* حتى نهاية أيار- موعد انتخابات الرئيس الجديد لحزب "العمل"- قد يواجه الحزب تحرّكات تحدّد مصيره للفترة المقبلة * من السابق لأوانه نعي الحياة السياسية لعمير بيرتس واستطلاعات الرأي الحالية قد لا تكون الكلمة الأخيرة * بيرتس سيبحث عن مناورات تبعد الخطر عنه * وباراك سيبحث عن اصطفافات تمنحه فرصة جديدة للعودة إلى مركز الحلبة والأحداث * منافسة ثلاثة جنرالات قد تعيد طابع "حزب الجنرالات" لـ"العمل" *
من يتابع مجريات الأمور في حزب "العمل" منذ سنين طويلة، وخاصة في العقد ونصف العقد الأخيرين، من الصعب عليه أن يتعامل مع موعد 28 أيار/ مايو القادم، كموعد نهائي لانتخاب رئيس لحزب "العمل" رغم أن كل المتنافسين، حتى الآن، أيدوا هذا التاريخ.
فهذه مدة تعتبر طويلة بالنسبة للحياة الحزبية في إسرائيل عامة، وفي حزب "العمل" خاصة، فالكثير من الأمور ستحسم مواقف المتنافسين الذين قد نجد تحالفات بينهم على أساس مكاسب انتخابات داخلية، وأيضا مع رؤية للمستقبل.
إلا أن الأمر الأهم الذي سيحدد موقف المتنافسين، وكل متنافس منهم على حدة، هو الانتسابات للحزب التي ستنتهي حتى نهاية شهر كانون الثاني/ يناير القادم، وفي الأسابيع القليلة المتبقية سيحاول كل متنافس أن يُحسّن وضعيته في سجل الناخبين، خاصة بعد سلسلة الفضائح التي واجهها الحزب قبل عام ونصف العام، حين تبين أن تزوير الانتخابات في الحزب كان في الجملة، وأن "نجمي" هذه التزويرات كانا رئيس الحزب الحالي عمير بيرتس، والوزير بنيامين بن إليعيزر.
ورغم الضجة التي ظهرت في أعقاب فضيحة التزويرات، وإعلان الشرطة فتح تحقيق في هذا الأمر، إلا أن مصير هذه التحقيقات كان كمصير الكثير من الملفات التي فتحت بشأن قضايا حزبية داخلية في إسرائيل، وأغلقت من دون أن يسمع أحد عنها شيئًا.
من الواضح أن كل انتخابات يشهدها أي حزب هي انتخابات مصيرية تحدد وجهته لفترة ما بعد الانتخابات، إلا أن هذه الانتخابات بالنسبة لحزب "العمل" تعتبر مصيرية بحجم أكبر، كون الحديث عن حزب متهاو، وهو حزب أساس في الخارطة السياسية الإسرائيلية، وهو بقايا الحزب المؤسس لإسرائيل، وفي السنوات العشر الأخيرة تلقى سلسلة من الضربات، وبعد كل ضربة، أو جولة انتخابية كان يتراجع فيها أكثر، حتى عندما عاد إلى السلطة لأقل من عامين في العام 1999، فإنه في تلك الانتخابات شهد تراجعا في حجم قوته البرلمانية.
واليوم تؤكد استطلاعات الرأي أن الحزب يواجه حضيضا غير مسبوق، رغم وجوده في الحكومة، ولربما بسبب شكل وجوده في الحكومة، وبالأساس بسبب الحقيبة التي تولاها بيرتس، حقيبة الدفاع، وهو ما تم اعتباره نقضا لوعود الحزب للناخبين، وتمسكه بالحقيبة رغم الهجوم الواسع عليه، ورسم انطباع بأنه فشل في مهمته بعد حربين على الشعبين الفلسطيني واللبناني.
ورغم ذلك فإنه من السابق لأوانه، وبعد تسعة أشهر من الانتخابات البرلمانية، تحديد مصير نهائي لحزب "العمل" ولرئيسه عمير بيرتس، فحتى الانتخابات البرلمانية القادمة قد نشهد أو نتفاجأ بالكثير من التطورات التي قد ترفع من مكانة الحزب، أو تخفضها أكثر.
كذلك فإن هذه الانتخابات تشغل الرأي العام الإسرائيلي، وذلك بناء على انطباع بأن رئيس الحزب المنتخب هو الذي سيتولى حقيبة الدفاع، في حال بقي الحزب في الحكومة، وهذا الأمر سيلعب دورا كبيرا في هذه الانتخابات، وعلى غير عادة.
