وحقوقيون ينتقدون الخطوة *ليبرمان قلق من تراجع مكانته البرلمانية ويتخوّف من خسارة مكانة "الرجل القوي" في الحكومة المقبلة*

 

 

 

*ليبرمان يراهن على حكم لا يمنعه من العودة إلى الخارجية *نتنياهو ضمن له حقيبة الخارجية وحقوقيون ينتقدون الخطوة *ليبرمان قلق من تراجع مكانته البرلمانية ويتخوّف من خسارة مكانة "الرجل القوي" في الحكومة المقبلة*

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

 

بدأت مطلع هذا الأسبوع محاكمة وزير الخارجية السابق، أفيغدور ليبرمان، ولربما إن صح التعبير فهو أيضا وزير الخارجية "الموعود"، على ضوء ما نشر على لسان ليبرمان وغيره، بأن رئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهو، قد تعهد لليبرمان بإبقاء حقيبة الخارجية في عهدته، إلى حين انتهاء محاكمته، ما يخلق مشهدا وكأن الاثنين قد حسما قرار المحكمة، وأنها مسألة وقت حتى يعود ليبرمان إلى الوزارة، التي أدى نهجه فيها إلى تقديم لائحة اتهام ضده.

 

وتجري محاكمة ليبرمان بتهمة فساد واستغلال منصبه، وبتهمة خيانة الأمانة والتحايل، وهذا على خلفية دوره في ترقية دبلوماسي إسرائيلي إلى منصب سفير، ولاحقا اتضح أن هذا الدبلوماسي كان قد سرّب قبل نحو خمس سنوات معلومات حول تحقيقات سرية تجريها الشرطة الإسرائيلية ضد ليبرمان في قضايا تلقي أموال غير مشروعة، وحينما بات ليبرمان وزيرا للخارجية سعى إلى ترقيته.

 

وتحظر الأنظمة الإسرائيلية المعمول بها على من توجه ضده لائحة اتهام أن يشغل منصبا وزاريا، إلى حين صدور قرار من المحكمة بتبرئته، أو أن ادانته ليست بمستوى "وصمة عار" تمنع من إشغال منصب وزاري وحتى عضوية كنيست لعدة سنوات. وكان ليبرمان قد اضطر إلى الاستقالة من منصبه، قبل نحو شهرين، بعد أن اقرت النيابة العامة نهائيا تقديم لائحة اتهام ضده.

 

وحينما استقال ليبرمان، صرّح بأنه يأمل أن تجري له محاكمة سريعة جدا، كي يعود إلى منصبه، إلا أن المحاكمة التي بدأت يوم الأحد الماضي ستستأنف في نهاية شهرين نيسان المقبل، وتستمر في الاسبوع الأول من شهر أيار، للاستماع لشهود النيابة، ما يعني أن هذه المحاكمة ستستمر لأشهر ليست قليلة.

وسيكون من أبرز شهود النيابة ضد ليبرمان من كان نائبا له في الخارجية، داني أيالون، علما أن ليبرمان قد أطاح بأيالون من اللائحة الانتخابية لحزبهما "إسرائيل بيتنا"، كما سيشهد ضد ليبرمان مسؤولون وموظفون كبار في الوزارة، بدعوى أنه ضغط عليهم من أجل ترقية الدبلوماسي إياه.

 

حقوقيون يعترضون

 

وطرحت مسألة الاحتفاظ بحقيبة الخارجية لصالح ليبرمان على الرأي العام، وحتى الآن لم تأخذ القضية صدى كبيرا، لأن الحكومة الجديدة لم تتشكل بعد. وكانت صحيفة "هآرتس" قد اطلعت على رأي عدد من كبار خبراء الحقوق في إسرائيل، وقالوا إنه لا يوجد في القانون والأنظمة ما يمنع تجميد تعيين وزير خارجية جديد في الحكومة المقبلة، إلا أن هذه الخطوة فيها بث رسائل ليست سليمة للجمهور، بشأن نزاهة الحكم.

 

ويقول البروفسور عمانوئيل غروس، الخبير في القضاء الجنائي في جامعة حيفا: "إذا بث رئيس الحكومة رسالة إلى الجمهور مفادها أن احترام القانون هو أمر إجرائي ولا أكثر، فإذن نحن أمام مشكلة... فعدا القانون الجاف، هناك مقاييس علينا كلنا أن نأخذها بعين الاعتبار ونتبناها، وهي مقاييس أخلاقية وسلوكية".

