المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"كنت في ضائقة شخصية ومهنية صعبة. في نهاية العام 2015 توجهت إلى المحامي إيال روزوفسكي، الذي يرافقني منذ تلك الفترة. وهكذا بدأت في توثيق التوجهات، وضغوط شاؤول ألوفيتش، وزوجته إيريس"- هذا ما قاله مدير عام موقع الانترنت "واللا" إيلان يشوعا خلال التحقيق معه في قضية الملف 4000، بحسب رواية شركة الأخبار في القناة الثانية للتلفزيون.

 

وإليكم عددا من الاقتباسات التي تقشعر لها الأبدان، من ذات الإفادة: "عائلة ألوفيتش هي عائلة من عالم الإجرام. في العام 2017 حاول ألوفيتش اقصائي عن مجلس الإدارة. وهو لا يستطيع كشف السبب الحقيقي (عائلة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو). ويقول ألوفيتش إنه أراد أن يجعل من موقع "واللا" موقعا يمينيا قوميا، وهذا كذب. فقد كانت هناك أحيان فيها تعليمات مؤكدة لمهاجمة (الوزير) نفتالي بينيت. وقد كان مسموحا أن نكتب ضد اليمين ووزراء الليكود وليبرمان وكلهم، ولكن ليس ضد نتنياهو".

من الممكن أن توحي هذه الافادات وكأن مدير عام "واللا" ضحية، أو حتى بطل. والانطباع هو أن يشوعا طلب أن يقدم للجمهور صحافة حقيقية، التي تنتقد مراكز القوة، ولكن لم يسمحوا له، وهددوا بإقالته. ولم يبق بيده مفر سوى أن ينصاع للأوامر، على الرغم من أنه عرف أنه يخطئ.

الرواية التي هي ليست دقيقة كليا، كأقل تعبير، هي حقيقة مهمة يشوعا، الذي كان باستطاعته وعليه أن يتصرف بشكل آخر، وسنأتي على هذا. لكن في السياق، فإن يشوعا كشف حقيقة كبرى ومهمة: عن نهج علاقة رأس المال بالحكم ووسائل الإعلام، فمن أجل ضمان جهاز فاسد لسرقة الرأي العام، تحتاج ليس فقط لرأس مال (ألوفيتش)، وللسلطة الحاكمة (نتنياهو)، وإنما أيضا لتعاون من المديرين العامين الكبار، والأقوياء والأغنياء. وعمليا فإن ادعاءات يشوعا ضد ألوفيتش هي وسيلة رائعة من أجل فهم كيف عمل، على مدى سنوات، "الموزوسيون" (نسبة لعائلة موزس المالكة لصحيفة "يديعوت أحرونوت")، و"النمروديون" (نسبة لعائلة نمرودي التي كانت مالكة لصحيفة "معاريف") و"الفيشمانيون" (نسبة لعائلة فيشمان، صاحبة السيطرة سابقا على صحيفة غلوبس). وكيف أنهم نجحوا في خصي الجهاز الصحافي بكامله، وأيضا لماذا كلهم ما زالوا صامتين.

إن إفادات يشوعا، بشأن وظيفته كمحرر مسؤول عن موقع "واللا"، تثبت أنه في السنوات الأخيرة قام بالمهمة التي قام بها محررو مجموعة "يديعوت أحرونوت"، وأشخاص أمثال رون يارون وعيران طيفنبرون، من الذين عملوا على دفع مصالح أصحاب السيطرة، في حين قالوا إنهم ينشغلون بالصحافة لصالح الجمهور.

