موفاز: الانسحاب من غزة خلال شهر ونصف الشهر

اقتصاد ومجتمع

القلق يسود الجمعيات الخيرية وجمعيات قائمة على الخدمات الاجتماعية والثقافية على ضوء تراجع كبير جدا في التبرعات الخارجية وحتى الداخلية * الجمعيات تشغل آلاف الموظفين ومنها من يعتقد أنه على حافة انهيار * ثلاث ضربات أساسية تتلقاها الجمعيات: انخفاض التبرعات وهبوط قيمة الدولار وارتفاع أسعار المواد الغذائية

 

القلق يسود الجمعيات الخيرية وجمعيات قائمة على الخدمات الاجتماعية والثقافية على ضوء تراجع كبير جدا في التبرعات الخارجية وحتى الداخلية * الجمعيات تشغل آلاف الموظفين ومنها من يعتقد أنه على حافة انهيار * ثلاث ضربات أساسية تتلقاها الجمعيات: انخفاض التبرعات وهبوط قيمة الدولار وارتفاع أسعار المواد الغذائية

 

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

 

عبرت أوساط رسمية إسرائيلية، والى جانبها مسؤولون في الوكالة اليهودية، في الأيام القليلة الماضية، عن تخوفها من احتمال كبير جدا لتراجع تبرعات المنظمات الأميركية اليهودية لإسرائيل والمجموعات اليهودية في العالم، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، التي ضربت أيضا أثرياء الأميركان اليهود، وأمثالهم في أوروبا وغيرها.

 

وقال تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" إن إسرائيل ستكون متضررة من تراجع هذه التبرعات، وليس فقط المجموعات اليهودية في العالم، لأن هذه التبرعات تخدم بالأساس الشرائح الضعيفة والفقيرة من بين اليهود في العالم، ولكنها أيضا تصل إلى إسرائيل لتمويل مشاريع مختلفة، من بينها تمويل جمعيات تصرف على فقراء اليهود، وحتى مشاريع بنيوية مخصصة للوكالة اليهودية.

 

ويقول مسؤولون في الفيدرالية اليهودية في الولايات المتحدة إن إسرائيل قد تكون متضررة من تراجع التبرعات، لأن الأمر قد يستوجب الفيدرالية استخدام الاحتياطي المالي لديها، وهو مخصص لحالات الأزمات والطوارئ، وآخر مرّة تم استخدام الاحتياطي فيها كانت خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، في صيف العام 2006.

 

وتبلغ ميزانية الفيدرالية اليهودية في الولايات المتحدة 3 مليارات دولار سنويا، وتقول مسؤولة فرع واشنطن للفيدرالية، سوزي غيلمان، "إن الوضع الناشئ جديد علينا، ونحن نشعر بقلق وعدم استقرار، لأننا لا نعرف ما إذا سنستمر بالسقوط".

 

وقالت غيلمان لصحيفة "هآرتس" إنه ما من شك في أن الفيدرالية ستواصل دعمها لإسرائيل، "ولكن علينا أولا أن نهتم بأنفسنا، لأننا نعرف أن الناس ليس في إمكانهم تقديم نفس حجم التبرعات التي قدموها في السنة الماضية.

 

ويقول مدير عام الفيدرالية اليهودية في واشنطن، وليام دروف، إن تأثير تراجع ميزانية الفيدرالية سيكون هداما على الشرائح اليهودية الضعيفة، بسبب احتمال تراجع الخدمات التي تقدم لهم. ويؤكد دروف "إن كبار الأثرياء اليهود في الولايات المتحدة خسروا ما لا يقل عن 20% من قيمة أموالهم، مقارنة مع العام الماضي، كذلك فإن الصناديق الخيرية التي كانت تمول الفيدرالية تضررت جراء البورصة، في حين أن عدد المحتاجين لدعم اجتماعي ازداد في العام الأخير".

 

وتقول جنيفر لازلو مزراحي، رئيسة "مشروع إسرائيل" في الولايات المتحدة، إنها باتت تجد صعوبة في تجنيد أموال تبرعات لإسرائيل، "لأن منظمتها توظف جل جهدها في محاولة شرح جدية التهديد الإيراني على إسرائيل، أمام الرأي العام الأميركي".

 

وتضيف مزراحي قائلة إن الجهات التي كانت تتبرع تفقد مصالحها التجارية، ومنها من أعلن إفلاسه، ومنها من يواجه ضغوطا ويشعر بحالة قلق من المستقبل على ضوء الأزمة المالية المتفاقمة.

 

وترى إسرائيل أنها متضررة من الأزمة في اتجاهين- الأول هو تراجع حجم التبرعات بشكل عام، ثم تراجع قيمة الدولار أمام العملة المحلية الإسرائيلي (الشيكل)، وعملات أخرى في العالم.

