المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الحرب على غزة: مشهد من خان يونس. (أ.ف.ب)

بعد أكثر من ستة أشهر على الحرب المتواصلة، يفيد العديد من التقارير الإسرائيلية المهنية وحتى الرسمية أن المشاكل الاقتصادية في تفاقم متزايد، ووصلت حتى إلى صحن الأكل. ووفقاً لتقرير نشرته منظمة "لتيت" (عطاء) فقد أفاد 30.7% من الإسرائيليين أن وضعهم الاقتصادي تدهور مقارنة بالعام الماضي، وشهد 14.9% أن دخل الأسرة تضرر بشكل كبير منذ اندلاع الحرب. وترسم نتائج استطلاع بعنوان "صورة للوضع" نشر قبيل عيد الفصح العبري، وأوردها موقع "دفار"، صورة قاتمة لتدهور ملحوظ في الوضع الاقتصادي للإسرائيليين، وخصوصاً سكان الجنوب والشمال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم في الحرب.

وفقاً للمنظمة، تم إجراء هذا الاستطلاع في بداية شهر نيسان بين 502 من المشاركين اليهود الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً فما فوق وهم يمثلون عينة تمثيلية من السكان في إسرائيل، وتم دمجه مع نتائج استطلاع آخر أجري في نهاية آذار بين 488 شخصاً تم إجلاؤهم من الشمال والجنوب.

بين الذين أفادوا أن وضعهم المالي ووضع أسرهم قد تدهور مقارنة بالعام الماضي، شهدت الأغلبية المطلقة (83.8%) أن السبب الرئيس لذلك هو ارتفاع تكاليف المعيشة، و6.8% فقط من المستطلعين أشاروا إلى أن غلاء المعيشة لم يكن له أو لن يكون له أي تأثير عليهم وعلى أسرهم. كما أفاد 27.3% أن السبب الرئيس لتدهور الوضع هو تراكم الديون، كما أفاد ما يقرب من ربع المستطلعين (24.7%) أن السبب الرئيس لتدهور وضعهم المالي هو زيادة سداد القروض السكنية.

وبالتفصيل، أفاد 29.5% من أفراد العينة أن دخل أسرهم لا يكفي، أو بالكاد يكفي، لتغطية نفقاتهم الأساسية. وأفاد 41% من أفراد العينة أنهم خائفون من التدهور إلى ضائقة اقتصادية بعد الحرب، وأفاد 10.6% منهم أنهم يشعرون جداً بالخوف من التدهور.

وفي ما يتعلق بالأشخاص الذين تم إجلاؤهم بسبب الحرب، ينوّه التقرير، فإن الوضع أخطر بكثير. إذ أفاد 35.4% منهم أن دخل الأسرة قد تضرر بشكل كبير منذ اندلاع الحرب، ويخشى نصفهم تقريباً (45.9%) من التدهور إلى ضائقة اقتصادية، و13.8% منهم خائفون جداً من التدهور إلى ضائقة اقتصادية.

ومع اقتراب العيد وليلة عيد الفصح العبري، أفاد أكثر من ثلث المشاركين في الاستطلاع العام (34.5%) أنهم وعائلاتهم سيخفضون نفقاتهم على الطعام، وقال 27.7% إنهم سيخفضون نفقاتهم الأساسية. وأفاد 33.1% أنهم قاموا بالفعل بتخفيض نفقاتهم لقضاء العيد. وإلى جانب تخفيض النفقات، أشار 29.3% إلى أنهم سيزيدون نفقاتهم، بينما صرح 36.8% من أفراد العينة أنهم لا يملكون الوسائل أو أن لديهم وسائل محدودة للاستعداد بشكل صحيح للعيد، وذلك على الرغم من أن 80% شهدوا بأنهم سيقومون بالتسوق للعيد بطريقة محسوبة أكثر من ذي قبل. فيما ذكر 3% أنهم لن يتسوقوا للعيد بالمرة.

ومن حيث الحلول، أفاد نحو ربع المستطلعين (23.7%) أنهم سيضطرون إلى الاقتراض أو الدخول في عجز مالي في البنك أو زيادة العجز المالي القائم، من أجل تغطية النفقات المتعلقة بعيد الفصح. ورغم الوضع، فقد أفاد 17.1% فقط أن الوضع الاقتصادي سيقلقهم أو يزعجهم بدرجة كبيرة أو كبيرة خلال العيد المقبل. بالإضافة إلى ذلك، يشهد 48% من الإسرائيليين أنهم تبرعوا أو سيتبرعون بوجبة العيد للمحتاجين. من بين أولئك الذين أفادوا بأنهم لن يتبرعوا بوجبة العيد، أشار أكثر من نصفهم (55.6%) إلى أنهم يرغبون في التبرع لكنهم فعلياً لن يكونوا قادرين على تحمل تكاليفها مالياً.