وفي ما يلي بعض النقاط المركزية للمرحلة المقبلة وحتى الانتخابات الداخلية في حزب "العمل".
مصير بيرتس
حال إعلان قرار المجلس المركزي لحزب "العمل" بشأن موعد الانتخابات لرئاسة الحزب، خرج عدد كبير من كبار محللي الشؤون الحزبية في إسرائيل، وبجوقة واحدة وفي مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، ليقولوا إن هذه الانتخابات ستكون نهاية الحياة السياسية لعمير بيرتس، وإن الأخير أدرك أن لا مفر من السقوط في هذه الانتخابات.
لكن استطلاعات الرأي خرجت في الأسبوع التالي، لتظهر أن بيرتس يواجه حضيضا لم يشهده أي من قادة حزب "العمل" على مدى السنوات الثماني والخمسين الماضية، بحصوله على تأييد 6% فقط من بين منتسبي الحزب، رغم أن لديه أكبر قطاع من المنتسبين في الحزب. في حين احتل المرتبة الأولى ومنذ أسابيع، النائب عامي أيالون، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الداخلية، "الشاباك"، مع 36%، يليه رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، الذي حصل على 20%، ثم الوزير المستقيل أوفير بينيس مع 16%، ثم النائب داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الخارجية، الموساد، ثم بيرتس مع 6%.
إلا أنه من المستبعد أن يستسلم بيرتس منذ الآن، وهو سيحاول إنقاذ نفسه بعدة اتجاهات، فعلى الأقل إن كان مصير خسارة رئاسة الحزب حتميا، فعلى الأقل أن لا يخرج بمثل هذه النتيجة، وعلى الأقل أن يصل إلى المرتبة الثانية، ليقول لنفسه إن زعماء تاريخيين في الحزب واجهوا نفس المصير فلا ضيم من نتيجة كهذه، مثل إسحق رابين في نهاية سنوات السبعين، وشمعون بيريس في مطلع سنوات التسعين، وحتى قبل عام.
فالمسار الأول الذي سيفحص إمكانياته بيرتس هو تأجيل الانتخابات، رغم أن ممثليه في زعامة الحزب رضخوا للأمر الواقع وأيدوا التاريخ المقترح، ولهذا فإن بيرتس سيتمنى الكثير من الظروف الطائرة التي تفرض على الحزب تأجيلا لهذه الانتخابات، حتى وإن كان من بين هذه "الظروف" تصعيد أمني، أو حتى حرب، لأنه في السياق الطبيعي فإن بيرتس لن يجد من يؤيده في خطوة كهذه.
كذلك فإن بيرتس قد يعتقد أن خروجا من حكومة أولمرت قد يحسن من فرصه، من خلال افتعال إشكال على خلفية اقتصادية اجتماعية، ولكن هنا أيضا يواجه بيرتس مشكلة شخصية، فإن أكبر المآخذ على حكومة أولمرت في الشارع، هو عمير بيرتس نفسه، والحقيبة التي يسيطر عليها، فحتى وإن قرر بيرتس التخلي عن هذه الحقيبة بشكل مفاجئ، فإنه سيظهر كمن يتركها بسبب الفشل، ومن أجل إنقاذ نفسه سياسيا، وليس من منطلق المصلحة العامة.
إلى ذلك، فليس من الواضح ما إذا سيجد بيرتس من يؤيده في قيادة الحزب للخروج من الحكومة، فهو يفقد يوميا أسماء لامعة في قيادة الحزب، وقفت إلى جانبه في الانتخابات الداخلية قبل 14 شهرا، وهي اليوم تستعد للانتقال إلى معسكرات جديدة.
إن أكبر احتمال قد ينقذ بيرتس من تاريخ 28 أيار/ مايو، هو رغبة متنافسين مركزيين آخرين في الحزب لن يكونوا راضين في اليوم الأخير للانتسابات عن حجم الانتسابات التي جلبوها للحزب، ويسعون إلى مجال زمني إضافي لتحسين وضعيتهم، وفي هذه الحالة ستلتقي مصالح بعض المتنافسين ليتم تأجيل هذه الانتخابات ولو ببضعة أشهر إضافية، يسعى خلالها بيرتس لتحسين وضعيته.
