شوقي خطيب "يُذكّر" شارون "بخطة تطوير الوسط العربي"

وثائق وتقارير

إسرائيل تستخدم الأداة التخطيطية وسيلة من أجل المحافظة على ميزان ديمغرافي لمصلحة المستوطنين اليهود!

 *المشاريع الاستيطانية في سلوان تأتي في إطار خطة تهويد منطقة "الحوض المقدّس"*

  عممت جمعية "عير عاميم" (مدينة الشعوب) الإسرائيلية التي تتابع سياسة الاستيطان الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس مؤخرًا تقريرين في هذا الشأن، يتناول الأول سياسة التخطيط في القدس الشرقية وكيفية تجييرها لمصلحة مشاريع التهويد المتعددة، فيما تضمن الثاني معلومات حول مشاريع الاستيطان في حي سلوان.

 

وفيما يلي عرض واف لما ورد في التقريرين:

 سياسة التخطيط في

القدس الشرقية

 نبعت سياسية التخطيط الإسرائيلية في القدس الشرقية منذ العام 1967، إلى حد كبير، من التطلع نحو فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المنطقة، وكتحصيل حاصل أيضا، من السعي إلى المحافظة على أغلبية يهودية راسخة في المدينة.

وحول استخدام الأداة التخطيطية كوسيلة من أجل المحافظة على ميزان ديمغرافي مرغوب فيه، يقول مسؤول ملف القدس الشرقية في الحكومة الإسرائيلية ياكير سيغف في مقابلة صحافية "لن نسمح لسكان القدس الشرقية ببناء الحد الذي يحتاجون إليه من البيوت... لا أعتقد أن المهمة الأكثر أهمية هي حل ضائقة السكان (للعرب) في القدس الشرقية... فنحن في المحصلة سننظر أيضا إلى الوضع الديمغرافي، لكي نتأكد بأننا لن نستيقظ بعد عشرين سنة لنرى أمامنا مدينة عربية".

وبالفعل، فمنذ العام 1967 شيدت حكومات إسرائيل المتعاقبة قرابة 50 ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية لصالح المستوطنين الإسرائيليين، فيما شيد، في نفس الفترة بمساعدة حكومية، أقل من 600 شقة لصالح السكان الفلسطينيين في المدينة، آخرها كان قبل أكثر من 30 عاما!

كذلك وضعت إسرائيل وما زالت تضع موانع كثيرة أمام تطور الأحياء الفلسطينية في مسار من البناء الخاص، وفي هذا السياق جرى أولا مصادرة نحو 35% من الأراضي في القدس الشرقية لتشيد عليها الأحياء الاستيطانية الكبرى (غيلو، هار حوما- جبل أبو غنيم- والتلة الفرنسية وغيرها). أما معظم الأراضي التي بقيت في يد السكان الفلسطينيين بعد تلك المصادرات (حوالي 45 كيلومترًا مربعًا) فلا يمكن البناء عليها لأسباب عدة أهمها:

أولا- "مناطق خضراء": إذ عمدت السلطات الإسرائيلية إلى الإعلان عن قرابة 30% من الأراضي الباقية بملكية فلسطينية، بعد المصادرات، كـ "مناطق خضراء" لا تسمح فيها بأية إمكانية للبناء.

ثانيا- عدم وجود خطط هيكلية: لم تقر السلطات الإسرائيلية حتى الآن أية خطط هيكلية تقريبا للمناطق الفلسطينية في القدس الشرقية، وبدون خطة هيكلية نافذة المفعول لا توجد إمكانية لإصدار تراخيص بناء. ويقع معظم عبء التخطيط القانوني في القدس الشرقية على عاتق السكان الفلسطينيين، بينما هو في أي مكان آخر في إسرائيل ضمن مسؤولية الحكومة.

في مطلع العقد الماضي فقط شرعت السلطات بتخطيط وإعداد خطة هيكلية شاملة للقدس، ولكن على الرغم من أن الخطة أقرت من قبل اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء وتم إيداعها للمعاينة من قبل الجمهور (في العام 2009) إلا إن وزير الداخلية الإسرائيلية إيلي يشاي ما زال يعيق إيداع الخطة، بدعوى أنها "سخية أكثر من اللازم" في كل ما يتعلق بإمكانيات البناء التي تتيحها أمام سكان المدينة الفلسطينيين.

