سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

أحزاب وحركات سياسية

اتساع حكومة نتنياهو أفقد الائتلاف الحاكم على ما يبدو القدرة على إدارة العمل البرلماني و"الحل" المعروض: تقليص عدد أعضاء اللجان وضرب سبع كتل صغيرة لديها خمسة وعشرون مقعدا * نتنياهو يهرب من الأزمات المستقبلية لحكومته عبر إقرار ميزانيتين لعامين في الدورة البرلمانية الصيفية لأول مرة في تاريخ الكنيست/ برهوم جرايسي

 

اتساع حكومة نتنياهو أفقد الائتلاف الحاكم على ما يبدو القدرة على إدارة العمل البرلماني و"الحل" المعروض: تقليص عدد أعضاء اللجان وضرب سبع كتل صغيرة لديها خمسة وعشرون مقعدا * نتنياهو يهرب من الأزمات المستقبلية لحكومته عبر إقرار ميزانيتين لعامين في الدورة البرلمانية الصيفية لأول مرة في تاريخ الكنيست/ برهوم جرايسي

 

 

 

افتتح الكنيست، هذا الأسبوع، دورته الصيفية التي ستستمر حتى نهاية شهر تموز المقبل. وكان من المفترض أن تفتتح الدورة الصيفية في الأسبوع المقبل، إلا أنه نظرا إلى أن الكنيست لم يعمل في ظروف طبيعية في الدورة الشتوية الماضية، فقد تم تقليص عطلة الربيع بأسبوعين، إذ تم تمديد الدورة الشتوية بأسبوع، وتقديم موعد افتتاح الصيفية بأسبوع واحد.

 

وعمليا فإن الكنيست يعود إلى مزاولة عمله بعد انقطاع فعلي دام 9 أشهر، فقد اختتم دورته الصيفية في 30 تموز من العام الماضي بعاصفة أحدثها بيان رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، الذي أعلن فيه عن استقالته من منصبه، على خلفية سلسلة التحقيقات المتسارعة جدا بشبهات الفساد، وتوصية الشرطة بتقديم لائحة اتهام في بعضها، على أن تدخل الاستقالة حيز التنفيذ بعد أن ينتخب حزب "كديما" رئيسا جديدا له، يكون مرشحا لتشكيل الحكومة البديلة.

 

إلا أن انتخاب تسيبي ليفني، في منتصف أيلول من العام الماضي، لم يسعف حزب "كديما"، إذ لم تنجح رئيسة الحزب في تشكيل الحكومة البديلة، بعد أن اتضح أن نتنياهو اقنع شركاء مفترضين لها بوضع العراقيل لمنع نجاح مهمة ليفني، لكن الحزبين اللذين انصاعا لمشورة نتنياهو خسرا مكانتهما في الانتخابات الأخيرة، فحزب "المتقاعدين" تبخر بسرعة من الحلبة البرلمانية، أما حزب "شاس" فقد خسر مقعدا واحدا، ولكن تراجعت مرتبته من حيث القوة البرلمانية من المرتبة الثالثة إلى المرتبة الخامسة، كما أن وزنه في حكومة نتنياهو أضعف بكثير من مكانته في حكومة "كديما".

 

وعمليا فإن الدورة الشتوية، التي استمرت ستة أسابيع، كانت فارغة من العمل البرلماني وسط أجواء انتخابية وحكومة ضعيفة، وبعد عطلة ثلاثة أشهر للانتخابات فإن الأسابيع المتبقية للدورة الشتوية كانت أيام شلل برلماني، في ظل محاولات تشكيل الحكومة الجديدة، التي استمرت شهرا ونصف الشهر.

 

 

مدة قياسية لتشكيل

هيئات الكنيست

 

 

حين ظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية فجر الحادي عشر من شباط الماضي، وتبين أن لكتل اليمين واليمين المتشدد أغلبية واضحة من 65 نائبا من أصل 120 نائبا في الكنيست، اعتقد البعض أن المهمة سهلة لتشكيل الحكومة وهيئات الكنيست، لكن التناقضات البارزة بين شركاء معسكر اليمين كانت واضحة جدا لمن قرأها منذ اللحظة الأولى، ولهذا فلا عجب في أن تشكيل الحكومة استمر أكثر من 40 يوما، بعد سلسلة من المناورات لتوسيع الحكومة بكتل من غير "معسكر اليمين".

 

ونجح نتنياهو في ضم حزب "العمل"، ولكن هذا يبقى نجاحا جزئيا، لأن هذه الخطوة أفرزت انشقاقا فعليا، غير منفذ قانونيا، في حزب "العمل"، فيما بقيت واحدة من كتلتي مستوطني الضفة الغربية خارج الائتلاف الحكومي [كتلة "الاتحاد الوطني"]..

 

وبذلك فإن الائتلاف الحاكم يرتكز شكليا على 74 نائبا من أصل 120 نائبا، إلا أنه عمليا يرتكز على 69 نائبا، إذ أن خمسة أعضاء كنيست من كتلة حزب "العمل" أثبتوا تمردهم على قرار الأغلبية الهشة في حزبهم، إذ لم يمنحوا الثقة لحكومة نتنياهو بغيابهم عن الجلسة، وصوتوا ضد تعديل القانون الذي يسمح لحكومة نتنياهو بإقرار ميزانية عامين في آن واحد.

 

لكن هذه الأغلبية الواضحة للائتلاف الحاكم كلفته ثمنا باهظا، بحكومة ترتكز على 29 وزيرا، من بينهم وزير ليس عضو كنيست، إضافة إلى 9 نواب وزراء، ويضاف إليهم رئيس الكنيست، بمعنى أن 38 عضو كنيست من الائتلاف، من أصل 69 عضو كنيست ملتزمين بقرارات الائتلاف الحكومي (يضاف لهم خمسة متمردين في حزب العمل)، لا يمكنهم مزاولة عمل اللجان البرلمانية، إضافة إلى الحاجة الملحة لتواجد غالبيتهم في الكنيست، خلال عمل الهيئة العامة، من أجل الحفاظ على الغالبية الائتلافية في قرارات الكنيست، بما في ذلك القوانين، وهذا سيؤدي لاحقا وفي كثير من الأحيان إلى حرج في عمل الحكومة والكنيست، من حيث الائتلاف الحاكم.

 

والمشكلة الكبرى التي تواجه الائتلاف هي قضية عضوية اللجان البرلمانية، علما أن عدد أعضاء اللجان البرلمانية المختلفة متغير من دورة إلى أخرى، إلا أن هذا التغير محدود في إطار "المعقول"، الذي يعطي الحق لجميع الكتل البرلمانية أن تتحرك بشكل طبيعي في عملها البرلماني وفق حجم كتلها.

إلا أن حزب "الليكود"، مدعوما من كتل ائتلافية، اختار التغلب على مشكلة العضوية بإجراء تقليص حاد في عدد أعضاء اللجان البرلمانية، من أجل عدم الضغط على أعضاء الائتلاف الذين بقوا خارج الحكومة، واضطرار كل واحد منهم العمل في عدة لجان، مما سيؤدي إلى تضارب وضغط، وأن يفقد الائتلاف الأغلبية الفعلية في هذه اللجان بفعل الغياب، علما أن العمل البرلماني الأساس يتم في اللجان البرلمانية وليس في الهيئة العامة.

 

ونرى مثلا أن ثلثي أعضاء كتلة الليكود الحاكم، أي 18 نائبا من أصل 27 نائبا، لا يمكنهم العضوية في اللجان البرلمانية، وكذا الأمر بالنسبة لحزب "العمل"، إذ أن سبعة أعضاء من أصل 13 نائبا لا يمكنهم أن يكونوا أعضاء في اللجان، إضافة إلى باقي كتل الائتلاف.

 

وبحسب المعلومات التي تفد، فإن الليكود يقترح مثلا أن يكون عدد أعضاء اللجنة الإدارية للكنيست (لجنة الكنيست) 17 عضوا بدلا من 25 عضوا في الدورة السابقة، وهي من أهم اللجان التي تشرف على عمل الكنيست، وتحدد الكثير من آليات العمل، والأمر ذاته يسري على كل اللجان الهامة.