وحول أحداث صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد علمنا عنها من خلال تسجيلات المحادثات بين نتنياهو وبين أرنون موزس، في الملف 2000، ففي هذه التسجيلات ظهر تنسيق بينهما حول ما يُكتب في الصحيفة، وأي خط يكون للتحرير، ومن يكتب ومن يقوم بالمهمة، وأي من الصحافيين يتم إبعادهم. ولكن في الوقت الذي يواصل فيه العاملون في "يديعوت أحرونوت" الادعاء بأنهم عملوا باستقامة صحافية، فإن يشوعا قرر أن يروي للشرطة أن "واللا" لم يكن في السنوات الاخيرة موقعا اخباريا، بل أداة لتسويق عائلتي نتنياهو وألوفيتش. ولكن لماذا قرر يشوعا البوح بما عنده الآن، في حين أن كبار المسؤولين في "يديعوت أحرونوت" صامتون ويواصلون الدفاع عن الناشر؟.

الجواب هو أن ألوفيتش أنهى وفقد السيطرة على شركة الاتصالات الأرضية "بيزك"، في حين أن موزس، وحتى بعد توصية الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضده بسبب عرضه رشوة، ما يزال يسيطر على مجموعة "يديعوت أحرونوت". وألوفيتش لن يعود أبدا ليكون لاعبا ذا أهمية في الاقتصاد وفي سوق الصحافة. فقد انكسر اقتصاديا، وصورته محطمة، وربما يجلس في السجن. في المقابل صحيح أن موزس ضعُف كثيرا، لكنه ما يزال صاحب السيطرة على مجموعة "يديعوت أحرونوت"، الكبيرة والمخيفة والعنيفة في إسرائيل، وذلك لأنها من حين إلى آخر تعمل على "تصفية" أشخاص. وكثيرون يخافون منها. والصحافي رفيف دروكر روى في مقابلة معه في صحيفة "ذي ماركر"، لماذا هذا الخوف. ففي رد على سؤال كيف أثّرت "مقالة تصفية" نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" عنه شخصيا، قال دروكر: "لدي ميكرفون، وصفحة خاصة في شبكات التواصل، وبإمكاني الرد. ولكن حينما يفعلون الأمر ذاته مع شخص ليس لديه تلك الوسائل فإنها تكون نهايته، ولا يمكن النهوض منها. بالإمكان أن تجد مثل هؤلاء بعد عشر سنوات من دون عمل، ويضمدون جراحهم".

إن السبب الأول للخوف من موزس متعلق بالعاملين في "يديعوت أحرونوت"، وأيضا بصحافيين في وسائل إعلام اخرى يؤثر عليها موزس. والسبب الثاني، هو أن ألوفيتش مثل عوفر نمرودي قبل 20 عاما، ونوحي دانكنر قبل أقل من عشر سنوات، كلهم أرادوا أن يكونوا مثل موزس. فقد أرادوا وسيلة للتسويق، وللسيطرة الكلية على الصحافة، مع امكانية لرفع او تصفية اشخاص، وقدرة على التأثير على الرأي العام. والعاملون مع دانكنر صادقوا على هذا، فقد اشترى صحيفة "معاريف"، من أجل أن يمارس الضغط على صحيفة "ذي ماركر"، بينما فيشمان، في التحقيقات معه في الشرطة في سنوات الثمانين، وقبل أن يسيطر على غلوبس، قال إن لديه صحيفة، ولهذا فإنهم لن يحققوا معه.

وما لم يعلمه دانكنر وألوفيتش أن وسائل الإعلام الناجعة للتسويق لا تُخلق في يوم واحد، بل تحتاج لسنوات طويلة. وهما لم يفهما أن قوة موزس نابعة من أن الصحافيين يعتقدون أنه سيسيطر على الصحافة على مدى عشرات السنين الأخرى، ولهذا فمن الجدير الحفاظ على الإخلاص له بشكل قاطع. وقد كان لموزس تنظيم فاسد، مع وظائف كثيرة مخلصة خدمته، بينما نمرودي ودانكنر وألوفيتش حاولوا فعل هذا بسرعة، دون أي صبر، ولهذا فإن محاولاتهم فشلت.

