شخصيات في "العمل" تتلمس طريق الهرب تحسبا من تهاوي الحزب

وثائق وتقارير

المشهد الإسرائيلي يقدّم ترجمة حرفية لنص البيان الصحافي الذي تلاه القاضي إلياهو فينوغراد بعد نحو ساعة واحدة من تقديم التقرير النهائي للجنة تقصي وقائع حرب لبنان الثانية إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه في الثلاثين من كانون الثاني الماضي

 * الصيغة العلنية للتقرير لا تشمل وقائع كثيرة يحظر الكشف عنها بسبب عوامل تتعلق بأمن الدولة وعلاقاتها الخارجية * الجيش الإسرائيلي، وخاصة قياداته العليا وقواته البرية، فشل في توفير رد عسكري جوهري على التحدي الذي واجهه في إدارة الحرب في لبنان ولم يوفر للمؤسسة السياسية إنجازاً عسكرياً ملائماً يشكل أساساً للتحرك السياسي. هذه النتيجة يتحمل مسؤوليتها في شكل أساس الجيش، لكن يشاركه في ذلك أيضاً ضعف التلاؤم والانسجام اللذين حددتهما المؤسسة السياسية بين طريقة العمل وبين الأهداف * لا يمكن لإسرائيل البقاء في هذه المنطقة ولن نستطيع العيش فيها بسلام أو حتى بهدوء، دون أن يكون هناك من يؤمن فيها وفي محيطها بأن دولة إسرائيل تمتلك قيادة سياسية وعسكرية وقدرات عسكرية وقوة ومناعة اجتماعية بما يمكنها من ردع كل من تسول له نفسه من بين جيرانها المس أو إلحاق الأذى بها ومنعهم- ولو بالقوة- من تحقيق مبتغاهم * الصورة الشاملة للحرب كانت نتيجة متضافرة لإدارة قاصرة من قبل المؤسستين السياسية والعسكرية وتنفيذ قاصر من قبل الجيش الإسرائيلي ولا سيما القوات البرية بالإضافة إلى شروط أو أرضية رديئة من ناحية استعداد إسرائيل وجهوزيتها *

 

(*) قبل نحو ساعة من الآن قدمنا التقرير النهائي للجنة تقصي وقائع الحرب في لبنان سنة 2006 إلى رئيس الحكومة، إيهود أولمرت ووزير الدفاع، إيهود باراك.

 كانت المهمة، التي أُلقيت على عاتقنا، معقدة وصعبة. فقد دار الحديث على تقصي وقائع حدثت على مدار أربعة وثلاثين يومًا من الحرب [حرب لبنان الثانية استمرت في الفترة ما بين 12 تموز و14 آب 2006]، وكذلك دار على تقصي الأحداث التي سبقت هذه الحرب، وذلك منذ سنة 2000، عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من [جنوب] لبنان. ولقد كان نطاق هذه الوقائع مشحونًا ومعقدًا، ولم يسبق له مثيل في عمل أي لجنة تحقيق سابقة.

 

إن واقع أن الحكومة الإسرائيلية اختارت إجراء فحص من هذا القبيل، وواقع أن الجيش الإسرائيلي قام، من جهته، بسلسلة طويلة من التحقيقات بشأن الوقائع العسكرية المختلفة، يشكلان دليلاً على وجود مناعة وإشارة إلى كون القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين على استعداد لأن يعرضوا أنفسهم لعمليات نقدية، ولتصحيح مؤلم حيث يكون الأمر ضروريًا.

 

هناك قسم سري للتقرير شملنا فيه جميع الوقائع ذات الصلة التي عثرنا عليها، والتي كانت مرتبطة بحرب لبنان الثانية، وذلك على أساس تسلسلها من الناحية الزمنية، وبصورة منهجية. إن هذا الأساس يعتبر جزءًا مهمًا من عملنا. ومن المنطقي الافتراض بأن هذا الأساس لم يكن قائمًا لدى أي صاحب قرار آخر. ولذا فقد كانت لدينا أفضلية خاصة على مؤلفين آخرين كتبوا عن أحداث الحرب، حيث أتيح لنا إمكان الوصول إلى مواد كثيرة وأصلية ومنهجية. كما أتيحت لنا فرصة تقصي الوقائع بمساعدة شهادات ومحادثات مع أصحاب القرار، ومع العديد من القادة العسكريين والمقاتلين، وكذلك مع عائلات ثكلى.

