سجل القوانين الإسرائيلي لا يتضمن تشريعاً يحظر ارتكاب جرائم حرب ويعاقب عليها باعتبارها كذلك

اقتصاد ومجتمع

صادقت الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها الأسبوعي الذي عقد يوم الأحد من الأسبوع الماضي، على إقامة معسكر اعتقال كبير يتسع لاحتجاز عشرة آلاف مهاجر إفريقي من الذين يتسللون إلى إسرائيل عبر حدودها مع مصر. ويقضي قرار الحكومة الإسرائيلية بإقامة معسكر الاعتقال في منطقة النقب في جنوب إسرائيل وتزويد المحتجزين الأفارقة فيه باحتياجات أساسية مثل أماكن للنوم وطعام وشراب وخدمات صحية

 

صادقت الحكومة الإسرائيلية في اجتماعها الأسبوعي الذي عقد يوم الأحد من الأسبوع الماضي، على إقامة معسكر اعتقال كبير يتسع لاحتجاز عشرة آلاف مهاجر إفريقي من الذين يتسللون إلى إسرائيل عبر حدودها مع مصر. ويقضي قرار الحكومة الإسرائيلية بإقامة معسكر الاعتقال في منطقة النقب في جنوب إسرائيل وتزويد المحتجزين الأفارقة فيه باحتياجات أساسية مثل أماكن للنوم وطعام وشراب وخدمات صحية. وفي موازاة ذلك بدأ الجيش الإسرائيلي، قبل أسبوعين، في بناء جدار أمني عند الحدود الإسرائيلية- المصرية التي يتسلل المهاجرون إلى إسرائيل عبرها.

وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في بداية اجتماع حكومته الذي تمت فيه المصادقة على إقامة معسكر الاعتقال: "إننا ملزمون بوقف موجة المتسللين". لكنه أشار إلى "أننا لن نوقف لاجئي الحرب، لكن علينا وقف دخول جموع المتسللين بسبب الانعكاسات الصعبة جدا لذلك على المجتمع الإسرائيلي". ويقضي القرار الإسرائيلي بأنه سيكون بإمكان المهاجرين الأفارقة تقديم طلبات لجوء في إسرائيل، خلال فترة أقصاها عام واحد منذ دخولهم إلى إسرائيل. وأعلن نتنياهو أنه سيتم فرض غرامات على مشغلي المهاجرين الأفارقة. وحول منشأة الاعتقال قال نتنياهو إن "علينا توفير رد إنساني يتمثل بالنوم والطعام والخدمات الطبية إلى حين إخراج المتسللين من البلاد".

وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، إسحاق أهرونوفيتش، قد بعث برسالة إلى سكرتير الحكومة، تسفي هاوزر، عبر فيها عن معارضته لأن تكون سلطة السجون مسؤولة عن إدارة معسكر الاعتقال وطالب بتكليف مصلحة تسجيل السكان والهجرة بالمسؤولية عن إدارة المعسكر. وقررت الحكومة الإسرائيلية تشكيل لجنة للبحث في شكل معسكر الاعتقال، على أن تنهي عملها خلال 60 يوما وأن يتم البدء في إقامة المعسكر خلال ستة شهور. وقد عارض قرار الحكومة الوزيران أفيشاي برافرمان من حزب العمل وبيني بيغن من حزب الليكود.

وعبرت منظمات حقوق إنسان ورؤساء سلطات محلية في إسرائيل عن معارضتها واحتجاجها على إقامة معسكر الاعتقال. وتوجهت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل ومركز مساعدة العمال الأجانب إلى نتنياهو وشددتا على أن إسرائيل تواصل خرق تعهداتها تجاه طالبي اللجوء. وجاء في رسالة المنظمتين الحقوقيتين أن "حكومة إسرائيل تواصل تجاهل واجباتها الأخلاقية والقانونية سواء تجاه اللاجئين وطالبي اللجوء أو تجاه الأطفال، رغم كونهم من المجموعات التي تحظى بالحماية البالغة وفقا للقانون الدولي والقانون الإسرائيلي".

ووفقا لمعطيات السلطات الإسرائيلية فإنه تسلل إلى إسرائيل، خلال السنوات الخمس الماضية وحتى نهاية تشرين الثاني الماضي، 36566 مهاجرا إفريقيا. وتشير التقديرات إلى أنه دخل إلى إسرائيل خلال العام الحالي قرابة 12 الف مهاجر إفريقي. وقال ديوان نتنياهو إنه توجد منشآت كهذه في دول غربية بينها أستراليا وهولندا وإيطاليا، وإن غايتها هي المس بالمحفز الاقتصادي الكامن في الهجرة إلى إسرائيل.