 

وتابع غروس قائلا "إن القانون لا يمنع الإجراء الذي اتخذه نتنياهو، وربما لأن المشرّع لم يفكر بسيناريو كهذا، ولكن توجد الآن لائحة اتهام ذات ثقل ضد ليبرمان، بشأن مخالفة خطيرة، هي تهمة الغش والخداع، فهل هذا ما يعرضه نتنياهو على شعب إسرائيل؟ أن يعين شخصا متهما بالغش والخداع؟ أليس لديه مرشحون آخرون؟ إنه ليس أمرا صحيا، والرسالة للجمهور هي الأكثر سلبية".

 

ويقول البروفسور مردخاي كريمنيتسر، الخبير في القضاء الجنائي والتشريعات، "إن مقاييس الحكم التي تتكشف هنا، هي أنه فقط إدانة جنائية موصومة بالعار تكون حاجزا أمام تولي حقيبة وزارية، في حين أن دولة ذات نظام حكم سليم لا يمكن أن تقبل بتعيين كهذا، وبرأيي أن شخصا كهذا لا يمكن أن يكون وزيرا". وأضاف: "إن ما يظهر هو كأن هذه الحقيبة هي ملكيته، ورثة عائلية، وسيحصل عليها إلا إذا واجه حاجزا قضائيا".

 

ويقول عميد كلية الحقوق في جامعة حيفا، غاد برزيلاي، إن الرسالة التي يبثها نتنياهو هو أنه يؤمن لليبرمان أكثر مما يؤمن بالقضاء، وهذا أمر سلبي.

 

في المقابل، فقد اكتفى خبراء في الحقوق، مثل الوزير الأسبق أمنون روبنشتاين، بالقول إنه لا يوجد أي عائق قضائي أمام ما قرره نتنياهو، وانضم اليه في هذا الموقف البروفيسور أريئيل بندور.

 

 

ليبرمان العقبة

 

ولا تتوقف إشكالية شراكة ليبرمان في حكومة نتنياهو المقبلة عند هذا الحد، فليبرمان سيتمسك بكل وسيلة من أجل التحايل على موضوع الاستقالة، ويبقى قريبا من موقع القرار السياسي وأيضا ما يتعلق بالسلك الدبلوماسي، فهو كما يبدو سيتولى رئاسة اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية والأمن، إلى حين انتهاء محاكمته، وليس من المستبعد أن يطلب تعيين نائب وزير في وزارة الخارجية من حزبه "إسرائيل بيتنا"، إلى حين انتهاء البت في الملف.

 

لكن في المقابل، فإن ليبرمان في هذه الأيام، ما زال في المشهد السياسي الذي يظهر به في السنوات الأخيرة، فمهاجمته المتكررة لرئيس حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل) يائير لبيد، لم تأت صدفة، فلبيد حتى الآن يتقارب سياسيا مع اليمين، من خلال ما يعرضه عن تصوراته للحل الدائم، وآخرها رفض أي حديث عن القدس، وانتقاده لرئيس الحكومة السابق إيهود اولمرت، بادعاء أنه "ذهب في المفاوضات مع الفلسطينيين بعيدا، في الحديث عن القدس واللاجئين". كذلك، فإن لبيد يطالب بما يطالب به ليبرمان بشأن تجنيد الحريديم.

 

لكن مشكلة ليبرمان هي ليست مواقف لبيد، وإنما النتيجة التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فليبرمان يسعى إلى أن يكون الرجل القوي في كل حكومة، ولهذا فإن النتيجة الحاصلة تتسبب بقلق لديه، إذ أن كتلته "إسرائيل بيتنا" ستكون في حال انفصلت عن "الليكود" خامسة في الكنيست، بدلا من الكتلة الثالثة في الدورة السابقة للكنيست، والكتلة الثانية في الحكومة، وهذا الأهم من ناحيته.

 

والأهم من هذا، بالنسبة إليه، أنه في حال دخل لبيد إلى الائتلاف ومعه كتلة "البيت اليهودي" المتدينة، برئاسة نفتالي بينيت، الذي يحظى بشعبية، فإن كتلته ستكون رابعة بعد هاتين الكتلتين ومن قبلهما الليكود، ويعتقد ليبرمان أن مكانته كـ "الرجل القوي" ستتراجع في الحكومة الجديدة.

