أحزاب وحركات سياسية

تنهي الحكومة الإسرائيلية، برئاسة إيهود أولمرت، في هذه الأيام عامها الأول، ولربما عند تسجيل التاريخ والتجارب السياسية سيجري التعامل مع هذه الحكومة على أنها واحدة من أكثر الحكومات تميزا، فهي تواجه الهزات والعواصف منذ يومها الأول، إن كان على صعيد شن الحروب أو ملفات الفساد، ورغم أن كل واحدة منها كفيلة بإسقاط الحكومة إلا أنها كانت الأكثر ثباتا من بين حكومات إسرائيل الأخيرة، على الأقل حتى الآن.

 

تنهي الحكومة الإسرائيلية، برئاسة إيهود أولمرت، في هذه الأيام عامها الأول، ولربما عند تسجيل التاريخ والتجارب السياسية سيجري التعامل مع هذه الحكومة على أنها واحدة من أكثر الحكومات تميزا، فهي تواجه الهزات والعواصف منذ يومها الأول، إن كان على صعيد شن الحروب أو ملفات الفساد، ورغم أن كل واحدة منها كفيلة بإسقاط الحكومة إلا أنها كانت الأكثر ثباتا من بين حكومات إسرائيل الأخيرة، على الأقل حتى الآن.

وتأتي هذه المعالجة بتزامن مع صدور التقرير المرحلي للجنة التحقيق الإسرائيلية في مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، وعلى الرغم من أن العنوان العريض لتقرير اللجنة، الظاهر حتى صدور هذا العدد، هو أن الاستنتاجات الأولية لا تلزم رئيس الحكومة أولمرت بالاستقالة، إلا أن ما لا شك فيه أنها ستخلق أجواء جديدة على الساحة السياسية قد تتضح أكثر في الأيام والأسابيع القليلة القادمة.

لا يمكن البحث في عمل هذه الحكومة، وما يعصف بها، من دون الانتباه أولا وقبل كل شيء إلى الظروف التي جرت فيها الانتخابات، التي قادت إلى هذه التركيبة البرلمانية، وبالتالي هذه الحكومة، فقد كان واضحا أن إسرائيل توجهت إلى انتخابات برلمانية في أوج عواصف سياسية مستمرة منذ سنوات وزادت من حدتها خطة فك الارتباط.

وكان واضحا قبل الانتخابات أنه لا يمكن لأية انتخابات تجري في مثل هذه الظروف أن تقود إلى حالة من الاستقرار السياسي، وهذا ما ثبت على أرض الواقع. ففي تلخيص عام لعمل هذه الحكومة يظهر أن هذه الحكومة أدخلت نفسها في سلسلة من العواصف العسكرية والسياسية، إضافة إلى تورط عدد من أقطابها في ملفات فساد أخلاقية ومالية، قسم منها جرى البت فيه والقسم الآخر والأكبر لا يزال قيد البحث والتحقيق.

 

حروب إثبات النفس

 

 

حاولت حكومة أولمرت، وفي اليوم التالي لبدء ولايتها، تغيير الكثير من الأوراق السياسية والعسكرية، فهي كثفت قصفها على قطاع غزة، وارتكبت مجازر خلال هذا القصف الذي طال عائلة بأكملها وطال العشرات من الفلسطينيين في قطاع غزة، وكان هذا وصفة جاهزة لجر المنطقة إلى تصعيد عسكري، كانت إحدى محطاته العملية العسكرية الفلسطينية في الموقع الإحتلالي الذي أسفر عن مقتل عدة جنود احتلال وأسر الجندي غلعاد شليت، وما تبع ذلك من حرب شاملة على قطاع غزة.

وبعد شهرين من تولي الحكومة مهامها شنت حربا على لبنان كانت ذريعتها عملية أسر جنديين على أيدي مقاومي حزب الله، والكثيرون في إسرائيل شككوا لاحقا في مصداقية هذه الحرب، ولربما ان استنتاج لجنة "فينوغراد" بأن أولمرت كان متسرعا في اتخاذ القرارات يعزز وجهة النظر هذه.

