إسرائيل إذ "تخونها" قوتها

وثائق وتقارير

هذا ما أكده مدير عام مركز عدالة القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، المحامي حسن جبارين، للمشهد الإسرائيلي مضيفًا أن ملف النقب هو أخطر الملفات التي يواجهها الفلسطينيون في إسرائيل في الوقت الحالي، وهو مشابه لما كانت عليه الحال في الخمسينيات

 كتب بلال ضاهر:

 صادفت في مطلع شهر تشرين الأول الحالي الذكرى السنوية الثامنة لهبة أكتوبر في العام 2000، عندما اندلعت المواجهات بين مواطنين عرب وقوات الشرطة الإسرائيلية وأسفرت عن استشهاد 13 مواطنا عربيا برصاص الشرطة وإصابة عشرات آخرين. كذلك مرت في هذه المناسبة خمس سنوات على صدور تقرير لجنة التحقيق الرسمية التي تم تشكيلها في أعقاب هبة أكتوبر، لجنة أور، بعد ضغط الشارع العربي في إسرائيل على رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، إيهود باراك. ورغم الانتقادات الشديدة التي وجهتها لجنة أور لجهاز الشرطة، وتأكيدها على أنه جهاز يحمل أفراده أفكارا عنصرية ضد العرب إلا أن ممارسات الشرطة لم تتغير عن نهجها السابق.

 

وقال مدير عام مركز "عدالة" القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، المحامي حسن جبارين، في حديث لـ "المشهد الإسرائيلي"، ملخصا ما تم عمله في السنوات الماضية في ملف أكتوبر 2000، إنه "خضنا في السنوات السبع الماضية نضالاً قانونيا وجماهيريا. فيما يتعلق بالنضال القانوني، فقد بدأ بمعارضة لجنة فحص اقترح رئيس الحكومة في حينه، باراك، تشكيلها، وبعدها تم تشكيل لجنة تحقيق رسمية، هي لجنة أور، وبعد ذلك نقدنا قسما من القرارات وطالبنا بتطبيق بعضها الآخر. ثم جاء قرار قسم التحقيقات مع أفراد الشرطة التابع لوزارة العدل (ماحش)، الذي رفض محاكمة أفراد شرطة إسرائيليين ضالعين في قتل الشبان ال13 في هبة أكتوبر. وأدى هذا القرار إلى تحرك جماهيري حيث تم إعلان الإضراب العام وجرت مظاهرات. بعد ذلك انتظرنا قرار المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، مناحيم مزوز، بخصوص قرار ماحش، والذي أقره، وعندها أيضا كان هناك تحرك جماهيري من خلال تنظيم مظاهرة كبيرة للجماهير العربية".

 

(*) "المشهد الإسرائيلي": وماذا فعلتم حيال هذه القرارات؟

 

