تحت غطاء "مكافحة الإرهاب"، مشاريع قوانين حكومية تحاول إضفاء طابع مؤسسي على الملاحقة السياسية!

أحزاب وحركات سياسية

* كتل الائتلاف تتحسب من صدور تقرير محرج عن لجنة فينوغراد و"تحتاط" بدوافع سياسية تحسبا لانتخابات برلمانية مفاجئة * لا يمكن الحديث عن خلافات سياسية جوهرية بين مركبات حكومة أولمرت بشأن العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني، لا بل إنها شريكة في شبه الإجماع الإسرائيلي من القضايا الأساسية للحل الدائم *

 

 

مع إقلاع طائرة رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، متوجهة إلى الولايات المتحدة، للمشاركة في لقاء أنابوليس الدولي، ظهرت سلسلة من المقالات التحليلية في الصحافة الإسرائيلية، حول شكل اليوم التالي لهذا اللقاء، على مختلف الصعد، ومن بينها مصير حكومة أولمرت.

 

فقد رأت محللة الشؤون الحزبية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، "أن أولمرت يتوجه إلى أنابوليس وهو وحيد، لأن الحلبة السياسية تتحفظ من نهجه، وتشكك في دوافعه، والجمهور (في إسرائيل) يشكك في نتائج اللقاء، والأجهزة الإستخباراتية والأمنية تحذر من انعكاسات محاولاته (لاستئناف العملية التفاوضية)، وحتى وزير الدفاع (إيهود باراك) يتكلم بلغة مزدوجة".

ويقول المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عوزي بنزيمان، "إن أولمرت يتوجه إلى لقاء أنابوليس مكبل اليدين، وإذا ما شذ عن الإملاءات التي وضعها له الوزيران أفيغدور ليبرمان وإيلي يشاي، فإنه سيفقد الغالبية الائتلافية، خاصة وأن الكنيست لا يقدم الدعم لرئيس الحكومة في سعيه لكسر الوضع القائم في العلاقات مع الفلسطينيين، وإذا لم يتقيد بالوضع السياسي الداخلي فإنه قد يفقد منصبه".

وفي المقابل سمعنا على مدى الأسابيع الأخيرة "تهديدات" أطلقها وزراء بارزون في حكومة أولمرت، بدءا من الوزير المتطرف أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب يسرائيل بيتينو، والوزير إيلي يشاي، الزعيم السياسي لحركة "شاس" الدينية، مرورا بوزير الدفاع إيهود باراك، وحتى وزراء في داخل الحزب الحاكم "كديما"، مثل وزير المواصلات شاؤول موفاز، وحتى في مرحلة معينة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي سعت، منذ الإعلان عن اللقاء قبل نحو شهرين، إلى خفض التوقعات من هذا اللقاء، وهذا ما تم في نهاية المطاف، إذ أننا أمام لقاء برتوكولي لا أكثر، كما يتضح.

وقبل يومين من سفر أولمرت، ظهرت أنباء في الصحافة الإسرائيلية، تقول إن ليبرمان يهدد بالانسحاب من الحكومة، في حال بدأت مفاوضات جدية مع الفلسطينيين، في الأسابيع المقبلة.

وهذا كله يقود إلى طرح مسألة مصير حكومة أولمرت في الأشهر القادمة، التي إن ستواجه أزمة جدية، فهي ستكون على خلفية واحد من أمرين: إما أن يكون تقرير لجنة فحص مجريات الحرب على لبنان، لجنة فينوغراد، في درجة قاسية أكثر من التقرير المرحلي، الأمر الذي سيعرّض أولمرت لضغط جماهيري يقوده للاستقالة، وعندها إما أن يتم استبداله بشخصية أخرى من حزبه، أو تجد إسرائيل نفسها أمام انتخابات برلمانية مبكرة، لا تزال حتى الآن ووفق الظروف الحالية الخيار الأضعف. أو أن تقرر الشرطة تقديم لائحة اتهام ضد أولمرت، في واحد من ملفات شبهات الفساد التي يجري التحقيق معه حولها، ورغم أن القانون لا يجبره على الاستقالة، إلا أنه أيضا سيواجه ضغطا شعبيا وحزبيا يحمله على الاستقالة من منصبه.

وهذا هو الدافع الأكبر الذي يجعل أحزاب الائتلاف "تحتاط" بتصريحات سياسية تحسبا لأي طارئ، مثل انتخابات مفاجئة.

 

لا خلاف سياسيا

 

بداية هناك ضرورة لاستعراض صورة الموقف السياسي داخل الحكومة، من المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وبشكل خاص الموقف من الملفات الأساسية المرتبطة بالحل الدائم، وهذا قبل الحديث عن وضعية كل واحد من أحزاب الائتلاف.

نقطة الإثبات الأهم لموقف الإجماع لحكومة أولمرت كانت المفاوضات المكثفة، التي جرت بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، لصياغة وثيقة تفاهمات مشتركة يجري طرحها على لقاء أنابوليس، التي انتهت بفشل، نظرا لتمسك الجانب الإسرائيلي بالمواقف ذاتها التي حملتها الحكومات السابقة من القضايا الأساسية، ورفضه إبداء جدية في طرح القضايا الأساسية في الوثيقة المذكورة.

