وثائق وتقارير

*تحليلات إسرائيلية: نظام الأسد ما زال قادرًا على الصمود!*

 أكدت معظم التحليلات الإسرائيلية التي تناولت موضوع مرور عام واحد على اندلاع الثورة في سورية أن جميع التوقعات التي راجت في إسرائيل بشأن مآل هذه الثورة لم تتحقق، وأن نظام بشار الأسد ما زال قادرًا على الصمود.

 وقال تسفي بارئيل، محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، إنه بعد مرور عام على الثورة في سورية يبدو الأسد في وضع صعب لكنه صامد.

 

وأشار إلى أنه لدى اندلاع الثورة تنبأ المحللون والمعلقون في إسرائيل بأن سورية تسير على خطى مصر وليبيا، وأن أيام الأسد في الحكم باتت معدودة، وذهب البعض في توقعاتهم إلى حد القول بأن سقوط الأسد سيتم في غضون أسابيع أو أشهر كحد أقصى. لكن هذه التوقعات لم تتحقق، فلا يزال الأسد يسيطر على السلطة في بلده، وما زالت النخبة الحاكمة في سورية ملتفة حوله، ولم يتجاوز عدد المنشقين من الجيش الـ 30- 40 ألف جندي، بينهم عدد قليل من الجنرالات وصغار الضباط الذين لا يشكلون خطراً على القوات النظامية في سورية، كما أن الدعم الذي يحظى به الأسد من روسيا والصين وإيران ما زال قادراً على لجم أي هجوم عسكري خارجي على نظامه.

 

وأضاف: ما الذي يجعل سورية تختلف عن ليبيا؟ وما هو السبب الذي يجعل أغلبية دول الغرب والدول العربية غير مستعدة للقيام بهجوم على النظام السوري؟ إن الفارق الأساس بين سورية وليبيا يكمن في موقع سورية الاستراتيجي وفي تحالفها مع إيران وروسيا. وقبل بضعة أسابيع أوضح عدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية لـ "هآرتس" أن الخوف الأساس هو من أن يؤدي الهجوم العسكري على سورية إلى رد إيراني في الخليج الفارسي. وقال دبلوماسي أميركي عمل لأعوام عديدة في الشرق الأوسط إنه "يكفي أن تفتح إيران النار على أهداف في البحرين أو في الخليج كي تنشأ أزمة دولية تحوّل الأنظار من سورية إلى الخليج".

 

ومن الأمور الأخرى التي تثير القلق، برأي هذا المحلل، ردة فعل روسيا التي شعرت بأنها خُدعت في موضوع ليبيا عندما وافقت على قرار مجلس الأمن بإقامة مناطق حظر جوي لأسباب إنسانية ولحماية المدنيين الليبيين، فإذا بقوات الناتو تستخدم القرار للبدء بهجوم واسع على قوات القذافي شمل هجمات من الجو وقصف صاروخي من البحر، وقد استُبعدت روسيا عن المعركة الدائرة في ليبيا، الأمر الذي جعلها تخسر فرصة التحالف مع النظام الجديد. ولذا فإن الدروس المستخلصة من تجربة ليبيا هي التي جعلت روسيا في طليعة المعارضين لأي عملية عسكرية ضد سورية، وقد ترافق هذا الموقف مع إظهار روسيا دعمها اللوجستي للأسد، من خلال إرسال سفنها إلى ميناء طرطوس في سورية حيث تملك قاعدة بحرية، ومن خلال التصريحات الحادة بأنها لن تسمح بهجوم عسكري على سورية.

 

