لو كنت يهوديًا

أحزاب وحركات سياسية

أولمرت وليبرمان يعلنان اتفاقهما على سن قوانين لتغيير نظام الحكم في الدورة البرلمانية المقبلة، رغم حالة عدم التوافق في الكنيست [تحليل إخباري]

 

كتب برهوم جرايسي:

 

 

نشر في الأسبوع الماضي أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، وزعيم حزب "يسرائيل بيتينو" اليميني المتطرف، الوزير أفيغدور ليبرمان، اتفقا على إنجاز سلسلة من القوانين الرامية لتغيير شكل نظام الحكم في إسرائيل، خلال الدورة البرلمانية الشتوية، التي ستفتتح بعد الأسبوع الأول من الشهر القادم، تشرين الأول.

 

إنّ هذا البيان بداية هو من نوع تلك البيانات التي باتت تسبق كل دورة برلمانية جديدة بين أحزاب الائتلاف، وعلى ما يبدو لإزالة بعض الألغام الصغيرة في عمل الائتلاف الحكومي. ومن يعرف تعقيدات تغيير نظام الحكم، أو شكل انتخاب البرلمان، إن كانت هذه التعقيدات على المستوى البرلماني أو على المستوى الشعبي، فإنه سيدرك استحالة تحقيق مثل هذا التعهد كله، وقد ينجح الإثنان في إقرار بند واحد أو اثنين ولكن ليسا أساسيين.

ويدور جدل في إسرائيل منذ سنوات طوال حول طريقة نظام الحكم في البلاد، في إطار البحث عن وسيلة تؤمن استقرارا سياسيا في الحكم، وهذا دون النظر إلى الأسباب الجوهرية لحالة عدم الاستقرار، وخاصة الصراع الدائر في المنطقة.

وتفيد المعطيات أنه خلال 58 عاما (حتى العام 2006)، جرت في إسرائيل 17 انتخابات برلمانية، خمس منها فقط جرت في موعدها القانوني، و12 جرت كانتخابات مبكرة، كما انه خلال نفس الفترة تم تشكيل 31 حكومة، واشتدت حالة عدم الاستقرار في السنوات الأخيرة، حين تبين من نفس المعطيات، أنه خلال السنوات العشر الأخيرة كان معدل ثبات الوزير في منصبه (استقالة أو تغيير حقيبة) 16 شهرا للوزير.

وحتى سنوات الثمانين لم يطرأ أي تغيير على شكل انتخاب البرلمان ونظام الحكم، وكانت أية قائمة تحصل على أصوات تؤمن لها مقعدا واحدا في البرلمان تحصل عليه، إلى أن تم رفع نسبة الحسم في انتخابات العام 1992 إلى 5ر1%، ثم إلى 2% في انتخابات 2003.

كذلك فإن إسرائيل شهدت تغييرا لشكل النظام ابتداء من الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام 1996، إذ انتهجت طريقة الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة. وقد تم إتباع هذه الانتخابات مرتين في إطار الانتخابات برلمانية، وكانت المرة الأخيرة في العام 2001 لانتخاب رئيس الحكومة وحده، ثم قرر الكنيست إلغاء هذه الطريقة بعد أن تأكد أنها لم تساهم في تحقيق الهدف المنشود: الاستقرار السياسي، ووقف "حالة ابتزاز" الأحزاب لدى تشكيل أي حكومة.

ولم تسقط المطالبة بتغيير نظام الحكم في إسرائيل طيلة هذه السنوات، ولكن في الدورة البرلمانية الحالية فإن هناك من يرفع راية تغيير شكل النظام أكثر من غيره، وهذا هو الوزير ليبرمان.

 

وحسب ما نشر فإن أولمرت وليبرمان اتفقا على بعض البنود التي سيجري العمل فيها للتغيير في نظام الحكم، أولها رفع نسبة الحسم، ورفع عدد أكثرية النواب الذين بإمكانهم إسقاط الحكومة، وتكليف مباشر لرئيس أكبر كتلة برلمانية بتشكيل الحكومة، دون قرار من رئيس الدولة، وتغيير موعد إقرار ميزانية الدولة، إلى جانب البحث في جوانب أخرى في تغيير النظام.