 

من الواضح أن الصيغة العلنية للتقرير لا تشمل وقائع كثيرة يحظر الكشف عنها، بسبب عوامل تتعلق بأمن الدولة وعلاقاتها الخارجية. ومع ذلك فقد بذلنا جهدًا كبيرًا من أجل تحقيق التوازن بين رغبتنا في أن نضع أمام الجمهور الواسع صورة مهمة، قدر الممكن، للأحداث وبين احتياجات أمن المعلومات. وتجدر الإشارة، على نحو خاص، إلى أننا لم ننظر إلى مجرّد نشر معلومات سرية في وسائل الإعلام باعتبارها إذنًا لنشرها في تقريرنا العلني.

 

لقد وضع أعضاء اللجنة نصب أعينهم الأهداف الرئيسة التي أقيمت اللجنة من أجلها، وهي: تقديم جواب عن الشعور القاسي الذي سيطر على الجمهور الإسرائيلي، وهو شعور بالشرخ وخيبة الأمل من نتائج حرب لبنان الثانية وطريقة إدارتها من قبل المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية، وأيضًا الرغبة في استخلاص الدروس اللازمة من إخفاقات الحرب وعيوبها، وتصحيح ما ينبغي في أقرب فرصة ممكنة وبإصرار كبير.

 

ولذا فقد رأينا من الأهمية بمكان أن نتعمق في التحقيق بشأن ما حصل، باعتبار أن ذلك هو مفتاح استخلاص الدروس بالنسبة للمستقبل، ولتطبيق ذلك ميدانيًا.

 

إن مفهوم هذا الدور كان أحد الأسباب المركزية لقرارنا أن لا يتضمن التقرير النهائي استنتاجات وتوصيات شخصية. وبحسب رأينا فإن واجب التصحيح الرئيس يتعلق بعيوب منظوماتية تكشفت خلال الحرب في جميع المستويات. مع ذلك فإن ما يجدر التشديد عليه هو أن امتناعنا عن تحميل المسؤولية الشخصية لأي طرف، لا ينبغي تأويله بأنه إقرار بشأن عدم وجود مسؤولية من هذا القبيل. كما نشدّد على أننا لم نميّز، في الموضوعات المتعلقة بالمسؤولية، بين المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية، وكذلك بين المستويات المختلفة داخل هاتين المؤسستين.

 

من واجبنا أن نشدّد أيضًا على أنه عندما ألقينا بالمسؤولية على عاتق مؤسسة أو وحدة معينة، لم يكن في نيتنا أن نشير إلى المسؤولين الذين وقفوا على رأسها في إبان الحرب فقط. ففي حالات كثيرة نجمت هذه المسؤولية عن أطراف مختلفة، لم تكن للواقفين على رأس تلك المؤسسة أو الوحدة سيطرة عليها. علاوة على ذلك فإن جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن الإخفاقات والعيوب التي عثرنا عليها يقع على عاتق الذين كانوا مسؤولين عن الاستعداد والجهوزية خلال الأعوام التي سبقت الحرب.

 

إن هذا البيان الصحافي لا يجمل التقرير بتفصيلاته كافة، وإنما يهدف إلى تقديم محتوياته الرئيسة. وستصادفون في التقرير نفسه مناقشات بشأن موضوعات كثيرة ومهمة أخرى تعتبر جزءًا لا يتجزأ من مجمل التقرير واستنتاجاته وتوصياته.

 

في التقرير النهائي اهتممنا، أساسًا، بالفترة التي أعقبت القرار الأولي بشن الحرب، والذي كان موضوع التقرير الجزئي [صدر في نيسان 2007]، لكن ما يجدر أن نتذكره هو أن أحداث فترة التقرير النهائي وقعت في ظل الأمور الاضطرارية التي تسبب بها قرار شنّ الحرب، على ما تضمنه من إخفاقات وعيوب.

 

إننا نؤكد هنا وقوفنا من خلف كل ما كتبناه في التقرير الجزئي، ويتعين النظر إلى قسمي التقرير- الجزئي والنهائي- باعتبارهما يكملان بعضهما البعض.

 

لدى التقويم العام للحرب في إمكاننا القول إنها انطوت على إهدار كبير وخطير.