فأولا: هناك إجماع حكومي وصهيوني كامل، حول رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم في مناطق 1948، وأن تقتصر هذه العودة على ما يتم تحريره من مناطق 1967، وجاء طلب أولمرت بأن يشترط على الفلسطينيين اعترافا "بيهودية إسرائيل" تثبيتا لهذا الموقف.

وهنا يجدر التذكير بأن أولمرت كان أول من بادر لطرح هذا الشرط على الجانب الفلسطيني، الذي سيطرح من جديد في المفاوضات اللاحقة في حال تم الشروع فيها.

ثانيا: هناك إجماع على مسار حدود الضفة الغربية المحتلة، الذي يحدده جدار الفصل العنصري، ويقتطع ما بين 40% الى 50% من أراضي الضفة الغربية، في حال أصرت إسرائيل على اقتطاع منطقة غور الأردن، الحدودية مع الأردن، وهذا الإجماع يتمثل بعدم سماع أية معارضة، حتى من الأحزاب اليمينية المتطرفة، على مسار الجدار، لأن هذا الجدار سيحتفظ بالغالبية الساحقة من المستوطنات، التي تضم 70% من المستوطنين، عدا القدس.

ثالثا: ما ينطبق على حدود الضفة الغربية، ينطبق أيضا على مصير القدس، التي يقطع أحياءها عن بعضها البعض جدار عنصري بطول 46 كيلومترا، ويحظى بإجماع حكومي وصهيوني، خاصة وأنه يضمن بقاء كافة الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة، لا بل ويضم أيضا مستوطنات ضخمة في جنوب وشرق وشمال القدس لتصبح جزءا من المدينة.

والمهم في هذا الشأن أن حكومة أولمرت لم تتوقف للحظة عن تنفيذ كافة المشاريع الاستيطانية التي تتماشى مع هذا الإجماع. وقد أعلن أولمرت بوضوح، في آخر جلسة عادية لحكومته قبل التوجه إلى الولايات المتحدة، أنه لن يوافق على تجميد البناء في الكتل الاستيطانية الكبرى، رغم ما ينص عليه البند الأول من خطة خريطة الطريق، من تجميد للاستيطان.

ويذكر في هذا الإطار أنه حتى في ما يتعلق بقضية القدس وتقسيمها، فإن ليبرمان نفسه أعلن مرارا في الماضي القريب، "استعداده" للتخلي عن الأحياء الفلسطينية الكبرى في القدس المحتلة باستثناء البلدة القديمة في المدينة.

ولهذا فإن ليبرمان وحين يدعي وجود خلافات سياسية، فإنه يتمسك بمسألة البؤر الاستيطانية، التي تعلن الحكومة بشكل دائم أنها تريد إزالتها، ولكنها لم تفعل أي شيء في هذا المضمار، منذ خمسة أعوام ونصف العام، مما يجعل بيانات الحكومة فقط للعلاقات العامة على مستوى الأسرة الدولية.

 

ماذا تريد أحزاب الائتلاف؟

 

 

في نهاية الأسبوع الماضي نشرت القناة الثانية للإذاعة الإسرائيلية استطلاعا للرأي حول شكل تصويت المستطلعين في حال لو جرت الانتخابات في هذه الأيام. وكان السؤال موجها في حالتين، الأولى يكون فيها أولمرت رئيسا لحزب "كديما"، والحالة الثانية أن تكون وزيرة الخارجية تسيبي ليفني على رأس الحزب بدلا من أولمرت.

والعنوان الأبرز لنتائج استطلاع الحالتين، هو أن أيا من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم لن يخرج منتصرا في هذه الانتخابات، فكديما برئاسة أولمرت سينهار من 29 مقعدا اليوم إلى 13 مقعدا، وبرئاسة ليفني، سينهار إلى 21 مقعدا، وهذا من أصل 120 مقعدا في البرلمان، الكنيست.

ولا يظهر أي تقدم لحزب "العمل" الذي يتزعمه الوزير إيهود باراك، الذي سيحافظ على عدد مقاعده، بحصوله على 20 مقعدا أو 18 مقعدا، وهو اليوم يسيطر على 19 مقعدا، بينما سيفقد حزب يسرائيل بيتينو بزعامة ليبرمان من مقعدين إلى ثلاثة، وهو اليوم يرتكز على 11 مقعدا، وستخسر حركة "شاس" في الحالتين مقعدين، في حين أنها تسيطر اليوم على 12 مقعدا.

أما الارتفاع الأكبر فسيكون لحزب الليكود، الذي سيستعيد قسطا كبيرا من قوته، وسيرتفع من 12 مقعدا اليوم إلى 28 مقعدا، في حال كانت ليفني على رأس "كديما"، و31 مقعدا في حال بقي أولمرت زعيما لحزبه.

ومثل هذا الاستطلاع، واستطلاعات شبيهة تجريها الأحزاب الكبيرة بشكل دوري وتبقى قيد السرية، تقرر التحرك المستقبلي لهذه الأحزاب.