 

الرجل القوي

 

 

بحسب الرؤية السائدة في إسرائيل، فإن هناك توجهين لضمان استقرار الحكم، أو الحكومات في إسرائيل، الأول ينادي بتغييرات في نظام الانتخابات البرلمانية، وفي نظام عمل الكنيست، ومنح حصانة أكبر للحكومة المنتخبة، والثاني يعتقد أن إسرائيل بحاجة إلى حكم الرجل القوي، والتوجه مباشرة إلى نظام رئاسي جمهوري، وفي كلا الاتجاهين هناك تجاهل لحقيقة تعقيدات تركيبة المجتمع الإسرائيلي، وتنوعاته العرقية والطائفية، التي تبدو "مرتاحة" إلى الآن من نسب تمثيلها البرلماني.

أما بالنسبة للرجل القوي، فإن هذا المبدأ وقف أيضا حين قرر الكنيست في العام 1994 التوجه إلى انتخابات مباشرة لرئيس الحكومة، وبعد فشل هذه الطريقة بدأ الحديث عن نظام رئاسي جمهوري، من أشد مناصريه كان زعيم حزب الليكود الحالي بنيامين نتنياهو، الذي تراجع في الآونة الأخيرة عن التلويح بهذا المشروع، وبقي "المناصر" الأبرز له على الساحة السياسية حاليا الوزير أفيغدور ليبرمان.

وعلى الرغم من أن هذا الأمر حاز على مساحة كبيرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية بين مؤيد ومعارض، إلا أنه تراجع في الآونة الأخيرة، وعلى ما يبدو على ضوء توصيات اللجنة الرئاسية التي شكلها رئيس الدولة السابق موشيه قصاب، لفحص إمكانية تغيير نظام الحكم، وتضم اللجنة عددا كبيرا من الخبراء ذوي التخصص.

 

ويظهر من قراءة التقرير المطول أن اللجنة ترفض تحويل النظام في إسرائيل من برلماني إلى جمهوري رئاسي، ويدعو التقرير إلى تعزيز الدور البرلماني أكثر بعدة وسائل، وفي نفس الوقت تعزيز صلاحيات رئيس الحكومة.

 

وجاء في التقرير أن اللجنة فحصت 33 دولة يوجد فيها نظام برلماني، و27 دولة فيها نظام جمهوري رئاسي، وتبين أن نسب الرضا عن الأنظمة البرلمانية أعلى بكثير من الأنظمة الجمهورية، إلا أن إسرائيل موجودة في أسفل سلم الأنظمة البرلمانية، حسب التقرير، لكن بالإمكان القول إنه بفضل النظام البرلماني فإن إسرائيل لا تقع في سلبيات النظام الرئاسي، كما جاء.

ويقول التقرير في تلخيصاته: "بعد فحص ومقارنة أساسية بين الأنظمة الرئاسية والبرلمانية، وخاصة من حيث الايجابيات والسلبيات، فإن اللجنة توصي بما يلي: 1) تعزيز النظام البرلماني. 2) تعزيز السلطة التنفيذية واستقرار الحكم. 3) تعزيز العلاقة بين الناخب والمنتخب، من خلال تغيير طريقة الانتخابات".

 

نسبة الحسم والانتخابات المناطقية

 

يُطرح بقوة على الحلبة السياسية طلب رفع نسبة الحسم، فمثلا كان ليبرمان يطالب برفعها إلى نسبة 10%، حتى أنه طرح مشروع قانون كهذا أثار السخرية بين أعضاء الكنيست، لأن حزب ليبرمان نفسه لم يصل حتى إلى نسبة الحسم هذه، في الانتخابات الأخيرة.