ولكن في كلا الحربين كان واضحا أن رئيس الحكومة أولمرت، من جهة، ووزير الدفاع عمير بيرتس، من جهة أخرى، أرادا صد موجة الانتقادات لكليهما بسبب شكل تركيبة الحكومة، وتولي بيرتس حقيبة الدفاع، التي لا خبرة له فيها، خاصة وأن رئيس الحكومة نفسه يفتقر أيضا لهذه الخبرة.

وهنا أيضا تؤكد "لجنة فينوغراد" أن الإثنين كانا عمليا أسيرين لقرارات شخص واحد، وهو رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، دان حالوتس، ولكن هذه "التجربة" كلفت إسرائيل ثمنا باهظا، إلا أن الثمن الأكبر دفعه بيرتس وأولمرت على حد سواء من خلال انهيار شعبيتهما بشكل لم يسبق له مثيل.

هنا يجدر الانتباه إلى حالة التخبط التي شهدها الشارع الإسرائيلي، وبتأثير واضح وكبير من وسائل الإعلام الإسرائيلية. ففي حين ان شعبية بيرتس وأولمرت تلقت ضربة في اليوم التالي لتركيبة الحكومة، نظرا لتوزيعة حقائب لا تعتمد الخبرة، فقد ارتفعت شعبيتهما بشكل مضاعف خلال أيام الحرب على لبنان، لتصل إلى مستوى 78% لأولمرت، و64% لبيرتس.

ولكن ما إن صمتت فوهات المدافع، حتى بدأ "القصف" المكثف نحو الحكومة، وبالأساس نحو الشخصيتين المركزيتين، ولم يستطع أي منها الحفاظ حتى على رقم الآحاد في نسبة شعبيته إبان الحرب، وشعبية أولمرت اليوم بالكاد تصل إلى 5% في حين أن بيرتس وصل إلى درك 3%، ولا تذكر إسرائيل طوال سنواتها مثل هذا الحضيض لشعبية حكومة لم يكتمل عام على ولايتها، لا بل إن الحضيض بدأ في الشهر الرابع لولايتها.

 

حكومة استمرار بالفساد أيضا

 

 

قيل دائما في إسرائيل إن هذه الحكومة هي استمرار لحكومة أريئيل شارون من الناحية السياسية، ولكن ما ثبت أكثر أن هذه حكومة استمرار من حيث ملفات الفساد، فإذا كانت الحكومة السابقة التي قادها الليكود برئاسة شارون قد ضربت مع برلمانها رقما قياسيا بملفات الفساد، فإن هذه الحكومة استمرت في نفس النهج، حتى وإن لم تصل بعد للإحصائيات التي وصلت إليها الحكومة السابقة.

ففي اليوم التالي لتشكيل الحكومة بدأت تصدر أنباء عن شبهات حول ملفات فساد تورط فيها إيهود أولمرت حين تولى خلال ولاية حكومة شارون حقيبة الصناعة والتجارة، وحقيبة المالية، مثل بيع وشراء بيوت بأسعار تثير الشبهة بأن الهدف منها هو الحصول على أموال بطرق غير مشروعة، والحصول على هدايا أقلام باهظة الثمن، وأيضا بشكل مناقض للأنظمة، والملفان الأكثر سخونة هو التدخل في مناقصة لخصخصة بنك ليئومي لصالح صديقه الثري، وأيضا التدخل لتقديم إمتيازات لشركة استثمارات لأحد المحامين، وصاحب الشركة هو شريك سابق لأولمرت في مكتب المحاماة.

كذلك فإن وزير العدل، حاييم رامون، تورط بقضية تحرش جنسي وأدانته المحكمة، وحكمت عليه بأعمال لخدمة الجمهور لمدة 120 ساعة، وينضم إليه وزير المالية أبراهام هيرشزون الذي توجه له تهمة اختلاس أموال تتراوح ما بين مليون إلى 75ر1 مليون دولار من جمعيات أقامها، وتدور في فلك الحركة الصهيونية.

كذلك فإن رئيسة اللجنة الإدارية للكنيست (لجنة الكنيست)، روحاما أبراهام، والنائب إيلي افلالو، وكلاهما من حزب "كديما"، متورطان في ملفي فساد، والاشتباه بأنهما حصلا على تسهيلات وهدايا من شركات حينما كانا نائبي وزيرين خلال حكومة شارون.

