أحزاب وحركات سياسية

موسم الهجرة والتنقل في الحلبة السياسية الإسرائيلية يبلغ ذروته في هذه الأيام * شخصيات بارزة تتدفق على الليكود لكونه الفائز استطلاعيا * شخصيات من اليسار الصهيوني تبحث في المتاهة السياسية عن بيت يؤويها و"ميرتس" قد تكون عنوانا * سارع البعض لتأبين "كديما" فقال الحزب كلمته في انتخابات البلدية: أنا موجود وبقوة * حزب العمل قد يتحول إلى قطعة تذكارية * والصراع يحتدم في اليمين المتطرف/ بقلم: برهوم جرايسي

 

موسم الهجرة والتنقل في الحلبة السياسية الإسرائيلية يبلغ ذروته في هذه الأيام * شخصيات بارزة تتدفق على الليكود لكونه الفائز استطلاعيا * شخصيات من اليسار الصهيوني تبحث في المتاهة السياسية عن بيت يؤويها و"ميرتس" قد تكون عنوانا * سارع البعض لتأبين "كديما" فقال الحزب كلمته في انتخابات البلدية: أنا موجود وبقوة * حزب العمل قد يتحول إلى قطعة تذكارية * والصراع يحتدم في اليمين المتطرف

 

بقلم: برهوم جرايسي

 

 

 

ربما يكون وصف "طوشة عمومية" هو الأسهل لحالة الحلبة السياسية قبل أقل من ثلاثة أشهر من الانتخابات البرلمانية المبكرة [التي ستجري في 10 شباط 2009]، إذ تكثر الحركة والتنقلات السياسية بين الأحزاب، ذاك يحمل كرسيه مغادرا وباحثا عن حزب يؤويه، قبل أن يتهاوى سياسيا مع حزب يحتضر، وآخر فطن إلى أن الحزب الذي يعيش فيه منذ سنوات لا يلائم لون جلده، ولكن ذروة الانتهازية تتجلى في الركض وراء الحزب المنتصر استطلاعيا "الليكود"، الذي يشهد حالة إقبال مكثفة، تذكرنا بحزب "كديما" قبل ثلاث سنوات، وأيضا بحزب "الليكود" نفسه قبل نحو ست سنوات، حتى بات المشهد مألوفا قبل كل انتخابات برلمانية.

وفي خضم هذه التنقلات جاءت الانتخابات البلدية التي أوضحت بعض مشاهد الحلبة السياسية، وكشفت لنا عن أوضاع الأحزاب الكبرى، خاصة "كديما" و"الليكود" و"العمل"، لنقول انه من السابق لأوانه استخلاص النتائج منذ الآن اعتمادا على نتائج استطلاعات الرأي.

كذلك ومنذ سنوات طوال لم نشهد هذا الحراك في ما تبقى من معسكر لليسار الصهيوني، إذ التقت شخصيات سياسية بارزة من حزب "العمل"، وتلك التي تتنقل بين "العمل" و"ميرتس"، للتحاور وبحث إمكانية الشراكة مع "ميرتس" ليتحول إلى حزب "يسار مركزي"، كبديل لحزب "العمل" المتهاوي.

وبين هذا وذاك بتنا نعرف أن صراعا عنيفا سيدور في الأسابيع المقبلة في معسكر اليمين المتطرف، وخاصة بين جمهور المستوطنين، وهذا ما سيؤثر على قوته البرلمانية القادمة، إذ أن جزءًا من قوة هذا المعسكر سيتجه نحو الليكود.

ونستعرض هنا عددا من جوانب المشهد السياسي في إسرائيل، قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، وبعد الانتخابات البلدية التي جرت قبل أسبوع.

 

"كديما" والانتخابات البلدية

 

 

شكلت انتخابات المجالس البلدية في إسرائيل، التي جرت الأسبوع قبل الماضي، اختبارا لقوة الأحزاب الإسرائيلية تهميدا للانتخابات البرلمانية المقبلة، علما ان هناك فارقا بين عمليتي الانتخابات، ففي الانتخابات البلدية هناك تحالفات محلية، وليس بالضرورة خوض الانتخابات على أساس حزبي صرف، بينما الانتخابات البرلمانية تجري على أساس حزبي سياسي، إلا أن انتخابات الأسبوع الماضي تبقى مؤشرا للأحزاب من حيث قوتها الميدانية، وأيضا من حيث جاهزية كوادرها الميدانية.