 

لقد خرجت إسرائيل لخوض حرب مستمرة، بادرت هي إليها، وانتهت من دون أن تحرز نصرًا مبينًا من الناحية العسكرية فيها. ولقد صمدت منظمة شبه عسكرية، تضم آلاف المقاتلين، على مدار بضعة أسابيع، في وجه الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، وهو الجيش الذي يتمتع بتفوق جوي مطلق وبأفضليات عديدة من ناحية العدد والقدرات التكنولوجية.

 

وقد استمر إطلاق الصواريخ من طرف حزب الله على الجبهة الإسرائيلية الداخلية طوال فترة الحرب كافة، ولم يوفر الجيش الإسرائيلي جوابًا فاعلاً. وتعرّض نسيج الحياة في المنطقة التي تعرضت لتهديد الصواريخ لتشويش جاد، وغادر الكثير من سكانها بيوتهم بصورة مؤقتة أو لزموا الملاجئ. وبعد فترة طويلة من الاكتفاء بالنيران المضادة والعمليات البرية المحدودة، وقريبًا من موعد اتخاذ القرار المتعلق بوقف إطلاق النار، شنت إسرائيل عملية عسكرية برية واسعة النطاق لم تحقق أي إنجازات عسكرية ولم تستنفد ما تنطوي عليه من إمكانيات، بحسب ما فصلنا في التقرير نفسه.

 

كانت لهذه النتائج تداعيات بعيدة المدى في نظرنا، وحتى في نظر أعدائنا وجيراننا وأصدقائنا في المنطقة والعالم أجمع.

 

وحتى في الفترة التي عالجناها في التقرير النهائي- وهي الفترة الممتدة من 18 تموز وحتى 14 آب 2006- تكشفت استنتاجات مزعجة أشير إلى بعض منها في التقرير الجزئي:

 

- وجدنا إخفاقات وعيوبًا خطرة في عمليات اتخاذ القرارات وفي العمل القيادي الجماعي، سواء في المؤسسة السياسية أو المؤسسة العسكرية أو في علاقات التنسيق فيما بينهما.

- وجدنا إخفاقات وعيوبًا خطرة لدى المستوى القيادي الأعلى في الجيش الإسرائيلي، وبالأساس في القوات البرية، فيما يتعلق بالاستعداد والجهوزية وسير القرارات والأوامر العسكرية وتنفيذها.

- وجدنا إخفاقات وعيوبًا خطرة في مجال انعدام التفكير والتخطيط الإستراتيجيين، سواء لدى المؤسسة السياسية أو المؤسسة العسكرية.

- كما وجدنا إخفاقات وعيوبًا خطرة في كل ما يتعلق بحماية الجبهة الداخلية ومواجهة التعرّض لها.

 

وقد جرى تفصيل ذلك على وجه الدقة في التقرير النهائي.

 

إن هذه العيوب استندت، في جزء منها، إلى قصورات في الجهوزية والاستعداد الإستراتيجيين والعملانيين، كانت بدايتها قبل حرب لبنان الثانية بكثير.

 

وبموجب ما ذكرنا في التقرير الجزئي فإن القرار الذي اتخذ في 12 تموز 2006، والقاضي بالقيام بردة فعل عسكرية حادة ومباشرة ووضع أهداف طموحة لها، قد قلص شبكة البدائل الماثلة أمام إسرائيل. وعمليًا فقد مثل أمام إسرائيل، بعد ذلك القرار، خياران رئيسان فقط، لكل خيار منهما منطق مثابر بحد ذاته إلى جانب أثمان ونواقص.

 

الخيار الأول هو توجيه ضربة عسكرية قصيرة، حادة، مؤلمة وغير متوقعة لحزب الله، وبالأساس بواسطة النيران المضادة.

 

والخيار الثاني هو إحداث تغيير جذري للواقع في جنوب لبنان، بواسطة عملية برية واسعة النطاق تتضمن احتلالا مؤقتًا لتلك المنطقة وتطهيرها.

 

صحيح أن اختيار الحكومة بين البديلين قد خضع لعقلانية رأيها السياسي الحصري، غير أن طريقة اتخاذ القرار الأصلي بشن الحرب، وعدم إجراء مناقشة بشأن الاختيار بين البديلين، والطريق التي خرجت إسرائيل بواسطتها لخوض الحرب قبل أن تحسم أيًا من البديلين تختار ومن دون إستراتيجية خوض حرب، تعتبر إخفاقات خطرة ألقت بظلالها على الحرب كلها. وقد أسهمت المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية على السواء في هذه الإخفاقات.

