أوهام امريكية في الطريق الى العقبة

وثائق وتقارير

هذا ما أكده أستاذ علم الاجتماع السياسي، البروفسور داني رابينوفيتش، في مقابلة خاصة مع "المشهد الإسرائيلي" وأضاف: هناك عدد كبير من الأشخاص في القيادة الإسرائيلية يريدون أن تكون هناك دمية في الجانب الآخر. من جهة يريدون زعيما دمية، ومن جهة أخرى يريدون زعيما دمية يكون قادرا على إقناع الشعب الفلسطيني أن الوضع جدي للغاية وأنه يمثل مصالح الفلسطينيين، وهذه معادلة لا يمكن أن تتحقق

 

 كتب بلال ضاهر:

 يبدو أن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين حول قضايا الحل الدائم، التي انطلقت في مؤتمر أنابوليس في تشرين الثاني الماضي، لا تتقدم البتة. كما أن اللقاءات بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، لم تعد ناجعة ولا تؤدي إلى أي تقدم في المفاوضات. وأعلنت إسرائيل، أول من أمس الأحد (6/7/2008)، أن أولمرت وعباس سيلتقيان على هامش مؤتمر تأسيس اتحاد دول البحر المتوسط في باريس، الأسبوع المقبل، ومبرر اللقاء هو مشاركتهما في المؤتمر وتواجدهما في مكان واحد، ليس أكثر. وأصبح أولمرت منشغلا في هذه الاثناء في مصيره السياسي، بعد فتح تحقيق جنائي ضده بشبهة حصوله على أموال من المليونير الأميركي اليهودي، موريس تالانسكي، بصورة منافية للقانون، فيما ينشغل بقية السياسيين الإسرائيليين في احتمالات تقديم موعد الانتخابات العامة، أو تشكيل حكومة جديدة من دون إجراء انتخابات. وعلى ما يبدو فإن هذه الأجواء تملي على السياسيين الإسرائيليين، في التحالف الحكومي وخارجه، شكل أدائهم وتصريحاتهم.

 

وربما ينتج عن كل ذلك أن المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، في عهد الحكومة الإسرائيلية الحالية، قد وصلت إلى نهايتها. ورأى المحاضر الجامعي في موضوع علم الاجتماع السياسي، البروفسور داني رابينوفيتش، في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي"، أنه "ربما لم تصل المفاوضات إلى نهايتها، لأنها تخدم مصالح سياسية داخلية لدى قيادتي الجانبين. لكن هذا لا يعني أن هذه المفاوضات ستكون ناجعة. فالسبب الحقيقي لمواصلة المفاوضات الآن ليس وجود أفق للتقدم وإنما لأن كلا القيادتين بحاجة لوجود هذه المفاوضات من دون أن تكون هناك نتائج لها. وأعتقد أيضا أن احتمال التوصل لنتائج من هذه المفاوضات هو ضئيل للغاية".

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل المفاوضات مستمرة بسبب ضغوط من الإدارة الأميركية أيضا؟

 

- رابينوفيتش: "أنا لا ألاحظ وجود ضغوط أميركية غير اعتيادية. وأعتقد أن الأميركيين أنفسهم، وعلى الأقل في هذه الفترة، ليس لديهم محفز معين، ولا يوجد أفق سياسي لتقدم المفاوضات، كما أني لا ألاحظ وجود إصرار أميركي على دفع المفاوضات. والأمور في هذا السياق تتعلق باعتبارات داخلية لدى كل طرف، وهذه الاعتبارات موجودة لدى أولمرت بكل تأكيد، وربما لدى أبو مازن، لأن المفاوضات تضيف مضمونا معينا لحكمه".

 

(*) أنت تقول إن العملية السياسية عالقة من الناحية الفعلية؟

 

- رابينوفيتش: "نعم. أعتقد أن العملية السياسية أصبحت عالقة الآن. وهذا مرتبط بأمور كثيرة. فالصراع لم يولد أمس وهو معقد جدا ولن ينتهي هذا الصراع غدا. لكن لدى كلا القيادتين مصلحة في مواصلة المفاوضات وإظهار أن ثمة أفقا لها".

 

(*) هل هذا يعني أننا سنضطر في هذا الوضع إلى انتظار تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل، سواء من خلال انتخابات أو من دون انتخابات؟

 

- رابينوفيتش: "أعتقد أن الأمر هو على هذا النحو، وهذا هو الاستنتاج الوحيد الذي بالإمكان التوصل إليه. ولا خيار أمامنا سوى انتظار أيام أفضل. وأن تجري تغييرات داخلية في إسرائيل وفلسطين".

