تيار الصهيونية- الدينية أمام مفترق طرق حاسم

وثائق وتقارير

*وصول القضية إلى محكمة العمل أدّى إلى تسليط الضوء على وسائل التعتيم على قضايا الاعتداءات الجنسية في صفوف الحريديم*

 كشف النقاب مؤخرا عن وقوع عمليات اعتداء جنسية من جانب حاخامات على طالبات وطلاب في كليات تابعة للتيار الحريدي والتيار الديني - القومي - الصهيوني. وقد تم طوال سنوات التعتيم على هذه القضايا من خلال التعاون بين إدارات الكليات وبين طاقم "تكناه"، وهو هيئة مؤلفة من حاخامات في التيار الديني - الصهيوني لمعالجة قضايا يتعرض فيها أشخاص متدينون لاعتداءات جنسية يقترفها حاخامات أو معلمون في مدارس دينية. وتبين من تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، يوم الجمعة الماضي، أنه حتى عندما تصل هذه القضايا إلى المحاكم الإسرائيلية فإنه يتم بحثها في جلسات تكون مغلقة أمام الجمهور وأمام الصحافة عموما.

 

وتناول تقرير يديعوت أحرونوت قصة طالبة يهودية متدينة، عمرها 24 عاما، تدرس في الكلية الدينية "بَايِت فَغَان" في القدس، تعرضت، على ما يبدو، للاغتصاب من جانب أحد المعلمين في الكلية، ما أدى إلى إصابتها بصدمة نفسية عميقة جدا، نتج عنها إصابتها بمرض عقلي. وخلافا لقضايا مشابهة فقد وصلت هذه القضية إلى محكمة العمل في القدس، بعد شكوى قدمتها معلمة في الكلية تدعى يشكا بوخنيك.

وتضمنت لائحة الاتهام التي قُدمت إلى محكمة العمل الأحداث التي سردتها بوخنيك حول ما تعرضت له الطالبة "شلوميت"، وهو اسم مستعار استخدمته الصحيفة في تقريرها. وتكشف هذه القضية عن طريقة التعامل مع قضايا عديدة مشابهة تقع في المجتمع الحريدي والديني الصهيوني. وحصلت الصحيفة على إذن من المحكمة لنشر قصة "شلوميت" بعدما حاولت الكلية فرض تعتيم على القضية. ولا تزال القضية في المحكمة رغم مرور ثلاث سنوات على وقوع الجريمة.

ووفقا للائحة الاتهام فإنه تم إحضار "شلوميت" خلال العطلة الصيفية في العام 2007 إلى منزل مدير قسم في الكلية، وهو الحاخام مردخاي كوفرمان، "فيما كانت تهذي وفي حالة نفسية صعبة". وقد علمت بوخنيك بذلك بعد شهر من إحدى صديقات "شلوميت". وعندما هاتفت بوخنيك كوفرمان أقرّ الأخير بأن الفتاة جاءت إليه في حالة نفسية غير سليمة. لكن بعد أن ذهبت إلى بيت الفتاة وجدت أن حالتها العقلية متدهورة للغاية.

وفي اليوم التالي توجهت بوخنيك برفقة "شلوميت" ووالدها إلى طبيب نفسي عالجها من قبل. وبعد بضعة أسابيع تحدثت المعلمة مع والدة الفتاة. وقالت الوالدة في هذه المحادثة، بحسب ما جاء في لائحة الاتهام، إن "ابنتها أصيبت بنوبة عقلية بسبب اتصال جسدي مع حاخام في الكلية. وقد حاولت الانتحار مرتين".

عند هذا الحد بدأت القضية تتفاعل بشكل يعكس تعامل المسؤولين في المجتمع الحريدي والديني- الصهيوني مع مثل هذه القضايا. فقد قررت بوخنيك الاتصال مع مديرة الكلية، دفورا روزنفاسير. لكن أقوال الأخيرة للمعلمة جعلتها مصدومة، فقد قالت إن "شلوميت كانت وما زالت وستبقى مريضة نفسية". وكانت حالة "شلوميت" في ذلك الوقت في تدهور متزايد. واستدعت بوخنيك الطبيب النفسي، الذي كان يقضي إجازة مع عائلته. وبعد أن فحص الطبيب الفتاة قال للمعلمة إن "ثمة تخوفا كبيرا لوقوع اعتداء جنسي نفذه الحاخام". وأضاف أنه يجب إدخال "شلوميت" إلى مستشفى بأسرع وقت وذلك خوفا على حياتها. لكن هذا لم يحدث أيضا، كونه يتناقض مع عادات ذلك المجتمع. وتم الاتفاق على وضع "شلوميت" عند "ريفكا" (وهو اسم مستعار أيضا)، وهي امرأة حريدية تستخدم كحاضنة لنساء في ضائقة.

وكتبت "ريفكا" في ملحق أرفق بملف القضية ما يلي: "لقد تلقيت اتصالا هاتفيا من طبيب نفسي... حول ما إذا كان بإمكاني أن أستضيف في بيتي شابة تعرضت لاستغلال جنسي من جانب أحد الحاخامات في كلية ’بَايِت فَغَان’ في القدس... ووفقا لأقوال الطبيب فإن الشابة تعرضت لاستغلال جنسي وهو يعرف أن هذا صحيح. [كما أني] رأيت رسائل في هاتفها الخليوي كتبت فيها للحاخام أنه هدم حياتها، وهذا لم يكن مجرد اتصال [جسدي] وإنما أكثر من ذلك بكثير".

