وثائق وتقارير

أصدرت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، في 2 أيلول الماضي، أي بعد يوم واحد على بدء العام الدراسي، أمرا للمدرسة الثانوية في "شاعر هنيغف" قرب مدينة سديروت يقضي بالتوقف عن استخدام كتاب دراسي في موضوع التاريخ، كونه يستعرض الرواية التاريخية الفلسطينية، إلى جانب الرواية الإسرائيلية لتاريخ الصراع في البلاد. وفي موازاة ذلك تم استدعاء مدير المدرسة الثانوية إلى جلسة تأديبية في وزارة التربية والتعليم.

 

ويتم تدريس هذا الكتاب في دروس إثراء كجزء من برنامج تعليم التاريخ بصورة موسعة، تشمل خمس وحدات تدريسية، تمت بلورته في مدرسة "شاعر هنيغف".

وأكد معلمون في المدرسة أن قرار وزارة التربية والتعليم بوقف التدريس في كتاب التاريخ المذكور، اتخذه رئيس السكرتارية في الوزارة، تسفي تسميرت، من دون التشاور معهم (هآرتس 27.9.2010).

وتجدر الإشارة إلى أنه في إطار برنامج تدريس التاريخ في المدارس اليهودية يتم التعاطي مع مواضيع، مثل سير حرب العام 1948، من وجهة النظر الصهيونية. وكان وزير التربية والتعليم الإسرائيلي، غدعون ساعر، قد منع، في العام الماضي، تدريس تبعات الحرب على الفلسطينيين وحدوث النكبة، في المدارس العربية.

  

مشروع إسرائيلي - فلسطيني

 وبدأ العمل في إعداد الكتاب الذي أمرت الوزارة الإسرائيلية بمنع التدريس فيه، وهو بعنوان "تعلم الرواية التاريخية للآخر"، قبل عشرين عاما، في إطار مشروح مشترك نفذه البروفسور دان بار- أون من جامعة بن غوريون في مدينة بئر السبع والبروفسور سامي عدوان من جامعة بيت لحم. وشارك في تأليف الكتاب معلمون إسرائيليون وفلسطينيون في موضوع التاريخ. وخلال فترة تولي الوزيرة ليمور ليفنات من حزب الليكود وزارة التربية والتعليم، قبل ستة أعوام، تم رفضه ككتاب تدريسي، لكن خلال العقد الأخير تم تدريس أجزاء واسعة منه في عدد من المدارس الثانوية في إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وقبل عام صدر الكتاب الكامل، الذي يتناول الفترة الواقعة ما بين تأسيس الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر وحتى السنوات الأخيرة. وتم تقسيم كل صفحة في الكتاب إلى ثلاثة أقسام: الرواية التاريخية الإسرائيلية من جهة اليمين، الرواية الفلسطينية من جهة اليسار، وفي الوسط تم ترك أسطر فارغة يتعين على الطالب التعبير عن رأيه من خلال الكتابة فيها. وفي العام الدراسي الماضي بدأت المعلمة ميخال فاسر، معلمة التاريخ في "شاعر هنيغف"، باستخدام الكتاب بشكل واسع في إطار مجموعة مؤلفة من 15 طالبا في الصف الحادي عشر. وقدم الطلاب وظيفة إنهاء في موضوع الصراع بحسب اختيارهم في موازاة امتحان "البجروت" (امتحان التوجيهي) في التاريخ.

 

غضب إسرائيلي

 

ويبدو أن ما أثار حفيظة وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، التي ينتمي المسؤولون فيها مثل ساعر وتسميرت إلى اليمين واليمين العقائدي، هو اهتمام جهات أوروبية بالكتاب المثير للجدل في إسرائيل بسبب تناوله الرواية الفلسطينية للنكبة، وذلك إضافة إلى سعي إسرائيل إلى هيمنة روايتها التاريخية وتغييب كامل للرواية الفلسطينية.

ففي شهر آب الماضي زار وفد يضم رؤساء بلديات من السويد رئيس المجلس الإقليمي "شاعر هنيغف"، ألون شوستر. وكان الهدف من وراء هذه الزيارة هو دفع مبادرة لتعليم مشترك لطلاب إسرائيليين وفلسطينيين وسويديين بالاستناد إلى كتاب "تعلم الرواية التاريخية للآخر".

وعقب سفير إسرائيل في السويد، بيني داغان، على المبادرة السويدية من خلال رسالة بعث بها إلى شوستر، قال فيها "إننا نحاول تحريك السويديين من أجل أن يساهموا في مشاريع مشتركة تساعد على تقريب الشعبين [الإسرائيلي والفلسطيني]. وقد أثلج صدري مشروعكم لدى اطلاعي عليه. فهذا اتجاه صحيح لتوجيه موارد سويدية نحوه وهذا النموذج سيساعدني خلال اتصالاتي مع جهات رسمية وغير رسمية هنا، من أجل توسيع الدعم والنشاط من خلال مشاريع تقرب التفاهم والمصالحة بين الشعبين".

ووفقا لهآرتس فإنه رغم الدعم من جانب وزارة الخارجية، قالت جهات ضالعة في القضية إن نشر خبر حول زيارة الوفد السويدي ومبادرته جعل رئيس السكرتارية التربوية في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، تسفي تسميرت، يأمر بالتوقف عن استخدام الكتاب بصورة فورية.