جبارين: "بالنسبة لنا، نحن دخلنا مرحلة جديدة مختلفة عن السابق. في السابق كنا نقوم بردود فعل على قرارات صادرة عن السلطات الإسرائيلية، واليوم تتطلب منا هذه المرحلة أن نكون في وضع نبادر فيه إلى خطوات قانونية، تدعم العمل الجماهيري. وأول قرار كان أننا لن نتقدم باستئناف للمحكمة العليا ضد قرار مزوز. وكان لقرارنا هذا سببان. السبب الأول هو أنه من خلال معرفتنا لقرارات المحكمة العليا نحن نعلم أنها لا تتدخل إجمالا في قرارات المستشار القانوني للحكومة بخصوص تقديم أو عدم تقديم لوائح اتهام. فالمحكمة العليا ترى أن هذا ليس من وظيفتها، وإنما هي تتدخل فقط في حالات شاذة وخاصة. لكن لغاية اليوم لم تتدخل المحكمة العليا بصورة جدية، وحتى في قضية الرئيس الإسرائيلي السابق، موشيه كتساف، وعندما كانت هناك انتقادات شديدة في إسرائيل لصفقة الادعاء التي أبرمها مع النيابة العامة، لم تتدخل المحكمة العليا في نهاية المطاف في هذه الصفقة. لذلك فإن عدم تقديم التماس للمحكمة العليا من جانبنا ضد قرار مزوز هو وجود صعوبة قانونية. السبب الثاني، وهو مرتبط بالسبب الأول، هو سياسي. إذ كانت فرضيتنا تقضي بأنه حتى لو تعاملت المحكمة العليا مع قضية القتل في أكتوبر وقرار مزوز كحالة تقضي تدخل المحكمة بسبب خصوصيتها فإنها كانت ستتدخل في حالة أو حالتين فقط، أي في حالة الشرطيين غاي رايف وراشد مرشد (اللذين يوجد أدلة تعزز ضلوعهما في قتل شبان عرب في أكتوبر وأشارت إليهما لجنة أور بشكل خاص). ففي هذه الحالة كنا سنصل إلى وضع يكون فيه ملف القضية الأوسع قد تفكك واختزل لحالتين فقط من أصل 13 حالة قتل، وثانيا سينظر جهاز القضاء الإسرائيلي إلى نفسه ويبث للخارج أن الإجراء العادل قد تم تنفيذه والجهاز القانوني قام بكل ما يتوقع منه. لذلك كنا واعين لهذا المطب...".

 

(*) ما هو البديل؟

 

جبارين: "دعنا نتحدث عن الصعوبات أولا. هل بالإمكان إحضار إسرائيل أمام محكمة دولية تابعة للأمم المتحدة، مثل المحكمة الدولية الجنائية في لاهاي؟ الجواب هو لا. والسبب الأول هو أن إسرائيل وأميركا وقسما من الدول لم يوقعوا على وثيقة روما، التي تتيح إمكانية تقديم لوائح اتهام ضد مسؤولين في الدول الموقعة عليها إلى المحكمة الجنائية الدولية. هناك حالة شاذة تتمثل بقضية السودان (محاكمة الرئيس السوداني عمر البشير)، لكننا نعلم أنه كانت في هذه الحالة اعتبارات سياسية. ومن ناحية الاعتبارات السياسية يصعب التأثير من أجل محاكمة إسرائيل، ولذلك يصعب المطالبة بتقديم لوائح اتهام ضد أفراد إسرائيليين أمام المحكمة الدولية الجنائية التابعة للأمم المتحدة. لكن هناك إمكانية أخرى. مثلا نحن بصدد تقديم تقرير إلى مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأول المقبل بخصوص إغلاق ملفات التحقيق. وهذا التقرير سيقدم باسم لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، ما يكسب الموضوع بعدا سياسيا وهذه أيضا محاولة لتدويل ملف أكتوبر 2000. وتقديم لجنة المتابعة العليا هذا التقرير يعني أنها تقول لإسرائيل إننا كجماهير عربية طرف في الصراع ولذلك نحن نذهب إلى الخارج".

 

(*) هذا التقرير هو ضد الشرطة الإسرائيلية فقط أم أنه يشمل أيضا قياديين إسرائيليين مثل باراك ووزير الأمن الداخلي لدى وقوع هبة أكتوبر، شلومو بن عامي؟

 

