المنافسة على رئاسة "ياحد"، تحالف اليسار الجديد في إسرائيل" - هكذا أجملت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الإنتخابات التي جرت يوم 16 آذار/ مارس 2004 لإختيار رئيس للتحالف المذكور، والتي فاز فيها يوسي بيلين على منافسه، عضو الكنيست ران كوهين، بفارق 7 بالمئة (حصل بيلين على 53,5 بالمئة من الأصوات، فيما حصل ران كوهين على 46,5 بالمئة منها).
"بعيداً عن الإهتمام الجماهيري والإعلامي، وعلى هامش المنظومة السياسية، جرت المنافسة على رئاسة "ياحد"، تحالف اليسار الجديد في إسرائيل" - هكذا أجملت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الإنتخابات التي جرت يوم 16 آذار/ مارس 2004 لإختيار رئيس للتحالف المذكور، والتي فاز فيها يوسي بيلين على منافسه، عضو الكنيست ران كوهين، بفارق 7 بالمئة (حصل بيلين على 53,5 بالمئة من الأصوات، فيما حصل ران كوهين على 46,5 بالمئة منها).
و"ياحد" (معناها معاً، وهي اختصار "يسرائيل حفراتيت ديموقراطيت" – إسرائيل اجتماعية ديمقراطية) عبارة عن تحالف بين حزب "ميرتس" (الذي هو نفسه عبارة عن تحالف بين أحزاب "مبام" و"راتس"، بزعامة شولاميت ألوني وبقايا "شينوي"، بزعامة أمنون روبنشتاين) وجماعة "شاحر" (فجر) بزعامة يوسي بيلين (إقرأ عن هوية ياحد السياسية- الأيديولوجية ضمن إطار منفرد). ومع أن هذا التحالف ظهر إلى الوجود، للمرة الأولى، عشية الإنتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي (أوائل 2003) فإن الاتصالات لإقامته كانت جارية منذ ما ينوف عن ثلاث سنوات ويقودها بيلين نفسه وعضو الكنيست حاييم أورون (مبام) من "ميرتس"، والذي كان أبرز الشركاء له في التوصل إلى ما عرف بإسم "وثيقة جنيف".
وكان السبب المباشر وراء إعلان بيلين الطلاق التام من حزبه السابق (العمل) ومبادرته لتأسيس حركة "شاحر"، قد تمثل في فشله، قبيل الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل، خلال الإنتخابات التمهيدية (برايمريز) لحزب "العمل"، بالوصول إلى مكان متقدم في لائحته الإنتخابية، وهو ما أدى إلى انسحابه سوية مع عضو الكنيست ياعيل ديان وانضمامهما إلى لائحة "ميرتس" الإنتخابية التي كانت قد أقرّت نهائيًا وترشيحهما في المكانين الـ 12 و الـ 13. وقد أسفرت تلك الإنتخابات عن تراجع كبير في قوة "ميرتس" التي فازت بستة مقاعد في الكنيست الحالي. وسرعان ما فتح المجال أمام التنافس على منصب رئيس التحالف الجديد مع إعلان الرئيس السابق، يوسي سريد، عضو الكنيست، عن استقالته من هذا المنصب، كبادرة وشت بأنه يتحمل المسؤولية عن الفشل الإنتخابي المذكور.
منافس بيلين، عضو الكنيست ران كوهين، معروف بكونه واحداً من "رموز" النضال في سبيل القضايا الإجتماعية. وهو من أصل عراقي (مولود في بغداد قبل 64 عاماً). وقد خدم في الجيش الإسرائيلي في وحدة المظليين ووصل إلى رتبة عقيد (كولونيل). وقد تطوّع في 1982 للمشاركة في الحرب على لبنان (إقرأ عن المحطات الرئيسية لحياة بيلين في إطار منفرد).