 

(*) لماذا أصبحت المفاوضات عالقة، هل لأن الرئيس عباس هو رجل سلام، وإسرائيل ليست مهتمة ولا تكترث بأن المفاوضات عالقة من ناحية مصلحتها القومية؟

 

- رابينوفيتش: "إسرائيل تفتقر، منذ وقت طويل، إلى قيادة تكون مستعدة للنظر إلى الواقع بالشكل الصحيح والقيام بما يتوجب القيام به. ونحن ما زلنا موجودين في فترة ما بعد أوسلو. والضرر الذي تسبب به (رئيس الحكومة الأسبق ووزير الدفاع الحالي) إيهود باراك، عندما نجح في إقناع نفسه وغالبية الشعب في إسرائيل بأنه لا يوجد شريك للسلام في الجانب الآخر، ما زال مؤثرا عندنا. وتغيير موقف معظم اليهود حيال وجود شريك فلسطيني أو عدم وجود شريك كهذا لم يحدث بعد لأسفي. وما زالت المفاوضات تجري في فراغ. وما زال النموذج الإسرائيلي، كما عرّفه (رئيس الحكومة السابق، أريئيل) شارون، بعد باراك، هو تنفيذ خطوات أحادية الجانب. أي حل مشاكل وقضايا وكأنه لا يوجد أحد في الجانب الثاني. هذا، برأيي، هو السبب العميق لعدم وجود استعداد سياسي حقيقي لدى الجانب الإسرائيلي للتقدم في المفاوضات. إضافة إلى ذلك فإن التطورات الداخلية داخل المجتمع الفلسطيني والحلبة السياسية الفلسطينية لا تساعد أيضا على حدوث تقدم. وفي إسرائيل يعتبرون عباس زعيما ضعيفا وليس في وضع يمكنه من طرح إمكانية للتقدم في المفاوضات. وهذا يرتبط بالشعور في إسرائيل بأن ثمة فراغا في الجانب الفلسطيني. وكل هذا يخلق وضعا ينطوي على إشكالية كبيرة جدا".

 

(*) يوجد انطباع أن إسرائيل تسعى لمنع حدوث مصالحة بين فتح وحماس. هل توجد مصلحة كهذه لإسرائيل؟

 

- رابينوفيتش: "أعتقد أن هناك تفكيرا دائما في هذا الاتجاه خصوصا في جهاز الأمن الإسرائيلي، لكن هذا التوجه يتغلغل أيضا بين فئات أخرى. وهذا التوجه يقول إن لإسرائيل مصلحة بوجود فرقة وأجواء متوترة وحتى نشوب حرب أهلية داخل المجتمع الإسرائيلي. وأنا بالطبع أعتقد أن هذا خطأ مأساوي ترتكبه إسرائيل إذا كان هناك تفكير كهذا. لست واثقا من أن هذه هي السياسة. لكني قرأت اليوم (أمس الاثنين) في هآرتس أن إسرائيل تسعى لهدم شبكة الجمعيات الخيرية التابعة لحماس في الضفة الغربية. ويبدو لي أن هذه الخطوة تندرج في إطار التصرف غير المسؤول من جانب إسرائيل، المتمثل في محاولة فرض ما يجب أن يكون في الجانب الآخر وكيف يكون الجانب الآخر ومن يقوده. ونحن نرى هذا التوجه منذ ثلاثين أو أربعين عاما، منذ الفترة التي كانت إسرائيل تقيل خلالها رئيس بلدية في الضفة ومرورا بروابط القرى وحتى المحاولات الأخرى للتدخل في البنية السياسية لدى الفلسطينيين. هذه خطوات غير صحيحة وغير بناءة".

 

(*) هل خلاصة القول هي أن إسرائيل ليست مهتمة بحل الصراع؟

 

- رابينوفيتش: "لا أعرف إذا كان صائبا وضع الأمور بهذا الشكل، لكني لا أعتقد أنها ليست مهتمة وإنما القيادة والجمهور في إسرائيل ما زالا غير مستعدين لدفع ثمن حل الصراع. وما زالت إسرائيل غير مستعدة لمواجهة تعقيدات الصراع. هناك الكثيرون في البلاد وفي القيادة الإسرائيلية من الذين لا مصلحة لديهم باستمرار الصراع. وهؤلاء يريدون حل الصراع. لكن تفكير هؤلاء يتجه نحو خطوات أحادية الجانب أو انتظار الشريك الذي نرغب به في الجانب الآخر".