وتسلطت الأضواء بالأساس على حزب "كديما" الذي تأسس في خريف العام 2005 (قبل ثلاث سنوات)، وهو يخوض هذه الانتخابات لأول مرّة، إذ أنه بعد تأسيسه أعلن ما يقارب 80 رئيسا لمجالس بلدية وقروية، كانوا مستقلين أو تابعين لأحزاب مختلفة، خاصة من حزبي "الليكود" و"العمل"، عن انضمامهم لحزب "كديما"، إلا أن هذا لم يكن بالإمكان اعتباره قوة سياسية، لأنه لم يكن خاضعا لانتخابات مباشرة، ولهذا فإن هذه الانتخابات كانت الاختبار الأول والأصعب لحزب "كديما".

وأعلن الحزب أنه فاز بقرابة 50 مجلسا بلديا، من بينها 33 مجلسا برئاسة مباشرة من الحزب، والباقي من خلال تحالفات، ولكن من ناحيته فإن النتيجة الأبرز له، أنه حافظ على رئاسة بلدية حيفا، ثالث المدن في إسرائيل، ونجح في رئاسة بلدية في القدس، فيما دعم الحزب مرشح حزب "العمل" في تل أبيب رون خولدائي.

من هنا بالإمكان الاستنتاج أن "كديما" أثبت في هذه الانتخابات أنه ما زال ينبض ولديه كوادر قادرة على تحقيق نتائج، خاصة وأن بيانات الأحزاب المختلفة توضح أنه أكثر حزب حقق رئاسات مباشرة للمجالس البلدية والقروية، 33 رئيسا، وما من شك في أنه سيكون منافسا قويا في الانتخابات البرلمانية، وهذا ما تدعمه استطلاعات الرأي.

المؤشر الآخر على أن حزب "كديما" لا يزال يتمالك نفسه، هو أننا لم نشهد فيه ظاهرة "هرب الفئران من سفينة تغرق"، بمعنى لم نر نوابا يغادرونه جماعة قبل سقوطه، والانتقال إلى أحزاب حظوظها أفضل في الانتخابات المقبلة، لا بل إنه ما زال يستوعب شخصيات سياسية، من بينها النائب الثاني في حزب "يسرائيل بيتينو"، الذي يتزعمه العنصري أفيغدور ليبرمان، وهو النائب يسرائيل حسون، من كان في الماضي نائبا لرئيس جهاز الشاباك، فعلى الرغم من مواقف حسون اليمينية إلا أنه حقيقة لم ينسجم كليا في الخطاب العنصري الهستيري الذي يقوده ليبرمان وزملاؤه في الحزب.

الآن اجتاز "كديما" امتحانا هاما، والسؤال المطروح أمامه كيف سيكون بإمكانه إقناع الشارع الإسرائيلي أنه ما زال مرشحا قويا للبقاء على رأس الحكومة، أمام الانطباع المنتشر بأن رئيس الحكومة القادم هو من حزب "الليكود" بالذات، ورئيسه بنيامين نتنياهو؟.

 

موسم الهجرة إلى الليكود

 

 

بعد غياب ست سنوات عادت الحياة تدب في دهاليز حزب "الليكود"، الذي تقول استطلاعات الرأي إنه الأقرب لتولي رئاسة الحكومة القادمة، فرغم ظهور استطلاعات تشير أحيانا إلى تفوق حزب "كديما"، إلا أن توزيعة المقاعد التي تتوقعها استطلاعات الرأي ترجح فوز الجناح اليميني المتشدد مع كتلتي المتدينين الأصوليين، مع "الليكود".

وفي الأيام الأخيرة شهدنا تدفقا كبيرا على الانتساب إلى حزب "الليكود"، من أبرزهم الوزير الأسبق بنيامين بيغن، نجل رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغن، الذي انشق عن "الليكود" في انتخابات العام 1999، احتجاجا على إجراء مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وتوقيع اتفاقيات مرحلية معها، من بينها اتفاق الخليل.

كذلك رأينا عودة الوزير الأسبق دان مريدور، الذي أحجم عن المشاركة في اللعبة السياسية، وبقي في "الربع الخالي"، بين حزبي "الليكود" و"كديما"، مع ميول سياسية أكثر اعتدالا، واقرب إلى "كديما". وكما كان متوقعا فقد انضم إلى الليكود رئيس هيئة الأركان الأسبق موشيه يعلون، داعية الحرب الدائم، الذي يكشف يوميا عن مواقفه اليمينية المتشددة، ليتبعه قائد الشرطة الأسبق آساف حيفيتس وغيرهما الكثير، إلى درجة أن نتنياهو رفض مثلا ضم عضو الكنيست اليميني العنصري المتطرف ايفي ايتام، من كتلة "هئيحود هليئومي"، خوفا من اتهام الحزب بسقوطه في معسكر اليميني المتشدد.

