إسرائيل تدرس تشكيل لجنة تحقيق لتجنب عواقب تقرير غولدستون

أحزاب وحركات سياسية

* سارع إلى انتخابات في موسم العطل الصيفية ولم يجد أمامه منافسة حقيقية وإنما وهمية، وتعرّض للكثير من الانتقادات في الصحافة * نتنياهو يشنّ الآن معركة أخرى لإجراء انتخابات مبكرة، لكنه هنا أيضا يقرع أجراسا لا توجد أغلبية في الكنيست على استعداد لسماعها *

 

 

 

 

حقق رئيس حزب "الليكود"، ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، بنيامين نتنياهو، في الأسبوع الماضي، فوزا في الانتخابات لرئاسة الليكود، ليبدأ بذلك ولاية جديدة تؤهله لقيادة الحزب في الانتخابات البرلمانية القادمة، إلا أن نتنياهو فاز هذه المرة في "معركة" انتخابية وهمية، حُسمت نتيجتها منذ أن أصر نتنياهو على تقديم موعد الانتخابات، مع علمه المسبق بأن منافسه الأساس المفترض في هذه الانتخابات، النائب سيلفان شالوم سينسحب احتجاجا.

ولم تسجل في السنوات الأخيرة حالة كهذه لانتخابات بهذا المستوى لحزب مرشح للعودة إلى الحكم، إذ غاب الإعلام كليا عن الحملة الانتخابية، واستيقظ بشكل خجول في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة ليوم الانتخابات، ولهذا فإن نتنياهو حقق فوزا باردا خافتا من دون أضواء إعلامية ساطعة يعشقها نتنياهو إلى درجة جنونية.

فقد سارع نتنياهو إلى إجراء انتخابات داخلية لرئاسة الليكود في موسم العطل الصيفية، وهي فترة تتجنبها الحلبة السياسية، ولا تبادر إلى أي حسم فيها، إلا أن نتنياهو أراد أن يحسم رئاسة الليكود بأسرع ما يمكن، لكي لا يبقى في خانة "المرشح" لرئاسة حزبه في أي انتخابات برلمانية قادمة، خاصة وأن الحزب المنافس الأساسي لليكود، حزب "العمل"، اختار رئيسه ومرشحه لرئاسة الحكومة، إيهود باراك.

كذلك فإن نتنياهو أراد من وراء الإسراع بهذه الانتخابات، عدم فسح المجال أمام منافسه الأساس في الليكود، وزير الخارجية الأسبق سيلفان شالوم، لتوسيع قاعدته الشعبية في الحزب، خاصة وأن نتنياهو قد ضمن لنفسه شخصية يهودية شرقية أخرى وبديلة، لتحتل "منزلة الشرقي" في زعامة الليكود، وهو عضو الكنيست موشيه كحلون المقرب من نتنياهو، وهو من عائلة شعبية وقريب من أحياء وبلدات الفقر اليهودية الشرقية، حيث جمهور المصوتين المركزي لحزب الليكود.

وقد تذرع نتنياهو في قراره تقديم موعد الانتخابات بأن إسرائيل مقبلة على انتخابات برلمانية مبكرة، بعد صدور التقرير النهائي للجنة فحص مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، رغم أن المراقبين يتوقعون تأخير صدور هذا التقرير إلى النصف الأول من العام القادم 2008، وبالتالي فإن الأزمة التي يتوقعها نتنياهو ستتأجل هي الأخرى.

وعمليا فإن نتنياهو فاز في انتخابات صورية، وشن معركة وهمية، أمام منافس يميني عنصري متطرف، موشيه فايغلين، لا يتخيل أحد أنه منافس حقيقي لنتنياهو، ولهذا فقد كانت معركة وهمية أشبه بمعارك دون كيشوت، وكل محاولات نتنياهو لإظهار أهمية لهذه الانتخابات باءت بالفشل.

مثلا بادر نتنياهو قبل يوم من الانتخابات للتعبير عن قلقه لدى وسائل الإعلام من نسبة تصويت منخفضة، تؤدي إلى حصول فايغلين على نسبة عالية في الانتخابات، لكن هذا "القلق" أيضا لم يجذب الإعلام بالشكل الذي أراده نتنياهو.