 

وحتى بعد القرار الأولي بخوض الحرب، وعمليًا حتى انتهاء الحرب، استمرت مرحلة "الغوص في الوحل" [التثاقل] من دون أي حسم من لدن المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية بين تعزيز الإنجاز العسكري بواسطة عملية برية واسعة، وبين الامتناع عن ذلك بواسطة الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب على وجه السرعة. إن هذا التثاقل كان في غير مصلحة إسرائيل. ورغم أنه كان هناك وعي لهذا الأمر إلا أنه لم تجر مناقشة منظمة بشأنه، ولم يكن هناك أي حسم لهذه المسألة المركزية على مدار أسابيع طويلة.

 

إضافة إلى الامتناع عن الحسم فيما يتعلق بمسار العملية، فقد كان هناك أيضاً تأخير كبير جداً في اتخاذ القرار حول الاستعداد لعملية برية واسعة، الأمر الذي قلص بدوره أيضاً إمكانيات العمل والمرونة السياسية لإسرائيل. لغاية الأسبوع الأول من شهر آب لم تكن هناك جهوزية في الجيش لتنفيذ العملية البرية الواسعة.

 

وكانت النتيجة أن إسرائيل لم تكتف باستنفاد إنجازاتها العسكرية الفورية (الآنية)، بل انجرت إلى العملية البرية فقط بعدما أصبح الجدول الزمني السياسي لا يتيح استنفاد هذه العملية بصور فعالة. المسؤولية عن هذا الإخفاق الأساس في إدارة الحرب تقع على عاتق المؤسسة السياسية والقيادة العليا للمؤسسة العسكرية على السواء، سواء في سلوكهما ، أو في التنسيق والتعاون فيما بينهما.

 

الصورة الشاملة للحرب، والتي ستقرأون تفاصيلها وحيثياتها في التقرير، كانت نتيجة متضافرة لـ:

إدارة قاصرة من قبل المؤسستين السياسية والعسكرية، وتنفيذ قاصر من قبل الجيش الإسرائيلي ولا سيما القوات البرية؛ بالإضافة إلى شروط أو أرضية رديئة من ناحية استعداد إسرائيل وجهوزيتها.

 

إسرائيل لم تستخدم قوتها العسكرية بصورة سليمة وناجعة في حرب لبنان، على الرغم من أن هذه الحرب جرت بمبادرتها، وفي ساحة محدودة. في نهاية المطاف لم تحظ إسرائيل بتحقيق إنجاز سياسي استناداً إلى إنجاز عسكري، وإنما اعتمدت على تسوية سياسية انطوت في الواقع أيضاً على سمات ومزايا إيجابية لإسرائيل.

 

هذه التسوية أتاحت وقف الحرب على الرغم من أن ذلك لم يحسم في ساحة المعركة. هذه النتيجة نجمت بدرجة كبيرة نظراً لأن الحرب لم تُدَر في بدايتها استناداً إلى معرفة عميقة وواسعة بالظروف الميدانية وبجهوزية الجيش الإسرائيلي واستعداده، وكذلك بمبادئ أساسية تتعلق بتفعيل القوة العسكرية الهادف إلى تحقيق إنجاز سياسي.

 

يمكن القول في المحصلة: لقد أخفق الجيش الإسرائيلي، وخاصة قياداته العليا وقواته البرية، في توفير رد عسكري جوهري على التحدي الذي واجهه في إدارة الحرب في لبنان، ولم يوفر للمؤسسة السياسية إنجازاً عسكرياً ملائماً يشكل أساساً للتحرك السياسي. هذه النتيجة يتحمل مسؤوليتها في شكل أساس الجيش، لكن يشاركه في ذلك أيضاً ضعف التلاؤم والانسجام، اللذين حددتهما المؤسسة السياسية، بين طريقة العمل وبين الأهداف.

 

جدير بالإشارة أنه كانت هناك في الحرب، إلى جانب الإخفاقات في عمل الجيش، إنجازات عسكرية مهمة. ولا بد من الإشادة في شكل خاص بالجهوزية الكبيرة للمقاتلين ولا سيما جنود الاحتياط بتجندهم والتحاقهم بالحرب إضافة إلى ما أبداه المقاتلون من مظاهر بطولة وبسالة واستعداد للتضحية والقتال المشرف.