في ضوء سيرة حياة كل من المتنافسين أجمعت التعليقات، قبيل الانتخابات، على أن التنافس بينهما هو، في الجوهر، تنافس على طريق هذا التحالف السياسي الجديد، إما إلى ناحية ترجيح كفّة القضايا السياسية وإما إلى ناحية ترجيح كفّة القضايا الإجتماعية، مع أن كليهما أعلن أنه سيخلص بالمقدار نفسه للقضايا على المستويين. كذلك كانت هناك تلميحات خجولة إلى أن الأصول الشرقية لكوهين شكلت "البطن الرخوة" التي حالت بينه وبين نتيجة الفوز على منافسه.
وممالا شكّ فيه أن تحالف "ياحد" برئاسة يوسي بيلين سيكون متجوهراً أكثر في القضايا السياسية. وهذا ما دلّت عليه تصريحات بيلين نفسه فور إعلان فوزه وفي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع كوهين غداة هذا الفوز. فقد اعلن أن انتخابه يعني "تأييد القاعدة الشعبية لحزب ياحد للسلام ووثيقة جنيف وللعدالة الإجتماعية ودولة الرفاه". أما ران كوهين فقد أعلن من جهته أنه لن "يقيم معسكراً لأنصاره" وأنه "سيواصل المعركة من أجل العدالة الإجتماعية والسلام، ومن أجل دولة لا يكون فيها أولاد جوعى".
لكن إذا كان توصيف "هآرتس" السالف لإنتخابات "ياحد" يشفّ عن إلماح إلى هامشية هذا التحالف في الواقع السياسي- الحزبي الراهن لإسرائيل، فإن التحالف نفسه ليس ضنينًا بالعوامل والتناقضات الداخلية بل وحتى المتاعب المالية ومكنونات مختلف النفوس الفاعلة فيه، والتي تشكل في التحصيل الأخير أسبابًا إضافية لتلك الهامشية.
بطبيعة الحال تنتظر بيلين في رئاسة "ياحد" عدة مهمات عاجلة. مهما تكن هذه المهمات فإن أكثرها ملحاحية في الأفق المنظور هي الأزمة المالية المستعصية التي تضع الحزب على شفا الإفلاس. وتشير آخر التقارير إلى أن ديون الحزب تتراوح بين 11-12 مليون شيكل، دون أية أملاك تذكرفي حوزته يمكن بيعها أو استثمارها. كما تشير إلى أن خطة الرئيس الجديد لتجاوز الأزمة المالية تعتمد خصوصاً، على إطلاق حملة تبرعات في صفوف أعضاء الحزب(21 ألف عضو) وفي صفوف ناخبيه المحتملين على أساس جباية 900 شيكل من كل أسرة، وهو الحد الأقصى الذي يتيحه القانون الإسرائيلي الخاص بالتبرعات للأحزاب. ويشكل هذا الأمر مهمة شبه مستحيلة في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تمرّ بها إسرائيل والتي تطول حتى الطبقة الوسطى، التي تؤلف في نهاية المطاف "النواة الصلبة" لقاعدة هذا الحزب. وسيواجه بيلين صعوبة في تجنيد أموال دعم خارجية، في ضوء حملة الإنتقاد التي تعرض لها على خلفية دعم جهات خارجية أوروبية (سويسرا أساساً) لمبادرته المتعلقة بوثيقة جنيف.
وقد خفّ رئيس حزب "شينوي"، وزير القضاء يوسف لبيد، إلى مطالبة بيلين بالكشف عن مصادر الأموال التي صرفها خلال حملته الإنتخابية للفوز برئاسة "ياحد" مشيراً إلى أن هناك مكاناُ للتوجه إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية ومطالبته بتفحص فيما إذا كان بيلين "قد استعمل أموالاً تلقاها من أطراف أوروبية لهذا الغرض" (ردّ بيلين نفسه على هذا الهجوم بالقول إنه سيسّر جداً فيما لو يتم فتح تحقيق حول إدارة شؤونه المالية مؤكداً أنه ليس هناك إنسان "يشدّد على مثل هذه الأمور أكثر مني" وأن لبيد "هو وزير القضاء الأكثر سوءاً الذي عرفته إسرائيل منذ تأسيسها").