أما السبب الحقيقي الذي يكمن وراء إسراع نتنياهو لإجراء هذه الانتخابات، فهو أنه يخاف من حملة انتخابية حقيقية، يكون في طرفها المقابل سيلفان شالوم، ويجري خلالها فتح الكثير من أوراق وملفات نتنياهو حين كان رئيسا للحكومة، من ربيع العام 1996 وحتى ربيع العام 1999، التي لا يمكن اعتبارها فترة وردية في إسرائيل، فقد أدت سياسته إلى تدمير السياق الذي كان محددا للعملية السياسية، وساهمت سياسته في دهورة الأوضاع الأمنية، إضافة إلى فتح الأبواب على وسعها أمام فساد السلطة، ولكن بشكل خاص فإن فترته سجلت تراجعات على المستوى الاقتصادي قياسا بالفترة التي سبقته.

كذلك فإن نتنياهو الذي عاد إلى دائرة الحكم في العام 2003، وزيرا للمالية في حكومة أريئيل شارون، انتهج سياسة اقتصادية، اصطلح على تسميتها في إسرائيل: "سياسة خنازيرية"، وجه فيها ضربات قاصمة للشرائح الفقيرة والضعيفة، واتسعت دائرة الفقر في إسرائيل منذ ذلك العام وحتى اليوم بنسبة 40%.

أما على الصعيد السياسي، فإن نتنياهو تميز بالقفز المتواصل بين المواقف السياسية المتناقضة، طالما أنها تدفعه دائما نحو القمة وتثبّته عليها. فقد خاض الانتخابات لرئاسة الحكومة في العام 1996، وهو يشن حملة شعواء على المسيرة التفاوضية مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهجوما مكثفا على الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولكن بعد وصوله إلى رئاسة الحكومة تراجع عن الكثير من وعوده الانتخابية لليمين، وتوجه مضطرا للتفاوض مع الرئيس عرفات، الذي وصفه نتنياهو لاحقا "بالصديق".

وبطبيعة الحال فإن نتنياهو لم يغير جلده في تلك الفترة، فعلى الرغم من أنه أبرم اتفاقيات مع الجانب الفلسطيني، مثل اتفاق الخليل وغيره، إلا أنه في المقابل دمّر المسار الطبيعي لتلك المفاوضات التي كان يجب أن تنتهي في العام 1999 بإبرام اتفاق على حل دائم.

وبعد خلعه عن رئاسة الحكومة في انتخابات العام 1999، انتقل نتنياهو كليا إلى معسكر اليمين المتشدد، الذي لم يسارع إلى استقباله واحتضانه بسبب نهجه في رئاسة الحكومة، ولكن هذا المعسكر لم يجد مفرا من اللجوء إلى نتنياهو في أعقاب تنفيذ ما يسمى بـ "خطة فك الارتباط"، التي تضمنت إخلاء مستوطنات قطاع غزة في صيف 2005.

وحتى موقف نتنياهو من هذه الخطة كان متقلبا، فقد أيدها بداية بصمت، ولكنه قرر "في الدقيقة التسعين" الانتقال إلى الموقف المعارض كليا لها، عندما أيقن أن هذه فرصته للانقضاض من جديد على رئاسة الليكود، والإطاحة بأريئيل شارون، لأن هيئات الحزب كانت، ولا تزال، واقعة تحت سيطرة اليمين المتطرف وعصابات المستوطنين، على الرغم من أن هذه الجهات لا تمثل، حقيقة، غالبية جمهور مصوتي الليكود، وهذا ما ثبت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي سبقها انشقاق في الليكود، قاده رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون، وحوّل الليكود إلى حزب برلماني صغير نسبيا، له 12 مقعدا من أصل 120 مقعدا، ويأتي في المرتبة الرابعة برلمانيا.

 

 

محللون و...عناوين متطابقة

 

في اليوم التالي لانتخابات الليكود صدرت صحيفتا "معاريف" و"يديعوت أحرونوت" في وضع غريب جدا، كي لا نقول نادرا، وإنما لأول مرة لدى صحيفتين متناحرتين إلى ما لا نهاية. فقد ظهر للمحللين السياسيين، بن كسبيت، "معاريف"، وناحوم بارنياع، "يديعوت أحرونوت"، مقالان يحملان نفس العنوان: "فوز آخر كهذا"، ويحملان الكثير من الانتقادات لتسرع نتنياهو الدائم.

ولربما أن مقال بن كسبيت يحظى بأهمية خاصة في هذه المناسبة، بناء على ما يشاع بأنه على صداقة وثيقة بنتنياهو، وأنه في الماضي خاض في قضايا إعلامية تخدم بالأساس نتنياهو.

ويفتتح بن كسبيت مقاله مشيرا إلى إصرار نتنياهو على تحقيق طموحه منذ أن كان طالبا جامعيا في الولايات المتحدة، وما رافق هذا من حالة التسرع التي تميز نتنياهو، رغم ما تحمل من أخطاء.

وجاء في المقال أنه منذ أن كان نتنياهو طالبا جامعيا، مرورا بكونه رئيس حكومة ووزيرا للمالية، "وحتى اليوم لم يتغير نتنياهو من حيث الجوهر، فهو الرجل المؤهل والمتسرع، الذي تتملكه حالة ضغط نفسي لأسباب غير معروفة، ويرتكب بسببها الأخطاء، ففي الأمس فاز بالانتخابات الداخلية لرئاسة الليكود، ولكنه خرج من هذه الانتخابات متضررا، فسعيه المتواصل لتحقيق أي انتصار كان، وبأي ثمن وفي أي مكان مهما كانت الظروف، حتى وإن لم تكن له حاجة، إضافة إلى طابع التسرع لديه، وعدم قدرته على التروي، والحفاظ على برودة أعصاب لدى اتخاذ القرار، كل هذا يقود نتنياهو المرة تلو الأخرى إلى ارتكاب الأخطاء".

ويتابع بن كسبيت كاتبا "إن أحد هذه الأخطاء هو قراره تقديم موعد الانتخابات لرئاسة الليكود، والسؤال الحقيقي الذي يجب أن يوجه إلى نتنياهو، ليس لماذا أصر على إجراء الانتخابات في منتصف فصل الصيف ولم يصغ لرجاء منافسه سيلفان شالوم بتأجيلها، وإنما السؤال هو: ما حاجته لهذه الانتخابات أصلا؟".

ويكتب بن كسبيت: إن نتنياهو لا يستوعب مقولة "العجلة من الشيطان"، ويضيف "من المفترض أن يكون نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل القادم، فهو ذو شعبية، وهو يصر على أهدافه، لقد كان وزيرا ناجحا للمالية، ولهذا لديه الكثير مما يطرحه وتسجل لصالحه نقاط ايجابية، والمشكلة هي أنه في الماضي كان أيضا في وضعية كهذه، وكان من المفترض مرتين أن يكون رئيس حكومة، ولكن هذا لم يتحقق".

ويختتم بن كسبيت مقاله قائلاً "إن العدو الحقيقي لنتنياهو (بيبي) ليس سيلفان شالوم ولا باراك، وإنما بيبي نفسه، يجب أن يظهر شخص ما يروّض هذا البيبي، الذي يشوش على نتنياهو (بيبي هي كنية نتنياهو، وهنا يتلاعب الكاتب بالمعنى الآخر لهذه الكنية- طفل بالانجليزية)، لكي يتوقف عن نهج النطنطة (القفز) في كل مرة يشعر فيها أن الظروف جيدة بالنسبة له، وإلا سيبقى نتنياهو في وضعية: كان من المفترض آن يكون رئيس حكومة، ويتم انتخاب آخر".

أما المحلل السياسي البارز في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم بارنياع، فكتب في مقاله الذي يحمل نفسه العنوان- "فوز آخر كهذا"- واصفا جمهور الناخبين في حزب الليكود، معتبرا أنهما جمهورين منفصلين كليا، ولا تربطهما أية علاقة سياسية، فجمهور الليكود "الأصلي" يدعم نتنياهو، وجمهور المستوطنين المتطرفين يدعم المرشح المتطرف موشيه فايغلين.

إلا أن بارنياع يستخف هو أيضا بفوز نتنياهو، ويقلل من قيمة الانتخابات لرئاسة الليكود، ويكتب قائلاً: "لم يكن عنف في هذه الانتخابات، لأن السياسة في هذه الأيام تثير مشاعر قلة فقط، وحتى هؤلاء ليسوا على استعداد لبذل جهد من أجل السياسة، وهذا هو التفسير الجيد لنسبة التصويت المنخفضة، أو تفسير نتنياهو القائل إن الناس لم تأت للتصويت لأنها اعتبرت أن النتائج قد حسمت سلفا".

ويتابع بارنياع "إن النتائج تم حسمها في اللحظة التي أعلن فيها سيلفان شالوم عدم المنافسة... إن هذا الوضع لربما يكون بمثابة انتقام سيلفان شالوم من نتنياهو، فقد حرم شالوم نتنياهو من نشوة النصر، فالانتصار في الانتخابات الداخلية لأي حزب يعتبر إشارة الانطلاق والتحليق، لكن ليس في هذه المرّة، لأن نتنياهو صلى من أجل أن ينسى الجمهور نتائج الانتخابات خلال يوم".