 

 

300 ألف مهاجر ينتظرون

في سيناء

 

يستدل من المعطيات التي تنشرها إسرائيل أن التخوف الأساس هو ليس من المهاجرين الذين تسللوا إلى إسرائيل وإنما من المهاجرين الأفارقة الموجودين في شبه جزيرة سيناء ومن أولئك الموجودين في القاهرة ويتوقع أن وجهتهم هي إسرائيل.

وقال رئيس مركز الأبحاث الجيو - إستراتيجية ورئيس معهد الأبحاث التابع لكلية الأمن القومي في جامعة حيفا، البروفسور أرنون سوفير، المعروف بمواقفه الصهيونية المتشددة، إن "هناك قرابة 300 ألف مهاجر [إفريقي] يتواجدون في منطقة سيناء. وفي القاهرة توجد حركة لمليون إفريقي يريدون الوصول إلى أوروبا. لكن بسبب تشديد الشروط فإنهم يفكرون باتجاهات أخرى وبالأساس بإسرائيل. وبموجب التقديرات فإن حجم النزوح من مناطق السودان وأريتريا وأثيوبيا يتراوح ما بين مليون وثلاثة ملايين مهاجر" (موقع يديعوت أحرونوت الالكتروني - 25.11.2010).

ويتضح من المعطيات الإسرائيلية أن غالبية المهاجرين الأفارقة التي وصلوا إليها لم يأتوا من مناطق منكوبة بالحروب وإنما هم مهاجرون للعمل، إذ إن 15 بالمئة فقط من المتسللين جاؤوا من السودان هربا من الحرب الأهلية هناك. واعترفت السلطات الإسرائيلية ببضع مئات من هؤلاء المهاجرين على أنهم لاجئون ومنحتهم مكانة تتلاءم مع هذا التعريف.

ويتولى الجيش الإسرائيلي مسؤولية الاعتناء بالمهاجرين فور تسللهم إلى إسرائيل والقبض عليهم. وبعد ذلك يتم تسليمهم إلى مصلحة السجون ويتم الزج بهم في السجون. لكن بسبب دخول أكثر من ألف مهاجر إلى إسرائيل كل شهر، فإن مصلحة السجون تفرج عن المهاجرين، خصوصا على ضوء الاعتراف الإسرائيلي بأنه لا يمكن إعادة المهاجرين إلى مواطنهم. وهكذا فإن المهاجرين يتوجهون إلى المدن الإسرائيلية. ففي إيلات، أصبح المهاجرون الأفارقة يشكلون 15 بالمئة من عدد سكان المدينة. كذلك هناك آلاف المهاجرين المتواجدين في تل أبيب ويبحثون عن العمل فيها.

ويذكر في هذا السياق أن الإسرائيليين، بشكل عام، يخلطون بين المهاجرين الأفارقة وبين العمال الأجانب، الذين تم إحضارهم إلى إسرائيل بشكل قانوني. لكن هذا لم يمنع الكثير من الحاخامات من إصدار فتاوى تطالب الإسرائيليين، في جنوب تل أبيب ومدينة بني براك، بعدم تأجير بيوتهم للمهاجرين والعمال الأجانب.

من جانبه قال نائب محافظ البنك المركزي الإسرائيلي، البروفسور تسفي أكشطاين، ليديعوت أحرونوت إن "مشكلة مهاجري العمل تؤدي إلى بروز ظاهرتين مركزيتين: خفض متوسط الرواتب بشكل كبير وزيادة عدد الفقراء في إسرائيل. واليوم هناك 14 بالمئة من الذين يعملون بوظيفة كاملة ويتقاضون راتبا أقل من الحد الأدنى للأجور".

وأضاف أن "مهاجري العمل يعملون ساعات كثيرة، وبعضهم يعمل 10 - 12 ساعة في اليوم. ولا يُلزم أحد بأن يدفع لهم الحد الأدنى من الأجور ولا يحصلون على مخصصات ضمان الدخل، وهكذا فإنه في الواقع يؤدي تشغيلهم إلى خفض الراتب في سوق العمل. وكان معظم العاملين في المطاعم والفنادق حتى فترة قصيرة مضت من الإسرائيليين. لكن وجود العمال الأفارقة الذين يوافقون على حد أدنى من الرواتب غيّر الصورة. وهذا أمر بسيط: أنت تستورد فقراء، ويصبح لديك فقراء أكثر".