هذا التلاسن بين لبيد وبيلين يحيل إلى حدة الصراع بين "شينوي" و "ياحد" اللذين يتنافسان على شريحة واحدة من الناخبين الإسرائيليين – شريحة المواطنين العلمانيين الذين تتراوح مواقفهم السياسية من النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بين الوسط واليسار، وهي الشريحة نفسها التي تشكل القاعدة الأكبر لحزب "العمل" أيضاً.
في هذه النقطة تجدر الإشارة إلى ما يلي:
(*) قبل عدة أسابيع أسقط الكنيست الإسرائيلي عن جدول أعماله مشروع قانون تقدم به عضو الكنيست أوفير بينيس (العمل) يتيح الزواج المدني في إسرائيل. وقد امتنع وزراء "سينوي" عن التصويت على هذا القانون، الأمر الذي اعتبره العديد من المعلقين والسياسيين بمثابة "إزالة القناع الليبرالي عن وجه شينوي، إلى جهة الكشف النهائي عن وجهه الحقيقي، باعتباره حزباً لحمته وسداه الهجوم المنفلت العقال على الحريديم دون أن يقدم أية أجندة إجتماعية ومدنية بديلة عن الاحتكار الأرثوذكسي لمسائل الأحوال الشخصية".
(*) أظهرت استطلاعات الرأي الإسرائيلية المتعلقة بوثيقة جنيف أن نسبة التأييد لهذه الوثيقة في أوساط ناخبي حزب "شينوي" تبلغ حوالي 40 بالمئة، وأن نسبة تأييدها في أوساط ناخبي حزب "العمل" تبلغ حوالي 60 بالمئة. ومعنى ذلك أن توسيع القاعدة الإنتخابية لحزب "ياحد" معوّل، أكثر شيء، على اجتذاب أنصار جدد من بين ناخبي "العمل" و"شينوي" فضلاً عن الناخبين العرب.
(*) على المستوى السياسي العام فإن استمرار جلوس حزب "شينوي" في إئتلاف حكومة آريئيل شارون يؤطره باعتباره حزب يمين الوسط. وقد انضاف إلى ذلك موقفه الانتهازي من مشروع قانون الزواج المدني، الذي يجعله حزباً محافظاً أيضاً. كما أن سكوت رئيسه ووزرائه عن قضايا الرشى والفساد المالي، التي تشير إلى تورط شارون نفسه فيها، يبرز حقيقة أن المحرك الأرأس لهذا الحزب هو "شهوة السلطة". أما حزب "العمل" فإنه في ظل رئاسة شمعون بيرس، أقرب للإنضمام إلى حكومة شارون منه إلى تفعيل "الدور المنشود" للمعارضة الإسرائيلية، عن يسار حزب "الليكود".
مهما يكن فإن فوز بيلين بزعامة "ياحد" هو أول انتقال لهذا الرجل من موقع "القوة الدافعة خلف الكواليس" إلى موقع زعيم في الواجهة لحركة مهمة في الحياة السياسية الإسرائيلية.
ومثل بيلين، ستحاول الحركة اداء دور مركزي، إن لم يكن على الصعيد الإسرائيلي العام، فعلى الأقل على الصعيدين اليساري والعلماني. وهكذا تجد الحركة نفسها لأسباب عديدة في مواجهة شديدة مع كل من "العمل" و" شينوي". وهذا يعني أن بيلين سيقود حركة "ياحد" نحو اصطدام مع جميع القوى تقريبا.
ونظرا لأن "ياحد" تتطلع إلى كسب الأصوات العربية، كما سبق أن أسلفنا، فإنها تجد نفسها بشكل أو بآخر في صدام مع الأحزاب العربية. كما أن علمانية "ياحد" تجعلها في منافسة حادة مع "شينوي". غير أن المعركة الرئيسية ل"ياحد" ستكون ضد حزب "العمل". وإذا كان ثمة هدف حقيقي لهذه الحركة فهو احتلال الموقع الذي كان يمثله حزب "العمل" حتى الآن: ليس قيادة اليسار فقط بل كذلك تشكيل البديل لحكم اليمين.
