*إسرائيل هبطت هذا العام من المرتبة 30 إلى المرتبة 36 في مؤشر الفساد الدولي من أصل 183 دولة *وحلت في المرتبة 25 الدنيا من أصل 34 دولة في منظمة OECD *خبير في قضايا الفساد يؤكد أن الحكومة الحالية تضع أسسا قانونية لفساد أكثر في المستقبل، منها ضرب الجهاز القضائي وكبح دور وسائل الإعلام*
أظهر مؤشر الفساد الدولي الذي نشر في الأيام الأخيرة أن إسرائيل هي من الدول الأكثر فسادا بين الدول المتطورة، وبشكل خاص بين دول منظمة OECD، وقد هبطت بست درجات خلال عام واحد، من المرتبة 30 في العام 2010 إلى المرتبة 36 في العام 2011، من أصل 183 دولة شملها المسح الدولي.
ويعتمد التقرير الدولي على استجواب مستثمرين ومؤسسات اقتصادية عالمية حول شكل تعاملها مع المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، بمعنى فحص علاقة أصحاب رأس المال بالنظام الحاكم، ومدى تأثير الواحد على الآخر، وهو الموضوع المطروق بحدة في السنوات الأخيرة في إسرائيل.
ويتبين من التقرير أن إسرائيل حصلت في الاستطلاع العالمي، على 8ر5 نقطة، بدلا من 2ر6 نقطة في الاستطلاع الذي نشر في العام الماضي، وهذا ما وضعها في المرتبة 36 عالميا بدلا من 30 في العام الماضي، كذلك فإن تدريج إسرائيل يأتي في المرتبة 25 من أصل 34 دولة في منظمة OECD، كذلك فإن النقاط التي حصلت عليها إسرائيل هي الأسوأ من بين السنوات الـ 15 الأخيرة التي بدأ يظهر فيها هذا المؤشر الدولي، وكانت أكبر نتيجة حصلت عليها إسرائيل في المؤشر الأول قبل 15 عاما حينما حصلت على 9ر7 نقطة، ولكن من يومها بدأت نتيجتها تتهاوى، ووصلت إلى أدنى نقطة لها في العام 2006، حينما حصلت على 9ر5 نقطة، واليوم تسجل حصيلة أدنى.
ويظهر من التقرير أن كلا من نيوزيلندا والدانمارك حافظتا تباعا على مرتبتيهما في قمة مؤشر الشفافية والفساد، بمعنى أنهما الأكثر نقاوة في الحكم، بينما حلت بريطانيا في المرتبة 16 بدلا من 20 في المؤشر السابق، والولايات المتحدة هبطت من المرتبة 22 إلى المرتبة 24، وحافظت فرنسا على المرتبة 25 في المؤشرين، أما أكثر الدول فسادا في العالم فهي الصومال التي حلت في المرتبة الأخيرة- 183.
ذروة في
تورط السياسيين
ومن يتابع وتيرة ملفات الفساد في إسرائيل، سيجد أن السنوات الـ 15 الأخيرة كانت ذروة في فساد النظام في إسرائيل، وسجل الكنيست من نواب ووزراء أعلى ذروة وغير مسبوقة في ملفات الفساد ونوعيتها، فمنذ العام 1996 لم يكن رئيس حكومة واحد، إلا وارتبط اسمه بقضايا فساد، وجرى التحقيق معه بشأنها، من بينهم رئيس حكومة واحد أدت التحقيقات إلى تقديمه للمحاكمة، وهو إيهود أولمرت، فيما أفلت رئيس الحكومة الأسبق أريئيل شارون من لائحة اتهام، في إثر سقوطه على فراش المرض بغيبوبة تامة، منذ نحو ست سنوات، ولا يزال فيها، بينما تم الحكم بالسجن على نجله الأكبر عومري في قضايا فساد ارتبطت باسم والده وحملاته الانتخابية وما زال النجل الثاني غلعاد يواجه ملفا مفتوحا بالفساد في قضايا والده.
أما رئيسا الحكومة الآخران إيهود باراك وبنيامين نتنياهو فقد خضعا هما أيضا لتحقيقات في قضايا فساد، ولكن لم تنته بتقديم لوائح اتهام.
كذلك، فإن رئيسي إسرائيل السابقين اضطرا لتقليص أو تجميد ولايتيهما أيضا بسبب قضايا فساد، مثل عيزر وايزمان، وقضايا أخلاقية مثل موشيه قصاب، الذي بدأ هذا الأسبوع قضاء حكم بالسجن لمدة سبع سنوات.
وحاليا هناك وزيران سابقان في السجن، هما وزير المالية الأسبق أبراهام هيرشزون، ووزير الصناعة والتجارة الأسبق شلومو بنيزري، جراء إدانتهما في قضايا فساد مالي، وسبقهما في السنوات الـ 12 الأخيرة الوزير آرييه درعي الذي تحرر قبل سنوات، وكذلك حكم على الوزير الأسبق حاييم رامون بالعمل لخدمة الجمهور في قضية أخلاقية، ورأينا أنه حكم بالسجن الفعلي وغير الفعلي على ما لا يقل عن أربعة نواب، فيما اضطر نائب بارز آخر، وهو تساحي هنغبي، للاستقالة من عضويته في الكنيست في أعقاب قضية فساد.