 

وهذا الأمر سيؤدي إلى حرمان الكتل الصغيرة التي لديها خمسة أعضاء كنيست وحتى ثلاثة، وهي سبع كتل برلمانية، من عمل طبيعي في الكنيست، وحرمانها من عضوية الغالبية الساحقة جدا من هذه اللجان، علما أن قوتها مجتمعة هي 25 نائبا من أصل 120 نائبا.

 

ويتضح مثلا أن كتلة كان لها في الدورة البرلمانية ثلاثة نواب، وارتفعت إلى أربعة نواب، ستشارك في عدد أقل بكثير من اللجان مقارنة مع الدورة السابقة.

 

من المفترض أن يحسم الكنيست هذه القضية هذا الأسبوع، ولكن في حال أقر ما يسعى له حزب الليكود، فإن هذا سيخلق أزمة برلمانية كبيرة، إذ تتحدث أوساط في المعارضة عن احتمال مقاطعة اللجان البرلمانية، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الكنيست، ولكن هذا أمر يحتاج للانتظار، وعلى الأغلب سيتم البحث عن صيغة توافقية، ولكن ما هو واضح أن تقليص عدد أعضاء اللجان سيتم، ولكن السؤال بأي مدى؟.

 

لعبة القط والفأر

أيام الأربعاء

 

يبقى اليوم الصاخب أسبوعيا في كل دورة برلمانية هو يوم الأربعاء، المخصص بالأساس لمشاريع القوانين الخاصة، وليس الحكومية، ومواضيع البحث المختلفة التي يبادر لها النواب وتقرها رئاسة الكنيست.

وعادة فإن الحكومة ترفض الغالبية الساحقة جدا من القوانين التي يبادر لها النواب، وبشكل خاص مشاريع نواب المعارضة، ولهذا فإن هذا اليوم الذي يشهد عادة حراكا برلمانيا مكثفا، تجري فيه لعبة "القط والفأر" بين الائتلاف والمعارضة، إذ تحاول المعارضة في الكثير من الأحيان تمرير مشاريع قوانين تعارضها الحكومة، رغم أن هذه النجاحات تبقى في الغالب محدودة، فإن مرت في الهيئة العامة بالقراءة التمهيدية، فإنه مكتوب لها الفشل في مرحلة الإعداد في اللجان البرلمانية.

إلا أن المعارضة في هذه الدورة، التي تبقى أكثر تماسكا نسبيا من المعارضة في الدورة الماضية، ستحاول استغلال كبر حجم الحكومة وتغيب وزراء ونوابهم عن يوم العمل البرلماني، من أجل تمرير أكثر ما يمكن من القوانين في المرحلة التمهيدية.

 

لأول مرة إقرار

ميزانيتي عامين

 

 

سينشغل الكنيست في هذه الدورة، ولأول مرة في تاريخه، بإقرار ميزانيتي عامين، العام الجاري 2009، والعام المقبل 2010، وقد أقر الكنيست، في الأسبوع الأول من الشهر الماضي نيسان، في جلسة استثنائية، السماح بهذا الإجراء، كخطوة استثنائية، من دون أي مؤشر إلى أن يكون هذا قانونا دائما.

 

ويدعي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن هذه الخطوة تهدف إلى تقليص الجهود، إذ أن الكنيست مطالب بإقرار ميزانية العام الجاري حتى نهاية الشهر الحالي أيار، ثم سيكون مطالبا من جديد، ابتداء من تشرين الأول، بإقرار ميزانية العام 2010.

 

لكن هذا الهدف المعلن ما هو إلا للتستر على الأزمة الحقيقية "الهامدة" مرحليا في حكومته، ويعرف أنها في مرحلة ما ستتفجر، ويدرك أكثر أن إقرار الموازنة العامة في كل عام هو مناسبة لتفجير الأزمات الائتلافية وممارسة الضغط الداخلي في الحكومة، من أجل تمرير مطالب مالية وغيرها.

وهربا من أزمات كهذه توجه نتنياهو للتخلص من "موسمي" ضغط، وإقرار ميزانيتي العامين في بدايات عمل الحكومة، وأخذ فرصة تستمر 15 شهرا إلى حين بدء الانشغال في ميزانية العام 2011.