 

 

بين غايداماك وليبرمان وكديما

 

 

إن أحد أسباب ظاهرة التسرع لأي كان هو مسألة عدم الثقة إما بالنفس أو بالآخرين، وما يعزز فكرة عدم ثقة نتنياهو بحزبه الليكود، على العودة بشكل واثق إلى رئاسة الحكم، هو سعيه الدؤوب إلى "نفخ بالونات إعلامية"، تصب في ادعاء أنه ليس فقط يحظى بشعبية في الشارع الإسرائيلي (لا أكثر من 30%)، وإنما أيضا الادعاء بأن السياسيين، أو الناشطين في الحلبة السياسية، يقتربون منه ويسعون للتحالف معه.

ويعتمد نتنياهو، على ما يبدو، على الذاكرة القصيرة لدى الشارع الإسرائيلي، ومن خلفه وسائل الإعلام، إضافة إلى عدم المتابعة وفحص بياناته المتكررة، المليئة بالتناقضات وتضارب المصالح، وعدم ملاءمة مزاعمه مع السياق الطبيعي لحركة الحلبة السياسية، وفق الظروف القائمة في كل مرحلة.

فمثلا، لم يتوقف نتنياهو، مع انتهاء الحرب على لبنان، قبل نحو عام، وعلى مر بضعة شهور عن الإعلان بأن مجموعة من أعضاء الكنيست من حزب "كديما" الحاكم قررت الانشقاق والانضمام إلى الليكود، حتى وصل الأمر إلى حد القول إن الأمر متوقف على نائبين أو ثلاثة إضافيين، ليكون بإمكان هذا الانشقاق أن يلبي الشروط القانونية، وهي أن لا يقل عدد المنشقين عن نسبة الثلث من أعضاء الكتلة الأم.

ولم تتوقف الصحافة على مختلف أنواعها عن متابعة هذا "الحدث"، وانهمك الكثير من الصحافيين في التخمينات حول هوية هؤلاء النواب، لكن نتنياهو توقف فجأة عن هذه المناورة بعد أن اتضح له أن الأمر بدأ يتكشف، مع كثرة بيانات النفي التي كانت تصدر عن نواب "كديما".

أما المناورة الثانية، التي لها ما يدعمها، فهي دعم نتنياهو للثري الروسي حامل الجنسية الإسرائيلية، أركادي غايداماك، ليقيم حزبا يستقطب بالأساس جمهور المهاجرين الروس، ولكي يدعم هذا الحزب لاحقا نتنياهو لرئاسة الحكومة.

وهنا فإن المعادلة تختلف لأن غايداماك، المتورط قضائيا في فرنسا، واسمه مرتبط بجرائم مالية كثيرة في العالم، أعلن نيته إقامة حزب وأنه يدعم نتنياهو لرئاسة الحكومة، وقيل إن نتنياهو يسعى من وراء هذا إلى ضرب حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة المتطرف أفيغدور ليبرمان، رغم أن ليبرمان هذا كان في مرحلة ما اليد اليمنى والرجل القوي في دائرة نتنياهو حين كان رئيسا للحكومة.

لكن المناورة الأخيرة تتناقض كليا مع السابقة، حين نقرأ ضمن مقابلة مع ليبرمان في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في الأسبوع الماضي، أن الأخير ونتنياهو أجريا محادثات لدمج حزبيهما في الانتخابات البرلمانية القادمة، وأن هناك حالة من التوافق بين الاثنين في القضايا السياسية وتغيير شكل النظام في إسرائيل، لكن العقبة الباقية هي التشريعات ذات الطابع المدني، وبالأساس في ما يتعلق بقوانين الإكراه الديني، مثل مسألة الزواج المدني، وإلغاء تأشيرة دخول إسرائيل لحملة جوازات السفر الروسية.

في ما يتعلق بالمناورة الأولى فإن نتنياهو، وحتى لو وجد أعضاء كنيست من "كديما" يريدون الانضمام لليكود، فإنه ليس باستطاعته تقديم أي ضمان لهم لدمجهم في أماكن مضمونة في قائمة الليكود للانتخابات القادمة، باستثناء واحد أو اثنين من قادة كديما، هذا إذا كان بنية أحدهم أصلا الانضمام إلى نتنياهو والليكود.

أما المناورة المتعلقة بليبرمان، فإن نتنياهو شخصيا لن يسعى لمثل هذا التحالف، لأنه يعرف تماما أن تحالفا كهذا لن يتم أصلا، كما أنه لا يمكنه التعايش مع ليبرمان، الذي لا يرضى بأي زعيم حزبي من فوقه.

لكن نتنياهو يستفيد من وراء كل هذا بأنه يبقى في عناوين وسائل الإعلام بشكل شبه يومي، ولهذا ليس من المستبعد أن نسمع مناورات شبيهة أخرى.