ثالثا- أراضي غير مسجلة: من أجل الحصول على رخصة بناء يتعين على الشخص المعني أن يقدم تسجيلا منظما للأراضي على اسمه في دائرة تسجيل الأراضي (الطابو). وفي حالة الأراضي غير المسجلة، وهي حالة شائعة في القدس الشرقية، يتطلب القانون إثبات صلة ملكية بين مقدم طلب رخصة البناء وبين الأراضي كبديل لإثبات ملكية (بواسطة تصاريح مشفوعة بالقسم من جانب الجيران ومختار القرية أو الحي ومحام وغير ذلك). ومنذ بداية العقد الحالي شددت سلطات التخطيط الإسرائيلية في القدس شروطها ومتطلباتها في هذا الصدد، وبشكل يتجاوز متطلبات القانون القاضية بوجوب عمل المواطن الذي يمتلك قطعة أرض غير منظمة ويريد الحصول على رخصة بناء، على تسجيل الأرض عن طريق إعداد خطة لأغراض التسجيل (تتسار)، بحيث أصبح يتعين عليه (طالب رخصة البناء) فتح ملف تسجيل في دائرة الطابو، ومن ناحية عملية فإن هذا المطلب الجديد يجمد فعليا إجراء الترخيص في الكثير من الحالات، وهو في بدايته.

رابعا- نسب بناء متدنية: في المناطق المحدودة والقليلة التي توجد فيها خطة هيكلية (تنظيم للأراضي) لا تسمح السلطات الإسرائيلية للسكان الفلسطينيين سوى بنسب بناء متدنية جداً، حيث يسمح بالبناء فقط على مساحة تتراوح بين 25% و75% من قطعة الأرض، وذلك في مقابل نسب بناء تتراوح بين 75% و125% لليهود في القدس.

إلى ذلك فإن تراخيص البناء المحدودة جداً التي أعطيت على امتداد السنوات لا تلبي البتة احتياجات السكان المتزايدة. فمنذ العام 1967 ازداد عدد السكان الفلسطينيين في القدس من 70 ألف نسمة إلى 270 ألف نسمة، ولكنه لم تعط طوال هذه الفترة سوى تراخيص لبناء 14 ألف وحدة سكنية فقط للسكان الفلسطينيين.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنه وبناء على تقديرات البلدية الإسرائيلية، فإن الزيادة الطبيعية في صفوف السكان الفلسطينيين في المدينة تتطلب بناء ما لا يقل عن 1500 وحدة سكنية جديدة سنويا.

 

نتائج سياسة

انعدام التخطيط

 

تؤدي السياسة السالفة عمليا إلى بروز عدد من النتائج والوقائع في القدس الشرقية ويمكن إيجازها بالآتي:

· بناء غير قانوني وغير منظم: ففي ضوء الانعدام شبه التام لإمكانية الحصول على رخصة بناء في الأحياء الفلسطينية، اضطر فلسطينيون كثيرون إلى بناء بيوتهم بشكل غير قانوني، وتقدر السلطات الإسرائيلية حاليا أن نصف البيوت في القدس الشرقية- حوالي 200 ألف بيت- شيدت دون ترخيص.

· ونتيجة للبناء غير المنظم أو المخطط نشأ واقع من الاكتظاظ الشديد في الأحياء الفلسطينية، وبناء غير آمن لبيوت كثيرة غير مربوطة بشبكات المياه والمجاري والكهرباء، ونقص في البنى التحتية من شوارع وأرصفة وأماكن وقوف للسيارات. إلى ذلك فإن العائلات التي اضطرت إلى بناء بيوتها من دون ترخيص، تدفع غرامات مالية باهظة جداً للبلدية الإسرائيلية بمبالغ تتراوح بين عشرات آلاف ومئات آلاف الشواقل، كما أن بيوتها تواجه بصورة دائمة خطر الهدم.

· هدم البيوت: في كل سنة تهدم بلدية الاحتلال قرابة 100 منزل. وتثير مسألة (سياسة) هدم البيوت قي القدس الشرقية اهتماما وانتقادات دولية بل وأدت إلى احتكاك وتوتر بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية وكذلك الدول الأوروبية مما أجبر السلطات مع البلدية الإسرائيلية على التوقف تقريبا عن هدم البيوت في القدس الشرقية منذ نهاية العام 2009.

· الهجرة من القدس والعودة إليها في أعقاب بناء جدار الفصل: بعد يأسهم من الحصول على تراخيص بناء ولأسباب وضغوطات اجتماعية واقتصادية أخرى، اضطر فلسطينيون كثيرون (على الأقل 45 ألف مواطن مقدسي) إلى الانتقال للسكن في بلدات وضواحي قريبة (خارج الحدود البلدية المصطنعة) مثل أبو ديس والعيزرية والرام وضاحية البريد. وقد حافظ هؤلاء المقدسيون على عنوانهم وعقاراتهم في القدس من أجل حماية حقوقهم كسكان في المدينة. ومنذ بناء جدار العزل بقي هؤلاء السكان، الذين يعتبرون سكانا دائمين في القدس، في الجانب الشرقي للجدار مما يضطرهم للدخول إلى المدينة يوميا عبر تجشم معاناة إنهاء المرور في الحواجز أو سلوك طرق التفافية مضنية وفي أعقاب ذلك عاد الكثيرون منهم إلى السكن في المدينة الأمر الذي فاقم أكثر ضائقة السكن القائمة في القدس الشرقية.

