*رئيسة المحكمة الإسرائيلية العليا تطالب الحكومة بإلغاء تعديل على قانون الضرائب يميز ضد المواطنين العرب*
برز في الفترة الأخيرة توتر جديد بين المؤسستين السياسية والقضائية في إسرائيل. ويقف وراء ذلك سعي المؤسسة السياسية إلى فرض نفوذها على المؤسسة القضائية، من جهة، وعدم انصياع المؤسسة السياسية لقرارات المؤسسة القضائية من جهة أخرى.
في الحالة الأولى تجري محاولة للتأثير على قرار حكم، يتوقع صدوره في الفترة القريبة عن محكمة الصلح في القدس، بشأن قضية فساد سلطوية اتهم فيها القيادي في حزب كاديما ورئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي.
أما الحالة الثانية فتتعلق بمطالبة رئيسة المحكمة العليا، القاضية دوريت بينيش، الحكومة بإلغاء تعديل على قانون الضرائب، لأنه يميز ضد المواطنين العرب في إسرائيل.
ووجه أعضاء في لجنة الخارجية والأمن وقضاة متقاعدون، الأسبوع الماضي، انتقادات شديدة إلى هنغبي ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، ايهود باراك، ورئيس الموساد، مائير داغان. وجاءت هذه الانتقادات في أعقاب إرسال المسؤولين الثلاثة رسائل إلى المحكمة يغدقون فيها المديح على هنغبي ونشاطه السياسي والأمني والبرلماني، وأهمية موقعه، من أجل أن تمتنع عن إصدار قرار تفرض من خلاله وصمة عار عليه عقب إدانته بالإدلاء بشهادة زور. وفي حال فرضت المحكمة وصمة عار على المذكور فإن هذا يعني إقصاءه من الكنيست على الفور.
والجدير بالذكر أن النيابة العامة طالبت المحكمة، خلال جلسة عقدت يوم الخميس الماضي، بفرض وصمة عار على هنغبي. كذلك طالبت بالحكم عليه بالسجن، لكن أن يتم تحويل هذه العقوبة إلى أعمال في خدمة الجمهور.
ورأى عضو لجنة الخارجية والأمن أرييه إلداد أن "ثمة أكثر من مجرد خلل" في سلوك هنغبي ونتنياهو وباراك وداغان، وأن الثلاثة الأخيرين بعثوا برسائل إلى المحكمة "من أجل أن يمتنع هنغبي عن انتقادهم [كرئيس للجنة الأهم والأكثر حساسية في الكنيست]. وهم يفعلون ذلك في إطار دفع ثمن لأن هنغبي لم يوجه انتقادات إليهم خلال السنوات الأربع الماضية. فقد تحولت لجنة الخارجية والأمن إلى لجنة [استماع إلى] تقارير، ويصل إليها كل من هو ملزم أمام القانون بالمثول أمامها. وتكاد تخلو اللجنة من الانتقادات والمراقبة".
وقال عضو كنيست آخر إن "حقيقة أن الثلاثة وقفوا إلى جانب هنغبي لمساعدته تنطوي على خلل أخلاقي وسلوكي. فكيف سيتوقعون من هنغبي أن يتمكن الآن من النظر إلى أدائهم بصورة مهنية؟". وتساءل أعضاء كنيست آخرون: "هل منع هنغبي خلال السنوات الأخيرة توجيه انتقادات إلى هؤلاء الثلاثة من أجل أن يجبي ثمن ذلك منهم وقت الحاجة؟". وقال عضو كنيست آخر في لجنة الخارجية والأمن إن "حقيقة أن رئيس الحكومة ووزير الأمن يسعيان إلى مساعدة هنغبي في الوقت الذي يخضعان فيه إلى إشراف اللجنة هو أمر إشكالي للغاية. وأعتقد أن هذا السلوك يمس بشكل عميق مكانة اللجنة والعلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية".
