قراءة في دراسة إسرائيلية جديدة حول إيران والخليج العربي

وثائق وتقارير

*المسؤول عن نزاعات العمل في نقابة الهستدروت لـ "المشهد الإسرائيلي": حكومة نتنياهو تسعى إلى قمع أي قوة نقابية وإلغاء اتفاقيات العمل الجماعية وإلى أن تسود "شريعة الغاب" في سوق العمل*

 أعلنت نقابة الأطباء في إسرائيل إضرابا إنذاريا عن العمل نفذ خلال يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين احتجاجا على ظروف عملهم وللمطالبة بتحسين أوضاع المستشفيات والجهاز الصحي في البلاد. ويأتي إضراب الأطباء هذا بعد أسبوع واحد من انتهاء إضراب العاملين الاجتماعيين. وتظهر في الأفق سلسلة إضرابات في مرافق أخرى تعكس جميعها تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل.

 

وقال عضو قيادة نقابة العمال العامة في إسرائيل - "الهستدروت"، ورئيس كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، النقابي جهاد عقل، لـ "المشهد الإسرائيلي" إن "الأطباء أعلنوا إضرابا جزئيا عن العمل. وهذه خطوة أولى وتشكل عمليا تمهيدا لإعلان إضراب عام".

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما هي مطالب الأطباء؟

عقل: "لم يوقع الأطباء منذ 17 عاما تقريبا على اتفاقية أجور جديدة. وكان هناك بند في اتفاقية الأجور السابقة بين نقابة الأطباء ووزارة المالية ينص على أن يمتنع الأطباء عن إعلان إضراب عن العمل خلال 15 عاما. وطبعا الهدف ليس الإضراب وإنما تحقيق مطالب عادلة لتحسين شروط عملهم وتغيير ظروف العمل. فغالبية الأطباء تعمل في ظروف بالغة الصعوبة، خصوصا من ناحية الضغط على المستشفيات والعيادات المختلفة. وهذا نابع من سياسة تنتهجها الحكومة، ليس في مجال الطب والصحة فقط وإنما في معظم المجالات، وهي تجميد الملاكات في مختلف المرافق وفي مقدمها المرافق الصحية".

(*) هل تجري وزارة المالية مفاوضات مع الأطباء أو مع الهستدروت؟

عقل: "نقابة الأطباء هي نقابة مستقلة، ولا تنضوي تحت راية الهستدروت. رغم ذلك كانت هناك محاولة لتنسيق مواقف بين الجانبين. والمفاوضات بين وزارة المالية ونقابة الأطباء جارية منذ حوالي ثمانية شهور، وهي جلسات مفاوضات ليست مكثفة لكن تم تكثيفها في الفترة الأخيرة. وللأسف الشديد فإن مواقف المالية كانت، كالعادة، رفض جميع المطالب حتى لو كانت هناك قناعة في البداية بأنها مطالب عادلة".

(*) إضراب العاملين الاجتماعيين انتهى بعد أن حصلوا على علاوة في الأجور بنسبة 25% تقريبا. هل كان هذا كافيا، خصوصا وأن الهستدروت انسحبت في مرحلة معينة من المفاوضات بسبب استيائها من موقف العاملين الاجتماعيين؟

عقل: "حالة العاملين الاجتماعيين تشبه حالة الأطباء والنضال الذي يخوضونه الآن. فبعد سنوات طويلة لم يتم خلالها فتح اتفاقيات الأجور للعاملين الاجتماعيين، كانت هناك خطوة من جانبهم بالتنسيق مع الهستدروت بإعلان الإضراب العام عن العمل، بعد استثناء العاملين الاجتماعيين من الاتفاق العام للأجور بين الهستدروت ووزارة المالية في أعقاب اعتراف وزارة المالية بوجود مطالب خاصة تتعلق بهم وأن اتفاقية الأجور معهم يجب أن تكون أوسع. وللتذكير فإن اتفاقية الأجور في القطاع العام نصت على زيادة الأجور بنسبة 25ر7% وأن يتم دفع هذه العلاوة في الأجور على مدار ثلاث سنوات ونصف السنة تقريبا. وعندما تم التفاوض مع العاملين الاجتماعيين كان هناك سقف توقعات عال في البداية، لكن كان هناك تصور بأنه إذا توصلنا إلى علاوة أجور بنسبة 25%، وتشمل العلاوة العامة بنسبة 25ر7%، فإن هذا سيكون أمرا جيدا رغم أنه غير كاف. وقد تم التوصل إلى اتفاق لم تقره قيادة نقابة العاملين الاجتماعيين. وعلى أثر ذلك طلبت النقابة فتح المفاوضات مجددا من أجل محاولة تعديل وتحسين الاتفاق. وأنا شخصيا أعتقد أن رئيس الهستدروت، عوفر عيني، تسرع في إطلاق تصريح أعلن فيه أنه يقف جانبا، لأنه كقائد نقابي كان يتعين عليه الوقوف على رأس نضال العاملين الاجتماعيين. وعمليا لم تجر مفاوضات بعد ذلك وأعلنت وزارة المالية أن الهستدروت هي التي تمثل العاملين الاجتماعيين. ثم توجهت الوزارة إلى محكمة العمل لاستصدار أوامر عمل إلزامية لهم، والمحكمة قالت إن إطار الاتفاق الذي توصلت إليه الهستدروت والوزارة مقبول عليها ورغم ذلك منحت الطرفين مهلة لإجراء تعديلات معينة. وقد تم تعديل بند واحد وهو إلغاء طلب وزارة المالية بزيادة ساعات العمل وبالمقابل تخفيض علاوة الأجور بنسبة 5ر1%. ونحن نرى أن هذا الاتفاق ليس كافيا وهناك حاجة لإجراء تغيير جذري في شروط عملهم وتدريجهم. فمعظم تدريج العاملين في القطاع العام هو تدريج قديم وهناك حاجة ماسة لتعديله. وهناك لجنة تبحث هذا الموضوع لكن عملها يراوح مكانه ولا يوجد تقدم في هذا الأمر".