 

إلا أن لجنة القانون والدستور في الكنيست أقرت في الأسابيع الأخيرة مشروع قانون يرفع نسبة الحسم إلى 5ر2%، وعلى ما يبدو فإن هذا القانون، الذي من المفترض أن يُطرح على الهيئة العامة للكنيست مع افتتاح دورتها الشتوية في الشهر القادم، سيحظى بأغلبية كبيرة، وسيلقى معارضة ثلاث أو أربع كتل صغيرة، هي الكتل الثلاث الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل إضافة إلى كتلة ميرتس اليسارية الصهيونية.

وعمليا فإن رفع نسبة الحسم إلى أكثر من ذلك في الدورة البرلمانية الحالية سيلقى معارضة حتى بين أوساط الكتل الدينية المتشددة، ولربما أيضا بين كتل اليمين المتطرف، التي وحدت نفسها خلال هذه الدورة في كتلة واحدة، لكن لا يوجد ما يضمن بقاء وحدتها في الانتخابات القادمة، خاصة على ضوء الخلاف القائم دائما حول شكل توزيع مقاعد الأحزاب.

كذلك فقد طرحت أيضا مسألة الانتخابات المناطقية، بمعنى انتخاب قسم من أعضاء الكنيست في مناطقهم، وهذا هو الموقف الذي تنادي به اللجنة الرئاسية، وتقترح اللجنة أن يتم انتخاب نصف أعضاء الكنيست ضمن الطريقة القائمة، النسبية القطرية، والنصف الآخر بموجب الطريقة المناطقية الشخصية، رغم أن اللجنة لا تزال تدرس إمكانية أن لا تكون المقاعد مناصفة، وإنما إعطاء أغلبية للطريقة المناطقية.

وتقترح اللجنة أن المرشح الفائز في منطقته يثبت فوزه ويدخل إلى البرلمان في حال اجتاز الحزب الذي يمثله نسبة الحسم في الانتخابات القطرية، وعلى ما يبدو منعا لظهور أحزاب صغيرة، أو مستقلين في البرلمان مما يزيد من تفككه، بحسب اللجنة.

 

وتوصي اللجنة بإقامة لجنة خاصة تحدد توزيع المناطق الانتخابية، على أن يصادق الكنيست على هذه التوزيعة التي بالإمكان إعادة النظر فيها مرّة كل عشر سنوات، مع منح صلاحية للمحكمة الإسرائيلية العليا للنظر في التماسات ضد التوزيعة.

 

لكن هذا الاقتراح، الذي يرافقه اقتراح بزيادة عدد أعضاء الكنيست إلى 171 عضوا، من المستبعد أن يصل إلى مرحلة التطبيق، على الأقل في الدورة الحالية ولربما أكثر بكثير، وهذا لأن طريقة انتخابات كهذه لن تضمن حضورا كافيا لبعض "شرائح الأقلية" في المجتمع اليهودي بالذات، ناهيك عن تمثيل الفلسطينيين في إسرائيل الذي سيواجه ضربة جدية، إلا إذا تم إتباع نظام المحاصصة، وهذا ما تتجنبه الأنظمة الديمقراطية في الدول المتطورة لأنه يكشف عن نواقص تلك الديمقراطيات.

 

ولهذا فإن الانتخابات المناطقية لن تضمن توازن التمثيل الحساس بين اليهود الشرقيين والغربيين، وأيضا حضور المتدينين المتشددين، وهنا أيضا بين "سفاراديم" (شرقيين)، و"أشكناز" (غربيين)، ولا التمثيل المناسب للمهاجرين الجدد، وهم أيضا على تنوعاتهم العرقية.

 

نظام العمل البرلماني

 

 

كذلك هناك كم كبير من اقتراحات تغيير نظام العمل البرلماني، فمثلا ظهر وكأن أولمرت وليبرمان اتفقا على أن إسقاط الحكومة يتطلب أغلبية 66 نائبا بدلا من 61 نائبا، حتى ولو لم تفز الحكومة بثقة البرلمان بأغلبية عادية تصل إلى 66 نائبا من أصل 120 نائبا.