وطبعا القضية لا تنتهي عند هؤلاء، فـ "أم القضايا"، إذا جاز التعبير، تبقى قضية وزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان، التي يجري التحقيق فيها منذ ما لا يقل عن ثماني سنوات، ورغم صدور قرار مبدئي في منتصف الصيف الماضي بتقديم لائحة اتهام ضده، إلا أن الإجراءات الإدارية المتعلقة بمنتخبي الجمهور، قد تستغرق أشهرا طويلة أخرى، إلى حين صدور قرار نهائي بشأن تقديم لائحة اتهام ضده، وفي حال صدورها سيتحتم عليه الاستقالة من منصبه الوزاري، ولكن ليس البرلماني.
وليبرمان متورط في قضية وصفت بأنها خطيرة، وتتعلق بتسلم أموال بملايين الدولارات عبر شركات وهمية، وكما يبدو لها ارتباط بعصابات دولية، وحتى عصابات تعمل في تبييض الأموال، وهي قضية متشعبة تصل أطرافها إلى دول عديدة، وخاصة قبرص وروسيا.
وفي موازاة ذلك، رأينا سلسلة من لوائح الاتهام التي قدمت ضد مسؤولين كبار في عدد من مؤسسات الدولة، وبشكل خاص ضد السكرتيرة الخاصة لرئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، ومسؤولين في سلطة الضرائب، وغيرهم.
ملفات الفساد انعكست
على المؤشر
وتقول المحامية غاليا ساغي، المديرة العامة للفرع الإسرائيلي لمؤسسة الشفافية العالمية، إن تدريج إسرائيل في هذا العام تأثر أكثر من أي وقت مضى بما جرى في إسرائيل في العامين الأخيرين، وبعدد السياسيين وكبار المسؤولين الذين قدمت ضدهم لوائح اتهام، فتراكم هذه الملفات يعكس انطباعا عن وضعية المؤسسة الحاكمة.
وتضيف ساغي، في حديثها لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية: "إننا نرى على مدى السنين تدهورا ولو بوتيرة بطيئة لإسرائيل، والخوف هو أن هذا التدهور سيستمر ولا يتم لجمه، كذلك فإننا لا نرى تحركات وإجراءات للجم ووقف هذا التدهور، وإحدى دعوات الحملة الاحتجاجية الشعبية التي ظهرت في الأشهر الأخيرة، كانت زيادة الشفافية في الحكم، فالمواطنون لديهم رغبة في معرفة ما يجري، فهذا من شأنه أن يوقف حالة التدهور". وتضيف: "إن المطلوب أكثر شفافية في الحكم، والفصل بين الحكم ورأس المال، ومحاربة الفساد، لأن القضاء على الفساد هو أحد أسس المساواة الاجتماعية".
ويقول الدكتور دورون نافوت، من كلية العلوم السياسية في جامعة حيفا، والمختص في قضايا الفساد السياسي في إسرائيل، إن الحكومة الحالية، برئاسة بنيامين نتنياهو، قد تتسبب في رفع مستوى الفساد، "ولكن خلافا لحكومات أخرى، التي ينسب لها فساد مالي جارف صبّ في جيوب شخصيات فيها، فإن هذه الحكومة لا نرى فيها سياسيين يحاولون كسب أموال غير مشروعة، بمعنى أن الفساد المالي يتم لجمه، ولكن المشكلة اليوم مرتبطة بتحقيق إنجازات حزبية خاصة، ولكن ليس مكاسب مالية جنائية".
ويضيف نافوت قائلا: "إن الحكومة الحالية تقود تعديلات قانونية تضعف سلطة الجهاز القضائي والنيابة، ووظيفة وسائل الإعلام، على أساس وجهة نظر معينة، فيها استخفاف بتحمل مسؤولية جهاز القضاء، من أجل حماية مصالح حزبية ضيقة، فإذا ما تم إقرار مبادرات القوانين التي نسمع عنها في الآونة الأخيرة، فإن هذا سيعني إفسادا حقيقيا للجهاز الحاكم، وضرب قدرته على خدمة الجمهور".
ويتابع مؤكدًا أن وضعية كهذه من شأنها أن تقود إلى فساد مالي، لا يسعى له الوزراء حاليا، "وتصريحات مسؤولين كبار في الحكومة مثل بنيامين نتنياهو ووزير القضاء ووزير الخارجية، قد تفسد الجهاز، الذي في هذه الحالة لن يخدم الجمهور وإنما مجموعة صغيرة منه".
كذلك يقول نافوت إن اتساع رقعة الاحتكارات في الاقتصاد هو أحد العوامل الأساسية التي تؤثر على حجم الفساد، أي يزيده، "فالاحتكارات في الاقتصاد تمنح أصحاب رأس المال قوة غير عادية، وهذه القوة تنعكس على دائرة اتخاذ القرارات السياسية، خاصة وأن ما يغذي الاحتكارات ويزيدها هي السياسة التي تقود الحكومة وعملها، بمعنى أن الاحتكارات تجعل متخذي القرارات في الحكومة لا يخدمون الجمهور بقراراتهم وإنما مصالح أصحاب رأس المال".
ويقول عضو إدارة الفرع الإسرائيلي لمؤسسة الشفافية العالمية أمنون ديك "إن تدريج إسرائيل والنقاط التي حصلت عليها في مؤشر الفساد هما خيبة أمل، ويجب أن يشعلا الضوء الأحمر ويؤديا إلى تحذير السياسيين ومتخذي القرارات في الجهاز العام والمؤسسة الحاكمة، فإسرائيل تظهر أمام المؤسسات الدولية كمن هي أقل نقاوة في الحكم مما سبق، وستكون لهذا انعكاسات اقتصادية سيئة في المستقبل".