 

ولا بد من أن نشيد أيضا بسلاح الجو الذي أحرز إنجازات رائعة جداً خلال الحرب. مع ذلك فقد كانت هناك في أوساط المستويات العليا للجيش، وبالتالي المؤسسة السياسية أيضا، آمال لا طائل تحتها بأن هذه القدرات المتوفرة لسلاح الجو يمكن أن تحسم الحرب. عملياً كانت الإنجازات اللافتة لسلاح الجو محدودة بالضرورة، كما أن هذه الانجازات ذاتها تبددت بفعل الإخفاقات التي تخللت مجمل الأداء التنفيذي للجيش الإسرائيلي.

 

حادث (البارجة) "حنيت" في سلاح البحرية ألقي بظلاله بدرجة كبيرة على دور سلاح البحرية بأكمله، على الرغم من أنه كانت لهذا السلاح مساهمة مهمة في فرض الحصار البحري، كما أنه قدم مساندة ملموسة ومتنوعة للعمليات القتالية التي قامت بها قيادة المنطقة الشمالية.

 

من المهم التوكيد أنه كانت لهذه الحرب أيضاً إنجازات سياسية حقيقية. فقرار مجلس الأمن رقم 1701، وحقيقة كونه أُتخذ بالإجماع، شكلا إنجازاً لدولة إسرائيل. هذه النتيجة ما زالت قائمة بعينها حتى إذا ما اتضح أن جزءاً فقط من الترتيبات والإجراءات المنصوص عليها في القرار، نفذ أو سينفذ، وحتى إذا كان من المتوقع سلفاً أن جزءاً من هذه الترتيبات لن يُنفذ. كذلك فإن القرار لم يكن رهنًا بمسألة ماهية نوايا أو أهداف القوى (أو الدول) التي أيدت القرار.

 

مع ذلك لا بد من الإشارة إلى أننا لم نلاحظ وجود عمل جماعي مدروس فيما يتعلق باتخاذ القرارات ذات الصلة بمواقف إسرائيل في المفاوضات السياسية. هذا الأمر جرى تصحيحه جزئياً عقب إقامة الطاقم الذي ترأسه رئيس الطاقم في مكتب رئيس الحكومة والذي عمل بإخلاص ونجاعة ومهنية، بيد أن ذلك لم يعوض عن غياب خطة العمل المدروسة وعن غياب المناقشات المبدئية على صعيد المؤسسة السياسية الرفيعة المستوى.

 

هذه الحقيقة يمكن أن تكون لها دلالة كبيرة سواء بالنسبة لطريقة سلوك إسرائيل في المفاوضات أو بالنسبة لفحوى ومضمون التسويات التي جرى اعتمادها، إذ أنه في مثل هذه المفاوضات تتبلور قرارات من المحتمل أن تكون لها انعكاسات بعيدة الأثر على مصالح الدولة ومن ضمن ذلك إرساء سوابق للمستقبل.

 

خطة العمل التي أعدت في وزارة الخارجية فيما يتعلق باستصدار القرار المرغوب من مجلس الأمن كانت مبدئيا سريعة ومنسقة وناجعة. مع ذلك ولأسباب واعتبارات مختلفة فإن هذه الخطة لم تعكس أيضاً إدراكاً واضحاً لحيوية الدمج الناجع بين إنجازات العمل العسكري وبين العمل السياسي.

 

كل ذلك يقودنا إلى أنشطة المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية في موضوع العملية البرية في نهاية الحرب، والتي تعتبر واحدة من المواضيع المركزية المطروحة على بساط النقاش العام.

 

في الواقع يمكن القول، وبعد ما حصل، إن العملية البرية الواسعة لم تحقق أهدافها في الحد من إطلاق الصواريخ وفي تغيير صورة الحرب. كذلك ليس من الواضح ماذا كانت مساهمة هذه العملية البرية في دفع وتحسين الانجاز السياسي. كما أنه من غير الواضح إلى أي درجة أثر الشروع بالعملية البرية على مواقف حكومة لبنان وحزب الله فيما يتعلق بوقف إطلاق النار. إن طريقة إدارة العملية البرية تثير تساؤلات قاسية للغاية.

