سجالات واتهامات متبادلة ومصالح ذاتية في طريق تعيين الحاخامين الأكبرين لإسرائيل

وثائق وتقارير

مندوبة "المشهد الإسرائيلي" تنقل وقائع من ندوة خاصة حول تقرير لجنة فينوغراد في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية * محامي أولمرت: المجتمع المتنور هو الذي يستخلص العبر ويصحح الوضع بناء على استنتاجات لجان التحقيق لا المجتمع الذي يدق أعناق المسؤولين * البروفسور درور: لست مطمئنا على مستقبل الدولة، أداؤنا ليس جيدا بما فيه الكفاية، وهذه الملاحظة لا تخصّ الحكومة الحالية فقط

 

 أقيمت في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، في السادس من شباط الجاري، حلقة نقاش مستديرة خاضت في مكانة وحيثيات لجنة فينوغراد التي عينت لبحث وتقصي وقائع الحرب الأخيرة على لبنان ولجان التحقيق عامةً.

 

وقد استهل بروفسور يحزقيئيل درور، عضو لجنة فينوغراد وأستاذ العلوم السياسية، الذي كان الضيف الرئيس في الحلقة، حديثه متطرقاً إلى الضجة التي أحدثتها تصريحاته في المقابلة التي أدلى بها لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية على أثر نشر التقرير النهائي للجنة [اقرأ تقريرًا منفردًا عن هذه التصريحات وتداعياتها في سياق منفرد].

 

ومما قاله درور في الحلقة: "أنا أرى أنّ إحدى وظائفي المهنية هي المساهمة في توعية الجمهور عن طريق طرح أنماط التفكير لا فحواه، وفي المقابلة في صحيفة "معاريف" اقترحت قالباً لكيفية التوصل إلى قرار". وأوضح أن هناك اعتبارًا يتمركز بالفائدة، ووفقه فإن من يؤيد عملية السلام يتخذ موقفا معينا ومن لا يؤمن بها يتخذ موقفا آخر، وهناك أيضاً التوجه الأخلاقي النقي والذي يتمركز في السؤال على من تقع المسؤولية وبناء عليه فما هي الاستنتاجات التي يجب إستخلاصها. أما بخصوص اللجنة لفحص أحداث حرب لبنان فهي لم تعط أي اعتبار للنتائج السياسية لتوصياتها.

 

وتساءل درور: إلى أي مدى كان على اللجنة التمركز بتشخيص المذنبين أو بتوصيات مستقبلية تخص الجهاز ككل؟. وتابع أن موقفه الشخصي وأيضاً كعضو في اللجنة هو أن البندين هامّان، لكن عند أخذ الوضع الحالي بالاعتبار فإنّه يميل أكثر إلى تشخيص العثرات في سبيل تحسين الواقع.

 

وأضاف: "حسب رأيي، هناك واجب على هذا الجيل في إسرائيل لأن يهتم بالمستقبل، نحن نحتفل هذا العام باليوبيل الستين والمستقبل ليس في الجيب. أنا لست مطمئنا على مستقبل الدولة، أداؤنا ليس جيدا بما فيه الكفاية، وهذه الملاحظة لا تخص الحكومة الحالية فقط". كما أكد درور أنه يعارض المحاولات الهادفة إلى المس بصلاحيات محكمة العدل العليا وذلك ليس من منطلق أنه لا يوجد داع للإصلاح، لكن يجوز التدخل في عمل المحكمة فقط في إطار جهاز سياسي يؤدي دوره بشكل ممتاز إلا أن الجهاز الحالي ليس كذلك. وإنتقد درور كذلك القرار بأن يتم الكشف عن كل الشهادات التي أدليت أمام اللجنة إذا لم يكن بها ما يمس بشكل مباشر بالأمن، وقال إن" الشهود أدلوا بشهاداتهم أمامنا ظناً منهم أن أقوالهم لن تنشر، لذا فإن هذا القرار من شأنه المس بعمل لجان مستقبلية ويجب الموازنة بين حق الجمهور بالمعرفة والحاجة لفحص الحقائق". ورد درور على سؤال كيف يمكن محاسبة شخص فشل وفقاً لكافة المقاييس وكلف فشله حياة أشخاص آخرين؟ قائلاً "أنا أؤمن بالديمقراطية، وأعتقد أن كل من يقول إن هذا من واجب اللجنة غير مؤمن بالديمقراطية. وكل من يقول إن على اللجنة أن تمنح ثقتها أو أن لا تمنحها لرئيس الحكومة فإن هذا يتعارض مع مفهوم الديمقراطية. إن الجمهور هو القاضي الشرعي الوحيد، إلا إذا كانت هناك مسؤولية جنائية، وإنّ تحويل ذلك إلى جهة أخرى معناه أن الجمهور يعتزل دوره في الديمقراطية".