 

حول الاستيطان

في سلوان

 

 

يقع حي سلوان، المتاخم لبلدة القدس القديمة والمسجد الأقصى من الجهة الجنوبية، في قلب ما يسمى بـ "الحوض المقدس"، الذي تسعى إسرائيل إلى تهويده بالكامل. وفي هذا الإطار تشهد سلوان ولا سيما في السنوات الأخيرة، تغييرات واسعة ومكثفة في "الوضع القائم" تهدف إلى إحكام قبضة السيطرة الإسرائيلية والتهويدية، وخاصة في ما يسميه الإسرائيليون منطقة "مدينة داود"، وهو حي "وادي حلوة" في التسمية الفلسطينية.

تبلغ مساحة حي سلوان حوالي 2194 دونما ويقطن فيه ما يقارب 40 ألف فلسطيني، وتزعم محافل اليمين الإسرائيلي والجماعات الاستيطانية التهويدية المتطرفة أن جزءا من هذه المنطقة (حي وادي حلوة) الذي تبلغ مساحته حوالي 117 دونما، كان "مركزاً سلطويا عبريا" في فترة ما يسمى بـ "مملكة يهودا" (في القرنين 6- 7 قبل الميلاد).

ويعاني حي سلوان من إهمال شديد من جانب مختلف السلطات الإسرائيلية، إذ إن قسما كبيرا من الطرق فيه غير معبد أو غير صالح بالحد الأدنى للمرور وحركة السير، كما أن قسما لا يستهان به من بيوت الحي غير مربوط حتى الآن بشبكة التصريف الصحي، فضلا عن استمرار إمعان السلطات البلدية في عدم توفير العديد من الخدمات الأساسية للسكان وليس أبسطها جمع وإخلاء النفاية بشكل منظم، كما أنه لا توجد في الحي سوى مدرسة ثانوية واحدة، مما يضطر الآلاف من الطلاب والطالبات إلى السفر للتعليم في مدارس بعيدة عن منازلهم، في أنحاء أخرى من مدينة القدس ولا توجد في الحي أية مراكز شبابية ورياضية أو مراكز جماهيرية أخرى ولا حتى حديقة عامة واحدة.

ومنذ العام 1967 لم تصدر السلطات الإسرائيلية لصالح سكان حي "وادي حلوة" الفلسطينيين سوى أقل من عشرين رخصة بناء، وحتى هذه التراخيص تتناول بالأساس إضافات لمبان وبيوت قائمة، وهو ما اضطر السكان إلى تشييد منازل من دون ترخيص.

وكانت حملة الاستيطان والتهويد المكثفة في حي سلوان قد انطلقت بشكل حثيث منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ويقف خلفها محركان أو دافعان رئيسيان: الأول دافع "ديني - قومي"، والثاني "تطلع سياسي" لإفشال أية إمكانية لتقسيم مدينة القدس في إطار اتفاق سلام مستقبلي بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي السنوات الأخيرة سلبت وانتزعت، في نطاق مخططات الاستيطان والتهويد، أجزاء كبيرة من أراضي وبيوت حي "وادي حلوة" بشكل خاص، وبلدة سلوان بشكل عام، من أصحابها، كما جرى "خصخصة" ممتلكات وأراض عامة من دون مناقصات، ليتم نقلها إلى أيدي الجمعية اليهودية اليمينية "إلعاد"، والتي تتولى دفع عمليات وخطط الاستيطان والتهويد في البلدة، وأكثر من ذلك تتولى هذه الجمعية المحسوبة على "اليمين العقائدي"، بتكليف من الحكومة الإسرائيلية، مسؤولية الإشراف على ما يوصف بـ "الحفريات الأثرية" في سلوان. وتقطن حاليا في البؤر الاستيطانية، التي زرعت في قلب عدد من الأحياء المكتظة في سلوان، قرابة (70) عائلة يهودية استيطانية تحظى بحماية معززة من شرطة الاحتلال وشركات الحراسة الخاصة على مدار الساعة. وتتم عملية الاستيلاء على العقارات والمنازل في سلوان بمبادرة وتشجيع وتمويل ودعم وحماية السلطات الإسرائيلية بأذرعها الرسمية (الحكومية) والبلدية.

وتقول جمعية "عير عاميم" في تقريرها إن هناك انطباعا يزداد تعزيزا وهو أن هذه العملية (حملة الاستيلاء والتهويد) في سلوان هي جزء من مخطط شامل ومنهجي غايته الاستيلاء على المناطق الفلسطينية المتاخمة والمحيطة بالقدس القديمة، وعزلها عن النسيج العمراني في القدس الشرقية وربطها بكتل الاستيطان اليهودية الواقعة شمال شرقي القدس المحتلة. وتضيف الجمعية في تقريرها أن لهذه المخططات والتحركات أهمية سياسية ودبلوماسية حاسمة، نظرا لأن تجسيدها على الأرض سيضع مزيداً من الصعوبات والعراقيل أمام التوصل إلى اتفاق دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، كما أنها يمكن أن تدفع العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين في مدينة القدس إلى حافة الانفجار .