صورة الصراعات المنتظرة وطبيعة المخاوف عبرت عن نفسهابعد إنتخاب بيلين بمواقف وأفعال مختلف القوى. ففي يوم إعلان نتائج الإنتخابات عقد حزب "العمل" مؤتمرا صحافيا هو الأول من نوعه في ظل حكومة شارون. وعرض قادته تقريرا مفصلا عن "إخفاقات الحكومة اليمينية". ولخص حاييم رامون التقرير بقوله إن "حكومة شارون حكومة بالغة السوء وإذا استمر الوضع سنعمل على إسقاطها".
وحمل قادة "العمل" على "ياحد" وزعيمها الجديد يوسي بيلين. وقالت داليا إيتسيك، رئيسة كتلة "العمل" البرلمانية "عملنا كمعارضة جادة ليس في جنيف وليس في الطائرات وإنما في العمل الجاد الذي شمل نصب أفخاخ برلمانية".
يبقى موضوع السلام مركزياً في أجندة يوسي بيلين. أما وجهة نظره الإقتصادية – الإجتماعية فهي محددة بكونها "إشتراكية ليبرالية"، حسبما أفصح عن ذلك في مقالة مطولة نشرها قبل خمس سنوات وحملت عنوان "من الإشتراكية إلى الإشتراكية الليبرالية". وفي هذه المقالة يعلن بيلين أنه "ما من بديل خارج السوق للقاء بين العرض والطلب"، وهو ما يتضاد مع المفاهيم والرؤى التي تقف في صلب فكرة دولة الرفاه.
وبرسم هذا التوجه، فإن زعامة بيلين لحزب "ياحد"، طبقًا لرأي أحد الخبراء، من شأنها فقط أن تؤدي إلى ولادة حزب "شينوي" حمائمي. ويرى هذا الخبير أن أداء هذا الحزب الجديد، ضمن الخارطة السياسية والحزبية الإسرائيلية، لن يعدو أكثر من كونه "مجرد سباق محموم مع العمل وشينوي على أصوات الطبقة الإسرائيلية الوسطى الآخذة هي أيضاً بالتقلص" (هآرتس"، 18/3/2004).
الصراع بين بيلين وكوهين- هل هو مجرّد تناقض ثانوي؟
يبقى السؤال، في ضوء الصراع الذي دار خلال الانتخابات بين بيلين وكوهين والمرتهن إلى خلاف في أولويات كل منهما، هل في مكنة حركة "ياحد" أن تهضم هذا الخلاف أو تؤالف بينه وتبقى معًا؟ ولا يتوفر جواب محدّد على هذا السؤال الآن سوى ما أشارت إليه معلقة الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، حنه كيم، بشأن أنه يمكن الحديث منذ الآن (تقصد منذ انتخاب بيلين لرئاسة "ياحد")، وبصورة رسمية، عن "الفراغ الكبير القائم هنا منذ عدة سنوات". ومؤدى هذا الفراغ، على قولها، أنه "لا يوجد حالياً في أوساط اليسار الصهيوني أي عنصر ينطوي على هوية واضحة محددة في توجهها إلى طبقة الأجيرين ذات الرواتب المنخفضة وإلى الفئات المثقفة وإلى النقابات المهنية".
وتتابع: ثمة جمهور كبير يحتاج إلى الخدمات الإجتماعية أو يتفهم أهمية هذه الخدمات بالنسبة لعموم المجتمع، لا يعثر على عنوان سياسي. وهو جمهور لا يرغب بالتصويت بعد لليكود وشاس ولم يعد العمل وميرتس– ياحد عنواناً يرنو ببصره إليه. وهو قوة إنتخابية مشتتة لها مندوبون حتى بين ناخبي شينوي من أوساط الطبقة الوسطى المتآكلة، وبالتأكيد لدى مئات آلاف المفصولين (من أعمالهم). ويمكن تخمين حجم هذه القوة الإنتخابية، بصورة فظة، بعشرة نواب في الكنيست ... وتأسيساً على هذا فإن السؤال، في رأي كيم، هو من سيكون أول الملتفتين إلى هذه الحقيقة ويبادر، بالتالي، إلى تأسيس حزب اشتراكي ديمقراطي أو حزب عمالي حقيقي. وفي اعتقادها أن التغيير السياسي الوحيد الهام الذي يمكن أن يرتسم في وقت لاحق هو "أن ينفصل ران كوهين عن يوسي بيلين وينضم إلى عمير بيرتس (رئيس الهستدروت وعضو الكنيست) ويؤسسان معاً حزباً يسارياً اجتماعياً وسياسياً". كما أنها تعتقد بأن عدم رغبة حزب "العمل" بأن يهضم حزب بيرتس "عام أحاد" (شعب واحد) تؤكد بل وتعاظم ما تسميه "الحاجة إلى تأسيس الحزب الجديد" السالف، ما يعني أن لا يبقى تحالف "ياحد" معًا.