 

على الرغم من كل ذلك من المهم جداً التأكيد على أن تقييم هذه القرارات يجب أن لا يتم كنوع من إظهار الحكمة بعد فوات الأوان. فمثل هذا التقييم لا يمكن أن يكون مرتبطاًً بإنجازات أو بأثمان حصلت فعلياً، وإنما يجب أن يستند فقط إلى أسباب واعتبارات مرتبطة بعملية اتخاذ القرارات، وإلى فرصها ومخاطرها، حسبما كانت معروفة- أو يفترض أن تكون معروفة- حين جرى اتخاذها. كذلك الحال لا يمكن تقييم العملية البرية في نهاية الحرب بمعزل عن التطورات السابقة لها، والتأجيلات المتكررة في تبني قرار من قبل مجلس الأمن، وكجزء من الإدارة الفاشلة الكلية للحرب.

على أرضية كل ما تقدم، فإننا ونحن نتفحص هذه القرارات المركزية نؤكد على ما يلي:
•القرار المبدئي الذي اتخذه المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية- الأمنية بتاريخ 9 آب، والذي صادق، بناء على توصية جيش الدفاع الإسرائيلي، على شن عملية برية بمقتضى قرار التحرك من جانب وزير الدفاع ورئيس الحكومة بناء على الأجندة السياسية، كان قرارا لا مفر منه تقريباً. لقد وفر هذا القرار (شن العملية البرية) لحكومة إسرائيل مرونة عسكرية وسياسية ضرورية.
•قرار شن العملية البرية جاء في نطاق وجهة النظر السياسية والمهنية لمتخذيه، استناداً للمعطيات التي كانت ماثلة أمامهم عند اتخاذه. أهداف العملية العسكرية (البرية)، كانت مشروعة، ولم تتلخص في محاولة تستهدف حث التسوية السياسية أو تحسينها. ولم يكن هناك فشل أو إخفاق في القرار ذاته على الرغم من الانجازات المحدودة لهذه العملية وعلى الرغم من ثمنها المؤلم.
•الموقف الذي اتخذه رئيس الحكومة، والذي فضل تفادي هذه العملية البرية، وكذلك الموقف الذي اتخذه وزير الدفاع، الذي اعتقد أن المصلحة الإسرائيلية اقتضت القيام بها، كانا موقفين جوهريين مستندين إلى أساس، وحظيا بتأييد جاد بين رجال المهنة. وحتى إذا تداخلت في قرارات الرجلين السياسيين (رئيس الحكومة ووزير الدفاع) اعتبارات سياسية عامة، وهو أمر لا نستطيع تأكيده، فإننا نعتقد أن رئيس الحكومة ووزير الدفاع على حد سواء تصرفا من منطلق تقدير وفهم قوي وصادق لما بدا لهما في حينه ضرورة تمليها المصلحة الإسرائيلية.

 

ونريد التأكيد هنا أن الذي كان يقع عليه الواجب الصعب في اتخاذ القرارات في هذه المسائل هو المؤسسة السياسيצ. إن المحك لمثل هذه القرارات هو فقط محك الجمهور العام والمحك السياسي. جنبا إلى جنب ينبغي الإشارة أيضاً إلى التالي:
•لم نجد تناولا جاداً في مناقشات المؤسستين السياسية والعسكرية، أو في التنسيق بينهما، لمسألة إذا ما كان من المنطقي توقع تحقيق إنجازات في غضون 60 ساعة، يكون لها تأثير معين على أحد أهداف العملية البرية.
•لم نجد متابعة كافية من جانب المؤسسة السياسية لمجريات القتال، ولم نر نقاشاً جاداً في الجيش الإسرائيلي أو في المؤسسة السياسية لمسألة وقف العملية العسكرية (البرية) بعد صدور قرار مجلس الأمن.
•لم نعثر على تفسير للتناقض الذي ظهر بين الجهد المكثف للحصول على مهلة إضافية لاستكمال المرحلة الأولى من العملية البرية المخططة، وبين القرارات التي اتخذت بعدم استنفاد هذه العملية.

هذه أيضا أسئلة لاذعة محكها هو محك عام وسياسي.

 

إن وصف إخفاقات إدارة الحرب يمكن أن يفسر على أنه أمر يضر بإسرائيل وجيشها. نحن نشير علنا إلى هذه الإخفاقات والثغرات لأننا واثقون أنه يمكن لإسرائيل بهذه الطريقة فقط أن تخرج قوية ومعززة.