ولكن هذا الهرع نحو "الليكود" يحمل معه عدة اشكاليات ونقاط ضعف وأزمات مستقبلية. فمثلا ما هو الخطاب السياسي الذي بإمكانه أن يجمع بين بيغن ويعلون من جهة، وبين مريدور من جهة أخرى؟ ولا بد أن نتنياهو سيستفيد من هذا التنوع غير الطبيعي ليخاطب مجموعات مختلفة في الشارع الإسرائيلي.

إلى ذلك فإن هذا التراكم من الشخصيات سيخلق حالة ازدحام شديدة جدا في قيادة الليكود، خاصة لدى تشكيل القائمة البرلمانية، فمن أصل 12 نائبا حاليا، لا يوجد من تطوع لاعتزال الحياة البرلمانية، وكل واحد من بينهم ينسب لنفسه حصة في استعادة قوة الليكود، ويريد رؤية نفسه في مكان مضمون في قائمة الحزب الانتخابية، وبالإمكان القول حتى المكان 28، رغم وجود استطلاعات تتنبأ لليكود 33 مقعدا.

يضاف إلى هؤلاء الشخصيات الجديدة التي انضمت إلى الحزب أو عادت إليه. ولكن الأهم بالنسبة للحزب هو ضمان أماكن لممثلي المناطق الجغرافية والحزبية، إضافة إلى التمثيل النسائي وغيره، بمعنى أنه لن يكون مستبعدا ظهور أزمة هنا وهناك بعد ظهور النتائج، إذ أن نوابا حاليين، أو من بين "النجوم" الجديدة في الحزب، سيجدون أنفسهم خارج المنافسة، أو بعيدا عن مكان مضمون، ولكن ليس بدرجة إحداث أزمة تضرب وحدة الليكود.

 

بالنسبة لليكود، الذي قالت له نتائج الانتخابات البلدية إنه ما زال موجودا ومرشحا بالفعل لتولي السلطة، فإن الطريق حتى الفوز في الانتخابات ما زال طويلا، ويكفي أن يتابع تجربة حزب "كديما" الذي بدأت استطلاعات الرأي تمنحه 40 مقعدا، ولكن في نهاية الأمر حصل على 29 مقعدا. وهناك الكثير من العوامل التي ستلعب دورا في نتائج الانتخابات، فقد يعزز الليكود مكانته، كما تتوقعها استطلاعات الرأي، وقد يحقق أكثر، ولكن في نفس الوقت فإنه قد يحقق أقل، وقد يجد أن "كديما" ما زال في الصدارة، خاصة وأنه حتى الآن ما زال عنوانا لقوى الوسط في الحلبة السياسية الإسرائيلية، أمام انهيار حزب "العمل" المتواصل، وفقدان عنوان واضح لليسار في إسرائيل.

 

متاهة اليسار الصهيوني

 

 

في الأيام الأخيرة سمعنا ان عدة شخصيات ذات توجه يساري صهيوني، قسم منها من الوجوه البارزة سابقا في حزب العمل، بدأت تتباحث في كيفية إيجاد إطار يلبي توجهات اليسار الوسط واليسار في إسرائيل، وسمعنا أيضا عدة توجهات، منها تشكيل إطار سياسي خارجي داعم لحركة "ميرتس" اليسارية الصهيونية، أو حتى الانخراط في قائمة "ميرتس" وتشكيل قائمة تلبي احتياجات هذا الجمهور.

 

وحينما نقول "يسار صهيوني"، فمن أجل التمييز بين هذا اليسار، وبين قوى يسارية محدودة في حجمها، وهي مناهضة للصهيونية.

 

ومن بين هذه الشخصيات الوزيران السابقان عوزي برعام وشلومو بن عامي، ورئيس الكنيست الأسبق أبراهام بورغ، والأديب العبري عاموس عوز، وغيرهم، وهم بالأساس يمثلون شريحة معينة، وليس من بينهم من هو شخصية بالإمكان وصفها جماهيرية جارفة.