لكن على الرغم من أهمية فرصة إقرار الموازنة العامة، فإن تفجر الأزمات لا يقتصر عليها، وقد تنشأ سلسلة من الحالات و"المناسبات" لتفجيرها، مثلا حين يقرر الحزب الحاكم تمرير قانون أو مشروع سياسي خلافي، وهي قضايا ربما تنشأ، مثلا، في حال اضطرار نتنياهو إلى إتباع مسار سياسي في اتجاه العملية التفاوضية، بغير ما يصرّح به حتى الآن.

 

بعض ملامح

الأزمات المفترضة

 

 

إن الأزمات المفترضة التي ستواجه حكومة بنيامين نتنياهو متعددة، وفي اتجاهات مختلفة، منها الجانب السياسي، الذي من غير الواضح كيف سيتطور لاحقا، ومسألة الضربات التقشفية الموجهة ضد الشرائح الفقيرة والضعيفة، إضافة إلى مسألة تماسك الكتل الائتلافية المشاركة في الائتلاف الحكومي.

 

وبداية فإن الائتلاف الحكومي سيقف أمام امتحان طلب وزارة المالية، ومن فوقها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إقرار ميزانية عامة تقشفية تتضمن الكثير من الضربات الاقتصادية الصعبة الموجهة ضد الشرائح الفقيرة والصعبة، وهو ما يجب، نظريا، أن يلقى معارضة شديدة في كتل "العمل" و"شاس" و"يهدوت هتوراة".

 

أما في قضية تماسك الكتل البرلمانية، فيبقى على رأسها مسألة حزب "العمل"، وفي حال جرى انشقاق فعلي في الكتلة البرلمانية، بمعنى خروج خمسة أعضاء كنيست من أصل 13 عضوا، فإن هذا يستوجب نظريا تغييرا في التشكيلة الحكومية، إذ حسب توزيع المقاعد الوزارية يجب أن يخسر حزب "العمل" وزيرين ونائب وزير، فيما ستتغير حصته في عضوية اللجان البرلمانية، وسيهبط وزن الائتلاف رسميا إلى 69 نائبا من أصل 120 نائبا، ما يقلص الفارق مع المعارضة، ويصعب عمل الائتلاف الحاكم.

 

كذلك هناك قضية شبهات الفساد الموجهة إلى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، فعلى الرغم من أنه جرى تخفيف لهجة وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة، إلا أن التوصية بتقديم لائحة اتهام ضده تبقى أكبر من أي فرضية أخرى، ما يعني اضطراره للاستقالة من منصبه. والسؤال الذي سيكون مطروحا يدور حول هوية من سيشغل منصب وزير الخارجية الرفيع، الذي لا يظهر أي مرشح واقعي في حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه ليبرمان، ليشغل هذا المنصب في حال استقالة مفترضة لهذا الأخير.

 

والسياق الطبيعي لهذا الاستنتاج هو أن رئيس الحكومة نتنياهو سيطلب إعادة النظر في تركيبة حكومته من هذه الزاوية، الأمر الذي سيرفضه ليبرمان، خاصة وأنه صرّح بموقف كهذا، حتى قبل أن يتولى مهماته كليا.

 

إلى ذلك، فإن الائتلاف الحاكم قد يواجه مشاريع قوانين تبادر لها المعارضة، من شأنها أن تثير خلافات داخلية في الائتلاف الحكومي، مثل مشروع قانون الزواج المدني الذي ينص عليه برنامج حزب "إسرائيل بيتنا". فهذا الحزب بحث عن صيغة توافقية تسمح له بالشراكة في حكومة نتنياهو إلى جانبي كتلتي اليهود الأصوليين "شاس" و"يهدوت هتوراة"، ولكن قسما جديا من جمهور مصوتي ليبرمان كان يتوقع أن يحقق شيئا في هذا المضمار، ولهذا فإن إدراج مشروع قانون كهذا من قبل المعارضة سيضعه أمام امتحان صعب أمام جمهور الناخبين.

ويضاف إلى هذا مشاريع قوانين أخرى تتعلق بمسألة الإكراه الديني، لتكون امتحانا ليس فقط لحزب "إسرائيل بيتنا"، وإنما أيضا لوزراء حزب "العمل".