ودفعت التهديدات الإيرانية والروسية دول الناتو ودول الاتحاد الأوروبي إلى الاقتناع بأن الأسد هو عكس القذافي الذي لم يكن يحظى بالدعم الاستراتيجي من أي دولة عظمى. فعلى الرغم من ضعف الأسد العسكري، وعدم امتلاك بلده ثروات طبيعية تستحق القتال من أجلها، ومع أن دولته على حافة الإفلاس، إلاّ إنه قادر على أن يتسبب باندلاع حرب إقليمية. لكن، ومع ذلك، ليس فقط الدعم الاستراتيجي الذي يحظى به الأسد هو الذي حال دون سقوطه، فالدول العربية تمتنع من تقديم الدعم، الذي قدمته سابقاً لمهاجمة القذافي، من أجل مهاجمة الأسد. كذلك كانت فكرة إقامة مناطق حظر للطيران في ليبيا هي فكرة الجامعة العربية التي تقدمت بها إلى مجلس الأمن، وهي التي مهدت الطريق للهجوم على ليبيا، لكن فيما يتعلق بسورية فإن أغلبية الدول العربية ما زالت مترددة في هذا الشأن. فما هو السبب الذي جعل الدول العربية تدعم الهجوم على ليبيا وتتردد في اتخاذ موقف مشابه إزاء سورية؟ يبدو أن الجواب له علاقة بدروس الثورات العربية كما يراها عدد من الدول العربية، ولا سيما في ظل ما يحدث في مصر التي ما زالت تبحث عن سبيل لتحقيق الديمقراطية والتي بات مستقبلها السياسي بين يدي الإخوان المسلمين، وفي ظل النزاع الذي تشهده ليبيا بين محافظتيها الشرقية والغربية والصراع بين العصابات التي تحاول السيطرة على أجزاء من المدن، ونتيجة الوضع في اليمن الذي بات مسرحاً لانفجار العبوات الناسفة وللحرب التي يشنها الأميركيون ضد القاعدة. وجميع هذه الأسباب لا تشجع الدول العربية على تقديم المساعدة من أجل إسقاط النظام في سورية في وقت ما زال فيه البديل مجهولاً.

 

وهنا يكمن العائق الأساس الذي يميز سورية عن ليبيا حيث برزت منذ المراحل الأولى للثورة معارضة قوية ذات قيادة وجيش، كما كان انهيار الجيش الليبي سريعاً، وساهم الاتفاق بين المواطنين والمقاتلين والزعامة الجديدة في ليبيا في تقديم البديل الحقيقي للسلطة هناك. في المقابل، ما زالت المعارضة السورية بعيدة عن النموذج الليبي، فلا يملك الجيش السوري الحر، الذي لديه كتائب عسكرية في كل المدن السورية الكبرى، السلاح الذي كان لدى المعارضة الليبية، وما زال عدد دباباته محدوداً، وأغلبية السلاح الذي لديه هو عبارة عن رشاشات وبنادق وراجمات وقنابل. صحيح أن هذا الجيش يحصل على مساعدة مالية من السعودية وقطر، لكنه يواجه صعوبة في الحصول على السلاح وإدخاله إلى سورية، والأهم من هذا كله أن أغلبية المنشقين عن الجيش لم تنضم إلى صفوفه، وقد انضم عدد من هؤلاء إلى الجنرال مصطفى الشيخ الذي أقام مجلساً عسكرياً خاصاً به، وهو يقوم بعمليات مسلحة منفردة. وهذا التنظيمان العسكريان (إلى جانب الميليشيات التابعة للعشائر) لا ينسقان عملياتهما مع المعارضة المدنية ولا مع المجلس الوطني السوري الموجود خارج سورية والذي يعاني هو أيضاً من الخلافات الداخلية. والحصيلة الإجمالية لهذا كله هي عدم وجود هيئة أو شخص في سورية يمكن الاعتماد عليه لأن يشكل بديلاً للحكم الحالي. وحتى لو وافقت الدول العربية على الطلب من قوات الغرب مهاجمة سورية، وحتى لو وافقت الدول الغربية على الطلب وقامت بإسقاط الأسد، فثمة حاجة إلى تعيين حكومة موقتة في وقت ليس معروفاً ما سيؤول إليه الوضع في سورية، هل سيكون مشابهاً لما حدث في العراق أم مشابهاً لما حدث في أفغانستان؟

 

وختم بارئيل قائلاً: لقد دخلت سورية العام الثاني للثورة، وربما يبدو نظام الأسد متصدعاً لكنه ليس منهارًا. وما دامت كل من إيران وروسيا تقف إلى جانبه، وما دامت عائلة الأسد تسيطر على الجيش، وما دام الجيش يدعم هذه العائلة، وما دام الأسد لم يقرر التنحي شخصياً، فإن هذا النظام ما زال قادراً على الصمود.

 

 

على إسرائيل أن تمتنع عن

أي تدخل في شؤون سورية

 

 

من ناحيته رأى المستشرق د. غاي بيخـور، في سياق مقال في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه لا يجوز لإسرائيل أن تتدخل بأي شكل من الأشكال في حمام الدم الذي تشهده سورية، ولا حتى عن طريق تقديم مساعدات إنسانية.