 

وتستند بعض هذه الشخصيات إلى نتائج الانتخابات لبلدية تل أبيب، إذ ظهرت قائمة يسارية لأول مرّة يقودها عضو الكنيست دوف حنين، من كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، إلا أن قائمته كانت تتشكل من مجموعات ذات توجه يساري وبيئي، وعلى الرغم من التحريض عليه سياسياً، كونه عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وكون نجليه رفضا الخدمة العسكرية، إلا أنه نجح في الحصول على نسبة 34% في المنافسة على رئاسة البلدية.

وهذه الشخصيات وقفت ضد هذه القائمة بالذات في انتخابات بلدية تل أبيب، ولكنها استنتجت قبول الشارع الإسرائيلي لفكرة اليسار، والبديل اليساري.

 

ويطغى على الجدل بينهم حول شكل خوض الانتخابات تلكؤ ما، لا يفيد بلورة قائمة يصبون إليها، وما زال أمامهم أكثر بقليل من 80 يوما حتى يوم الانتخابات، أو 35 يوما حتى تقديم الترشيحات للجنة الانتخابات.

 

وما يساهم في هذا التلكؤ حركة "ميرتس" التي تقيد نفسها بدستور يضع عقبات أمام استيعاب شخصيات سياسية في أماكن مضمونة في قائمة الحزب، وهذا كان عائقا أمام ضم الوزير المستقيل من حزب "العمل" عامي أيالون.

 

والغريب أن وضعية "ميرتس" ليست في صعود مستمر، فأفضل ما تتوقعه لها استطلاعات الرأي هو إضافة مقعد أو مقعدين للمقاعد الخمسة التي بحوزة الحزب.

 

كذلك فإن قائدين في الحزب أعلنا اعتزالهما الحياة السياسية، وهما الشخصية التاريخية في الحزب ران كوهين، ورئيس الحزب السابق يوسي بيلين، وهذه الخطوة لن تؤثر على قوة الحزب، ولكن الحزب سيكون بحاجة إلى نجوم سياسية، وإغلاق باب الترشيحات على الحركة ذاتها لن يساعدها على استغلال انهيار حزب "العمل" وابتعاد قوى يسارية عنه، وبإمكان "ميرتس" ان تكون بديلا لهذا الجمهور بدلا من أن يحجم عن المشاركة في الانتخابات، أو يلجأ إلى حزب "كديما".

 

وفي المقابل فإننا نرى أن حزب "العمل" يتهاوى شيئا فشيئا، ولا يوجد إجماع بين استطلاعات الرأي المختلفة كالإجماع في توقعاته بالنسبة لحزب "العمل" الذي قد يهبط من 19 مقعدا اليوم إلى ما بين 12 وحتى 10 مقاعد، ليحل محل "الليكود" في الدورة الحالية.

 

أصابع الاتهام في الحزب موجهة إلى رئيس الحزب، إيهود باراك، ولكن لا نجد من ينافسه أو يطالب باستبداله، لإنقاذ الحزب من ورطته، التي على ما يبدو استسلم لها، حتى أن باراك يبدو في الآونة الأخيرة كمن اختار منافسة "الليكود" في معسكر اليمين المتشدد، بإقراره دفعة واحدة عشرات المخططات الاستيطانية، حتى في مستوطنات نائية وصغيرة في الضفة الغربية تدعي إسرائيل أنها ستنسحب منها في إطار الحل الدائم.

 

من الصعب رؤية معسكر اليسار الصهيوني في إسرائيل يستعيد عافيته وهو يقترب كثيرا من الدقيقة التسعين للانتخابات البرلمانية، لأن الأمر لم يعد متوقفا على شكل القائمة الانتخابية التي ستعرض عليه، بل على نوعية الخطاب الذي سيحمله، والأكثر من هذا، هو كيف سيتم بناء الثقة في هذه الفترة القصيرة المتبقية بين هذا الجمهور وبين مجموعات تريد أن تقوده، بعد سنوات كثيرة من الغياب عن الساحة السياسية؟.

 

أزمة في معسكر اليمين المتشدد

 

 

منذ فترة طويلة كانت تظهر جليا حدة المنافسة بين أحزاب وحركات سياسية على أصوات اليمين المتشدد والمتطرف، التي تتركز بالأساس على جمهور مستوطني الضفة الغربية المحتلة، بما فيها الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة. وهذا التنافس انعكس، على سبيل المثال، في تصعيد الخطاب العنصري في الكنيست ضد العرب، وضد كل المفاوضات وآفاق السلام، ولم يتوقف الأمر عند الخطاب، بل أيضا في سن قوانين هستيرية في عنصريتها، وقسم منها تم إقراره كليا.