ونبدأ بالحزب الأكبر الشريك في حكومة أولمرت (بعد كديما الحاكم) وهو حزب "العمل" الذي يصرح قادته في اتجاه مؤيد لاستئناف المفاوضات، في حين حاول زعيم الحزب ووزير الدفاع إيهود باراك، أن يميل لليمين المتشدد، مكررا اسطوانته التي أطلقها في خريف العام 2000، ويزعم فيها عدم وجود شريك فلسطيني.

"فالعمل" ليس بإمكانه الانسحاب من الحكومة على خلفية استئناف المفاوضات، خاصة وأنه مدرج في الحلبة السياسية في خانة تأييد العملية السلمية، ولهذا فقد سمعنا باراك في الأيام الأخيرة يجدد تهديده بالانسحاب من الحكومة بعد صدور تقرير لجنة فينوغراد، لكن السؤال الأكبر هو: هل هناك مصلحة لحزب "العمل" في إسقاط الحكومة والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، تبقيه في مرتبة الحزب الثاني، وربما الثالث، في حال كانت ليفني على رأس "كديما"؟.

الجواب على هذه المسألة هو أن حزب "العمل" لن يبادر إلى إسقاط الحكومة في هذا الوضع، وإن أقدم على خطوة كهذه، فسيكون مكرها، وينفذ خطوة تحصيل حاصل.

أما بالنسبة لحركة "شاس" فحتى الآن لا يوجد ما يبرر خروجها، بناء على مصالحها، فهي تدرك أن هذه الحكومة لن تقدم على أي خطوة سياسية تتعارض مع التوجه العام لليمين الإسرائيلي، وأنها غير قادرة على توقيع اتفاق، لذلك فهي لن تسارع للخروج من الحكومة، طالما أن مصالحها الضيقة، مثل صرف الميزانيات على أجهزتها ومؤسساتها الدينية والتربوية، قائمة دون تقليص.

وربما تكون محللة الشؤون الحزبية في موقع الانترنت التابع لصحيفة "معاريف"، مايا بنغل، خير من وصف حالة أفيغدور ليبرمان، في مقال لها بعد يوم من تهديداته بالانسحاب، فكتبت: "إن ليبرمان يريد تنفيذ عمليتين في آن واحد، الانسحاب من الحكومة والبقاء فيها".

وتتابع بنغل كاتبة: "إن ليبرمان سياسي مجرب، جلده جلد فيل (سميك) ولديه كمية غير محدودة من الصبر، فانضمامه إلى حكومة أولمرت كلفه ثمنا، وحسب الاستطلاعات سيخسر مقعدين، ومن ناحيته لا يزال هذا هو ثمن بالإمكان احتماله، وليس ضربة قوية، ولكنه ضوء أحمر أمامه، والسؤال الذي يقلقه في هذه الأيام، ما إذا ينسحب من الحكومة الآن أم لا؟".

وتقول بنغل: "مرحليا فإن ليبرمان ليس واثقا من أن انسحابه من الحكومة سيقود الى زعزعة الحكومة وتهديد استقرارها، فإذا ما انسحب ستبقى الحكومة على حالها، لأن حركة "شاس" ستبقى في الائتلاف، وستنضم للائتلاف كتلة "يهدوت هتوراة" (الدينية الأصولية لليهود الغربيين)، وسيتضح للجمهور إلى أي مدى ضعف رجل السياسة القوي (ليبرمان)".

وتختتم بنغل مقالها بالقول إن ليبرمان يتخوف من أن فقدان مقعدين قد يتحول إلى وتيرة متسارعة، "وهذا السبب الذي جعل ليبرمان، وهو الجندي المنضبط لدى أولمرت، يشن حملة تمرد في الأسابيع الأخيرة".

وما سبق يؤكد أن جوهر الخلاف بين أطراف حكومة أولمرت، ليس سياسيا، وإنما حزبي تكتيكي.

 

سيناريو قد يقلب جميع الأوراق

 

 

في استعراض كهذا للوضع القائم في حكومة أولمرت، يجب أن لا يغيب سيناريو يعتبر محتملا جدا قد يقلب جميع الأوراق وحسابات الأحزاب المشاركة في الائتلاف، وهو سيناريو شن عملية عدوانية واسعة النطاق على قطاع غزة، على شكل عدوان "السور الواقي" في شتاء العام 2002 على الضفة الغربية.

فقد ألمح جنرالات الجيش الإسرائيلي مرارا، ومعهم الوزير باراك ونائبه متان فلنائي، إلى أن احتمال شن عدوان كهذا سيكون بعد أنابوليس، وتحت غطاء الرد على إطلاق القذائف الفلسطينية باتجاه مواقع إسرائيلية، علما أن عدوانا كهذا قد يحتاجه باراك لإثبات قدراته العسكرية، كما أن أولمرت قد يخرج مستفيدا من عدوان كهذا، خاصة إذا ما صدر تقرير فينوغراد في أوج العدوان، اعتقادا منه أن دوي القنابل وقصف الطائرات سيخفف كثيرا من صخب هذا التقرير، ويخفف من وطأته عليه.