 

وأضاف: لا بد من القول إن الصراع الدائر في سورية لا يخصنا مطلقاً، فضلاً عن أن المتمردين على النظام هناك ليسوا أصدقاء لإسرائيل ولن يكونوا أصدقاء لها في المستقبل. في الوقت نفسه فإنه حتى الدول العربية "الشقيقة" لسورية لا تخفّ إلى تقديم مساعدات إنسانية لها وإنما تنأى بنفسها عنها، فلماذا يتعين على إسرائيل أن تكون أول من يرسل مساعدات كهذه إليها؟ وهل قامت سورية بإرسال مساعدات إنسانية إلى إسرائيل عندما كانت في السابق عرضة لهجمات عسكرية، مثل هجوم الصواريخ الذي تعرضت له من جانب الرئيس العراقي السابق صدام حسين في العام 1991؟

 

من ناحية أخرى، يجب التذكير بأنه كانت لدينا في الماضي تجربة مريرة في مجال تقديم المساعدات إلى دولة مجاورة انتهت على نحو سيء للغاية. والمقصود قيام إسرائيل بتقديم مساعدات إنسانية وعسكرية إلى عدة جهات في لبنان ولا سيما المسيحيين الموارنة إبان فترة "الحرب الأهلية"، وقد انتهى الأمر باحتلال الجيش الإسرائيلي منطقة جنوب لبنان، وخوض حرب دموية هناك استمرت 18 عاماً، لم نتمكن من التخلص منها إلا بصعوبة بالغة.

 

وختم: في واقع الأمر، فإن إسرائيل حظيت في العام الفائت وبفضل الثورات التي اندلعت في العالم العربي برصيد كبير، يتمثل فحواه الحقيقي في إثبات أن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني أو الإسرائيلي - العربي لا يشكل عنصراً مركزياً في الشرق الأوسط، وأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة أو عدم إقامتها غير مهمين بالنسبة إلى رؤساء كل من سورية وإيران وتركيا، وأن العالم العربي يستغل استمرار النزاع مع إسرائيل كي يصرف أنظار الرأي العام لديه وفي العالم أجمع عن مشكلاته الحقيقية. وعلى إسرائيل أن تحافظ على هذا الرصيد، وأن تمتنع عن أي تدخل في شؤون سورية الداخلية. في الوقت ذاته عليها أيضاً أن تدرس بعناية كبيرة تصريحاتها بشأن ما يحدث في هذا البلد، وأن يظل الجيش الإسرائيلي يراقب عن كثب تطورات الأوضاع فيه صباح مساء.

يجب استمرار سيطرة

إسرائيل على الجولان

 

 

وعلى صعيد المواقف الرسمية نشر وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان مقالاً في صحيفة "جيروزاليم بوست" قال فيه إن التحدي الرئيس الماثل أمام إسرائيل هو تشخيص ملامح البدائل المحتملة للنظام السوري الحالي، وما هي مقومات المعارضة المختلفة، وماذا سيحدث غداة الإطاحة بالنظام؟. وفي هذا الصدد، من الأهمية أن نذكر أن أحد الشروط المحورية لنشوء ديمقراطية مستقرة ومزدهرة هو وجود طبقة وسطى قوية وواسعة وناجحة، وهو شيء ناقص إلى حد كبير في معظم الدول العربية.

 

وسخر ليبرمان من جميع الذين مارسوا ضغوطا على إسرائيل في الماضي للتوصل إلى صفقة مع حافظ وبشار الأسد حول تسليم هضبة الجولان إلى سورية مقابل معاهدة سلام. وتساءل: ماذا كان سيحدث اليوم لو خضعنا لهذه الضغوط؟ وما هي الشرعية التي كانت مثل هذه المعاهدة ستحظى بها؟ وكيف كان سينظر إلى معاهدة من هذا القبيل أولئك في سورية الذين خرجوا للاحتجاج على النظام القمعي؟ فضلا عن التصور الساذج والمفرط في التبسيط القائل بأن التنازل عن الجولان لصالح سورية قد يؤدي إلى انسحابها من محور الشر الذي يشمل إيران وكوريا الشمالية وحزب الله، وأكد أن هذا التصور يتحطم أمام الواقع حيث يحتضن نظام الأسد فعلا إيران وحزب الله، ولو تنازلت إسرائيل عن الجولان، لما كان حدث شيء باستثناء أن نظام الأسد كان سيحظى بتفوق إستراتيجي هائل بفضل تضاريس المنطقة الأرضية، كما كانت الحال عليه بالضبط قبل العام 1967.

 

وأضاف: حتى في حال نشوء سورية ديمقراطية من الوضع المضطرب الحالي، فإنه سيتعين على النظام السوري الجديد الإدراك بأن أي خيار واقعي لتحقيق تسوية سلمية عليه أن يوفر استمرار سيطرة إسرائيل الفعالة على الجولان.