شارون: خطة الفصل الأحادي "أهم خطوة بالنسبة لاسرائيل في الوقت الراهن"

وثائق وتقارير

*الدورة الشتوية بدأت بأحاديث عن انتخابات مبكرة سرعان ما تبددت سريعًا وانتهت بأحاديث مشابهة بددها نتنياهو *استطلاعات الرأي العام تتحدث عن ثبات المعسكرات السياسية ما يقلل من احتمال الذهاب إلى انتخابات مبكرة*

 كتب برهوم جرايسي:

 اختتم الكنيست الاسرائيلي في الشهر الماضي دورته الشتوية، التي طغت عليها البرودة السياسية، وها هو يستعد لافتتاح دورة صيفية، تقول كل المؤشرات إنها قد تكون أشد برودة من غيرها، وفي ظل ظروف كهذه يصاب أحيانا بعض مراقبي ومحللي الشؤون الحزبية في اسرائيل بالملل، فيختارون عناوين جذابة.

 

 

وكما افتتح بعضهم الدورة الشتوية بكثرة الحديث والشرح عن انتخابات مبكرة، وأن الدورة الشتوية لن تنتهي بشكل طبيعي، وهذا ما تبدد، فقد يكون بعضهم نسي تجربته، أو اعتمد على ذاكرة الجمهور القصيرة، فاختار أن ينهي الدورة بما بدأ بها، والحديث مجددا عن انتخابات مبكرة، إلا أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وفي هذه المرّة بالذات، اختار أن يرد، ومعلنا أن ليس في نيته التوجه إلى انتخابات مبكرة، وطلب من وزراء حزبه أن يسربوا هذا، "كما يحبون أن يفعلوا".

 

وفي أوج الحديث السابق عن انتخابات مبكرة، وخاصة في الشهر الاول من العام الجاري، قيل هنا، إن انتخابات مبكرة تحتاج إلى عدة عوامل، وهي ليس موجودة، ما يعني أنه لا يوجد ما يبرر مثل هذه الانتخابات.

 

وأبرز هذه العوامل هو أزمات بمستوى عال يشل عمل الحكومة ويضطرها للتوجه إلى انتخابات مبكرة، وفي العدد 273 (24/1/2012) جرى استعراض الأزمات التي واجهتها حكومات العقدين الأخيرين، وقادت للتوجه إلى انتخابات مبكرة، ولكن هناك عاملا آخر، كان مرّة واحدة في تاريخ السياسة الاسرائيلية، في نهاية العام 2002، حينما شعر أريئيل شارون أنه حقق قوة برلمانية أكبر مما كانت له، وتوجه إلى انتخابات مبكرة جرت في مطلع العام 2003، وتحققت تقديراته.

 

وحتى اليوم فإننا لا نرى أي أزمات تواجهها حكومة نتنياهو بمستوى يضطرها إلى حل الحكومة والتوجه إلى انتخابات مبكرة، كما أن استطلاعات الرأي التي تشير إلى ثبات قوة الليكود، تشير أيضا إلى أن قوة الائتلاف الحاكم مجتمعة لن تزيد، وسيحافظ على الأغلبية التي له حاليا (65 مقعدا) في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة، كلك فإن حالة التفتت التي يشهدها المعسكر الآخر، خارج الائتلاف الحاكم، لا يكفي ليكون سببا في التوجه لهذه الانتخابات.

 

وفي الأسابيع الثلاثة الماضية ظهرت خمسة استطلاعات للرأي، اثنان في صحيفة "يديعوت أحرونوت" وآخران في صحيفة "معاريف" وواحد في صحيفة "هآرتس"، وقد جاءت نتائج استطلاع "هآرتس" شاذة بعض الشيء عن باقي الاستطلاعات، بمنحه حزب الليكود 37 مقعدا، والائتلاف الحاكم ككل 71 مقعدا، ولكن باقي الاستطلاعات جاءت متشابهة، بمنحها حزب الليكود ما بين 27 مقعدا إلى 29 مقعدا، في حين أن لليكود اليوم 27 مقعدا، بينما قوة الائتلاف الحاكم تراوحت ما بين 63 مقعدا إلى 65 مقعدا.

 

والمتغير الأكبر في هذه الاستطلاعات، وهي تجمع عليه، أن حزب "كاديما" المعارض سيتلقى ضربة جدية في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة، بفقدانه أكثر من نصف المقاعد الـ 28 التي يسيطر عليها اليوم من أصل 120 مقعدا برلمانيا، وقد تعززت هذه التقديرات بعد فوز شاؤول موفاز برئاسة الحزب، مطيحا بذلك برئيسة الحزب تسيبي ليفني، التي تترقب الساحة السياسية ما ستقرره بشأن مستقبلها السياسي، إذ كثرت الأحاديث التي تتحدث عن قرار محتمل باعتزال ليفني السياسة، التي دخلتها برلمانيا في ربيع العام 1999.