جبارين: "التقرير هو ضد دولة إسرائيل. أي ضد الدولة كدولة وهذا يشمل مؤسساتها مثل الشرطة وماحش ومسؤوليها مثل المستشار القانوني وباراك وبن عامي. ونحن نقول عمليا، من خلال هذا التقرير، إننا طرف في مقابل الدولة، وليس جزءا من الدولة لأننا نتوجه هنا إلى طرف ثالث. وعمليا هذه هي الرسالة السياسية. وبالطبع هناك تهجمات إسرائيلية ضدنا مفادها أن هذا الخيار الذي اخترناه هو خيار متطرف، ليس خوفا من أن يدخل مسؤولون إسرائيليون لسجن دولي، والتقرير لن يؤدي إلى أمر كهذا، لكن ما أثار غضبهم هو الرسالة السياسية من هذه الخطوة. الجانب الآخر هو أننا نجري حاليا تدقيقا في دول أوروبية بشأن إمكانية تقديم دعاوى أمام محاكم هذه الدولة لمحاكمة أفراد إسرائيليين. فهناك دول أوروبية لديها صلاحية كونية مستعدة لمحاكمة مجرمي حرب رغم أنهم ليسوا من مواطنيها، وهذه الدول تكون قد سنت قوانين بهذا الخصوص. وطبعا إحدى الإشكاليات التي نواجهها هي هل جريمة أكتوبر هي جريمة حرب أم لا؟. من الصعب إثبات أنها جريمة حرب. لأن جريمة الحرب، بحسب القانون الدولي، تعني أن عليك أن تثبت أن هناك قتلا منهجيا وليس حالة خاصة وأنه كان هناك قرار من القيادة العليا للدولة وتم توجيهه للشرطة بتنفيذ عمليات قتل. وهذه ليست الحالة لدينا. رغم ذلك فإن قسما من الدول الأوروبية تعطي الإمكانية للنظر في دعاوى إذا كان القتل فيها على خلفية عنصرية. وهذا الجانب من السهل إثباته لأنه حتى لجنة أور قالت في تقريرها إن الشرطة تعاملت مع العرب على أنهم عدو. وهذه ثغرة في إمكاننا الدخول عبرها".

 

(*) عنف الشرطة الإسرائيلية ضد المواطنين العرب ما زال مستمرا. ففي مسيرة العودة في ذكرى النكبة هذا العام هاجمت الشرطة المسيرة واعتدت على متظاهرين.

 

جبارين: "نعم، وهنا قدمنا شكوى على ماحش. واستندت الشكوى إلى 22 شهادة عيان مفصلة ومقاطع مصورة بالفيديو وصور كثيرة صُورت خلال الأحداث، وإلى محاضر المداولات القضائية في إجراءات الاعتقال، وتتناول بالتوصيف لجوء الشرطيين إلى الضرب بالأيدي والهراوات وإلى إطلاق الغاز المُسيّل للدموع والقنابل الصوتية والدخانية تجاه المشاركين في المسيرة من دون تبرير. كما تتناول عنف الشرطيين تجاه الصحافيين والمصورين في محاولة لمنع توثيق الأحداث، وممارسات الشرطيين العنيفة مع المعتقلين، الذين أطلق سراحهم فيما بعد من دون تقديم لوائح اتهام ضدهم. وشمل العنف ضد المشاركين في المسيرة، من ضمن ما شمل، توجيه الضربات والرفس العنيف، الخنق والتهديد بإطلاق الرصاص ورشّ الغاز من مسافة قصيرة على العيون والتكبيل المُوجع وإجبار المعتقلين على الركوع في وضعية مؤلمة ومهينة لفترات زمنية طويلة، السبّ والشتم العنصريّ والتهديد بالاغتصاب وغيره. ويثبت عنف الشرطيين، مرة أخرى، أنّ الشرطة، وبعد ثماني سنوات من أكتوبر 2000 وخمس سنوات من نشر تقرير لجنة أور، لم تستخلص أية عِبرة، ورغم مرور هذا الوقت الطويل منذ نشر توصيات لجنة أور فإنها لا تزال تواصل معاملة المواطنين العرب على أنهم أعداء. وقد بدأ العنف الشرطي بعد انتهاء مسيرة العودة السنوية لإحياء ذكرى النكبة وللمطالبة بالاعتراف بحقّ النازحين بالعودة إلى بيوتهم، والتي جرت في 8 أيار 2008، على أراضي القرية المُهجّرة صفورية، في ذات اليوم الذي احتفلت فيه إسرائيل بيوم استقلالها. وجرت المسيرة، التي شارك فيها قرابة الـ 15 ألف شخص، وفقًا لتصريح أصدرته الشرطة. وبعد انتهاء المسيرة، بينما كان المشاركون في طريقهم إلى سياراتهم، اندلعت مواجهة كلامية بينهم وبين ناشطين من اليمين الإسرائيلي الذين مكّنتهم الشرطة من التظاهر على الشارع الرئيسي، قريبًا جدًا من منطقة انفضاض المسيرة. ولم يبادر الشرطيون الذين تواجدوا في المكان للقيام بأيّ فعل لمنع الاستفزازات من طرف ناشطي اليمين، ولكن، وفي مقابل هذا، لجأوا إلى العنف الشديد تجاه المشاركين في المسيرة".