(*) ما هو موقف الهستدروت من سياسة الحكومة الاجتماعية؟

عقل: "هناك سياسة حكومية لإبقاء أجور العاملين في القطاع العام متدنية من أجل تنفيذ مآربها بإلغاء اتفاقيات العمل الجماعية واستيعاب عاملين جدد في مختلف المهن باتفاقيات عمل خاصة. ويقضي مخطط الحكومة بأن لا تبقى بعد سنوات قليلة قوة نقابية تقارعها. وأنا اعتقد أنه يوجد مخطط يندرج ضمن رؤيا اقتصادية - اجتماعية - سياسية لحكومات إسرائيل المتتالية يرمي إلى قمع أي قوة نقابية وإلغاء اتفاقيات العمل الجماعية وأن تسود ’شريعة الغاب’ في سوق العمل. وأنا أعتبر أن نضال العاملين الاجتماعيين كان رافعة مهمة جدا لكبح قضية الخصخصة التي تم طرحها خلال إضرابهم وتتعلق بخمسة آلاف عامل اجتماعي في جمعيات خاصة يجري استغلالهم بشكل كبير ويحصلون على أجور متدنية، ولا بد من ضمهم إلى اتفاقية العمل الجماعية. وقد كانت هناك خطوة أولى لتحسين أجورهم لكن هذا غير كاف. وللأسف الشديد يوجد للهستدروت موقف واضح في هذه الناحية لكنه لا يُطرح بزخم. والسياسة التي تتبعها الهستدروت اليوم، في النضالات التي تخوضها، هي محاولة الوصول إلى حل وسط. وفي كثير من الأحيان يكون الحل الوسط غير كاف، رغم علمنا أننا لا نفاوض أنفسنا وإنما مع طرف ثان".

(*) ما الذي يميز السياسة الاجتماعية للحكومة الإسرائيلية الحالية عن الحكومات السابقة؟

عقل: "الحكومة الحالية هي الأسوأ، برأيي، فيما يتعلق بسياستها حيال مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وفي ظل هذه الحكومة فإن الأثرياء زادوا ثراء والفقراء زادوا فقرا. والمعطيات تثبت هذا. ومثال على ذلك، ما نشر عن ’أجور’ المديرين العامين الذين يحصلون على الدخل الأعلى. وتبين منها أن بين هؤلاء من يحصل على أجر سنوي بقيمة 25 مليون و200 ألف شيكل، أي أن دخله الشهري يزيد عن مليوني شيكل. وأقل أجر يتقاضاه المديرون العامون المئة الأوائل هو 3 ملايين شيكل في السنة. الأمر الآخر أن التقارير تتحدث عن نمو اقتصادي بنسبة 5%، لكن ثبت أن المستفيدين من هذا النمو هم العشرون عائلة التي تسيطر على الاقتصاد الإسرائيلي. وفي المقابل تجمع التقارير والمعطيات أن عدد الفقراء ازداد. ليس هذا وحسب وإنما ازدادت أيضا الضائقة التي تعاني منها خدمات الرفاه والخدمات الصحية. كما أن أثمان السلع الأساسية ارتفعت. وإسرائيل تحتل المكان الأول بين الدول المتقدمة في العالم في أثمان سلة الاحتياجات الأساسية للمواطن. لكن فيما يتعلق بالدخل فإن إسرائيل تحتل المكان ما قبل الأخير بين هذه الدول. كذلك فإن الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء هي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. وهذه المعطيات تؤكد على أنه يوجد مجتمعان في إسرائيل، مجتمع طغمة الأثرياء التي تسيطر على الاقتصاد وتسير سياسة الحكومة بشكل يخدم مصالحها، وهناك باقي المواطنين الذي يشكلون مجتمعا آخر".

(*) هل هناك توقعات بالإعلان عن نزاعات عمل أخرى وإعلان الإضراب في مرافق عمل أخرى؟

عقل: "أنا مسؤول عن ملف نزاعات العمل في الهستدروت، ويوجد أمامي طلبات للإعلان عن نزاع عمل في 20 مكان عمل على الأقل. وأعتقد أنه سيتم إعلان نزاعات عمل في الأسبوع المقبل أو بعد عيد الفصح اليهودي. وهذا يعني أن الأزمة مستمرة ولا تتوقف أبدا".

(*) لماذا لا نرى في ظل هذا الوضع الاجتماعي - الاقتصادي المتردي مظاهرات واحتجاجات كبيرة في إسرائيل؟

عقل: "أعتقد أن سلم الأولويات التي استطاعت حكومات إسرائيل أن تزرعه في ذهنية المواطن في إسرائيل هو أن القضية الأمنية و’الخطر الداهم من المحيط العربي’ هما في رأس سلم الأولويات، ولذا فإن قضية الحقوق المعيشية والفوارق الاجتماعية تحتل مراتب ثانوية. وخلال ولاية الحكومة الحالية، مثلا، ارتفعت أجور السكن وأسعار المواصلات والوقود وسلة الأغذية أكثر مما ارتفعت خلال ولاية أية حكومة سابقة. لكن حتى الآن لا توجد بوادر هبة شعبية احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية - الاجتماعية".