باراك لاعب جديد- قديم
على ما يبدو فإن منافسة إيهود باراك باتت شبه مؤكدة، بعد أن أعلن مقربوه ذلك في الأسبوع الماضي، وبانتظار أن يعلن باراك هذا رسميا. ولعل باراك هو المستفيد الأكبر من مسألة أن الفائز سيتولى حقيبة الدفاع، حتى وإن كانت استطلاعات الرأي لا تشير إلى احتلاله المركز الأول، فمجرد هذه الفكرة ستحسن من وضعيته، وسترفع من مكانته داخل صفوف الحزب، ليتقدم أكثر في المبنى الهرمي.
من جهة أخرى فإنه ليس من الواضح أن باراك سيكون راضيا بأن يكون الشخص رقم 2 في الحزب بعد عامي أيالون، علما أن باراك كان قد تنافس في الانتخابات الأخيرة على رئاسة الحزب، ولكنه سارع للانسحاب من المنافسة بعد أن دلت نتائج الاستطلاعات على أن لا أمل في أي فوز ولا حتى الوصول إلى المرتبة الثانية، رغم أن الكثير من الأسماء البارزة وقفت إلى جانبه.
ولكن مرّة أخرى يظهر أن باراك يبني نفسه على اصطفافات جديدة إلى جانبه، فسوية مع إعلان مقربيه نيته المنافسة أعلن أولئك "المقربون" أنه يأمل بانسحابات من المنافسة، وخصوا بالذكر أوفير بينيس، اللاعب القوي الجديد في المنافسة، الذي سارع للإعلان أنه لا ينوي إطلاقا الانسحاب، وخاصة لصالح إيهود باراك.
عمليا ليس أمام باراك أي ماض بالإمكان التغني به، ليكون له رصيدا في هذه الانتخابات، فهو المتهم بأن قيادته وجهت ضربة قاصمة للحزب، رغم أن خلفاءه لم يفعلوا ما هو أفضل، ولهذا فإن باراك سيركز بشكل أساس على مسألة حقيبة الدفاع، رغم أن في هذا رسالة إلى الشارع الإسرائيلي مفادها أن حزب "العمل" لا يطمح إلى أكثر من أن يبقى حزب ظِل، وحزب المرتبة الثانية.
عامي أيالون- النجم الصاعد
يعتبر أيالون واحدا من الشخصيات الأمنية والعسكرية ومن ثم السياسية القليلة، التي لم تصلها ملفات الفساد أو سوء الإدارة، حتى الآن، فالغالبية الساحقة من القادة السياسيين في إسرائيل في هذه المرحلة، في الحكومة وفي المعارضة، ارتبطت أسماؤهم، أو تورطوا كليا بواحدة من ظواهر الفساد السلطوي.
ولهذا فإن "الهالة" الأمنية من فوق أيالون تبرز في هذه المرحلة، كمن بإمكانه أن يقود حزب "العمل" وأن يتولى حقيبة الدفاع بدلا من عمير بيرتس، وليس غريبا أن استطلاعات الرأي تمنحه هذا التفوق الكبير على باقي منافسيه على زعامة الحزب، رغم أن هذه نتيجة ليست نهائية وقد نشهد لها تقلبات في مختلف الاتجاهات.
إلا أن المشكلة الأساسية التي سيواجهها أيالون في حال انتخابه هو هجوم أوساط اليمين عليه، ومن ثم على الحزب، وهذا بسبب الوثيقة التي صاغها قبل أكثر من ثلاث سنوات مع البروفيسور سري نسيبة، فعلى الرغم مما تحمله من ملامح للحل الدائم، لا تخدم كثيرا الأهداف الفلسطينية، مثل القدس وحق العودة، إلا أنها تعتبر من وجهة نظر اليمين، وحتى أوساط في مركز الخارطة السياسية في إسرائيل، "تفريطا" لا يمكن لإسرائيل أن تحتمله.
في هذه النقطة قد يظهر من يقول إن ما أشيع عن ما جرى في قمة كامب ديفيد 2000، ومن ثم في محادثات طابا في نهاية نفس العام، سيلاحق أيضا إيهود باراك، ولكن باراك تنصل من كل هذا، واتخذ مواقف أكثر يمينية، أما أيالون فإنه لا يزال يراهن على تلك الوثيقة، ويرى فيها نموذجا للحل الدائم.