وتختتم كيم تعليقها بما يلي:
"انتخاب بيلين لرئاسة ياحد هو لحظة الحقيقة، اللحظة التي يتحدد فيها الإجراء القادم. وإن الربط بين كوهين وبيرتس هو الإحتمال الوحيد لفك الإرتباط مع سوسيولوجيا اليسار الإسرائيلي ومع توجهه العضال حيال الطبقة الوسطى العليا، التي يتخاصم عليها أصلاً العمل وشينوي، وانضاف إليهما الآن ياحد أيضاً. وهذا هو كذلك الإحتمال الوحيد لليسار من أجل العودة إلى الحكم... هناك تغييرات هامة تبدأ أحياناً في الهوامش، وتبدو في البداية أنها عديمة الأهمية، غير أنها تؤدي إلى تغيير أجندة المجتمع الإسرائيلي".
متاعب أخرى:"شبح" سريد والإنزياح نحو اليمين
إذا كان فوز بيلين برئاسة "ياحد" قد تحقق، بكيفية ما، بفضل "وثيقة جنيف" فإن خسارة كوهين كانت بسبب يوسي سريد، الزعيم السابق لحزب "ميرتس"، الذي استقال غداة تراجع تمثيل الحزب في الكنيست خلال الإنتخابات الإسرائيلية البرلمانية الأخيرة في 2003. هذا ما عبر عنه الكثير من المطلعين على ميزان القوى في صفوف التحالف الجديد..
وفي هذا السياق أشير إلى أن سريد لم يعلن تأييده العلني والمطلق لأي من المرشحين اللذين تنافسا على رئاسة التحالف. واكتفى فقط، بالإعلان أنه يرى نفسه مرشحاً في المستقبل للتنافس مرة أخرى على رئاسة الحزب. وبذا أعرب عن عدم تحمسه لأي وريث له في منصبه.
إذا كانت لهذا الأمر دلالة ما فهي أن رئاسة يوسي بيلين لتحالف "ياحد" ستكون في ظل ملاحقة "شبح" يوسي سريد له. ومثل هذه الملاحقة سبق أن كانت من نصيب رئيسة "ميرتس" السابقة، الوزيرة السابقة شولاميت ألوني، التي كانت في صف المؤيدين لزعامة يوسي بيلين. ومن المرجح أن تكون هذه الملاحقة شديدة الوطأة لكون سريد عضواً في الكنيست وبيلين خارجه.
هذا على المستوى الداخلي لتحالف "ياحد".
أما على المستوى الخارجي، الإسرائيلي العام، فإن الإنزياح نحو اليمين في صفوف المجتمع الإسرائيلي ليس حالة طارئة أو عابرة، بل هو تعبير عن تغييرات بنيوية عميقة الدلالة. وقد أظهر آخر استطلاع للرأي في صحيفة "معاريف" أن مرشح اليمين لرئاسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، هو في الاستطلاع بنيامين نتنياهو، سيتفوق على أي مرشح منافس له من اليسار والوسط (يتمثل هذا الأخير في شخص يوسف لبيد، رئيس حزب "شينوي"). وضمن المرشحين المحتملين من اليسار والوسط وردت أسماء كل من: شمعون بيرس، إيهود باراك، عمير بيرتس، يوسف لبيد، حاييم رامون وعامي أيالون. وبطبيعة الحال لم يرد إسم يوسي بيلين بسبب أن ميعاد نشر الإستطلاع سبق يوم انتخاب رئيس "ياحد". غير أن حظه في التفوق على المنافس اليميني ليس أوفر من حظوظ الذين ذكرت أسماؤهم أعلاه. وحتى في رأي بيلين نفسه فإن أقصى ما في مقدوره هو فقط أن يعزز قوة "ياحد" وأن يضيف إلى تمثيل تحالف "اليسار الصهيوني" الجديد- القديم في الكنيست عدة مقاعد أخرى.
