تحليلات إسرائيلية: فوز السيسي بشرى جيدة لإسرائيل وتوجس في الجانب الأمني

أحزاب وحركات سياسية

شارون – كما يرتسم في الصحافة العبرية – يخوض الان معركة البقاء في السلطة، ويخشى اكثر من ذي قبل من ان ساعته السياسية تتناقص، وليس هناك ما يطمئنه بأنه لن يحصل على المزيد من الفضائح في حزبه، ما دامت طالته شخصيا..

أسعد تلحمي:
كان الهجوم المنفلت الذي شنه رئيس الحكومة الاسرائيلية وزعيم "الليكود" ارئيل شارون على زعيم "العمل" عمرام متسناع (الخميس 9 يناير) بحجة وقوفه وراء نشر فضيحة تورطه المالي سببا كافيا لكي يتيقن الجميع بأن شارون قد يتصرف فيما تبقى من ايام على المعركة الانتخابية (28 الجاري) وبعدها ايضا – خصوصا في حال تكليفه بتشكيل الحكومة القادمة – "كالذئب الجريح"، بلغة احد المعلقين في الشؤون الحزبية، "..ويورّط اسرائيل في اعمال مفاجئة وخطيرة مثل التعرض لحياة الرئيس الفلسطيني بقذيفة عشوائية" (يوئيل ماركوس، "هآرتس" 10 يناير).

في اليوم التالي على مؤتمره الصحفي، انشغلت وسائل الاعلام العبرية بخطاب شارون وما حدث له بعد ذلك حيث كتم القاضي مئير حيشين رئيس لجنة الانتخابات المركزية صوته في وسائل الاعلام الالكترونية مباشرة على الهواء، بعد ان حوّله الى دعاية انتخابية يحظرها القانون.

جاء شارون الى مؤتمره الصحفي مضطرا للرد على ما نشرته "هارتس" (7 يناير) حول تلقيه قبل اربع سنوات مساعدة مالية ضخمة من صديق له من جنوب افريقيا، وقد كان طبيعيا فقط ان يبدأ خطابه بهجوم غير مسبوق في حدته على عمرام متسناع ووسائل الاعلام العبرية "التي افترت عليّ بهدف الاطاحة برئيس حكومة". تواصل كلام شارون على الهواء قرابة عشر دقائق، وقبل ان يبدأ "تفنيد" التهم والشبهات ضده، في هذه اللحظة بالذات انقطع الصوت واعلنت المحطات المضيفة انها تلقت امرا بوقف البث "لاعتقاد القاضي حيشين ان شارون استغل خطابه لأغراض انتخابية".

ومع ان وقف البث يعد مساساً بهيبة رئيس الحكومة.. "الذي تصرّف كمحترف حزبي صغير" حسب تعبير احد اقطاب "العمل"، فقد نقلت الاذاعة العبرية عن مقربين من شارون ارتياحه للخطوة التي قام بها حيشين رئيس لجنة الانتخابات، فقد مكّنته دقائق البث الاولى من توصيل رسالته الى انصار حزبه وبالتحديد من غادره منهم على خلفية النشر المكثف عن ملفات الفساد في "الليكود". اتاحت خطوة حيشين لرئيس الوزراء الاسرائيلي فرصة نادرة لمهاجمة خصمه زعيم "العمل" ومخاطبة غرائز ومخاوف انصار اليمين وحزبه برأسهم من مشروع متسناع السياسي القائم على استئناف الحوار مع الفلسطينيين.

لكن النتيجة الاهم لما حصل، بالنسبة لاقطاب حزب السلطة، تتصل بانشغال الرأي العام الاسرائيلي ووسائل الاعلام بوقف البث المباشر وليس بالقضية الجوهرية – الشبهات المنسوبة لشارون وولديه، وهذا يعني ان شارون نجح ثانية في محاولاته صرف انظار الاسرائيليين عن القضايا الملتهبة، مؤسسا على مثلها استراتيجيته الانتخابية منذ اكثر من شهر على انفضاح سيرة صفقات الكراسي في قائمة "الليكود"، وضلوع عناصر ذات سوابق جنائية بالانتخابات الداخلية في الحزب على نحو ادى الى تهاويه في استطلاعات الرأي العام وخسارته المقاعد العشرة على مدار هذه المدة.

المسؤولون عن حملة "الليكود" الانتخابية يعولون على مواصلة انشغال الاعلام العبري بما يسمونه "إسكات شارون" وتظاهره كضحية لإعلامٍ معادٍ يرمي بمتابعة ملفات الفساد في حزب السلطة الى اطاحة الحزب وزعيمه من الحكم. هذا ما نوه اليه ايضا صحافيون بارزون عندما كتبوا ان شارون تعمد الاستغراق في مهاجمة "العمل" لدقائق طويلة متوقعا ان يقوم القاضي حيشين بقطع بث خطابه، ما يعفيه من التأتأة في تفنيد الشبهات المنسوبة اليه. "شارون لا يملك ردودا مقنعة على الشبهات – يكتب يوسي فرتر في "هارتس" 10 يناير – لذا فتح النار في كل الاتجاهات، نحو متسناع ونحو الاعلام. لكنه تعمد او نسي ان يفعل شيئا واحدا: ان يتقدم بالرد على التهم". نجح شارون في تأجيج "نزعة التآمر كما يقول فرتر في اذهان الرأي العام المناصر له، كأنه يدعوهم الى المشاركة في التصدي لـ "مؤامرة اليسار والاعلام"، والتجند في المعركة لتحقيق النصر لـ "الليكود".

في اليوم التالي على المؤتمر الصحفي، وتوصلت تعليقات الصحفيين في الصحف العبرية اليومية، الى ان شارون أحيا شارون القديم الذي سيدوس كل من يعترض طريقه الى كرسي رئاسة الحكومة، وفي خطابه الاخير هذا تجرد تماما من لباس "الرجل المتزن والجد الطيب الحريص على مصالح وامن الاسرائيليين". حتى ان سيمه كدمون كتبت ان "الخجل انتابها نيابة عن شارون عندما رأته هستيريّاً وعدوانيا بلا سبب"، يتملص من الرد على الاسئلة التي كانت السبب في كل خطابه. "شارون – تقول كدمون – الذي جهد الى ما قبل اسبوع لتوحيد صفوف الاسرائيليين، ظهر في المؤتمر الصحفي محرضا كبيرا وانضم الى مجموعة اسلافه الذين وقعوا في الخطأ نفسه (...) يبدو ان شارون، الذي جاء الى المؤتمر الصحفي الخاص لرأب الصدع في صدقيته ولانقاذ سمعته وترميم صورته، خسر كرسيه".

مع هذه النتيجة يتفق ايضا ناحوم برنياع كبير معلقي "يديعوت احرونوت"، الذي كتب يقول (10 يناير) ان شارون "عاد الى البيت، الى عشيرته، الى النواة الصلبة لحزبه، وقد فعل ذلك بعد ان تأكد له الا مفر من العربدة على ارضية الهبوط المفزع في شعبية الليكود".

بقيت مسألة اغلاق المايكروفون على الهواء.. ناحوم برنياع يعتبر ذلك "حدثا تاريخيا"، ويقول ان شارون كان بحاجة الى شخص يصب جام غضبه عليه ويتهمه بالمسؤولية عن المصائب التي حلت بحزبه، فوجد متسناع عنوانا مريحا. وعندما فعل ذلك – عامدا ام منجرفا - تجاوز قانون الدعاية الانتخابية، ما خلق "سكتة المايكروفون".

السطر الاخير: شارون – كما يرتسم في صحافة العبرية – يخوض الان معركة البقاء، ويخشى اكثر من ذي قبل من ان ساعته السياسية تتناقص، وليس هناك ما يطمئنه بأنه لن نحصل على المزيد من الفضائح في حزبه، ما دامت طالته شخصيا.