وقال معلم في المدرسة الثانوية "شاعر هنيغف" إنه "في اليوم الثاني لبدء العام الدراسي الحالي صدر أمر بعدم استخدام الكتاب لأنه لم تتم المصادقة عليه" من جانب الوزارة. وأضاف أن "لا أحد في وزارة التربية والتعليم كلف نفسه بالتدقيق في كيفية سير التعليم على أرض الواقع وما هي نتائجه الأخلاقية والتربوية. فقد كان هذا رد فعل بشكل أوتوماتيكي، يكاد يكون تعسفيا، يتسم به أي تعامل من جانب جهاز التربية والتعليم مع الجانب الفلسطيني. ويدل رد الفعل هذا، بالأساس، على ضيق أفق وعلى انغلاق اتجاهات التفكير".

وأشار مسؤول آخر في جهاز التعليم الإسرائيلي ومطلع على القضية إلى أنه "لا يوجد هنا أي تدريس معاد للصهيونية. وإنه لأمر مضحك التحدث معنا من خلال مصطلحات كهذه، فيما أولادنا يرزحون منذ سنوات تحت صواريخ القسام ونسبة التجند للجيش الإسرائيلي هي من أعلى النسب في البلاد. والحديث يدور على مشروع حقيقي وجميل، يحاول فهم الجانب الآخر، وإن كان ذلك تحت وطأة الضغط الأمني".

 

"الأفكار الصهيونية تعززت"

 

ورغم أنه منذ مطلع العام الدراسي الحالي، الذي بدأ في مطلع أيلول الماضي، لم تتم تجربة استخدام الكتاب، إلا إن المعلمة فاسر استغلته في العام الدراسي الماضي من أجل إثارة نقاشات في الصف. وقد أخذ كل واحد من طلابها على عاتقه مهمة تمثيل الأطراف المختلفة، اليهودي والفلسطيني والانتداب البريطاني، في فترات مختلفة وحتى قيام إسرائيل. وقال الطلاب إن تعلم الرواية التاريخية الفلسطينية لم يضعف أفكارهم الصهيونية، وربما عززها في بعض الحالات.

وقالت الطالبة بار غولدبرغ، من بلدة "ناتيف هعسراه" الملاصقة للشريط الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة، إنه "لا يمكن دراسة التاريخ من جانب واحد فقط. فإذا لم تنظر إلى الجانب الآخر فإنك تبقى جاهلاً. وقد جعلتني الدراسة أكثر صهيونية، وتزايد تقديري للمكان الذي جئت منه. وفي نهاية المطاف حولتني الدراسة إلى شخص متعلق أكثر بالبلاد. وإذا كانوا في وزارة التربية والتعليم يتخوفون من أن الكتاب يساري أكثر مما ينبغي فإنهم مخطئون. فهذا ليس الموضوع المطروح أصلا، وإنما المطروح هو تعلم وجهات النظر المختلفة".

من جهتها قالت الطالبة ليئيل سيكلوزوف من كيبوتس "نيتسانيم" "إننا نفهم أنه توجد طرق أخرى للنظر إلى الصراع مع العرب، غير الطريق العادية. وقد فهمنا أن الأمور ليست أبيض أو أسود وأن الواقع معقد أكثر بكثير. فقد اتضح من الكتاب، مثلا، أن الجانب الفلسطيني منشغل كثيرا في تصوير نفسه كضحية، وهذا أمر لا تجده بصورة عامة في التوجهات اليسارية. وقد كانت هذه الدروس هي الأبعد عن الدروس التقليدية. فهناك نقاش حقيقي وتتم دراسة الأمور بعمق".

ورأت الطالبة غون بيرد من كيبوتس "إيرز" أن "ثمة أهمية للتعلم في الكتاب لأني كمن كبرت في البلاد فإني لا أعرف أي شيء عن الفلسطينيين. ولا أتحدث عن التعاطف معهم، وإنما عن المعرفة، من أجل أن يكون بالإمكان لاحقا اختيار رأي معين. وفي أعقاب الدراسة فإن حسي الوطني تعزز. وأصبح لدي احترام أكبر للبلاد وللمكان الذي نتواجد فيه".

وعبّر رئيس المجلس الإقليمي "شاعر هنيغف"، شوستر، عن تأييده للتدريس في الكتاب. وقال إنه "ليس معقولا أن نثري طلابنا بالموسيقى والكيمياء، وأن لا تكون هناك إمكانية لإطلاعهم على كتابات ووجهات نظر أخرى. وقد سألت الطلاب عما فعله بهم الكتاب، وقال الجميع إن الإطلاع على الرواية التاريخية الفلسطينية عزز لديهم الأفكار الصهيونية".

رغم ما قاله الطلاب والمسؤولون في مدرستهم إلا إن وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية ما زالت تتخوف من اطلاع الطلاب على الرواية التاريخية الفلسطينية. وعقبت الوزارة بالقول إن سياستها تقضي "بتطبيق الدراسة في المدرسة وفي جميع المواضيع من كتب تمت المصادقة عليها فقط. وقبل خمس سنوات ألغت وزارة التربية والتعليم البرنامج [أي "تعلم الرواية التاريخية للآخر"] والكتاب الذي يتم تدريس الموضوع من خلاله. وبناء عليه فإن رئيس السكرتارية التربوية، الدكتور تسميرت، ومدير اللواء للتربية الاستيطانية، الدكتور يحيئيل شيلو، استدعيا مدير مدرسة ’شاعر هنيغف’ لمحادثة تأديبية بعد عيد المظلة" الذي صادف الأسبوع الماضي.