 

وكما يبدو فإن هذا لا يقنع رجالات الدين اليهود الذين يطالبون بالاستمرار في تقديم التبرعات لإسرائيل واليهود في العالم. ويقول الحاخام الأميركي جيروم إفشتاين إن بالإمكان الاستمرار في جمع التبرعات، ومن لم يتضرر من الأزمة المالية عليه أن يتحمل مسؤولية أكبر، "إن اليهود يواصلون تقديم التبرعات للمرشحين للرئاسة الأميركية جون ماكين وباراك أوباما، على الرغم من أنهم تضرروا ماليا".

 

وتابع الحاخام إفشتاين: إننا نوصي رجال الدين في الكنس اليهودية أن يعظوا ليشعر اليهود بالحاجة للاستمرار في تقديم التبرعات على الرغم من الأزمة المالية.

 

الخطر يداهم الجمعيات الخيرية

 

ونشرت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" تقريرا مطولا حول القلق الذي يسود آلاف الجمعيات الخيرية في إسرائيل، التي تصل ميزانياتها الإجمالية إلى نحو 80 مليار شيكل، وهي ما يعادل 7ر21 مليار دولار وفق سعر الصرف الحالي، وتصل قيمة التبرعات الخارجية الإجمالية إلى 10%، في حين أن هناك جمعيات تعتمد أساسا على التبرعات الخارجية.

 

ويقول التقرير إن قطاع الجمعيات يطلق عليه اسم "القطاع الثالث"، وهو ما بين القطاع العام والقطاع الخاص، وهو ضخم جدا، ويشمل مؤسسات ابتداء من جامعات ومعاهد أبحاث وحتى جمعيات لتوزيع المواد الغذائية والوجبات الساخنة على الفقراء المعدمين، وجمعيات لمعالجة الفتيان في خطر، وصولا إلى الوكالة اليهودية، ويعمل في هذه الجمعيات عشرات آلاف العاملين.

 

ويقول البروفسور إليعيزر يافيه، المختص بالقطاع الثالث في الجامعة العبرية في القدس، إن مصدر التمويل الأساس بنسبة 60% لهذه الجمعيات هو خزينة الدولة، في حين أن الجمعيات على مختلف أشكالها تجمع 30% من ميزانياتها ممن يتلقون خدماتها، وتصل نسبة التبرعات الخارجية إلى 10%، ولكن هناك جمعيات تصل نسبة التبرعات الخارجية من ميزانياتها إلى 60% وحتى 100%، وحتى من دون تمويل إضافي خارجي، وعلى سبيل المثال جمعيات مكافحة السرطان، وأطباء من أجل حقوق الإنسان، وغيرها من الجمعيات الإنسانية التي تعنى بشؤون المرضى وتغذية الفقراء.

 

ويرى التقرير أن هناك ثلاث ضربات مركزية قد تتلقاها هذه الجمعيات، ما يهدد بعضها بالانهيار الكلي، بما في ذلك خدماتها الحيوية التي تقدمها للمحتاجين، فالضربة القاسية الأولى هي انخفاض سعر صرف الدولار أمام الشيكل، إذ بنت هذه الجمعيات ميزانياتها على أساس أن معدل سعر صرف الدولار سيكون 5 شيكلات، بينما هذا انخفض بما بين 15% وحتى 20%.

 

بعد ذلك تأتي الضربة الثانية وهي ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 22%، ليزيد من عجز الميزانيات، ولكن في المقابل فإن عدد المحتاجين للمواد الغذائية الأساسية والمساعدات الإنسانية قد ازداد في العام الأخير على ضوء الغلاء المتصاعد.

 

ثم تأتي الضربة الثالثة المتمثلة في الأزمة المالية العالمية، التي دفعت بكبار الأثرياء اليهود والصناديق الخيرية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغنية في العالم، إلى إنذار الجمعيات الخيرية في إسرائيل وغيرها بأن حجم تبرعاتها سيتراجع ابتداء من العام الجاري، وبطبيعة الحال في العام القادم.

 

وقد أعلن أثرياء يهود، وفق التقرير، عن تخفيض تبرعاتهم بأكثر من 50%، ما يعني توجيه ضربة قاصمة إلى مئات الجمعيات التي تعتمد على هذه التبرعات في بناء ميزانياتها.

 

والتخوف التالي يتجه نحو العاملين في هذه الجمعيات، ففي حال تلقت هذه الجمعيات ضربات مالية كبيرة فستكون مضطرة لا محالة إلى تقليص خدماتها وبالتالي تقليص أعداد العاملين فيها، ما يعني توجيههم إلى سوق البطالة، في حين ان أعدادا كبيرة من المحتاجين لخدمات هذه الجمعيات سيجدون أنفسهم من دون جهة تقدم لهم الخدمات التي باتت جزءا هاما في حياتهم اليومية.