 

سرّ قوة لجان التحقيق في إسرائيل

 

من جهته تطرق د. أريك كرمون، رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، للجان التحقيق قائلاً إن القوة الجماهيرية التي تعطى للجان التحقيق في إسرائيل تدل على مشكلة اجتماعية- سياسية. وتابع: "الديمقراطية عندنا مريضة، وأحد الأسباب لذلك هو تنامي الشعور المضاد للسياسة. الأبحاث التي أجريناها هنا في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية تدل بشكل متكرر على إنخفاض ثقة الجمهور إزاء المؤسسات الديمقراطية". وأضاف كرمون "أنا أطلب أن نفحص حيز لجان التحقيق في الثقافة السياسية في إسرائيل. إن موضوع لجان التحقيق له علاقة بتشويش الفرق بين المسؤولية القضائية والمسؤولية الجماهيرية. إقامة لجنة تؤدي إلى خلق ساحة سياسية بديلة عن الجمهور والكنيست، ونحن بهذا ننقل النقاش إلى مكان يتم فيه الحكم نيابة عنا، وبهذا نحن نعزز الإتجاه الذي يشير إلى تردي الثقة بالمؤسسات السياسية وهذا يبعث على القلق. ليس هناك في أي دولة قوة سياسية للجان التحقيق كما هي الحال في إسرائيل. في اللحظة التي يتم فيها دق عنق السياسي يبتعد الجمهور عن المواضيع المتعلقة بالجهاز ككل". إلا أنّ كرمون شدد على أنه لا ينادي بإلغاء لجان التحقيق. وبالنسبة إلى أقوال درور لصحيفة "معاريف" فإن من شأنها إلغاء شرعية تقرير اللجنة في أوساط الجمهور، وفق كرمون، الذي أبدى استغرابه من قيام درور بعد بضعة أيام من نشر التقرير بالإدلاء بتصريح يترك وصمة على كل عمل اللجنة.

 

من جانبه قال المحامي إيلي زوهر، محامي إيهود أولمرت في لجنة فينوغراد، إن "اللجان هي بمثابة إجراء قضائي وإذا أرادت اللجنة التوصل لاستنتاجات تعبّر عن الحقيقة، فليست هناك طريقة أخرى سوى استعمال الأدوات القضائية، والمشكلة أن هذه الأدوات تكون غير فعالة في إطار لجان التحقيق". وأضاف أن اللجنة الحالية نجحت في التخلص من المضيق الذي يؤدي إلى نتائج لا تطاق، فهي نجحت في الامتناع عن المس باسم وكرامة الأشخاص الذين مثلوا أمامها. وقال أيضًا إن وظيفة اللجنة "تتمحور في بحث موضوعات معينة لا في أشخاص معينين. والمجتمع المتنور هو الذي يستخلص العبر ويصحح الوضع بناء على الاستنتاجات لا المجتمع الذي يدق الأعناق".

 

الدور المعوّل على لجان التحقيق يشوّش العملية الديمقراطية

 

وأكد بروفسور شلومو أفينيري، أستاذ العلوم السياسية والمدير العام الأسبق لوزارة الخارجية، هو أيضًا، أن الدور المركزي الذي يمنح للجان التحقيق في إسرائيل يشوّش العملية الديمقراطية. وعبر عن ذلك بقوله "إن مؤسسة لجان التحقيق كما تطورت عندنا قد فشلت. فهي تهدف، من ناحية، للاستجابة إلى رغبات الجمهور، ومن ناحية أخرى تمنح الحكومة الموجودة في ضائقة المزيد من الوقت. وبما أن رغبات الطرفين متناقضة فإن النتيجة هي تشويش العملية الديمقراطية". ويعتقد أفينيري أنه كان يتوجب على رئيس الحكومة تقديم إستقالته فوراً بعد الحرب وأن يتم إجراء انتخابات. لكن اليوم بعد سنة ونصف السنة، فإن الحديث العام في الشأن السياسي يختلف عما كان في سنة 2006. ما يحدث هو أنه لا يتم التمركز في عملية إتخاذ القرارت والقول إنها لم تكن سليمة. والحقيقة أننا لا نهتم بالعملية ذاتها وإنما بالنتائج، ولأن النتائج لم تكن سليمة ندّعي بالتالي أنّ عملية إتخاذ القرارات ليست سليمة.

 

وتطرق إلى عملية إتخاذ القرارات سنة 1948 وكذلك عشية حرب حزيران 1967 والتي كانت كذلك غير سليمة بينما النتائج كانت ناجحة. وأضاف "نحن نتحدث عن الديمقراطية وننسى الشعب، قرار الشعب هو دائماً الصحيح، ما يهم الجمهور هو إما دق الأعناق أو إعطاء الشرعية، ما يجري في الدولة بشأن لجان التحقيق يذكرني قليلاً بالديمقراطية اليونانية عند تدهورها".