وليست هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها السياسيون في إسرائيل التدخل في عمل المحكمة والتأثير على قرارها. وذكر القاضي المتقاعد شيلي طيمان أن نتنياهو تدخل في قضية لدى نظره فيها وكانت تتعلق برجل الأعمال الإسرائيلي ناحوم منبار، الذي أدين "بمساعدة العدو" من خلال بيع أسلحة إلى إيران، في العام 1998. ورغم أن تدخل نتنياهو كان لصالح منبار إلا إنه صرح في أعقاب صدور الإدانة أنه يأمل بفرض عقاب شديد على تاجر السلاح. وقارن القاضي طيمان بين سلوك نتنياهو في قضية منبار وسلوكه الآن في قضية هنغبي، وشدد على أنه "في الحالتين كان يحظر على رئيس حكومة يؤدي ولايته أن يتدخل بأي شكل كان في ترجيح رأي السلطة القضائية، إذ إن المحكمة ستتهم بأنها تأثرت، مهما كان الحكم الذي أصدرته. والتدخل لم يكن في مكانه في حينه، ولا اليوم".
وقالت القاضية المتقاعدة براخا أوفير - توم، في مقابلة أجرتها معها إذاعة الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، إن "ثمة رائحة كريهة لهذه الحملة العامة، إذ لدينا هنا 20 شخصية تتوجه إلى المحكمة بواسطة وسائل الإعلام، وهذا أمر خطير برأيي. يوجد هنا تدخل في عمل المحكمة".
ومن جهة أخرى، فإن الإعلام عبّر عن رأيه في هذه القضية، لكن إلى جانب تحليل أسبابها وتبعاتها. وقال المحلل السياسي في الإذاعة العامة الإسرائيلية، يوءاف كراكوفسكي، إن أداء هنغبي تجاه المحكمة، الأسبوع الماضي، كان "رسميا ومسؤولا وواصل من خلاله أداءه في السنوات الأخيرة. فقد اتبع أداء مسؤولا وغير منفلت طوال فترة التحقيق والمحكمة". وأضاف المحلل، في ما يبدو أنها شهادة حسن سلوك، أن "هنغبي في السنوات الأخيرة أصبح مختلفا. وصورته العنيفة والمشاغبة عندما كان طالبا جامعيا وشارك في مظاهرات ضد إخلاء يميت [المستوطنات في سيناء] وكعضو كنيست شاب، موجودة في الأرشيفات فقط. وغدا هنغبي في السنوات الأخيرة أحد السياسيين الذي يُعلق عليهم الآمال، لكن هذه هي آمال مشروطة".
ولفت كراكوفسكي إلى المصالح في الحلبة السياسية والتي من شأنها أن تتأثر بقرار الحكم ضده، وخصوصا فيما يتعلق بمسألة وصمة العار، التي ستؤدي إلى خروجه أو بقائه في الحلبة السياسية. وقال المحلل السياسي إنه "من الواضح أنه إذا خرج من هذه القضية بدون وصمة العار، فإن السماء هي الحدود. ومن الجهة الثانية وكمن يعرف أنه يشكل تهديدا على رئيسة حزب كاديما، تسيبي ليفني، فقد بعث هذا الأسبوع بصفارة تهدئة مفادها أنه لن ينافس ليفني على رئاسة الحزب في الانتخابات العامة المقبلة... ويعتبر هنغبي محل ثقة بالنسبة للشخصيات المركزية الثلاث في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، وهم بنيامين نتنياهو وايهود باراك، اللذان منحاه تعيينا شخصيا في رئاسة لجنة الخارجية والأمن [رغم أنه من المعارضة]، وفي حزبه يعتبر أحد أكثر المقربين من رئيسة كاديما، تسيبي ليفني".
وأشار كراكوفسكي إلى مساعي هنغبي من أجل تشكيل حكومة وحدة بين حزبي الليكود وكاديما بعد الانتخابات العامة الماضية. وقال إنه أعد سوية مع رئيس طاقم المفاوضات عن الليكود، غدعون ساعر، اتفاقا ائتلافيا كان من شأنه أن يمهد الطريق نحو حكومة وحدة وطنية. وشدد المحلل على أن هنغبي وساعر كانا مقتنعين تماما أنه بالإمكان تشكيل حكومة كهذه، لكن ليفني رفضت ونتنياهو لم يكن لينا بالقدر الكافي. وأضاف كراكوفسكي، الخبير في العلاقات الحزبية والمقرب من قيادات الأحزاب، أن "هنغبي ما زال يؤمن بالوحدة. وفي المؤسسة السياسية يجمعون على أنه الجسر الذي ستشق الحكومة الحالية عليه طريقها. وفي كاديما يعتبرونه شخصية واعدة للوصول إلى رئاسة الحكومة. لكن كل هذه الآمال السياسية موضوعة الآن أمام القضاء".