ولا ينقص أولمرت وحكومته ضم ملفات أخرى من خارج الحكومة وحزب "كديما"، ولكن فضيحة الاعتداءات الجنسية التي تورط بها رئيس الدولة موشيه قصاب ألقت بظلالها على حكومة أولمرت، لأنها أصبحت جزءا من مشهد الفساد الذي يغرق فيه أقطاب المؤسسة الرسمية في إسرائيل.

 

إنّ المنطق السياسي والسياق الطبيعي لوضعية كهذه التي وصفناها أعلاه، كان يجب أن يقودا إلى حل الحكومة، أو إلى انقلابات سياسية في داخل الكنيست لإعادة تشكيل الحكومة، وما حصل هو العكس تماما، فهذه الحكومة التي كانت تحظى بأغلبية هشة نجحت في تعزيز ائتلافها لتسيطر على ثلثي مقاعد الكنيست، 78 نائبا من أصل 120 نائبا.

والسبب الرئيس الذي يقف من وراء هذه الأمر هو أن الغالبية الساحقة من الكتل البرلمانية، وبالتالي غالبية أعضاء الكنيست، وصلوا إلى مقاعدهم وهم يعرفون أنه في ظروف طبيعية ما كانوا يحلمون بالوصول إلى المقعد البرلماني، إضافة إلى كتل تعرف تماما ان الظروف التي نشأت في الأشهر الأخيرة لا تبشر بمستقبل سياسي لها، ولهذا فإنها تختار الاحتفاظ "بالمتعوس" قبل أن يأتي ما هو أكثر "تعاسة".

وهذا أمر طرحناه أكثر من مرة هنا، فما الذي يضمن لتسعة وعشرين نائبا في "كديما" أن يعودوا إلى الكنيست بعد الانتخابات المقبلة، وكذا الأمر بالنسبة للمتقاعدين (سبعة نواب) و"يسرائيل بيتينو" (11 نائبا) وحتى حزب "العمل" (19 نائبا) وغيرهم.

ولكن الكثير من الأمور قد تتبدل في غضون الشهرين المقبلين، ففي مركز الحدث ستكون الانتخابات لرئاسة حزب "العمل"، التي على ما يبدو ستنتهي بتخلص الحزب من رئيسه الحالي عمير بيرتس، والاحتمال هو استبداله إما بإيهود باراك أو عامي أيالون.

وحتى الآن ليس من الواضح كيف سينعكس هذا على استطلاعات الرأي واستقبال الجمهور في إسرائيل للرئيس الجديد لحزب "العمل"، الذي عليه أن يقرر في مسألة بقاء الحزب في الحكومة أم لا، وقرار كهذا قد يستغرق أشهر.

كذلك فإنه من المتوقع وبعد شهرين صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد الذي قد يحمل استنتاجات أكثر وضوحا.

ويضاف إلى كل هذا ملفات الفساد التي ليس من الواضح كيف ستتطور، خاصة في ما يتعلق بملفات رئيس الحكومة أولمرت، وهل ستنتهي هذه الملفات بلوائح اتهام في مستوى يلزمه بالاستقالة أم لا.

من الواضح أن حكومة أولمرت، التي تنهي في هذه الأيام عامها الأول، لن يكون بإمكانها تجاوز عام إضافي بشكلها الحالي، نظرا للضغوط المتوقعة عليها لاحقا. ولا بد وأنها ستشهد تغييرات جدية، وقد تكون جذرية في حال قرر أولمرت الاستقالة من منصبه، ولكن في هذه الحالة فإن الأمور ستبقى في داخل "البيت الواحد"، وحزب "كديما" سيكون بإمكانه تجاوز الأمر في داخله من خلال مرشح آخر، لأن جميع قادة ونجوم "كديما" يعلمون جيدا أنهم كلهم يقفون على سجادة واحدة، وأي اهتزاز جدي فيها سيوقعهم جميعا، وهذا سبب سيجعلهم أكثر وحدة في المستقبل.