تدهور في الأحوال الصحية أيضاً وخصوصاً النفسية منها

تقرير منظمة "لتيت" تطرّق أيضاً إلى الوضع الصحي والظروف والإمكانيات المتعلقة بمواجهة امراض وحالات مرضية. إذ أفاد 21.3% من المشاركين في الاستطلاع أن حالتهم الصحية ساءت أو ساءت كثيراً مقارنة بحالتهم الصحية قبل الحرب. وأشار 38.6% من أفراد العينة إلى أن حالتهم النفسية ساءت أو ساءت كثيراً مقارنة بحالتهم قبل الحرب، حيث وصف 30.1% حالتهم النفسية بأنها ليست جيدة، و27.5% بأنها ليست جيدة جداً، و2.6% قالوا إن حالتهم النفسية ليست جيدة على الإطلاق.

وعلى الرغم من ذلك، أفاد 12% فقط من المشاركين أنهم تلقوا علاجاً في مجال الصحة النفسية بعد الحرب أو أنهم في مراحل العلاج، وتم تشخيص 5.6% منهم رسمياً منذ الحرب على أنهم يعانون من القلق و/أو اضطراب ما بعد الصدمة. وشهد 10.2% أنهم يعانون منه، لكن لم يتم تشخيصهم رسمياً.

وفي الاستطلاع الخاص بالأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الجنوب والشمال، يتضح من تقرير وتقييم المنظمة أن الوضع أكثر صعوبة في هذا المجال أيضاً. إذ شهد 43.2% من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم عن تدهور حالتهم الصحية مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب، وأفاد 66.5% عن تدهور حالتهم النفسية، وبالتفصيل: أكثر من نصفهم (52.9%) قالوا إن حالتهم النفسية ليست جيدة، و41.8% ليست جيدة كثيراً، بينما أفاد 11.1% من هؤلاء المستطلعين أن حالتهم النفسية ليست جيدة بالمرة.

ومع ذلك، ففي مقابل الرقم المنخفض في الاستطلاع العام، شهد 41.6% من الأشخاص المستطلعين الذين تم إجلاؤهم أنهم تلقوا علاجات صحية نفسية. ومن حيث التشخيص، فإن الرقم بين الأشخاص الذين تم إجلاؤهم أكبر بثلاث مرات مما كان عليه في الاستطلاع العام، حيث تم تشخيص 15.3% رسمياً منذ الحرب على أنهم يعانون من القلق و/أو اضطراب ما بعد الصدمة. بينما أفاد 22.2% أنهم يعانون من تلك الأعراض والحالات النفسية ولكن لم يتم تشخيصهم رسمياً.

اعتماداً على الأسئلة السابقة سئل المستطلعون أيضاً عن مستوى ثقتهم في المجتمع الإسرائيلي وفي دولة إسرائيل، وطُلب منهم تقييم درجة موافقتهم على عدة عبارات على مقياس يتراوح بين 1 (لا أوافق بالمرة) و6 (أوافق بشدة). ووفقاً لتقرير "لتيت"، فقد وافق 72.1% من المستطلعين على وجود تضامن اجتماعي مرتفع في المجتمع الإسرائيلي، وأعطوا هذه المسألة متوسطا ​​يعادل 4.2 درجة من 6. ومع ذلك، شهد أقل من الثلث (30.1%) بأنهم يثقون بشكل كامل في قدرة الحكومة على العناية بجميع الجوانب ذات الصلة بالتغلب على عواقب الحرب، وكان متوسط ​​الدرجات التي حصلت عليها هذه المسألة 2.7 فقط من 6. وشهد ربع المستطلعين فقط (26.3%) أنهم يعتقدون أن الحكومة قدمت الرعاية الكافية للأشخاص الذين تم إجلاؤهم، وهي نسبة مشابهة جداً للنسبة بين الأشخاص الذين تم إجلاؤهم أنفسهم (25%).

وفي الأسئلة التي تتعلق بالمستقبل، انقسم المشاركون إلى نصفين، إذ يعتقد أقل من نصف المستطلعين، 48.6% منهم، أن المجتمع الإسرائيلي سيخرج أقوى من هذه الحرب (متوسط ​​الدرجات 3.5 من 6). وأفاد أقل من النصف أيضاً، 46.5%، أنهم متفائلون بمستقبل دولة إسرائيل (متوسط ​​الدرجات 3.5 من 6).

رئيس ومؤسس منظمة "لتيت"، جيل درمون، ومديرها العام عيران فاينتروف، عقبا في بيان صحافي على نتائج الاستطلاع بالقول: "إلى جانب الحرب في الساحة الأمنية والسياسية والاحتياجات الهائلة التي خلقتها، يجب أن نتذكر أيضاً أن هناك حرباً على الساحتين الاقتصادية والاجتماعية، وهي تؤثر على قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، وفي المقام الأول الشرائح المستضعفة. لقد تفاقم وضع عشرات آلاف الأسر المحتاجة في إثر الحرب وغلاء المعيشة وتدهور الوضع الاقتصادي، وأصبحت آلاف الأسر الجديدة على حافة الفقر وقد تتدهور إلى ضائقة اقتصادية. وبما أن الحكومة لم تخصص تمويلاً للاحتياجات الأساسية، بل وخفضت دعمها للمنظمات غير الربحية الناشطة في هذا القطاع، وبينما يتم توجيه التبرعات المخصصة لقضايا الفقر والأمن الغذائي إلى مسارات أخرى، فإن موارد المساعدات للمجتمع المدني تتضاءل". وفي مقولة تُظهر عدم التعويل على الحكومة وسائر مؤسسات الدولة لخّصا بالقول: "لذلك، فإن تجند عموم الناس وقطاع الأعمال والعمل الخيري حيوي، حتى نتمكن من الاستجابة للحاجة الكبيرة، التي زادت بعشرات النسب مقارنة بالعام الماضي".