 

وما يقود إلى هذا الاستنتاج، هو تصرف ليبرمان في الدورة السابقة، ضد شركاء في الائتلاف، فقد سلّط هجومه على من كان رئيسا لحزب "العمل"، وزير الدفاع إيهود باراك، رغم أنهما لم يصطدما سياسيا، ومن قبل باراك، كان ليبرمان قلقا من احتمال انضمام حزب "كاديما" برئاسة تسيبي ليفني لحكومة نتنياهو في بداياتها، ولهذا، نذكر له أيضا هجومه غير المفهوم على "كاديما" وليفني في تلك الأيام.

 

ونذكر أيضا، أنه لدى تشكيل حكومة نتنياهو، التي باتت انتقالية منذ قرار الانتخابات، نجح في فرض إملاءاته على نتنياهو والليكود، فنسبة لعدد نواب كتلة "إسرائيل بيتنا" في الدورة السابقة، كانت الحقائب التي بيد ليبرمان أكثر قيمة من تلك التي بقيت بيد حزب الليكود، والأهم من هذا، من ناحية ليبرمان، أنه نجح في فرض إملاءاته فيما يتعلق بالحقائب الوزارية ذات الصلة بتطبيق القانون، مثل الشرطة والعدل.

 

ولهذا فإن قلق ليبرمان يعود ليس فقط بسبب وضعيته أمام القضاء، التي كما يبدو نهايتها لن تكون عائقا أمام عودته إلى الحكومة، وإنما لأن مكانته هو وحزبه ستكون أضعف مما مضى، ونهج ليبرمان هذا سيكون مؤشرا لسلوكه في الحكومة المقبلة، فهو كما يبدو لن يكون "القوي" و"المنضبط" في آن واحد، خاصة في حال دخلت الحكومة كتل برلمانية ذات شأن مثل "يش عتيد" و"البيت اليهودي".

 

هل هو التقاء مصالح؟

 

 

"اللغز الأكبر" في هذا المشهد هو سكوت نتنياهو وقبوله بهذه الشراكة المشروطة مع ليبرمان، فقد بدأ التنسيق بينهما منذ فترة طويلة، وهذا التنسيق هو الذي قاد إلى تحالف انتخابي للحزبين، وهو مستمر حتى الآن، رغم أن ليبرمان كان قد صرّح، في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات، أن التحالف بين حزبه و"الليكود" سينتهي في اليوم التالي للانتخابات وهذا ما لم يتم.

 

كذلك، فإن الاتفاق بين الحزبين كان يقضي بأنهما سيفحصان مستقبل الشراكة في كتلة برلمانية مشتركة بعد شهر من الانتخابات، وهذا ما كان يجب أن يكون في الأسبوع الجاري، ولكن لا مؤشرات لبحث من هذا النوع، إلا إذا فاجأنا نتنياهو وليبرمان بقرار جديد في هذا الشأن.

 

ونشير هنا، إلى أن كتلة "إسرائيل بيتنا" طلبت من لجنة الترتيبات في الكنيست بأن تحتفظ لها بمكاتب وقاعة، في مبنى البرلمان، وهذا مؤشر لنوايا مستقبلية، أو أنه إجراء من باب الاحتياط.

 

لكن كما يبدو، فإن النتيجة التي حققها الحزبان في الانتخابات البرلمانية جاءت مناقضة لكل التوقعات التي على أساسها جرى التحالف بينهما، إذ توقع الحزبان حصول لائحة التحالف على 45 مقعدا على الأقل، بدلا من 42 مقعدا كانا للحزبين في الدورة السابقة، في حين حصل الحزبان على 31 مقعدا معا، 20 لحزب الليكود بخسارة 7 مقاعد، و11 مقعدا لحزب "إسرائيل بيتنا" بخسارة 4 مقاعد.

 

ويعرف الحزبان أن انفصالا بينهما في هذه المرحلة، خاصة على ضوء التعقيدات في تشكيل الحكومة الجديدة، سيضعف مكانة الحزبين أمام الشركاء المحتملين، رغم أن كل الحلبة السياسية تتعامل مع هذا التحالف على أساس أنه حزبين، وليس واحدا.

 

وعلى الرغم من أن محركات السياسة تبقى محكومة بالقضايا الجوهرية، حتى وإن لم تظهر على السطح، إلا أن هناك دورا للجانب الشخصي، خاصة في حالة ليبرمان وشخصيته الإشكالية. وبناء على طبيعة الشخصية، من الصعب رؤية استمرار التحالف بين الحزبين لفترة طويلة، كما أن شراكة ليبرمان وحزبه في الحكومة المقبلة، لن تكون على شكل الشراكة التي شهدناها في الدورة السابقة، بل من المتوقع أن تلعب دورا إشكاليا بين كتل الائتلاف.