المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
دبابات إسرائيلية على الحدود مع قطاع غزة. (أ.ف.ب)

منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في أعقاب هجوم طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تزايدت الأصوات الإسرائيلية التي أعادت الفشل، من بين أمور أخرى، إلى بنية الجيش الإسرائيلي من ناحية أن حجم القوات البرية في الجيش صغير جداً مقارنةً بالتحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها إسرائيل على الجبهات المتعدّدة (إهمال العنصر البشري من حيث العدد والقدرات لصالح التركيز على عنصر التكنولوجيا). واللواء إسحق بريك كان من أبرز الشخصيات التي روّجت لمثل هذا الادّعاء حتى قبل هجوم طوفان الأقصى وما رافقه من فشل أمني وعسكري إسرائيلي واضح.

إن هذا الادّعاء الذي يتم التعامل معه كحقيقة في بعض القراءات التي تحاول الوقوف عند الفشل الأمني- العسكري الإسرائيلي، يُقابل ببعض الادّعاءات والحجج التي تسوقها بعض الأبحاث والمقالات الإسرائيلية، ناهيك عن آراء العديد من الشخصيات ذات التجربة العسكرية أو الأمنية الغنية في الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية. في هذه المساهمة، نحاول الوقوف على أحد هذه التوجّهات التي تسعى لتفكيك هذا الادّعاء من خلال المعطيات الحالية في حرب الإبادة على قطاع غزة، وتقديم قراءة سريعة في تقرير صادر عن معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب للكاتب عازر جات بعنوان: "زيادة الجيش البري أم إعطاء الأولوية للتكنولوجيا؟"، مع أهمية الإشارة إلى أن المصطلحات والأحكام الواردة أدناه مصدرها كاتب الدراسة ولا تعبّر عن معدّ المساهمة أو المركز.

ينطلق التقرير من افتراض أساس مفاده الادّعاء بصغر حجم القوات البرية في الجيش الإسرائيلي وإهماله لحساب الاعتماد المتزايد أو المفرط على الوسائل التكنولوجية كبديل، وما يندرج تحتها من ادّعاءات: الاستثمار في القوات الجوية ازداد على حساب القوات البرية؛ موازنة الأمن تحتاج إلى توسعة إضافية ليس مرة واحدة لتغطية نفقات الحرب بل بشكلٍ دائم على اعتبار أن هذه هي الأسباب المركزية للفشل الإسرائيلي في السابع من أكتوبر هو ادّعاء مضلّل بالدرجة الأولى وضارّ من الناحيتين الأمنية والاقتصادية.

يُحاجج التقرير بأن حجم القوات البرية (وتحديداً المقاتلة) قد أثبت نفسه خلال الحرب الحالية، وأنه على الرغم من الفشل الاستخباري الكبير والتكنولوجيا العالية، فإن جودة المقاتلين والروح القتالية (التصميم) هي التي أعطت الجيش الإسرائيلية ميزة وهو ما يمكن البناء عليه لتطويره في المستقبل لمواجهة التحديات، كما أن المجال الذي يتطلّب توسيعاً وإصلاحاً كبيراً هو مجال التكنولوجية الرخيصة أو المنخفضة (low-tech) وتجديد نظام الدفاع المكاني الذي تم إهماله بشكل جعل النتائج كارثية ومدمّرة.

يُشير التقرير إلى أن ما أثار الصدمة ليس فقط الفشل الاستخباري؛ بل أيضاً الفشل العملياتي للجيش خلال هجوم طوفان الأقصى. وعلى عكس الانطباع السائد، فقد كان لدى فرقة غزة في الجيش قوات كافية تحت تصرّفها للتعامل بنجاح مع هجوم طوفان الأقصى: اللواء 77 من الفرقة السابعة في سلاح المدرّعات؛ قوات برية من لوائي جولاني وجفعاتي وجميعها قوات نظامية في الخط الأول، لكن ما حصل بالفعل أنه قد تم تسريح العديد منهم للمنازل لقضاء عطلة عيد (سمحات توراه) نهاية الأسبوع، والأغرب من ذلك أنه لم يتم وضع البقية في جهوزية عالية أو في حالة استعداد مع وسائل قتالية في مواقعهم المحصّنة الأمر الذي أدّى لنجاح عملية المباغتة وقتلوا خارج هذه المواقع؛ فالعدد الموجود في ليلة السبت من الجنود (400 جندي و12 دبابة من طراز ميركافا 4) كان بإمكانه إحباط الهجوم والتصدّي له لو كان هؤلاء في مواقعهم الدفاعية في الخط الأول، أو حتى الطائرات الحربية والمسيرات لو كانت في جهوزية عالية. يُضاف إلى ذلك، أن "وحدات التأهب" في المستوطنات شهدت هي الأخرى في السنوات الماضية عمليات تقليص (مثل نير عام مثلاً التي لم تعمل فيها وحدات التأهب ولو بالحدّ الأدنى).