وهذا يعني أن حكومة أقلية بإمكانها الاستمرار في عملها ولكن في المقابل لن يكون بإمكانها تمرير أي من القرارات والقوانين، وكل ما تسعى إليه هو تسيير عملها، في حال لم يكن في ائتلافها 61 نائبا على الأقل، وهذا يؤدي إلى تناقض واضح بين ما ينص عليه الاقتراح وبين ما يكون بإمكان أي حكومة تنفيذه، إذ ستكون حكومة ذات حصانة برلمانية، ولكنها مشلولة في عملها.

وعلى ما يبدو هناك غالبية كبيرة لسن وتطبيق قانون "عضو الكنيست البديل"، كما هي الحال في أنظمة ديمقراطية كثيرة مثل النرويج وإسبانيا وفرنسا وهولندا وغيرها، وهو القانون الذي يقضي باستقالة الوزير من منصبه كعضو كنيست في حال تعيينه وزيرا، ليحل محله التالي في قائمة الحزب الانتخابية، وفي حالة استقالة الوزير من منصبه فإن من حقه العودة إلى منصبه كعضو كنيست، ويستقيل العضو البديل من منصبه. وهنا يُطرح السؤال المركزي: من هو الشخص الذي سيقبل بترك أعماله ومصدر رزقه ليكون عضو كنيست مؤقتا، قد يخسر منصبه في كل لحظة في حال قرر أو تقررت استقالة هذا الوزير أو ذاك؟.

وترى اللجنة الرئاسية ضرورة زيادة عدد أعضاء الكنيست (120 عضوا حاليا)، "فما كان يلائم الدولة حين كان فيها 600 ألف نسمة، لا يلائمها حين أصبح عدد السكان سبعة ملايين". وتوصي اللجنة بفحص إمكانية زيادة عدد أعضاء الكنيست بـ 51 عضوا، ليصبح العدد الإجمالي 171 عضوا.

كذلك فإن اللجنة توصي بسن قوانين وأنظمة تضع عقبات أمام الانشقاقات في الكتل البرلمانية، وهذا من خلال قانون تمويل الأحزاب، ففي حين يحصل انشقاق في الكتلة البرلمانية، فإن الكتلة الأصلية هي التي تواصل تلقي الميزانيات والمخصصات من خزينة الدولة.

 

تغييرات واقتراحات وواقع الحال

 

 

قد يكون أولمرت نجح في تهدئة ليبرمان الذي يسعى لتحقيق أي شيء من أهدافه في كنف الحكومة الحالية، مثل سن قانون الزواج المدني وتغيير نظام الحكم في إسرائيل، وإلغاء تأشيرة الدخول لإسرائيل للمواطنين الروس، ومنح سلاطين المال الروس تأشيرات دخول مفتوحة وغير ذلك.

وقد ينسب لنفسه اقتراح القانون القادم بالسماح لمن ترفض المؤسسة الدينية اليهودية الاعتراف بيهوديتهم إبرام عقود زواج مدنية في داخل إسرائيل وليس في الخارج، وهو الآن يريد تسجيل نقاط لنفسه أيضا في مجال شكل النظام.

لكن واقع الحال في الكنيست الإسرائيلي لا يضمن إقرار مجموعة كبيرة من القوانين التي تضمن تغيير شكل النظام، فحتى لو وجد ليبرمان في المعارضة من يؤيده، فإن هذه المعارضة لن تساعد ليبرمان على تسجيل نقاط له في حكومة تسعى المعارضة لإسقاطها، وحتى لإضعاف ليبرمان وحزبه على وجه الخصوص.

لذا فإن محاولات تغيير شكل نظام الحكم في الدورة البرلمانية المقبلة من الصعب أن تخرج من دائرة مناورات شد الحبل بين الائتلاف والمعارضة، بل وحتى داخل الائتلاف نفسه.