في المقابل فإن ما يطرحه أيالون قد يفسح المجال أمام اصطفافات جديدة في معسكر اليسار الصهيوني، رغم أن مجمل هذه اليسار يعاني من وهن كبير، ولا تظهر أية بوادر استفاقة من الضربات المتكررة التي تلقاها.
حتى الآن يظهر أن أيالون هو الرابح الأكبر من هذه الانتخابات، وهو يستفيد من طبيعته وشخصيته وماضيه العسكري، ولكن أيضا بسبب فكرة حقيبة الأمن.
بينيس وياتوم
سيرى أوفير بينيس في المنافسة الجارية فرصته الجديدة والتاريخية، التي تأتي بعد تخليه عن منصبه الوزاري على خلفية سياسية، بمعارضته مشاركة حزب "العمل" في حكومة يشارك فيها العنصري المتطرف أفيغدور ليبرمان.
وما يعيق بينيس للتقدم أكثر نحو رأس الهرم، مسألة حقيبة الدفاع، اللاعب المركزي في هذه الانتخابات، كذلك نوعية الشخصيات العسكرية، التي تولد الانطباع بأن إنقاذ الحزب لن يكون إلا على أيدي الجنرالات المتقاعدين.
ولكن بينيس لن يخرج خاسرا كليا في حال لم يفز برئاسة حزب "العمل" فبالنسبة له، وهو لا يزال في عمر مبكّر نسبيا، (45 عاما)، فإن الحصول على المركز الثاني وحتى الثالث بعد شخصيات لامعة، وبنسبة تعتبر جيدة كما يظهر في استطلاعات الرأي، فإنها ستعتبر خشبة القفز نحو المرحلة القادمة، لأن نتيجة كهذه تؤهله مستقبلا للحصول على حقيبة وزارية تنفيذية ذات وزن، وتفسح المجال له مستقبلا للوصول إلى زعامة الحزب.
لربما أن التكهن الأسهل في هذه المنافسة هو أن داني ياتوم سيكون أقرب للانسحاب من الاستمرار في المنافسة، فهو يعرف أنه من المستحيل أن يحقق أية نتيجة متقدمة، ولهذا فإنه سيختار مسارا آخر، وهو البحث عن موقع متقدم له في قيادة الحزب.
من المتوقع أن ينتظر ياتوم بضعة أشهر حتى يرى اتجاه الريح ليمنح معسكره للشخص ذي الإمكانيات الأوفر، رغم أنه وقف لسنوات طوال إلى جانب إيهود باراك، ولكن ياتوم الذي لم يحظ في أية مرة في السنوات الست الأخيرة بحقيبة وزارية، لن يراهن على حصان خاسر، فهو يرغب على الأقل في هذا العمر المتقدم في أن يجلس على كرسي مخملي، بعد أن تبوأ في الماضي أرفع المناصب الاستخباراتية والعسكرية.
منافسة الجنرالات
في هذه المنافسة التي نراها حتى الآن نجد ثلاثة جنرالات من الصف الأول في تاريخ العسكرة الإسرائيلي، الجنرال عامي أيالون، قائد سلاح البحرية ورئيس جهاز الشاباك، ورئيس الأركان الأسبق، إيهود باراك، قائد ومنفذ أخطر عمليات الاغتيالات، والجنرال داني ياتوم، رئيس جهاز الموساد الأسبق. وقد ينضم جنرال جديد لهذه المنافسة، هو متان فلنائي، الذي كان قبل سنوات قليلة مرشحا قويا لتولي رئاسة هيئة الأركان، في حين أن الحاكم العسكري الأسبق للضفة الغربية، بنيامين بن أليعيزر، الذي لن يرشح نفسه، يسلط على نفسه الأضواء من خلال دعم متوقع من جانبه لإيهود باراك.
وهذا الأمر يعيد إلى الأذهان صفة "حزب الجنرالات" إلى حزب "العمل" بعد سنوات، ولربما أن حقيبة الدفاع، التي أوردناها هنا كثيرا، أسهمت هي أيضا بشكل كبير.
فرئيس اتحاد النقابات السابق، عمير بيرتس، الذي خاض الانتخابات البرلمانية على أساس برنامج اقتصادي اجتماعي، ليقفز مباشرة على حقيبة الدفاع، مدعيا أنه من الجيد أن يتولى "قائد اجتماعي" حقيبة كهذه، كان إنجازه الوحيد هو إعادة صفة "حزب الجنرالات" إلى "العمل".