يوسي بيلين- محطات رئيسة
وُلد يوسي بيلين في حزيران 1948 في بيتح تكفا (ملبّس). أنهى دراسته الأكاديمية في مجالي الأدب والعلوم السياسية، وحصل على دكتوراة في العلوم السياسية وعمل محاضرًا في المجال. بين الأعوام 1969 و1977 عمل صحفيًا وكان عضو هيئة التحرير في صحيفة "دفار" (ناطقة بلسان نقابة العمال، الهستدروت، بقيادة حزب مباي ولاحقًا حزب العمل). في العام 1977 إنخرط في العمل السياسي وشغل مهمة الناطق الرسمي باسم حزب "العمل" حتى العام 1984، حيث تولى منصب سكرتير الحكومة لسنتين. بين الأعوام 1986 و1988 شغل منصب المدير العام السياسي لوزارة الخارجية. انتخب في العام 1988 عضوًا في الكنيست ال 12. خلال شغله لمنصب عضو في الكنيست حتى العام 2000، شغل أيضًا مناصب وزارية في الحكومات المتعافبة أخيرًا، وهي: نائب وزير الخارجية، وزير الاقتصاد والتخطيط ووزير القضاء ثم وزيرًا للأديان.
إضافةً إلى مناصبه الرسمية نشط بيلين (كثيرًا) في المبادرات السياسية والاجتماعية التي تركت أثرًا بالغًا على المجتمع الاسرائيلي، داخليًا وخارجيًا. ففي ربيع العام 1992 بادر للعملية السلمية في أوسلو، وتوصّل في العام 1995 إلى تفاهمات، هي الأولى من نوعها مع رئيس الحكومة الفلسطيني الأسبق محمود عباس (أبو مازن)، عُرفت باسم "تفاهمات بيلين- أبي مازن"، حيث تمحورت هذه التفاهمات في الحل الدائم والتي شكلت فيما بعد أساسًا لمسار كلينتون. وإضافة ترأس "الحركة الشعبية للخروج من لبنان"، التي نشطت في نهاية فترة ولاية إيهود براك، رئيس الحكومة الاسرائيلي الأسبق، قبل الخروج من لبنان، وتفككت في أيار 2000 بعد الانسحاب من لبنان. كما بادر بيلين إلى تحضير وثيقة إجماع قومي (يهودي) مع عضو الكنيست ميخائيل إيتان، وكان من بين المبادرين لوثيقة اجتماعية جديدة في موضوعي الدين والدولة، عُرفت باسم "بيلين-لوفوتسكي".
في العام 2002 أقام حركة "شاحر" (رؤوس أقلام للكلمات سلام، تعليم ورفاهية، بالعبرية)، بغية توحيد معسكر السلام والعدل الاجتماعي في إسرائيل. بعد ذلك سعى نحو توحيد حركة "شاحر" وقوى يسارية صهيونية أخرى، وعلى رأسها "ميرتس"، تحت إطار حركة سياسية جديدة باسم "ياحد" (معًا). في نهاية العام 2003 وقع بيلين مع ياسر عبد ربه في جنيف على وثيقة "تفاهمات جنيف" التي عمل عليها الطرفان أكثر من سنة.
نشط بيلين خلال عمله السياسي في مجال مساواة حقوق المواطنين الفلسطينيين في الدولة. ففي العام 1991 وافق مركز حزب "العمل" على اقتراحه لمساواة مخصصات الأطفال العرب بالأطفال اليهود. وفي نهاية 2000 مرّ في الكنيست قانون التمثيل الملائم للعرب في القطاع العام، وهو القانون الذي بادر إليه بيلين، كوزير للقضاء. وقد تكون هذه المبادرات أحد الأسباب التي حدت بمنتسبي "ياحد" من المواطنين العرب إلى دعمه في الانتخابات الأخيرة على رئاسة الحركة بأغلبية واضحة.
أصدر يوسي بيلين حتى الآن عشرة كتب، أكاديمية وسياسية، أهمها: "لمس السلام"، عن تجربة أوسلو.
"ياحد"- بطاقة هوية أيديولوجية
تستند حركة "ياحد"، في طروحاتها الأيديولوجية، إلى مستندين أساسيين، كما يتجليان في "دستورها" المعلن عند تأسيسها: طروحات "ميرتس" ومبادئ بيلين، كما انعكست في "أوسلو" و"جنيف". ففي المجال السياسي والأمني ترى "ياحد" في إنهاء الاحتلال والنزاع الاسرائيلي-الفلسطيني هدفًا أسمى من أجل تحويل إسرائيل إلى دولة متطورة وآمنة وطبيعية، وذلك على أساس حل "دولتين لشعبين" وبحسب مبادئ "تفاهمات جنيف" ومسار كلينتون والمبادرة العربية، سعيًا نحو تحقيق سلام شامل مع كل الدول المجاورة. وفي حالة عدم النجاح في التوصل إلى اتفاق تُتخذ خطوات أحادية الجانب لوقف الاحتلال والانسحاب من المناطق المحتلة. كما تنص مبادئ "ياحد" في هذا المنحى على تغيير في المدارك الأمنية وتنجيع الجيش مقابل التهديدات الآنية التي تواجهها إسرائيل، بالاضافة إلى تقصير فترة الخدمة العسكرية ومنح الإعفاءات من الخدمة على أسس ضميرية. كما تنادي "ياحد" باجراء فصل واضح بين الجيش والدولة.
وفي مجال الاقتصاد والمجتمع تنادي "ياحد" بتطبيق مساواة في قيمة الانسان ومبادئ العدل الاجتماعي والعدل التحصيصي، وتسيير سياسة اقتصادية تضمن النمو الاقتصادي المستند إلى التحصيص المساوي لثمار النمو وتقليص الفجوات والحفاظ على مبادئ دولة الرفاه. وتنص مبادئ "ياحد" على سن قانون الحقوق الاجتماعية وزيادة الاستثمار في التعليم وفي التأهيل المهني، وضمان مبادئ قانون الصحة الحكومي، والجسر على الفوارق الصحية ومنع تآكل السلة الصحية. بالاضافة إلى تسيير تقاعد إجباري لكل العاملين.
وترى "ياحد" في إسرائيل دولة الشعب اليهودي، ودولة ديمقراطية ومتعددة الثقافات تحيا فيها أقلية قومية عربية. وينعكس هذا التوجه في مطلب توفير الحرية لمجموعات الهوية المختلفة في بلورة ثقافاتها من خلال الحفاظ على قيمة الانسان كأساس مشترك. ويأتي في البنود المؤسسة لـ "ياحد" بند "جريء" قياسًا بالاجماع في الدولة بشأن التربية والتعليم، ينص على: "يمكن لكل واحدة من المجموعات الثقافية إنشاء جهاز تربوي منفصل من خلال الحرص على لُب مشترك للتربية على أسس القيم الانسانية والتسامح واحترام الآخر". هذا بالاضافة إلى إدراج الأعياد العربية في أجندة الدولة وتوسيع استخدام اللغة العربية وتدريسها في المدارس. وتسعى "ياحد" نحو تسيير الزواج المدني وزواج مثليي الجنس.
وفي مجال حقوق الانسان تنادي "ياحد" بالدفاع عن حقوق الانسان الكونية كركيزة مجتمعية أساس، ومن ضمن ذلك الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والحقوق الجمعيّة، بالاضافة إلى تأسيس وثيقة حقوق إنسان لدولة إسرائيل وإلغاء حالة الطوارئ. كما تولي "ياحد" اهتمامًا خاصًا بالنظام والحكم وبالتربية والتعليم وبجودة البيئة.