 

إن توصياتنا الواردة في التقرير تتضمن مقترحات لتغيير منهجي وعميق في طرق التفكير والعمل لدى المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية وللتنسيق والتعاون بينهما، سواء في الظروف والأحوال الاعتيادية أو في حالات الطوارئ أو الحرب. ويدور الحديث هنا على عوامل وسيرورات عميقة وملموسة، لا يجوز لمغزاها الكامل أن يُطمس بواسطة أحداث جارية، اعتيادية، أو نجاحات موضعية وخطوات تصحيحية أولية. ستكون هناك حاجة لجهد حثيث ومستمر على مستويات كثيرة بغية تحقيق التحسينات الحيوية في طرق تفكير وعمل المؤسسة السياسية والأمنية برمتها.

 

لهذا السبب بالذات يهمنا أن نحذر أيضاً من بعض المخاطر التي يمكن أن تشوش استعدادات وأن تعيق عمليات إصلاح وتصحيح ضرورية، وبالتالي التسبب بنتائج خطيرة، وهذا ما سنفصله على النحو الآتي:
•الخشية من النقد في حالات الفشل يمكن أن تقود إلى ردود فعل من قبيل "التمترس" في موقف "الدفاع عن الذات" و"الحرفية" و"الرأس الصغير" ( بمعنى الاستخفاف وضيق الأفق) والامتناع عن اتخاذ قرارات حاسمة، وسط ترجيح الامتناع. مثل هذا الوضع مرفوض وخطير.
•في واقع مركب سريع التغير لا حاجة للاستعداد للحرب التي وقعت. من المهم جداً كذلك عدم الاكتفاء بعملية سطحية من أجل تصحيح ثغرات ونواقص بصورة تظاهرية فقط.
•من الحيوي أيضا الحرص على عدم التركيز حصرياً على درء التهديدات وإنما دمج الاستعداد لسيناريوهات تهديد مع مراقبة ورصد الفرص.
•في سياق استخلاص العبر ينبغي أن نتذكر أن العدو أيضاً يستفيد من عبره ودروسه.

 

لقد طرحت حرب لبنان الثانية مجدداً على بساط البحث والتفكير مسائل فضَّل المجتمع الإسرائيلي في جزء منه إقصاءها وتنحيتها جانباً: لا يمكن لإسرائيل البقاء في هذه المنطقة، ولن نستطيع العيش فيها بسلام أو حتى بهدوء، دون أن يكون هناك من يؤمن فيها وفي محيطها بأن دولة إسرائيل تمتلك قيادة سياسية وعسكرية، وقدرات عسكرية وقوة ومناعة اجتماعية، بما يمكنها من ردع كل من تسول له نفسه من بين جيرانها المس أو إلحاق الأذى بها، ومنعهم- ولو بالقوة- من تحقيق مبتغاهم.

 

هذه الحقائق غير خاضعة أو مرتبطة بهذا التوجه السياسي أو ذاك. إسرائيل ملزمة- سياسياً وأخلاقياً- بالتطلع إلى السلام مع جيرانها وعمل التسويات المطلوبة لهذا الغرض.

 

غير أن محاولات تحقيق السلام أو التسوية ينبغي أن يأتي من موقع قوة عسكرية ومناعة اجتماعية وسياسية ومن قدرة واستعداد للذود عن الدولة وقيمها وأمن سكانها.

 

هذه الحقائق لها انعكاسات عميقة وبعيدة الأثر على جوانب عديدة للحياة في إسرائيل، وعلى إدارة شؤونها. عدا عن تفحص طرق إدارة حرب لبنان الثانية والاستعداد لها، وعدا عن تفحص ثغرات ومواطن الخلل في القرارات، التي تكشفت في أثناء الحرب، بغض النظر عن مدى أهميتها، فقد كانت هذه هي الأسئلة المركزية التي طرحتها حرب لبنان.

 

إنها أسئلة تتصل بصلب وجودنا هنا كدولة يهودية وديمقراطية، وهي ذاتها الأسئلة التي ينبغي لنا أن نركز عليها.

 

نحن نأمل في أن تشكل معطياتنا واستنتاجاتنا الواردة في التقريرين الجزئي والنهائي، دفعة لا لتصحيح ثغرات وإخفاقات وحسب، وإنما أيضاً لوقوف المجتمع الإسرائيلي وزعمائه ومفكريه مجدداً أمام أهداف إسرائيل البعيدة المدى، والطريق الأسلم للاستجابة لهذه الأهداف.