مرسوم ضريبة الدخـل
أما حالة التوتر الثانية التي برزت مؤخرا فإنها تتعلق بمطالبة رئيسة المحكمة العليا، القاضية دوريت بينيش، الحكومة بتغيير مرسوم ضريبة الدخل. ويشار إلى أن أكثر ما يثير التوتر بين المؤسستين السياسية والقضائية في إسرائيل هو مطالبة هذه الأخيرة أن تغير الأولى أحد قراراتها أو أن تلغي المحكمة العليا قانونا سنته الحكومة. وكانت قرارات أصدرتها المحكمة العليا في الماضي وألغت فيها قوانين بعد إقرارها في الكنيست بسبب "عدم دستوريتها" ولكونها تتناقض مع قوانين أساس، وخصوصا في فترة ولاية رئيس المحكمة العليا السابق، القاضي أهارون باراك، أحد الأسباب التي شن فيها سياسيون، غالبا من صفوف اليمين، هجوما شديدا على هذه المحكمة وقضاتها.
وأمرت المحكمة العليا، يوم الأربعاء الماضي، الحكومة بإلغاء تعديل على مرسوم ضريبة الدخل يقضي بمنح امتيازات في الضرائب لبلدات معينة، بعد أن تبين للمحكمة أنه تم إضافة هذا التعديل من دون أن تكون هناك مقاييس واضحة وتتعلق بالمساواة بين المواطنين اليهود والعرب. ووجه قضاة المحكمة العليا، بينيش وإليعازر ريفلين وآشير غرونيس، انتقادا شديدا للحكومة على خلفية عدم قانونية الامتيازات في الضريبة التي تمنح للمواطنين وفقا لمكان سكناهم. وأشار القضاة في هذا السياق إلى عدم وجود أية بلدة عربية بين البلدات التي تمت إضافتها من خلال التعديل.
وصدر قرار المحكمة العليا بعد سنوات من المداولات والنظر في التماسات منذ العام 2002 تم توحيدها، وتقدمت بها جمعية حقوق المواطن في إسرائيل ومركز "عدالة" لحقوق الأقلية الفلسطينية في إسرائيل ورؤساء سلطات محلية عربية في جنوب البلاد ضد التعديل الذي يميز ضد العرب والذي تمت إضافته إلى مرسوم ضريبة الدخل. وكتب القضاة في قرارهم أنه "على الرغم من أن خلفيات الالتماسات مختلفة إلا إنها تجمع على ادعاء مركزي مشترك وموجه ضد طريقة تحديد قائمة البلدات التي تستحق الحصول على الامتيازات في الضرائب. ووفقا للادعاء فإنه تم منح الامتيازات في الضرائب ولا يزال يتم منحها بشكل يمس مبدأ المساواة ومن دون تحديد مقاييس موحدة ومتساوية ولائقة. وقسم من الالتماسات أكد على أنه يتم التعبير عن المس بالمساواة من خلال التمييز ضد البلدات العربية قياسا ببلدات يهودية مجاورة لها، من دون أي تفريق موضوعي بينها". وشدد الملتمسون على أن منح إعفاءات كبيرة من الضرائب من دون وجود معايير محددة يتناقض مع الحق في المساواة. كذلك أشار الملتمسون إلى عدم وجود ولو بلدة عربية بين البلدات التي تتمتع بامتيازات في الضرائب.