وبعد محاولات إدارة كلية "بَايِت فَغَان" التعتيم على القضية، توجهت بوخنيك إلى مديرة "تكناه"، الحاخامة يهوديت شيلات، في نهاية العام 2007، بخصوص قضية "شلوميت". وفي بداية العام 2009 شكلت شيلات لجنة للنظر في شكوى بوخنيك. وتألفت اللجنة من أشخاص بارزين جدا في المجتمع الحريدي والديني - الصهيوني هم حاخام مدينة رمات غان، ورئيس مدرسة دينية في هذه المدينة، ومديرة مركز العائلة "يد سارة" في القدس، وعميد كلية الحقوق "شعاري مشباط".

وحسبما جاء في لائحة الاتهام المقدمة إلى محكمة العمل في القدس، فإن شيلات أبلغت بوخنيك، في أيلول العام 2009، بأن شكواها ضد الحاخام، الذي اعتدى على "شلوميت"، تبين أنها حقيقية. وبعد ثلاثة شهور أبلغتها شيلات أنه تم توقيع اتفاق بين "تكناه" والحاخام والكلية. ووفقا للاتفاق فإن الحاخام والكلية لا يعترفان بالحقائق لكنهما سيدفعان تعويضا ماليا لـ "شلوميت" بمبلغ عشرين ألف شيكل من كل طرف. وقد تم إيداع مبلغ الأربعين ألف شيكل في عهدة المحامي أفيعاد هكوهين، العضو في اللجنة التي شكلتها "تكناه" للنظر في القضية. كذلك تعهد الحاخام المعتدي بإنهاء عمله في الكلية، وهو ما حدث فعلا في نهاية العام الدراسي الماضي. ومقابل ذلك تم التعهد للكلية والحاخام بمواصلة التعتيم الكامل على القضية.

وهناك جانب آخر في القضية يتعلق بسعي الكلية إلى الانتقام من بوخنيك، لأنها تجرأت على تقديم شكوى ضد الحاخام المعتدي والكلية. ووفقا للائحة الاتهام فإنه في نهاية العام 2007 وقبل أن تتوجه إلى "تكناه"، تلقت بوخنيك رسالة شديدة اللهجة من محامي الحاخام والكلية، الذي اتهمها بالعمل على تشويه سمعته داخل الكلية ونشر أقوال تنطوي على مخالفة قذف وتشهير وتتعلق "باعتداء جنسي نفذه، بحسب الادعاء، الحاخام بشابة بالغة في الكلية تعاني من حالة نفسية صعبة... والحديث يدور على فرية وقذف وتشهير باسمي موكلي وبسمعتهما الطيبة". وطالب المحامي المعلمة بالتوقف عن أفعالها وإن لم تفعل ذلك فإنه سيتم اتخاذ إجراءات قانونية ضدها.

وفي موازاة ذلك استدعت إدارة الكلية بوخنيك إلى لجنة طاعة بهدف فصلها من العمل في الكلية، بعد أن عملت 23 عاما كمعلمة. ووفقا لما قالته فإنه بعد أن علمت إدارة الكلية أنها تعتزم الكشف عن سبب فصلها من العمل تم إلغاء استدعائها إلى لجنة الطاعة.

وفي تعقيبها على تقرير يديعوت أحرونوت قالت "تكناه" إنها قدمت تقريرا حول قضية "شلوميت" إلى المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، بالتزامن مع بدء النظر في القضية. لكن التوجه إلى وزارة العدل أظهر أنه تم إخفاء الطبيعة الحقيقية للقضية عن سلطات القانون، والتقرير الذي سلمته "تكناه" كان جزئيا في أفضل الأحوال.

ويبدو أن وزارة العدل الإسرائيلية حاولت بدورها المشاركة في عدم إيصال القضية إلى المحكمة وإخفائها، بل واعتبرت أن القضية لا تتعدى كونها علاقة جنسية بين شخصين بالغين، هما الحاخام و"شلوميت". فقد عقبت الوزارة بأنه "في شهر كانون الثاني الأخير تسلمنا تقريرا عاما حول هذه الحالة، سوية مع 18 حالة أخرى كانت تعالجها الهيئة خلال العام 2009، وذلك بموجب تعليمات المستشار القانوني للحكومة، والتي عممها في أعقاب قضية الحاخام موطي ألون [وهو أحد أبرز الحاخامات في إسرائيل والذي اتهم بفرض ممارسات جنسية على طلابه]، حيث تمت مطالبة تكناه بتزويد وزارة العدل بتقارير في كل مرة عالجت فيها شبهات بارتكاب أعمال جنائية. وعلى ضوء التقرير العام الذي تزودنا به وقتئذ، وتم من خلاله وصف العمل على أنه علاقات بين بالغين بالاتفاق، ومن دون توفر إمكانية للحصول على تعاون من جانب الشابة، فإننا لم نجد مكانا في حينه لإصدار تعليمات لوقف إجراءات تكناه وتحويلها إلى مسار جنائي".

واضطرت مديرة الكلية، شيلات، في أعقاب توجهات يديعوت أحرونوت إليها، إلى التوجه إلى المحامي راز نيزري من مكتب المستشار القانوني للحكومة، الأسبوع الماضي، وأبلغته شفهيا بتفاصيل تتعلق بالاعتداء الجنسي للحاخام على "شلوميت". وخلال هذه المحادثة طلب نيزري من شيلات أن تسلم كافة المعلومات المتوفرة لديها حول القضية إلى وزارة العدل على وجه السرعة ليتسنى فتح تحقيق شامل في هذا الشأن.