 

(*) ما هي طبيعة شريك فلسطيني كهذا؟ هل تريد إسرائيل أن يكون هناك زعيم فلسطيني يتنازل عن حق العودة، مثلا؟ هل زعيم كهذا سيعتبر "شريكا حقيقيا"؟

 

- رابينوفيتش: "لا أعتقد أن على إسرائيل الانشغال بمسألة كهذه وليس من حقها تحديد طبيعة القيادة في الجانب الفلسطيني، وإسرائيل مخطئة عندما تفعل ذلك. وأعتقد أن الإسرائيليين يريدون زعيما فلسطينيا كالذي وصفته، وأن يتنازل عن حق العودة مثلا. إنهم يريدون أحدا ما يكون مريحا لإسرائيل وأن يوافق على المواقف الإسرائيلية وأحيانا حتى على الإملاءات الإسرائيلية. وأعتقد أن هناك عددا كبيرا من الأشخاص في القيادة الإسرائيلية يريدون أن تكون هناك دمية في الجانب الآخر. من جهة يريدون زعيما دمية، ومن جهة أخرى يريدون زعيما دمية يكون قادرا على إقناع الشعب الفلسطيني أن الوضع جدي للغاية وأنه يمثل مصالح الفلسطينيين. وهذه معادلة لا يمكن أن تتحقق. وهذا تناقض داخلي تخلقه إسرائيل. ولذلك فإني أعتبر هذا التوقع الإسرائيلي هو الجذور العميقة لعدم وجود مخرج للوضع الذي نتواجد فيه الآن".

 

 

الغريزة الأمنية الإسرائيلية- العامل الأساس الذي يحدد العلاقات مع العرب في الداخل

 

 

(*) بالنسبة للوضع داخل إسرائيل. كيف ترى العلاقات بين اليهود والعرب، ونشعر مؤخرا بوجود تحريض كبير جدا ضد المواطنين العرب في إسرائيل، بما في ذلك القوانين التي سنها الكنيست مؤخرا، مثل قانون منع لم شمل العائلات التي فيها أحد الزوجين فلسطيني، وقانون منع ترشيح من زار "دولة معادية" وغير ذلك؟

 

- رابينوفيتش: "هذه فترة ليست جيدة في كل ما يتعلق بالعلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل. وما نراه من قوانين تم سنها مؤخرا تشير إلى تعزّز الغريزة الأمنية الإسرائيلية لتحديد العلاقات بين الأغلبية والأقلية بمصطلحات سيطرة وإشراف لا بمصطلحات دمج وانفتاح وتعاون، أي ليس بمصطلحات مدنية، وإلى أن هذه الغريزة ما زالت العامل الأساس الذي يحدد العلاقات. لقد كنت الأسبوع الماضي في مؤتمر قيسارية في إيلات. وقد تم استعراض تقارير اقتصادية- اجتماعية هناك، تركت جميع الحضور مندهشين من معطياتها في مجال الرفاه والتعليم، وهي مجالات تتوقع أن تحصل الشرائح السكانية الضعيفة على أكبر حصة من الدولة، لكن تبين أو الوضع معاكس. فقد تبين من المعطيات أن الشرائح الاجتماعية القوية والثرية تحصل من الدولة على حصة أكبر، وتحديدا في مجالي الرفاه والتعليم ولا نتحدث هنا عن مجالات أخرى. ورغم أن المعطيات لم تتطرق لليهود والعرب وإنما كانت عامة، لكننا نعرف تماما أن معظم المواطنين العرب ينتمون إلى الشرائح الضعيفة. ففي مدينة مثل هرتسليا ومدينة مثل رمات هشارون يتم الاستثمار في كل إنسان هناك في مجال الرفاه أعلى بكثير مما هي الحال في مدينة مثل أم الفحم أو في مدينة مثل بني براك (ذات الأغلبية اليهودية المتدينة والفقيرة). وسبب ذلك يعود إلى طريقة رصد الميزانيات للسلطات المحلية. وأعتقد أنه حتى إذا لم يكن هنا شيء مباشر موجها ضد العرب، فإن العرب هم الضحايا المباشرون لهذه السياسة. إن هذا الوضع هو مؤشر إلى عدم وجود تفكير، ومنع العرب من الشعور أنهم مواطنون شركاء، وأنه يتم رصد الموارد بشكل يحكم السيطرة على العرب. وهذا خيار تاريخي للأغلبية اليهودية بأن تسيطر على الأقلية العربية. هذا الوضع يخلق شعورا بالإحباط والاغتراب السياسي لدى العرب".