 

وكما ذكر، فإنه بعد يومين من ظهور إحدى الصحف الكبرى بعنوان صارخ، يدعي أن نتنياهو سيبادر إلى اجراء انتخابات مبكرة، لتكون يوم 18 أيلول المقبل، قال نتنياهو في اجتماع لوزراء حزب "الليكود" الحاكم، "إنني لا أستعجل إلى أي مكان، وليس لدي أية نية لتقديم موعد الانتخابات". وأضاف قائلا للوزراء: "تستطيعون منذ الآن ارسال رسائل قصيرة SMS، كما تحبون أن تفعلوا وتنقلوا ما قلته لكم في هذا المجال".

 

ويذكر أن الموعد الرسمي للانتخابات البرلمانية هو خريف العام 2013.

 

ونتنياهو بموقفه هذا مطمئن لحقيقة تحدثنا عنها هنا من قبل، وهي أن جميع الشركاء في الائتلاف الحاكم، ليسوا معنيين في هذه المرحلة بحل الحكومة والتوجه إلى انتخابات مبكرة، وإذا كان هذا صحيحا على مدى الفترة السابقة، فإن هذا تعزز أيضا بعد قراءة استطلاعات الرأي، التي تتوقع لكل واحد من الأحزاب المشاركة خسارة أو زيادة مقعد أو مقعدين، باستثناء حزب إيهود باراك، "عتسماؤوت" الذي سيختفي عن الساحة كليا في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة.

 

ما كان وما

هو متوقع

 

 

لم تأت الدورة البرلمانية الشتوية بشيء يذكر حتى على مستوى التشريعات، باستثناء دفع إضافي لعدد من الأحزاب العنصرية، ولم تشهد أيا من الأزمات التي توقف الحلبة السياسية على قدميها، ولكن في الدورة الصيفية المقبلة، هناك موضوعان ساخنان بموجب المقاييس الإسرائيلية، وسيتركان أثرا على الائتلاف الحاكم.

 

أول هذين الموضوعين، هو قرار المحكمة العليا الإسرائيلية وقف العمل بقانون "طال" الذي ينظم إعفاء اليهود الأصوليين من الخدمة العسكرية الالزامية، وهو قانون مؤقت كان يتم تمديده من حين إلى آخر، وآخر تمديد ينتهي في شهر آب المقبل.

 

وفي الائتلاف الحاكم هناك ثلاثة مواقف واضحة: الأول موقف "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان الذي يطلب فرض التجنيد الالزامي أو الخدمة المدنية الالزامية على كل الحريديم، أو تقليص الاعفاء سنويا لعدد محدود جدا من الحريديم، والى جانب هذا الحزب هناك أصوات خافتة في داخل الليكود، تختار النغمة الدبلوماسية، كي لا يثير غضب الشركاء الاصوليين.

 

وفي الكتلتين الأصوليتين هناك موقفان، الموقف المتشدد نجده عند كتلة "يهدوت هتوراة" الأشكنازية، الأكثر تمسكا والتزاما بالشرائع الدينية، وترفض أي حديث عن فرض الخدمة العسكرية أو المدنية الإلزامية على الحريديم، وهي تطالب بتمديد الوضع القائم. وفي المقابل فإن موقف "شاس" الأصولي لليهود الشرقيين، أكثر ليونة، وعلى استعداد للبحث عن صيغة توافقية ترضي كافة الأطراف، فهذا الحزب يرتكز ليس فقط على جمهور الحريديم، بل أيضا على الشرائح الفقيرة والضعيفة المحافظة وليس بالضرورة متدينة متشددة.

 

السيناريو الأقوى، هو أن هذا الموضوع لن يكون مصدر أزمة لحل الحكومة الحالية، لأن حل الحكومة والتوجه إلى انتخابات برلمانية لن يحل المشكلة بل سينقلها إلى الحكومة التالية بالتركيبة الائتلافية ذاتها، فالمؤسسة الإسرائيلية تتعامل مع هذا الموضوع بحذر، ليس فقط من اعتبارات حزبية، بل أيضا لأنها لا تريد أن تدخل في مواجهة صدامية مع جمهور يتكاثر سنويا طبيعيا بنسبة تفوق 3%، والصدام مع هذا الجمهور سينعكس على نسيج المجتمع اليهود المتنوع، وكثير التعقيدات.

 

أما القضية الثانية فهي أخف وطأة على الائتلاف الحاكم، وهي قضية البؤرة الاستيطانية ميغرون، التي أمرت المحكمة العليا بإخلائها بموجب قرار صادر منذ اكثر من ثلاث سنوات، رافضة "حل الوسط" بين الحكومة والمستوطنين، فكل الائتلاف الحاكم يناصر المستوطنين أيضا في هذه القضية، ولهذا فإن الحكومة ستعمل جاهدة لإيجاد حل يسكت المحكمة العليا ويرضي الحكومة ذاتها مع المستوطنين.

 

 

انتخابات

رئاسة "كاديما"

 

 

دارت المنافسة على رئاسة حزب "كاديما" على مدى أسابيع، وسط تكهنات تميل إلى احتمال فوز شاؤول موفاز برئاسة الحزب، ولكنها لم تكن مؤكدة، نتيجة عدة عوامل في تركيبة الحزب، وأيضا نظرا لوجود ثلاثة مرشحين، موفاز وتسيبي ليفني وآفي ديختر، إلا أن الأخير انسحب في الأسبوع الأخير، معلنا دعمه لموفاز، مما جعل فوز هذا شبه مؤكد حتى قبل يوم، وهذا ما أفرزته الانتخابات.

 

وقد كانت الانتخابات مقياسا لوضعية الحزب ميدانيا، فمن أصل 95 ألف منتسب للحزب شارك في الانتخابات 44%، وهي نسبة ليست بعيدة عن تلك التي كانت في انتخابات رئاسة حزب "الليكود" الحاكم، ولكن من الملفت للنظر أن نسبة العرب من بين المصوتين كانت نحو 25%، أي قرابة 10 آلاف ناخب، صوتوا بغالبيتهم الساحقة لصالح موفاز، ولكن علمت التجربة أن منتسبين كهؤلاء ينتسبون من دون وعي، ومن خلال مقاولي أصوات يتقاضون مالا، أو أنهم موعودون بوظيفة ما وغيرها.

 

ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العام 2009، وعلى الرغم من أن حزب "كاديما" كان حزبا حاكما، مع مؤشرات إلى ثبات قوته، حصل الحزب على 7ر3% من أصوات العرب، وهذا يعني حوالي 13 ألف صوت، غالبيتهم الساحقة من قطاع معين، ولهذا فإن نسبة المشاركة العربية في انتخابات "كاديما" مصطنعة، ولكن فوز موفاز برئاسة الحزب، بنسبة 62% مقابل 38% لليفني، كان محسوما حتى من دون هذه المشاركة والتأييد من العرب.

 

على الرغم من أن استطلاعات الرأي تجمع حاليا على أن حزب "كاديما" سيتلقى ضربة قاسية في الانتخابات المقبلة، إلا أنه من السابق لأوانه تبني هذا الاستنتاج، خاصة وأنه ما زال هناك وقت حتى تلك الانتخابات، وأداء الحزب سيقرر مصيره بشكل أكبر، ولكن الانطباع السائد لدى المحللين، و"صنّاع" استطلاعات الرأي، أن شخصية موفاز لن تجذب جمهور "الوسط" في إسرائيل الذي سيتجه، حسب تلك الاستطلاعات إلى حزب الصحافي يائير لبيد، كما أن حزب "العمل" سيسترجع بعضا من قوته التي تسربت إلى "كاديما" في الانتخابات السابقة.

 

وكما هي الحال لكاديما، فكذا أيضا بالنسبة لحزب يائير لبيد، فهذا حزب الشخص الواحد، وحزب اللمعان والموضة، إن صح التعبير، ومثل هذه الأحزاب في الساحة الاسرائيلية هي أحزاب لمرّة واحدة، أو مرتين على الأكثر، فمن قبل يائير هناك والده تومي، الذي حقق في انتخابات العام 1999 ستة مقاعد، وفي العام 2003 قفز إلى 15 مقعدا، وتبخر الحزب كليا في انتخابات العام 2006، وليس فقط أنه لم يجتز نسبة الحسم- 2%، بل إنه لم يحقق حتى أصوات مقعد واحد.

 

ولذا فإن استطلاعات الرأي ستشهد في الفترة المقبلة عدة تقلبات، ولكن الاستنتاج الأقرب إلى الواقع منذ الآن، هو أن الخريطة السياسية في إسرائيل ستستمر في حالة التشرذم والتشتت، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي، حتى وإن رأينا هذه الحكومة باقية في الحكم إلى حين الموعد الرسمي للانتخابات أو لموعد قريب منه، لتحقق بذلك أطول عمر في تاريخ الحكومات منذ العام 1988.