شعبة التأهيل: ردود فعل نفسية مختلفة لدى ثلث الجنود الجرحى

ارتباطاً بالأزمة الآخذة بالتعمّق والتفاقم في مجال الصحة النفسية، استقبلت شعبة التأهيل التابعة لـ "وزارة الدفاع" معطيات ذات صلة في صفوف الجيش. وبعد أن عدّدت الجرحى والمصابين جسدياً، وبلغ عددهم حتى قبل نحو أسبوع 7209 جرحى منذ بداية الحرب أشارت إلى أنه قد ظهرت لدى 30% منهم ردود فعل نفسية مختلفة. وبالنسبة لـ 1227 منهم (نحو 60%) فإن الإصابة النفسية هي الإصابة الرئيسة. وهم ينضمون إلى ما يقرب من 62.000 معاق من الجيش يتعالجون في شعبة التأهيل قبل الحرب، وبينهم 11.000 يعانون من إصابات نفسية.

ووفقاً لبيانات الشعبة العسكرية فهي تستعد لاستقبال نحو 20 ألف جريح جديد بحلول نهاية عام 2024، وبموجب تحليل أجراه مختصون، فإن نحو 8 آلاف من الجرحى المستقبليين (40%) قد يواجهون ردود أفعال نفسية مختلفة، بما في ذلك القلق، الاكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة، صعوبات التكيف، صعوبات التواصل، حالات الهلوسة والذهان وغيرها.

يقول القسم النفسي والاجتماعي في الشعبة إن توسيع نطاق الاستجابات يتم دون إطار ميزانية هادفة لهذا الغرض. إذ كانت ميزانية شعبة التأهيل قبل الحرب 5.5 مليار شيكل، ومع دخول المزيد من المصابين، سيحصلون على كافة المستحقات، ويضيف على لسان رئيسته: نتوقع أن ينتهي العام 2024 بنفقات 7.3 مليار شيكل. لكن ليس من الواضح من سيكون هناك ليعطي الجواب. تم تخصيص 95 وظيفة حتى قبل الحرب، لكن 12% منها لم يتم شغلها. تعاني الدولة نقصاً كبيراً في الأطباء النفسيين، وقد تفاقم مع اندلاع الحرب ومن المتوقع أن يتفاقم أكثر. ويقدر القسم أن هناك صعوبة في تعيين الأطباء، وفي توظيف جميع العاملين في مجال العلاج في الأطراف، "نحن في اجتماعات مكثفة مع وزارة الصحة، سيكون هذا بمثابة التحدي الوطني: لقد قمنا بزيادة أجور الأطباء النفسيين الذين يقدمون الرعاية للمعاقين في الجيش الإسرائيلي، إلى 700 شيكل لكل جريح".

قسم الصحة النفسية في وزارة الصحة كان أعلن أواسط تشرين الأول الفائت عن "تجنيد مختصين من مجال الصحة النفسية للمنظومة العلاجية"، وقال على موقعه: "لقد مرت دولة إسرائيل بأزمة كبيرة وكان لها تأثيرات على الصحة النفسية لدى كافة المواطنين، وبالتأكيد لدى المواطنين الذين تم إجلاؤهم من بيوتهم والذين فقدوا أحباءهم". وقال داعياً إلى "الانضمام إلى الجهود الوطنية في مجال الرعاية النفسية ومساعدة السكان الذين تم إجلاؤهم" إنه "في مواجهة كمية كبيرة من الألم، لم تكن المنظومة العامة لتنجح في تلبية الاحتياجات بدون استعداد الطواقم العلاجية للتجند الفوري للمعركة وتقديم المساعدة النابعة من القلب. إن التطوع في المنظومة العامة أمر جيد ومشروع، لكن ليس من الصواب الاعتماد عليه فترةً طويلة. لذلك، تقوم وزارة الصحة بتطبيق مخططات لتوظيف معالِجين ومعالِجات في المنظومة العامة، حتى يتمكنوا من مواصلة تقديم الدعم النفسي مقابل الأجر. تعمل وزارة الصحة حالياً على تعزيز توسيع خدمات الصحة النفسية من خلال صناديق المرضى، المراكز الطبية للصحة النفسية ومراكز الحصانة. هذا إلى جانب وضع برنامج وطني في هذا المجال". لكن المعطيات المختلفة الواردة أعلاه تظهر أنه كما يبدو لم يتم تطبيق الكثير من هذه التصريحات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات