مصادر في مكتب أولمرت: إسرائيل تبحث في عقد قمة خماسية

اقتصاد ومجتمع

مناقشات جارية منذ فترة بين اتحاد النقابات واتحاد الصناعيين وبإشراف رئيس الحكومة لتبني "النموذج الايرلندي" * وزارة المالية تعترض وتخاف على صلاحياتها كموجه وواضع أساس للسياسة الاقتصادية في إسرائيل

 

مناقشات جارية منذ فترة بين اتحاد النقابات واتحاد الصناعيين وبإشراف رئيس الحكومة لتبني "النموذج الايرلندي" * وزارة المالية تعترض وتخاف على صلاحياتها كموجه وواضع أساس للسياسة الاقتصادية في إسرائيل

 

 

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

 

قالت تقارير صحافية إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، ورئيس اتحاد الصناعيين، شراغا بروش، ورئيس اتحاد النقابات العامة (الهستدروت)، عوفر عيني، باتوا قريبين من التوصل إلى اتفاق يقضي بإقامة مجلس اقتصادي اجتماعي، لأول مرّة في إسرائيل، تكون مهمته وضع توجهات وسياسات اقتصادية إستراتيجية بعيدة المدى، على أساسها يتم توزيع الموارد وبناء الموازنة العامة.

ويجري الحديث عن مجلس شبيه بالمجلس الذي أقامته ايرلندا قبل 20 عاما، وباتت ايرلندا بلدا يُحتذى به على الصعيد الاقتصادي، بعد أن كانت تعتبر قبل 20 عاما من الدول الفقيرة بين دول الاتحاد الأوروبي، ولكنها اليوم، وبفعل السياسة الاقتصادية الخاصة التي اتبعتها، باتت من أغنى ثلاث دول أوروبية.

ويضع المجلس الايرلندي الإستراتيجية الاقتصادية لبلاده لعدة سنوات طوال، وبين الحين والآخر يصدر تقارير حول الوضع الاقتصادي يتضمن توصياته للسياسة الاقتصادية، وإن اقتضت الحاجة، يبادر إلى تعديلات على مشاريع يكون وضعها سابقا.

ويعزو محللون نجاح هذا المجلس في ايرلندا إلى أن قراراته تتخذ بالإجماع والتفاهم بين أعضاء وأقطاب المجلس، من ممثلي حكومة وصناعيين وأرباب عمل وإتحادات نقابية.

أما بالنسبة لإسرائيل، فمن بين التفاهمات التي جرى التوصل إليها أن يتم سن قانون خاص يضمن صلاحيات هذا المجلس، وسيضم ممثلين عن مختلف شرائح المجتمع، "بمن فيهم العرب والمتدينون الأصوليون (الحريديم)"، بحسب ما جاء.

ولكن الجهة الأولى التي سيضمها المجلس في إسرائيل في حال إقامته ستكون ممثلي الحكومة، من وزارة المالية وديوان رئاسة الحكومة، ثم اتحاد النقابات واتحاد الصناعيين، وسيرأس المجلس رئيس الحكومة ذاته، والى جانبه رئيس اتحاد النقابات ورئيس اتحاد الصناعيين.

ويطالب اتحاد النقابات واتحاد الصناعيين بأن يكون التمثيل في المجلس متساويا بين أطرافه، بينما يطلب رئيس الحكومة أن تكون أفضلية له في آلية اتخاذ القرار، وهذا ما يؤجج الخلاف الداخلي حول توزيع الصلاحيات، مما يمنع الإعلان رسميا عن إقامة المجلس الاقتصادي الاجتماعي.

ورغم ذلك فقد تبين أنه تم التوصل إلى تفاهمات لمنح المجلس صلاحية وضع خطة متعددة السنوات للموازنة العامة، بما في ذلك توزيع الميزانيات، وحجم الميزانيات التي ستصرف على الفروع الأساسية في الميزانية مثل الأمن والتعليم والرفاه الاجتماعي والصحة وغيرها.

 

ثورة أم انقلاب؟

 

لكن في الطرف الآخر، فإننا نرى وزارة المالية، بدءا من الوزير روني بار- أون، وكبار مسؤولي الوزارة، الذين لا يخفون غضبهم من المشروع المتبلور، إلى درجة أن الوزير بار- أون قال عنه إنه "ليس ثورة بل انقلاب"، داعيا إلى إبقاء كل الصلاحيات بين يدي الحكومة ووزارة المالية.

ويقول بار- أون، في خطاب له أمام مؤتمر "فوربيس"، تحت عنوان "60 عاما على الاقتصاد الإسرائيلي"، "إن اقتراح إقامة مجلس اقتصادي اجتماعي ليس ثورة، بل انقلاب يمس بالنظام الديمقراطي". وأضاف: "بالذات في أوج عمل وزارة المالية، وعلى الرغم من مختلف التحديات التي تواجه الاقتصاد الإسرائيلي، تتعالى أصوات تدعو إلى تقليص صلاحيات وزارة المالية، من أجل تبني نموذج أقيم قبل 20 عاما".