 

العرب هم

الأكثر تضررا

 

وأشار أكشطاين إلى أن "الوضع القانوني الرسمي للمهاجرين أفضل من وضع العمال الأجانب غير القانونيين. والمتسللون من إفريقيا موجودون في مكانة مفضلة، لأن السلطات قررت ألا تعتني بهم. وهم في مكانة الحاصلين على تصريح للتواجد في إسرائيل، ولذلك فإنه مسموح لشركات القوى العاملة تشغيلهم. وربما هذا ليس موثقا بتصريح مكتوب، لكن توجد مصادقة. ويتم تشغيل جميعهم تقريبا في الفنادق والمطاعم. وخلال سنتين فإنهم حلوا مكان جميع العمال الإسرائيليين هناك".

ورأى أكشطاين أن "المتضررين الأساسيين من هذه الظاهرة هم عرب إسرائيل ومجموعات سكانية مثل المهاجرين الأثيوبيين. وفي تقديري أن هذا الواقع سيزيد الفقر في إسرائيل. ولا شك في أن تشغيلهم يمكن من تزويد خدمات أرخص للسكان، فأنت تصل إلى فندق وتحصل على خدمات تكون تكلفتها متدنية أكثر. وهذا يعني أننا تحولنا إلى مشغلين لعمال أكثر فقرا".

وقالت الباحثة في المعهد الجيو - إستراتيجي في جامعة حيفا، الدكتورة عوفرا كلينغر، إن "التطورات في وسائل الإعلام صعدت الدافع لاستغلال الفرصة وساعدت مهاجري العمل على الحفاظ على اتصال مع عائلاتهم في أوطانهم. وثمة ظاهرة مثيرة وهي إقامة شبكات اجتماعية [في شبكة الانترنت] في الدول المستوعبة والأوطان التي ترسخ ظاهرة الهجرة. والمهاجرون يزودون أقربائهم بمعلومات حول إمكانيات الهجرة والمساعدة في إيجاد عمل وسكن وما إلى ذلك. وفي هذا الواقع يستفيد أصحاب المصالح المختلفة، مثل المهربين عند الحدود وشركات القوى العاملة ومزيفي جوازات السفر وتأشيرات الدخول وغيرهم".

ووفقا لمعطيات وزارة الأمن الداخلي فإن تكلفة ظاهرة التسلل تصل إلى 100 مليون شيكل في السنة. ويتوقع أن يرتفع هذا المبلغ مع ازدياد عدد المهاجرين الذين يصلون إلى إسرائيل. ويرافق ذلك ظواهر اجتماعية استدعت السلطات إلى التعامل معها. وعلى أثر تصاعد حالات العنف بين المهاجرين، شكلت وزارة الأمن الداخلي مؤخرا وحدة خاصة من الشرطة للتعامل مع المهاجرين في تل أبيب، وتشمل عشرات الشرطيين. وقالت مصادر في وزارة الأمن الداخلي ليديعوت أحرونوت، إنه "باستثناء الجانب الاقتصادي، فإن الكثيرين من المهاجرين، الذين يصلون من دول إسلامية، قد يشكلون خطرا أمنيا".

وأشار أكشطاين إلى أن "أولاد المهاجرين يذهبون إلى المدارس. والسلطات تساعدهم. وهم يحصلون على خدمات بلدية. ولا أحد يمنعهم من الحصول على خدمات طبية. فهم يستحقون الحصول على مساعدة طبية أساسية. وأولئك الذين يشغلونهم، شركات القوى العاملة، يدفعون عنهم لمؤسسة التأمين الوطني. فإذن هم يحصلون على حقوق في حال تعرضوا إلى الإصابة. ومن هذا الجانب فإنهم يصبحون جزءا من دولة إسرائيل ويتمتعون بتمويل دافع الضرائب".

ورغم أن إسرائيل بدأت ببناء الجدار الحدودي، بتكلفة 3ر1مليار شيكل، إلا إن أكشطاين يؤكد على أنه "يستحيل منع هذه المجموعات السكانية من الوصول إلى هنا. بعضهم يصل إلى هنا كسائحين. وهم سوف يجدون حلولا أخرى للتسلل من خلالها. والجدار لن يمنع ذلك، إذ توجد مجموعات سكانية فقيرة تريد الوصول إلى الدول الغنية، وهذا أمر في غاية البساطة خصوصا وأن هناك جهات في الدول الغنية المعنية بتشغيلهم".

ويؤكد على ذلك البروفسور سوفير بالقول إن "الجدار وحده لا يساوي شيئا، لكن إذا تم تنفيذ عمليات أخرى فإن هذا سينجح". وقال أكشطاين إنه "يجب تبني ما هو موجود في دول OECD [منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية] وهو منع المهاجرين من إمكانية الحصول على أماكن العمل. وهذا يعني أن تمول مكوثهم وتمنحهم الطعام وتهتم بسكنهم، إلى حين تنجح في إعادتهم إلى أوطانهم، لكن يجب ألا تمنحهم إمكانية الدخول إلى سوق العمل".