 

وتنبع المنافسة من كثرة الأحزاب، نسبيا، التي تسعى للحصول على تأييد هذا الجمهور، خاصة بين حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة العنصري المتطرف أفيغدور ليبرمان، وبين مجموعة أحزاب شكلت في الانتخابات الماضية كتلة "هئيحود هليئومي"، ورغم أنها تضم قادة المستوطنين، إلا أنها لم تنجح في تحقيق أكثر من 9 مقاعد في الانتخابات السابقة، في حين أن "يسرائيل بيتينو" حصل على 11 مقعدا، وكان قريبا من المقعد 12.

وما جرى في تلك الانتخابات هو حرق أكثر من 40 ألف صوت، من خلال قائمة منبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة أصلا. كذلك لا بد من الإشارة إلى أن 33% من المصوتين اليهود في الانتخابات الماضية صوتوا لأحزاب تؤيد أو تدعو جهارة لطرد العرب من وطنهم.

 

وقد دلت سلسلة من استطلاعات الرأي على انهيار كبير لكتلة "هئيحود هليئومي"، من 9 مقاعد اليوم إلى أقل من 6 مقاعد. ورغم ان استطلاعات الرأي ليست دقيقة في كل ما يتعلق بجمهور المتدينين، إلا أن هذا يبقى مؤشرا، ولهذا سارعت الأحزاب في هذا التكتل الانتخابي للإعلان عن صهر نفسها ضمن حزب واحد، ليكون هذا ضمنا، المسمار الأخير في نعش واحد من أقدم الأحزاب الإسرائيلية، هو حزب "المفدال" الديني اليميني.

وتنبع عدم الدقة في تقييم قوة هذا الحزب من أن حجم هذا الجمهور الملتزم، ويسجل أعلى نسبة تصويت، لا يتمثل بشكل حقيقي في استطلاعات الرأي، وهذا ما يسري أيضا على جمهور المتدينين الأصوليين، خاصة بين اليهود الاشكناز.

إن ازدحام المنافسة على أصوات المستوطنين، الذين سيتجه قسم كبير منهم إلى حزب الليكود، سيوتر الأجواء بالذات في معسكر اليمين، ولكن قوته بالمجمل ستتعزز أكثر في الانتخابات المقبلة.

 

الانتخابات لم تحسم بعد

 

 

بطبيعة الحال فإن نتائج الانتخابات أبعد من أن تحسم الآن، وحسم النتائج سيكون مرتبطا بسلسلة من العوامل، أهمها كيف ستصل جميع الأحزاب إلى خط البداية، بمعنى إلى يوم تقديم لوائحها الانتخابية، ومن ثم كيف ستدير الحملة الانتخابية.

 

إلى ذلك فإن الأجواء العامة المقبلة ستلقي بظلالها، ومن بينها الأزمة الاقتصادية في حال استفحلت، رغم أنها تقع تحت تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية، كذلك احتمال تدهور الأوضاع الأمنية مع قطاع غزة. والسؤال من سيخدم هذا؟. وما من شك في أنه سيضر بفرص الحزب الحاكم، كما علمت التجربة، أيا كان هذا الحزب وأيًا كان المعسكر الذي ينتمي إليه.

 

ومن العوامل المؤثرة على هذه الانتخابات، كما جرت العادة، هو دور الإعلام في إسرائيل، وما هو موقف الصحف الإسرائيلية ومختلف وسائل الإعلام الخاصة. فهل ستختار كل واحدة منها موقفا ما؟ وهل ستبقى كبرى الصحف الإسرائيلية "يديعوت أحرونوت" منحازة إلى حزب "كديما"، ومثلها نوعا ما صحيفة "هآرتس"؟ وهل ستستمر صحيفة "معاريف" بكونها بوقا لحزب الليكود، وخاصة بنيامين نتنياهو؟.

 

ولكن خلافا لجولات سابقة هناك شك في قدرة الإدارة الأميركية على لعب دور في هذا الشأن، وهذا ناجم بالأساس عن العامل الزمني، فإدارة باراك أوباما ستتسلم الحكم حتى منتصف الشهر الأول من العام المقبل، أي قبل ثلاثة إلى أربعة أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية، وخلال هذه الفترة سيكون هناك شك في إمكانية ان يساهم الخطاب الأميركي في التأثير على الناخب الإسرائيلي.

 

وحتى نهاية الشهر المقبل، كانون الأول، سنشهد الكثير من التقلبات، ومن بعدها قد تتضح الصورة أكثر... في اتجاه حسم الانتخابات قبل يوم الاقتراع.