وأضاف بار- أون أن هدف إقامة المجلس هو تغيير النظام الديمقراطي، على حد تعبيره، "فبدلا من الديمقراطية التي فيها للمواطن العادي تأثير مباشر على السياسة الاقتصادية من خلال البرلمان، فإن المجلس المقترح يريد أن يفرض سياسة اقتصادية، من خلال وسطاء، من النقابات والصناعيين، وبينهم ممثلو قطاعات وفئات معينة تسعى لصالح قضاياها فقط، ولهذا فإن المجلس ينقض المبدأ الديمقراطي".

وتابع بار- أون مهاجما المشروع: إن نموذجا كهذا يعتمد التوافق بين أطرافه سيقود إلى جمود، وخاصة حين يكون تقاطب في المصالح، إن هدف الحكومة دائما هو قيادة سياسة اقتصادية من أجل جميع المواطنين، ومن الممكن أن تكون سياسة توافقية، ولكن واجب الحكومة تطبيقها حتى وإن لم يكن حولها اتفاق.

وردّ عليه رئيس اتحاد النقابات، عوفر عيني، قائلا "إن وزير المالية بار- أون مصاب بالهستيريا، لأن رده على اقتراح إقامة المجلس يهدف إلى اخفاء تخوفه كوزير مالية، ومعه مسؤولي الوزارة، من أن تكون صلاحيات المجلس تقتنص من صلاحيات الوزارة".

وقال عيني "لقد اقترحنا أن يعمل المجلس وفق قانون يقره الكنيست، وأن يكون رئيس الحكومة رئيسا للمجلس وأن الخطط والبرامج الاقتصادية التي سيبلورها المجلس ستعرض بداية على الحكومة لإقرارها، وهذا ما يفند ادعاءات بار- أون، بأن المجلس مناقض للديمقراطية".

وهاجم عيني سياسة وزارة المالية، متهما إياها بأنها هي التي تنقض المبادئ الديمقراطية، من خلال قانون التسويات، الذي تفرضه وزارة المالية سنويا، سوية مع إقرار الميزانية العامة، ويتضمن سلسلة من الإجراءات التقشفية، وتجميد قوانين أقرها الكنيست، لتجميد الصرف عليها، وغيرها من الإجراءات.

واضاف عيني "إن موظفي وزارة المالية يعملون وفق نظرية اقتصادية أحادية الرؤية، ينفذونها بخنوع، في حين أن المجلس الاقتصادي الاجتماعي سيقدم الصورة المتكاملة، لمصلحة جميع المواطنين والشرائح".

وانضم إلى عيني مدافعا عن إقامة المجلس رئيس اتحاد الصناعيين، شراغا بروش، الذي قال "إن النموذج الايرلندي والمجلس الاقتصادي الاجتماعي لن يفرضا سياسة اقتصادية، بل هدف المجلس هو تقديم النصح والتوصيات للحكومة، من أجل التوصل إلى سياسة اقتصادية توافقية، ومن أجل النمو الاقتصادي الاجتماعي، كما هي الحال في عدد من الدول المتطورة".

ودافعت المحللة الاقتصادية في صحيفة "ذي ماركر"، ميراف أرلوزوروف، عن إقامة المجلس، وانتقدت تصريحات وزير المالية، روني بار- أون، بزعمه أن المجلس سيضرب النظام الاقتصادي.

 

وتقول أرلوزوروف "لا يوجد أي مس بالديمقراطية بإقامة مجلس كهذا، ستكون الحكومة والمشغلون والنقابات شركاء فيه، إن مثل هذا المجلس تمت إقامته في دول كثيرة في غرب أوروبا، وحقق نجاحات كبيرة، كهيئة استشارية، ولا يمكن أن يكون مجلس كهذا يهدف إلى أن يحل محل الحكومة والكنيست، وإذا كان هناك من يرى أن إقامة مجلس كهذا سيكون مشكلة للحكومة والكنيست، فهذا يعود إلى حقيقة أن عمل الحكومة والكنيست فيه خلل في ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية".

وتستعرض أرلوزوروف التجربة الايرلندية في هذا المجال، وتقول إنه قبل 20 عاما كانت في إسرائيل وايرلندا وضعية مشابهة للاقتصاد، خاصة من جهة معدل الناتج للفرد، ولكن بعد 20 عاما، ارتفع معدل الناتج للفرد في ايرلندا إلى 45 ألف دولار، بينما في إسرائيل ارتفع إلى 23 ألف دولار فقط.

وتتابع أرلوزوروف قائلة إن ايرلندا أصبحت في السنوات العشرين الأخيرة دولة غنية، وحتى أنها من أغنى ثلاث دول أوروبية، والكثير من الدول الأوروبية، وأيضًا في قارات أخرى طبقوا هذه التجربة، خاصة وأنه في السنوات العشر الأخيرة كان معدل النمو الاقتصادي السنوي في ايرلندا 7%، وفي هذا العام ولأول مرّة بعد كل هذه السنوات، ستكون نسبة النمو 4ر2%، بسبب الأزمة المالية في الولايات المتحدة.

 

هذا ومن المستبعد أن تنجح حكومة أولمرت، بتركيبتها الحالية، وأيضا بتركيبة البرلمان، في سن قانون يضمن إقامة مجلس اقتصادي اجتماعي كهذا، إلا إذا تم إقناع المعارضة بتأييد مثل هذا المجلس لضمان عمله مستقبلا، وفي ظل كل حكومة.