يؤكّد التقرير أن صدمة السابع من أكتوبر والادراك الذي تبعه بالواقع الأمني ​​المعقّد واحتمال التدحرج إلى حرب إقليمية عزز التقييم بأن الجيش الإسرائيلي، والقوات البرية على وجه الخصوص، أصغر من أن تتحمّل مهامها والتحديات التي تواجهها منذ ذلك الحين في الثمانينيات والتسعينيات حيث كانت قوات الجيش كبيرة إلى حدّ ما، قبل أن ينخفض عدد دبابات الجيش الإسرائيلي إلى نحو ثلث ما كان عليه في ذروته في الثمانينيات، على الرغم من أن عدد ألوية المشاة، وخاصة منها العادية، قد زاد في ضوء الوجه المتغير لساحة المعركة. تم تخفيض عدد الفرق الميدانية "المقاتلة" إلى النصف، واليوم، وفقاً للمعطيات المنشورة حول الحرب، تضم ست إلى سبع فرق (36، 162، 98، 99، 146، 252 وجزئياً 210)، تجدر الإشارة إلى أن هذا المجموع مماثل لما كان لدى الجيش في حرب السادس من أكتوبر 1973 (ست فرق)، عندما واجه الجيش المصري والجيش السوري. ولمقارنة أخرى، بلغ عدد القوات الأميركية التي غزت العراق أربع- خمس فرق في ظل تفوق جوي ساحق.

يُشير التقرير إلى أن قدرات الجيش التكنولوجية منذ بدء "المناورة البرية" والتي تجلّت، من بين أمور أخرى، في الوسائل والتقنيات المتطورة التي تم تفعيل بعضها لأول مرة، أظهرت قدرة كبيرة على تسهيل حركة تقطيع الجيش للميدان وكذلك في التقليل من الخسائر البشرية (عدد قتلى الجيش والإصابات) تبعاً للفترة الزمنية وطبيعة الأدوات والوسائل التي تستخدمها حركة حماس لإيقاع الخسائر في صفوف الجيش، من ضمن هذه التقنيات منظومات الذكاء الاصطناعي؛ المسيرات على اختلاف أنواعها؛ الروبوتات؛ منظومة "الخنجر" الذكية للبنادق؛ منظومة "معطف الريح" للدبابات والمدرعات من طرازات معينة وغيرها من الوسائل والآليات التي تعتمد على تقنيات ووسائل تكنولوجية متقدّمة.

يؤكّد التقرير أن النجاحات الكبيرة التي تعود من بين أمور أخرى للوسائل والتقنيات التكنولوجية (إلى جانب تصميم الجيش وإرادة القتال) من المفترض أن توجه الأنظار إلى المسار الذي يجب العمل على تطويره. فإلى جانب إعادة الخدمة العسكرية لتصبح 3 سنوات، يجب التركيز ليس على زيادة حجم القوات البرية أو زيادة عدد الدبابات وإنما تطوير الوسائل التكنولوجية، وسائل الاعتراض والتشويش الموجهة إلكترونياً؛ الأسلحة والقنابل "الذكية"؛ أنظمة الليزر الصلبة لاعتراض الصواريخ البالستية والصواريخ المجنّحة والمضادة للطائرات (الجبهة الشمالية)، وذلك استجابة للتحديات المستجدة في الميدان ونقطة التحول الثورية التي تمرّ بها إسرائيل من حيث التهديدات المختلفة.

يخلص التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي تم بناؤه بشكل جيد نسبياً في مواجهة التهديدات على الحدود، وفي مواجهة التهديدات البعيدة ظل سلاح الجو هو الردع الرئيس إلى جانب الردّ الهجومي. إن العيوب الرئيسة للجيش الإسرائيلي لا تكمن على وجه التحديد في مجال التشكيلات الميدانية الهجومية وحجم القوات، لذلك يجب على كل من يدعو لزيادة موازنات الأمن بشكلٍ دائم تذكّر قاعدة بن غوريون "إن احتياجات الأمن ونفقاته يجب أن تكون متوازنة مع الاحتياجات الأخرى"، بالتالي، فإن نفقات الحرب هي كبيرة للغاية وضرورية لكن مرة واحدةً، ولا يوجد مجال لزيادة ميزانية الدفاع الحالية إلى ما يتجاوز 4.5% إلى 5.5% من صافي الناتج المحلي الإجمالي (قبل المساعدات الأميركية).

ويُشير التقرير إلى أنه لا بدّ من الحذر من أن لا تدفع صدمة السابع من أكتوبر إسرائيل إلى التعلم من الدروس الخاطئة، وخلافاً للتفكير السائد الذي يُعلّق الفشل على ما ذكر في بداية المادة، فإن السبب الرئيس لـ "النجاح الاستثنائي" الذي "حققه" الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة كان بشكل لا لبس فيه المزايا والوسائل التكنولوجية المتطوّرة التي يجب مواصلة تعميقها في الاتجاهات المذكورة.

المصطلحات المستخدمة:

فرقة غزة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات