*متسناع يعود لنشاط فعال في الحزب بعد ست سنوات سبقتها قيادة الحزب لبضعة أشهر *استطلاع يدعي أن فرص الحزب ستكون الأفضل برئاسة متسناع*
*متسناع يعود لنشاط فعال في الحزب بعد ست سنوات سبقتها قيادة الحزب لبضعة أشهر *استطلاع يدعي أن فرص الحزب ستكون الأفضل برئاسة متسناع*
كتب برهوم جرايسـي:
أعلن الرئيس الأسبق لحزب العمل الإسرائيلي عمرام متسناع رسميا في الأسبوع الماضي عن عودته إلى حزب "العمل" كعضو فعال، منافسا على رئاسة الحزب، الذي بات من أصغر الكتل البرلمانية بعد ضربات الانتخابات الأخيرة والانشقاق الذي حصل في الحزب في منتصف الشهر الأول من هذا العام، إلا أن المفاجأة أحدثها استطلاع للرأي العام أظهر أن متسناع بالذات سيعيد قسطا كبيرا من قوة الحزب، يعيده على الأقل إلى المركز الثالث من بين الأحزاب البرلمانية، ولكن بين هذا وحتى ثبات الحقيقة هناك طريق طويلة، واحتمالات الربح والخسارة في المنافسة، والنجاح والفشل في القيادة، متقاربة جدا.
من هو عمرام متسناع
ظهر عمرام متسناع (66 عاما) في واجهة العمل السياسي الشعبي في نهاية العام 1992، وبرز أكثر لدى فوزه برئاسة بلدية حيفا في العام 1993، رغم أنه سكن في المدينة قبل نحو عام من انتخابه، وكان من أكثر رؤساء البلديات شعبية إلى جانب رئيس بلدية تل أبيب شلومو لاهط (تشيتش)، لكن شعبيته لم تكن لدوره في العمل البلدي، بل بسبب ماضيه العسكري، فهو من الرافضين لسياسة وزير الدفاع أريئيل شارون في العام 1982، وفي المقابل فهو الجنرال الذي أشرف على قمع انتفاضة الحجر الفلسطينية التي اندلعت في أواخر العام 1987، بحكم كونه قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي.
وفي الحرب الإسرائيلية الأولى على لبنان التي اندلعت في السادس من حزيران 1982، كان متسناع برتبة عميد في الجيش، وقائد أركان الجبهة الشمالية في مواجهة الجيش السوري، إلا أنه حسب معلومات وردت بعد ذلك بفترة، فقد انتقد الأهداف التي وضعها أريئيل شارون لتلك الحرب، وبعد أقل من أسبوع من ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في حينه إن متسناع كان قد طلب إعفاءه من منصبه في الجيش، بسبب نية شارون مهاجمة العاصمة بيروت، وأن متسناع أوضح لقادته أن الحديث يجري عن احتجاج سياسي، وأنه سيكون مستعدا للعودة إلى الجيش بعد أن يستقيل وزير الدفاع شارون، وبذلك كان أعلى قائد في الجيش يعلن عن رفض الخدمة فعليا.
ويذكر في حينه أن متسناع كان واحدا من عدد كبير من كبار الضباط الذين رفضوا سياسة شارون، وعملوا على التمرد عليها في هيئة أركان الجيش وأروقة الجيش الأخرى.
وفي العام 1987، جرت ترقية متسناع إلى رتبة لواء، وتولى منصب قائد المنطقة الوسطى في الجيش، وفي نهاية العام ذاته، اندلعت انتفاضة الحجر الفلسطينية، وقاد متسناع قمعها وسقط فيها مئات الشهداء وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المعتقلين، وبقي في منصبه حتى العام 1989.
رغم دوره في قمع انتفاضة الحجر، التي ارتكب فيها الجيش جرائم حرب فظيعة من قتل وتدمير وتنكيل، إلا أنه تم وضعه بعد خلع بزته في الجناح الداعي للمفاوضات مع الفلسطينيين، وكان من الداعمين لمسار أوسلو، ومن قبل لمسار مدريد.
وقد ترشح متسناع لرئاسة بلدية حيفا في العام 1993 عن حزب "العمل"، وفاز برئاسة البلدية بأغلبية كبيرة، وأعيد انتخابه بسهولة تامة في العام 1998، ولكن قبل أن تنتهي ولايته الثانية بعشرة أشهر استقال من منصبه مع انتخابه لأول مرة لعضوية الكنيست على رأس حزب العمل.
وقبل ذلك، كان متسناع قد تنافس على رئاسة حزب "العمل" في نهاية صيف العام 2002، بعد أن كان الحزب قد تلقى سلسلة من الضربات، أبرزها خسارة رئاسة الحكومة في شباط العام 2001، واستقالة إيهود باراك من رئاسة الحزب، لتجري انتخابات على رئاسة الحزب فاز بها في المرّة الاولى أبراهام بورغ، ليتبين حجم التزوير والمخالفات، ثم جرت الانتخابات مرة ثانية في نهاية العام 2001، شرط أن تجري انتخابات أخرى قبل أي انتخابات برلمانية جديدة، وقد فاز في المرّة الثانية بنيامين بن اليعازر، الذي فقد منصبه لصالح متسناع بعد حوالي 10 أشهر.
وتسلم متسناع حزبا متهاويا، كان له في الكنيست 26 مقعدا، ولم يكن بإمكانه أن يسيطر على دفة أمور الحزب، الذي كان منقسما بين معسكرات متناحرة، في حين أنه لم يكن قائدا لأي من المعسكرات، إلا أنه استفاد من اصطفاف عدد من المعسكرات الصغيرة إلى جانبه من باب المنافسة بين المعسكرات المختلفة.
ونذكر في تلك الأيام، أي في نهاية العام 2002 وحتى الانتخابات التي جرت في الشهر الأول من العام 2003، كيف أن حزب "العمل" خاض تلك الانتخابات في ظل المشاحنات والصراعات الداخلية، ولهذا هبط الحزب من 26 مقعدا إلى 19 مقعدا، مقابل عدد مقاعد مضاعف لحزب الليكود، أي 38 مقعدا.
فور صدور النتيجة استدرك متسناع وضعيته في الحزب وتحمل مسؤولية النتيجة واستقال من منصبه، ولكن الصورة التي رسمت له كانت "الشخص الضعيف"، وبقي عضوا في الكنيست حتى منتصف شهر تشرين الثاني من العام 2005، في تزامن مع الانشقاق في حزب "الليكود" الذي قاده رئيس الحكومة أريئيل شارون، والإعلان عن قرب الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وحينها فضّل متسناع الذي بقي في الظل ما يقارب ثلاثة أعوام أن يتولى منصب رئيس اللجنة المعينة من قبل وزارة الداخلية لبلدة يروحام الصغيرة الفقيرة في الجنوب، وعلى الرغم من أنه لا شعبية للجان الشعبية التي تأتي محل الانتخابات، إلا أن متسناع نجح في أن يعود إلى أطراف السياسة، بعد كثرة التقارير التي تحدثت عن نجاحه في إدارة شؤون البلدة، التي تعتبر أحد رموز الفقر بين اليهود، وترك هذا المنصب بعد خمس سنوات، في أعقاب انتخابات جرت في البلدة.
عودة تدريجية إلى
الحلبة السياسية
في أواخر العام الماضي 2010، ظهر اسم متسناع ضمن بورصة الأسماء المرشحة للتنافس على رئاسة حزب "العمل"، ووصل الحد للقول إن رئيس الحزب في حينه، إيهود باراك، يشجع متسناع على العودة إلى الحزب والتنافس على رئاسته، إلا أن أصوات اعتراض كثيرة ظهرت في الحزب، وفي المقابل أعلن متسناع عن تخليه عن فكرة العودة.
وما ثبّت متسناع في رأيه كان الانشقاق الذي حصل في حزب "العمل" في السابع عشر من كانون الثاني من العام الجاري، بقيادة رئيس الحزب ذاته باراك، وكما يبدو فإن متسناع لم يقرأ الصورة من كل جوانبها، واعتقد بداية أن حزب "العمل" بدأ يطفئ مصابيح مقراته نحو النزول كليا عن المشهد السياسي الإسرائيلي.
لكن التقارير اللاحقة أظهرت أن احتمالات انتعاش الحزب لا تزال واردة، لا بل إن استطلاعات الرأي منحته احتمال استعادة مقاعد قليلة إلى جانب الحفاظ على المقاعد الثمانية التي بقيت للحزب بعد انشقاق باراك.
وقبل أقل من شهرين، كان متسناع من ضمن أكثر من 50 شخصية إسرائيلية، غالبية البارزين فيها هم قادة أجهزة أمنية وعسكرية سابقون، أعلنت عن مبادرة سلام إسرائيلية "جديدة"، ورغم أن مجموعة الشخصيات الملتفة حول هذه المبادرة، كان لها مكانتها سابقا في دائرة القرار، ونذكر منهم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق أمنون ليبكين- شاحك، ورئيسي جهاز المخابرات العامة "الشاباك"، يعقوب بيري وعامي أيالون، ورئيس جهاز الموساد الأسبق داني ياتوم، وغيرهم الكثير من الأسماء التي برزت على الساحة الإسرائيلية حينما كانت في عملها وبعد خروجها إلى الاحتياط والتقاعد، إلا أن المبادرة، وكما ذكر سابقًا، لم تحظ بالضجة التي كان يتوخاها أصحابها، لا رسميا ولا شعبيا. وكانت تلك المبادرة شبيهة بسلسلة مبادرات ظهرت في السنوات الأخيرة، وتلتقي بالأساس مع ما يعرف بـ "خطة بيل كلينتون".
وانتظر متسناع بضعة أسابيع، حتى بدأت تتسرب معلومات حول نيته العودة إلى حزب "العمل" والتنافس على رئاسة الحزب، وهذا ما تم رسميا في الأسبوع الماضي.
يواجه شخصيات
ليست سهلة
يعود متسناع إلى حزب "العمل"، وأمامه منافسة ليست سهلة، وأبرزها مع النائبة شيلي يحيموفيتش، ثم مع يتسحاق هيرتسوغ، وحتى مع الرئيس السابق لحزب "العمل" عمير بيرتس، صاحب الفرص الأضعف، ولكن كما يبدو فإنه يهدف من هذه المنافسة إلى تثبيت مكانته في الحزب، ومثل فرص بيرتس أيضا نجدها لدى منافس خامس هو شلومو بوحبوط، رئيس اتحاد المجالس البلدية والقروية في إسرائيل، وقد يظهر متنافسون آخرون.
إلا أن المفاجأة أحدثها استطلاع أجراه معهد داحف بإشراف الخبيرة الشهيرة مينا تسيمح، لصالح صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد اظهر أن حزب "العمل" برئاسة عمرام متسناع سيحصل على 17 مقعدا، وهذا على حساب حزبي "الليكود" و"كاديما" اللذين سيحصلان على ما بين 34 مقعدا إلى 26 مقعدا لكل واحد منهما، كما أن معسكر اليمين المتشدد سيهبط من 65 مقعدا إلى 62 مقعدا من أصل 120 مقعدا في الكنيست.
أما في حالة رئاسة باقي المتنافسين في حزب "العمل" فإن الحزب سيحصل على ما بين 7 إلى 10 مقاعد على الأكثر، مقابل ما بين 28 إلى 31 معقدا لحزبي "الليكود" و"كاديما".
بطبيعة الحال لا يمكن الأخذ بهذه الاستطلاعات، فهي حتى لن تكون حقيقية إلا بعد انتخابات حزب "العمل" وحتى قبيل الانتخابات البرلمانية. لكن هناك سلسلة من الحسابات التي قد تساعد متسناع، فلربما أنه سيحظى بدعم علني ومباشر من الشخصيات العسكرية والأمنية التي التقى معها في "مبادرة السلام الجديدة"، وقد يلقى دعما من منافسين آخرين في الحزب يعلنون انسحابهم لصالحه. وستتضح الصورة مع بدء المعركة رسميا في داخل الحزب، واقتراب موعد الانتخابات في أواسط شهر أيلول المقبل.
وأيضا في حال فوزه، فإن فرص نجاحه بقيادة الحزب تحكمها سلسلة من الشروط، وأولها رص صفوف الحزب، أو ما تبقى من الحزب، ورفع صوت سياسي بديل، يٌحرج حزب "كاديما" المعارض، الذي اقتنص عشرات آلاف الأصوات من حزب "العمل"، ومن الجمهور المحسوب على اليسار الصهيوني، ولكن هذا يبقى أمرا من السابق لأوانه الحكم عليه.
في مطلع الأسبوع الجاري أعلن وزير الدفاع إيهود باراك أنه سيعلن في الأيام القليلة تثبيت كتلته البرلمانية المنشقة كحزب سياسي في إسرائيل، وحتى الآن فإن استطلاعات الرأي تمنحه صفرا من المقاعد، وكما يبدو فإن باراك يريد تثبيت حزبه سياسيا تمهيدا لإبرام صفقة انضمام لحزب آخر في أي انتخابات برلمانية مقبلة، فباراك لا يستطيع أن يراهن على شعبيته في خوض الانتخابات المقبلة، وإن رأى نفسه يخوض الانتخابات بشكل مستقل فقد يختار النزول عن المسرح بمحض إرادته، وليس بسقوط انتخابي مدو.