كذلك انتقدت المحكمة العليا في قرارها المماطلة التي اعتمدتها الحكومة في الموضوع. وكتب القضاة في قرارهم أن "الحكومة والكنيست امتنعتا بصورة منهجية وطوال سنين عن العمل من أجل حل هذه القضية وذلك خلافا لموقف ممثلي المستشار القانوني للحكومة" الذي تم استعراضه أمام المحكمة. وأقرت المحكمة بأن التعديل على مرسوم ضريبة الدخل يمس الحق في المساواة ولا يستند إلى معايير واضحة، ولذلك فإنه لا مفر من إلغائه. وأمهلت المحكمة الحكومة فترة محدودة لتصحيح القانون قبل أن تأمر بإلغائه، كما أصرت على أنه من اللائق أن يتم تصحيح القانون من خلال سن قانون الموازنة للعامين 2010 - 2011.
ووجهت القاضية بينيش انتقادا شديدا للحكومة والكنيست قالت فيه إنه منذ الجلسة السابقة للمحكمة والتي عقدت في شهر كانون الأول الماضي، بقي الوضع على حاله من دون إجراء أي تغيير على القانون. وأضافت أنه "على الرغم من أن أعضاء الكنيست ووزراء الحكومة أحرار في العمل وفقا لاعتباراتهم السياسية، وهم ليسوا ممنوعين من العمل وفقا لاعتبارات ائتلافية لدى إقرارهم مواضيع ذات صبغة اجتماعية - اقتصادية، لكن حرية العمل هذه ليست مطلقة إذ توجد إلى جانبها حدود. فحرية العمل محدودة في المكان الذي يوجد فيه مس بحقوق دستورية، وفي القضية التي أمامنا يوجد مس في الحق بالمساواة".
لكن ليس واضحا الآن ما إذا كانت الحكومة والكنيست سينفذان قرار المحكمة العليا. ففي مطلع شهر آب الماضي، عمم المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشتاين، تعليمات على الوزارات تطالبها بتنفيذ قرارات المحاكم وتضمنت توجيهات حول كيفية تنفيذ هذه القرارات. وذكرت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية، في مطلع الشهر الحالي، أن فاينشتاين نشر تعليماته في أعقاب تقرير أعدته النائبة السابقة للمستشار القانوني للحكومة، يهوديت كارب، واستعرضت فيه سلسلة طويلة من الحالات التي لم تطبق فيها الحكومة والوزارات إطلاقا قرارات المحاكم، وإن طبقتها فإن ذلك يكون بعد وقت طويل.
وكتبت كارب في تقريرها أن تراكم الحالات التي لم تطبق فيها السلطات قرارات المحاكم "يثير التخوف بأن الحديث لا يدور على إخفاقات عفوية وهامشية نابعة من بيروقراطية حكومية، وإنما هذه ظاهرة خطيرة تتمثل بتجاهل منهجي ومتعمد". وأضافت أنه "ليس صدفة أن قطاعات ضعيفة في المجتمع الإسرائيلي، مثل العمال الأجانب والعرب، يظهرون في هذه القائمة" من قرارات الحكم التي لم تطبق.
وأشارت المسؤولة السابقة في النيابة العامة، المحامية طاليا ساسون، التي أعدت تقرير "البؤر الاستيطانية غير القانونية"، إلى أن "قرارات الحكم التي لا يتم تنفيذها تتميز غالبا بجوانب أمنية وسياسية. وعندما لا تقبل المحكمة موقف الدولة، وتأمر المحكمة العليا الدولة بتغيير طريقها والقيام بأمر تعارضه، فإنها في غالب الأحيان تنفذ القرار بصورة ضعيفة للغاية". وأشار التقرير في هذا السياق إلى قرارات المحكمة العليا في قضايا متعلقة بالجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية. وقد اضطرت السلطات الإسرائيلية إلى البدء في التحرك، وليس التنفيذ بعد، فيما يتعلق بقرارين بشأن الجدار، فقط بعد أن هددت المحكمة العليا بتوجيه اتهام للسلطات بتحقير المحكمة.
وفي إحدى الجلسات الأخيرة للمحكمة العليا صرخت القاضية بينيش في وجه ممثلي النيابة العامة قائلة "لن نوافق على هذا الأداء [من جانب السلطات]. فقرارات الحكم الصادرة عن المحكمة ليست بمثابة توصيات، ولزام على الدولة أن تحترمها وأن تنفذها بسرعة ونجاعة".