 

(*) هناك موضوع آخر مرتبط بالتمييز ضد العرب هو هدم البيوت العربية. ما هو حجم البيوت العربية المهددة بالهدم؟

 

جبارين: "هناك تخوف في منطقة مدن الطيرة والطيبة وكفر قاسم، في منطقة المثلث الجنوبي، من موجة إعلان السلطات الإسرائيلية عن بيوت على أنها مهددة بالهدم بادعاء أنها تقع خارج الخارطة الهيكلية. لكن هناك لجنة شعبية واستعداد جماهيري للتصدي لهذه المخططات، وهذا أمر إيجابي. وعمليا هذه وسيلة الردع الوحيدة التي بأيدينا وهي وسيلة جيدة، لذلك ستواجه إسرائيل صعوبة في تنفيذ هذا المخطط".

 

(*) وهناك مخطط مماثل وأقدم في النقب؟

 

جبارين: "نعم، لكن لدينا إشكالية وضعف في النقب، ليس لأن مجتمعنا العربي في النقب ضعيف، فهناك مؤسسات تعمل وهناك نشاطات، ولكن طريقة الهدم التي تنفذها السلطة الإسرائيلية هناك، تكون أحيانا مفاجئة. ففي غالب الأحيان يحضر موظفو الداخلية أو دائرة أراضي إسرائيل والجرافات بمرافقة قوة كبيرة من الشرطة ويتم هدم بيت أو أكثر ويغادرون المكان. وهناك ناحية أخرى هي أن إسرائيل تعتبر البناء في الكثير من القرى في النقب غير مرخص لسبب بسيط هو أن السلطات الإسرائيلية ترفض الاعتراف بهذه القرى، رغم أنها موجودة قبل قيام إسرائيل نفسها. لكن نضال العرب في النقب منع عمليات هدم واسعة. وأنا أرى أن أخطر الملفات في الوقت الحالي، الذي يشابه الوضع في سنوات الخمسين، هو ملف النقب. ففي الخمسينيات كانت هناك القوانين التعسفية الإسرائيلية، مثل قانون الحاضر الغائب، لكن حينئذ كنا كأقلية تحت حكم عسكري. والوضع اليوم هو أن إسرائيل تسعى للاستيلاء على الأراضي العربية في النقب. وتجدر الإشارة إلى أن وضع ملكية الأراضي في النقب تنطوي على إشكالية حتى قبل العام 1948. والمشروع الاستيطاني الإسرائيلي داخل الخط الأخضر موجود في النقب بحدة بالغة ولذلك هناك قضايا تسوية. ومن الجانب الآخر فإننا ولجنة المتابعة واعون جدا للمخططات الإسرائيلية، لكن تخوفي هو أننا ربما لا نعي هذا الخطر بالقدر الكافي. وفلسطينيا هناك قضيتان يوجد صراع يومي عليهما لحسمهما، هما القدس والنقب. هذان الموضوعان هما اللذان تحاول إسرائيل حسمهما في مجال الأرض. ففي القدس هناك عمليات مصادرة أراض وسحب هويات من الفلسطينيين وإحصاء السكان، وفي النقب تحاول الاستيلاء على الأراضي. أما في بقية القضايا فالوضع مختلف قليلا ولا يوجد عليها صراع مثلما هو حاصل في هاتين القضيتين، وربما تكون قد حُسمت مؤقتا لكن ما زالت هناك مطالب بخصوصها. مثلا هناك قضية القرى المهجرة، لكننا لا نتنازل عن حق العودة، ومن دون حل هذه القضية لن تكون هناك مصالحة".