هناك فرق أساس بين يشوعا وبين المسؤولين الكبار في "يديعوت أحرونوت"، و"معاريف" و"غلوبس". فيشوعا شخص غني جدا، وهو يتولى منذ 20 عاما منصب مدير عام، وكلفة راتبه لم تقل عن 100 ألف شيكل شهريا (28 ألف دولار). كما تمتع بمكافآت، وحسب التقديرات بقيمة 12 مليون شيكل، في اعقاب بيع موقع الاعلانات المبوبة "يد ثانية" (بضائع مستعملة) لشركة ألمانية.

وضع يشوعا الشخصي مختلف عن الصحافيين في غرفة التحرير الذين يتلقون تعليمات. وبدلا من أن ينصاع إلى ألوفيتش، فقد كان في مقدوره أن يرفض. وكان بإمكانه أن يغادر، ويروي القصة بأكملها، وأن يشرح للناس عن حقيقة ألوفيتش، وما هي نوعية العلاقة بينه وبين نتنياهو. وكان باستطاعته أن يستقيل. وكان بمقدوره أن يمنع بعض الصفقات والقرارات الفضائحية التي وقعت في شركة "بيزك"، وفي سوق الإعلام ككل، وبلغت كلفتها ملايين الشواكل.

لكن فقط الآن، بعد أن تفجرت القضية، وليس بفضله، بل حينما ظهرت إمكانية بأن ترى جهات أنه شريك في المؤامرة، قرر يشوعا أن يكشف لنا أن عائلة ألوفيتش "عائلة اجرام"، حسب تعبيره. وأن شاؤول ألوفيتش خدع الجمهور، وأفسد وسيلة إعلام مركزية في إسرائيل.

وقد عرف يشوعا أنه أفسد الصحافة وخدع الجمهور. فقد اعترف بأنه على مدى سنين رأى بعاموس شوكن نموذجا لتقليده (عاموس شوكن صاحب السيطرة على مجموعة صحيفة "هآرتس" وبضمنها "ذي ماركر"). وقال إنه يمقت موزس. فقد اعتقد أن موزس جعل الصحافة مثيرة للتقيؤ. وهذا ما اعتاد قوله لسامعيه، حينما كان موقع "واللا" بملكية مشتركة بين شركة الاتصالات "بيزك" ومجموعة "هآرتس"، ولم يكن يشوعا في حينه قد بدأ في خدمة حيتان المال. وقد عمل على تسجيل محادثاته مع ألوفيتش، لأنه عرف مسبقا أنه يقوم بعمل مرفوض.

إذن لماذا واصل يشوعا الانصياع لألوفيتش، ولم يتوقف ويستقيل، فهو لم يكن بحاجة إلى عمل ومال؟ ها هو الجواب: لقد بقي في مكانه لذات الأسباب التي بسببها يرضخ أتباع الشريحة العليا. ولذات الأسباب التي بسببها يواصل الكثير من أعضاء مجالس الادارة، والمحامين، ومراقبي الحسابات الكبار، والأغنياء الانصياع لأصحاب السيطرة، حتى حينما تكون الأوامر تتعارض مع إخلاصهم للجمهور. نعم إنهم يريدون مواصلة الحصول على مال كثير، وأن يستمروا في أن يكونوا حاضرين في نادي "علاقة رأس المال بالسلطة ووسائل الإعلام".

بقي يشوعا في موقع "واللا"، وواصل الانصياع لألوفيتش، لأنه لم يشأ الانفصال عن الهيبة، وعن الوظيفة الرفيعة، والراتب، والمكانة الاجتماعية، وأراد أن يبقى عضوا في ذلك "النادي". وهو ليس ضحية وليس بطلا. وقام بتسجيل ألوفيتش ليس من أجل الدفاع عن مصلحة الجمهور، وكشف الفساد، وإنما كي تكون له وسيلة يستطيع بها مواجهة ألوفيتش، في اليوم الذي سيحاول فيه إقصاءه عن منصبه، أو في اليوم الذي سيكون عليه تقديم شهادته للشرطة.

(عن صحيفة "ذي ماركر")

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات