إسرائيل: فياض اتفق سرا مع أميركا على اعترافها بدولة فلسطينية مستقلة

وثائق وتقارير

توقعات متطابقة تؤكد أن الاقتصاد الإسرائيلي سيتأثر في هذه الحرب بشكل أكبر من تأثره إبان حرب لبنان الثانية في العام 2006، وذلك على ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم هذه الأيام وتأثر إسرائيل بهذه الأزمة إلى حدّ كبير/ تقرير خاص

 

 كتب قاسم أبو الهيجـاء:

 يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تأثير إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على حياة السكان في البلدات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع. ومع بدء عدوان الجيش الإسرائيلي على سكان القطاع زادت حدة إطلاق الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية بدرجة كبيرة. وقد تمكنت الفصائل الفلسطينية من قصف مدن إسرائيلية لم تتأثر بالسابق من هذه الضربات مثل بئر السبع، المدينة الرابعة في إسرائيل ومدن أخرى مثل أسدود وعسقلان (أشكلون).

 

ولقد أدى ذلك إلى وضع ما يقارب 750 ألف مواطن إسرائيلي تحت مرمى الصواريخ وإلى شل الحركة في الجنوب الإسرائيلي المحاذي لقطاع غزة. وهذا المشهد يُذكرنا الى حدٍ ما بتأثير إطلاق الصواريخ على الشمال الإسرائيلي خلال حرب تموز 2006.

 

إن سقوط الصواريخ يؤثر على سكان منطقة النقب الغربية من عدة نواح، مثل الناحية النفسية والناحية الاقتصادية. فمنذ إطلاق أول صاروخ بتاريخ 16 نيسان 2001 ولغاية نهاية سنة 2008 سقط ما يزيد عن 3200 صاروخ على مستوطنات النقب الغربية، بالإضافة إلى المئات من القذائف الصاروخية الأقل تأثيراً. وتشير الأبحاث الإسرائيلية إلى أن لهذه الصواريخ تأثيرات ذات وقع كبير على الحالة النفسية لسكان الجنوب الاسرائيلي وخاصةً سكان مدينة سديروت، المدينة الأكثر تضرراً من سقوط الصواريخ. وقد تطرّق أحد الأبحاث المتعلقة بموضوع تأثير سقوط الصواريخ على نفسية سكان المنطقة الى وجود نسبة إصابات مباشرة أو مشاكل نفسية لدى سكان سديروت جراء سقوط الصواريخ على المدينة. والمقصود البحث الذي تم إجراؤه من قِبَل جمعية "نتـال" المتخصصة في تقديم المساعدات النفسية لمصابي الصدمة، اليهود، جراء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

 

يقول التقرير، الذي تم نشره قبل ما يقارب الشهر ونصف الشهر في مؤتمر "طب الطوارئ" في جامعة بن غوريون في مدينة بئر السبع، إن 8ر55% من سكان مدينة سديروت كانوا عرضة لإصابة مباشرة أو إصابة نفسية جراء سقوط الصواريخ الفلسطينية الموجهة من قطاع غزة. كما أن نسبة 4ر28% من هؤلاء المصابين واجهوا اضطرابات نفسية بعد تلقي الصدمة الأولى، ما أثر على أدائهم في مجال العمل وفي حياتهم العادية. بالإضافة، يشير التقرير الذي تم عرضه من قبل الدكتور روني بيرغر، مدير الخدمات المجتمعية في الجمعية، إلى أن 1ر90% من سكان سديروت قد رأوا سقوط صاروخ أو سمعوا صوته، فيما أن نسبة 3ر65% من السكان يعرفون شخصاَ أو عدة أشخاص أصيبوا إصابة مباشرة بسبب سقوط الصواريخ، فيما قال 4ر48% من سكان المدينة إنهم يعرفون شخصا أو عدة أشخاص لقوا حتفهم جراء قصف المدينة بالصواريخ.

 

كما يشير البحث الى أن نسبة التأثر الأكبر موجودة لدى الأطفال والفتيان دون سن الثامنة عشرة. حيث أن نسبة الراشدين في أعمار 12- 14 سنة الذين يعانون من اضطرابات نفسية قاربت 87%، فيما يعاني 6ر33% من الفتيان من سن 13 الى سن 18 من مشاكل تعليمية نُسبت أسبابها الى الضربات الصاروخية الفلسطينية.

 

هذه النتيجة أُكدها أيضاً أحد الأبحاث التي أجريت خلال العام 2007 خلال فترة ارتفاع حدة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة في فترة الصيف. وقد تم إجراؤه كعمل مشترك بين البروفسور جولان شاحر من جامعة بئر السبع والبروفسور كريستوفر هينريش من جامعة جورجيا الأميركية. وأشار إلى وجود علاقة قوية بين مدى شدة الضربات الصاروخية على مستوطنات النقب الغربية وتأثيرها على الحالة النفسية للأولاد القاطنين في هذه المستوطنات.

 

وأدى التصعيد الأمني في قطاع غزة ومنطقة النقب الغربية في هذه الفترة إلى حدوث اضطرابات ومضاعفات نفسية لدى عدد كبير من الأولاد في المناطق الشمالية لإسرائيل وخاصةً الأولاد الذين عايشوا حرب لبنان الثانية وذاقوا مرارتها. فقد أشار الموقع الالكتروني لمستشفى "زيف" في صفد إلى أن قسم العناية بالصدمات النفسية بدأ بتلقي توجهات بوتيرة أعلى منذ بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. وأغلب التوجهات هي من أهالٍ لأولاد عولجوا أو ما زالوا يتلقون العلاج في القسم، وذلك بسبب تأثرهم نفسياً جراء قصف الشمال الإسرائيلي خلال حرب تموز 2006.

 

أمّا الجانب الآخر لتأثير سقوط الصواريخ الفلسطينية على مدن ومستوطنات الجنوب الإسرائيلية فيشمل الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة جراء سقوط هذه الصواريخ.

 

إن الخسائر المباشرة هي التكلفة المادية للحرب وجراء سقوط الصواريخ على الأماكن السكنية واضطرار الدولة الى توفير الدعم المالي اللازم لتصليح الأضرار. أما الخسائر غير المباشرة فهي التكلفة المدنية للحرب والتي تشمل خسائر المصانع والمصالح التجارية المتضررة من الحرب وهي في العادة تكون مُكلفة أكثر من الخسائر الاقتصادية المباشرة. على سبيل المثال فإن إصابة قصف صاروخي لمبنى سكني يُعتبر ضمن الخسائر الاقتصادية المباشرة، أما إغلاق مصنع بسبب الظروف الأمنية فيعتبر في عداد الخسائر الاقتصادية غير المباشرة.

 

وتشير التقارير الواردة من مؤسسة التأمين الوطني ومن سلطة الضرائب إلى أن الخسائر الاقتصادية غير المباشرة، نتيجة حرب لبنان الثانية، فاقت الثلاثة مليارات شيكل، فيما بلغ إجمالي الخسائر المباشرة جراء سقوط الصواريخ التي أطلقها حزب الله على الأماكن السكنية نصف مليار شيكل.

 

وتقدّر الخسائر التي ستتكبدها الدولة في الجنوب بمئات الملايين من الشواقل وذلك بصورة طردية مع استمرار مدة الحرب. فقد قررت الحكومة الإسرائيلية زيادة رقعة البلدات المتضررة من هجمات الصواريخ من مدى 7 كم إلى مدى 20 كم، عن قطاع غزة. هذا القرار وصفه مدير سلطة الضرائب الإسرائيلية، مطلع الأسبوع الفائت، بأنه قرار مُكلف جداً لخزينة الدولة، إذ تُقدر سلطة الضرائب الإسرائيلية أن المصانع والمصالح التجارية الواقعة في هذا المدى ذات دخل سنوي يصل الى 50 مليار شيكل، وأن التقديرات تشير الى أن خزينة الدولة سوف تتكفل بدفع مئات الملايين من الشواقل كتعويض لهذه المصالح بسبب انخفاض الدخل لديها جراء الحرب في قطاع غزة وازدياد سقوط الصواريخ على النقب الغربي.

 

تكمن إحدى المشاكل التي تؤرق موظفي وزارة المالية الإسرائيلية، بحسب تقارير الوزارة، في فقدان نسبة من إجمالي الدخل القومي بسبب تجنيد عدد كبير من العمال والموظفين اليهود الى وحدات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي. ففقدان نسبة 1% من إجمالي الدخل القومي لهذه السنة بحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية يعني خسائر تُقدر بسبعة مليارات شيكل وهو مبلغ هائل على ضوء الأوضاع الاقتصادية المتردية والأزمات المالية التي تعصف بالعالم هذه الفترة. في حرب تموز 2006 كانت إسرائيل تتمتع بازدهار ونمو اقتصادي عالٍ ولذلك لم تتأثر خزينة الدولة بشكل كبير جراء الخسائر في الدخل القومي والتي نبعت من الحرب. كما أن ميزانية الدولة لهذه السنة والتي أقرها الكنيست الإسرائيلي تنطوي على عجز في الميزانية بسبب زيادة النفقات الأمنية من جهة والتوقعات بتقليص نسبة جباية الضرائب، من جهة أخرى. وإذا ما أضفنا الخسائر المباشرة وغير المباشرة جراء الحرب على قطاع غزة ينتج أن هذه السنة ستحمل في طياتها مشاكل هائلة للاقتصاد الإسرائيلي. بالمقارنة، نعمت الدولة خلال حرب لبنان الثانية من فائض كبير في الميزانية ومن نسبة جباية ضرائب ونمو اقتصادي منقطعي النظير.

 

تشير التقارير التي نشرت من قِبَل مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية إلى أن تكلفة اليوم الواحد لجندي الاحتياط يعادل 450 شيكل. هذه التكلفة لا تشمل المصاريف الأخرى المتعلقة بفترة التجنيد الاحتياطي مثل الغذاء، السكن وغيرهما من المصاريف. هذا المبلغ هو الذي يدفع للجنود مقابل كل يوم تغيبوا فيه عن مكان عملهم والذي تلتزم مؤسسة التأمين الوطني بتغطيته. ولذا فتجنيد 10 آلاف جندي في الاحتياط سيكلف مؤسسة التأمين الوطني 5ر4 مليون شيكل يومياً كتعويضات لهم أو لأماكن عملهم بسبب التجنيد.

 

بلغ عدد الصواريخ الفلسطينية التي سقطت على مدن ومناطق النقب الغربي في الأسبوعين الأولين من عملية "الرصاص المسبوك" حوالي 480 صاروخا. وبالإضافة الى الخسائر في الأرواح والإصابات التي كانت نتيجة لسقوط هذه الصواريخ، فقد تضررت الممتلكات أيضاً بدرجة كبيرة جداً. وبحسب إحصائيات ضريبة الأملاك المختصة بتقدير مدى الأضرار المادية بالممتلكات جراء سقوط الصواريخ، فإن موظفي ضريبة الأملاك عالجوا في الأسبوع الأول من العملية العسكرية ما يقارب الـ 390 حالة إصابة للمباني بسبب سقوط الصواريخ وأدت الى تضررها بشكل مباشر. ويبين التقرير، الذي نشر في الموقع الالكتروني الخاص بسلطة الضرائب الإسرائيلية، أن الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة أدت في الأسبوع الأول الى تدمير 94 سيارة وكذلك الى حدوث أضرار في 18 من المرافق الزراعية في مستوطنات الجنوب المحاذية لقطاع غزة. هذه الأضرار والخسائر المادية يعتبرها البعض عبارة عن تقديرات للخسائر المادية لمكان سقوط الصواريخ فقط. فعلى سبيل المثال اعتبر رئيس اتحاد الزراعيين الإسرائيليين، دوف أميتاي، أن التكلفة الإجمالية للخسائر التي تكبدها مجال الزراعة في جنوب البلاد جراء سقوط الصواريخ منذ العام 2001 وصلت الى نصف مليار شيكل. ويشمل هذا المبلغ، بحسب اتحاد الزراعيين، العديد من الخسائر غير المباشرة من سقوط الصواريخ، مثل عدم المقدرة على تنفيذ الالتزامات تجاه كميات المنتوجات الزراعية المصدرة مما أدى الى الغاء الكثير من الاتفاقيات الزراعية مع أصحاب هذه المرافق الزراعية وبالتالي إلى زيادة نسبة الخسائر في هذا المجال.

 

ويتحدث رجالات الاقتصاد الإسرائيلي عن خسائر مالية قد تصل الى 10 مليارات شيكل، وذلك في حال أن الحرب استمرت قرابة الشهر. وتشير التقديرات الاقتصادية إلى أن التكلفة اليومية للحرب قد تصل الى 130 مليون شيكل في اليوم وتشمل تجنيد الاحتياط وتكلفة العتاد العسكري. وتشير مصادر أخرى إلى أن التكلفة العسكرية للشهر الأول ستصل إلى 5ر5 مليار شيكل، أما باقي التكلفة وهي 5ر4 مليار شيكل فهي عبارة عن التعويضات المباشرة وغير المباشرة التي سيتم دفعها الى سكان المناطق الجنوبية المتضررين من جراء قصف تجمعاتهم السكانية. وينقسم هذا المبلغ إلى مليار شيكل تكلفة الخسائر المباشرة التي سيتم دفعها للسكان جراء تضرر أماكن سكنهم وممتلكاتهم، فيما سيتم دفع 5ر3 مليار شيكل كتعويضات جراء فقدان الدخل لدى مئات الالاف من سكان الجنوب الاسرائيلي.

 

من جهة أخرى لا بُدّ من القول إن الاقتصاد الإسرائيلي سيتأثر في هذه الحرب بشكل أكبر من تأثره إبان حرب لبنان الثانية في العام 2006، نتيجةً للتكلفتين العسكرية والمدنية للحرب، وذلك على ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم هذه الأيام وارتباط إسرائيل بهذه الأزمة وتأثرها بها، إلى درجة كبيرة.