 

 

الانتخابات المبكرة- حلم لا يزال بعيدًا

 

 

في خطاب "النصر المصطنع" الذي ألقاه نتنياهو مع ظهور نتائج الانتخابات لرئاسة الليكود قال إن مهمته الحالية الآن هي التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، ومن تابع نتنياهو في الأشهر الـ 12 الماضية لاعتقد أن مثل هذه الانتخابات كان من المفترض أن تجري قبل عدة أشهر من الآن.

لكن نتنياهو يعرف أن دعوته هذه لن تلقى آذانا صاغية في الموقع الأساس الذي عليه اتخاذ مثل هذا القرار، الكنيست، حيث أن الغالبية الساحقة من أعضاء الكنيست والكتل البرلمانية ليست معنية بانتخابات مبكرة كهذه، لن تعيد غالبيتهم إلى مقاعدهم، كما أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية القائمة لا تستدعي مثل هذه الانتخابات حتى من وجهة نظر الشارع الإسرائيلي.

ودعما لهذه الفرضية، فإن من يتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية، وما ينشر عن لسان الأجهزة الأمنية والعسكرية، وحتى عن شخصيات مركزية في هذه الأجهزة، وبالتالي مقالات المحللين السياسيين والعسكريين فإن اللهجة تغيرت نوعا ما، أو بدأت تتغير في ما يتعلق بمستقبل حكومة إيهود أولمرت.

فمثلا في ما يتعلق بلجنة فحص مجريات الحرب على لبنان، لجنة فينوغراد، إضافة إلى الحديث عن إمكانية تأجيل تقريرها النهائي إلى النصف الأول من العام القادم 2008، فإن هناك نغمة جديدة بات تشكك في حدة لهجة هذا التقرير. وقالت صحيفة "معاريف"، مثلا، إن اللجنة ستقول أمام المحكمة العليا إنها لن توصي بقطع رؤوس سياسيين وعسكريين، بالمعنى المجازي، أي أنها لن توصي بإقالات واستقالات.

غير أنّ الأهم من هذا، هو أن لهجة الحديث عن نتائج الحرب على لبنان بدأت تتغير هي أيضا، مع مرور عام على اندلاع وانتهاء الحرب، وأصبحنا نسمع مصطلح "إنجازات الحرب"، ليس على لسان رئيس الحكومة إيهود أولمرت فحسب، وإنما بالأساس على لسان الأجهزة الأمنية والعسكرية، كما قرأنا عن زيارة أولمرت ووزير الدفاع، إيهود باراك، إلى الحدود الشمالية في ذكرى يوم انتهاء الحرب.

كما انضم إلى هذا الحديث، الجنرال احتياط غيورا آيلاند، من كان حتى قبل عام ونصف العام، رئيسا لمجلس الأمن القومي، الذي قال لموقع "واينت" الإسرائيلي على الانترنت (تابع لصحيفة يديعوت أحرونوت)، بشأن نتائج الحرب، إنه من باب الأهداف السريعة للحرب وهزيمة حزب الله، "فإننا لم ننجح، أو كما قال تقرير فينوغراد فقد فشلنا"، ولكن على المستوى البعيد المدى فإن مضمون القرار الدولي 1701 هو إنجاز لصالح إسرائيل.

مثل هذه التصريحات والتقييمات لم تكن موجودة قبل عام أو حتى لدى صدور التقرير المرحلي للجنة فينوغراد في ربيع العام الجاري، لكن اليوم هناك كثرة في هذه التصريحات، وفي حال استمرارها فإنها ستسهم في خلق أجواء جديدة تخفف الضغط على أولمرت، وبالتالي تزيل فرضية سقوط حكومة أولمرت.

كذلك فإن الانطباع الأقوى هو أن هذه الأزمة المتوقعة بعد فينوغراد، لن تؤدي بالضرورة إلى انتخابات مبكرة لا يرغبها غالبية النواب في الكنيست، وإنما قد تسفر عن تغيير رئيس الحكومة، بآخر من حزب "كديما" الحاكم.

 

هذا يعني أنه حتى الحلبة التي يريد نتنياهو استغلالها للدفع نحو انتخابات مبكرة لم تعد مضمونة له.

 

ويجمع المراقبون في إسرائيل على أن نتنياهو لم يتغير. ولذا فإن لهاث الإسرائيليين من جديد وراء نتنياهو يعكس من جهة أزمة القيادة في إسرائيل، ويعكس من جهة أخرى حالة التخبط التي يعيشها المجتمع في إسرائيل في سعيه للبحث عن مخرج من أزماته المتراكمة.