 

د.عوزي لنداو، وزير الأمن الداخلي سابقاً، قال: "مخطئ من يظن أنه كان على اللجنة أن تتوصل إلى استنتاجات شخصية. يجب الإقرار بأن وظيفة اللجنة ليس نشر استنتاجات شخصية وكذلك الأمر عند الحديث عن لجان تحقيق حكومية وقضائية". وأشار إلى أنه كانت لديه تخوفات بشأن ما ستحدثه لجنة أور في الشرطة. ورد على تساؤل حول إمكان أن يكون مقتل ثلاثة عشر شخصًا [خلال "هبة أكتوبر 2000] من غير قاتل بقوله: "يجب ألا ننسى أنه كانت هناك حرب عند حدوث ذلك. في كل الجهات، كجهازي الشاباك والشرطة على سبيل المثال، فإنه منذ اللحظة التي تقام فيها لجنة تحقيق حكومية، يوقفون كل التحقيقات الداخلية، وهذا الوضع شديد الخطورة. هناك تشويش تدريجي في حس الإتجاه اليهودي في دولة إسرائيل".

 

لا بدّ من مجلس فاعل للأمن القومي

 

وقال أمنون ليبكين- شاحك، رئيس هيئة الأركان العامة والوزير سابقاً، إن السؤال الأكثر أهمية الآن هو كيف يتم بناء مجلس فاعل للأمن القومي يساهم في حفظ أمن دولة إسرائيل. وأضاف أنّ الحكومة على الأغلب لا تناقش قرارت حساسة على الصعيد الأمني، وهذا ليس فقط بسبب إعتبارات السرية وإنّما أيضاً لأنه في كثير من الحالات تكون الحكومة جسما ثقيلا وأهوج. وتابع قائلاً إن المواضيع الأمنية تناقش بالأساس في منتدى مقلص هو المجلس الوزاري المصغر. ويعاني هذا المنتدى من مشكلة بنيوية، فالمشاركون يعرفون ماهية الموضوع المطروح فقط عند وصولهم للمباحثة والمداولة، بينما الجيش هو من يتهيأ جيداً لهذه الجلسات إلا أنه لا يخوض في الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية للقرارات، وعدا عن ذلك فإن الجيش يصل إلى جلسات المباحثة هذه حين يكون قد حصل مسبقاً على دعم وزير الدفاع ورئيس الحكومة وبالتالي فليس هناك أي وزير آخر يتجرأ على الإعتراض على ذلك. جزء من هذه المعضلة لا يمكن تغييره وجزء آخر يمكن تغييره من خلال إقامة مجلس للأمن القومي.

 

من ناحيته إعتبر بروفسور مردخاي كريمنتسر، الباحث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أن لجنة فينوغراد أثارت خلافات في الرأي بسبب تعريفها أنها لجنة حكوميّة عوضاً عن لجنة تحقيق رسمية، ونظراً لكونها حكومية فقد عُيّن أعضاؤها على يد رئيس الحكومة. وذكر كريمنتسر حادثة قال إنه لا يعرف مدى صحتها إلا أنها تتحدث عن الوزير يوسف بورغ حين قدموا له في إحدى المرات تقرير لجنة تحقيق، فقال لأعضاء اللجنة "أنتم تسمعون دائماً كيف توضع توصيات اللجان في الجارور"، وفتح عندها الجارور وأدخل التقرير إليه.

 

وأردف كريمنتسر "أنا أعتقد أنه في كثير من الأحيان بعد الرد الاحتفالي: نحن نقبل التقرير، لا يتم في حقيقة الأمر الخوض أو التطرق لما جاء فيه. أنا أوافق د. كرمون الرأي أن إزدياد الشعور المضاد للسياسة يشكل خطراً على الديمقراطية، لكني لا أعتقد أن هناك علاقة بين مؤسسة لجان التحقيق وهذا الوضع، بينما العامل الأكثر أهمية والذي يؤثر على ذلك هو تصرفات ممثلي الجمهور لدينا. إحدى المشاعر المبررة التي لدى الجمهور هي أنّه لا توجد إرادة لدى السياسيين لتحمل مسؤولية قراراتهم، بمعنى أن يعترفوا بالفشل ويخلوا أماكنهم".

 

وأضاف: "إن الاعتقاد القائل بأن الفاشل هو المصلح المطلق ليس له أي أساس من الصحة، لنفترض أن الفشل هو مشترك لرئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، فهل رئيس حكومة والذي فشل بنفسه قادر على إقصاء وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان؟ إنه لا يستطيع لأنه فشل بذاته، إذا قام بإقصائهما يكون واضحا أن عليه هو كذلك التنحي جانباً، لذلك فإن الإدعاء بأن من يفشل هو المصلح المطلق هو بمثابة ذر للرماد في العيون، لأن توجهه الطبيعي سيكون تقليص الإخفاق قدر الإمكان وإبراز النجاحات، لا لكونه شخصا سيئا لكن لكونه إنسانا. والجمهور يدرك أن هناك تناقضا بين الإدعاء "أنا مسؤول عن كل شيء" وبين معنى تحمل المسؤولية، شيئاً فشيئاً سيفهم الجمهور أنه تم التلاعب به".

 

وتابع أنه فيما يخص لجنة فينوغراد، فإن جزءا من المشكلة هو أنه حتى قبل انتهاء عمل اللجنة صرّح من قام بتعيينها أنه لن يستقيل، وهذا بدوره يؤثر سلباً على ثقة الجمهور بالمسؤولين واعتمادهم عليهم. وأضاف أنه وفق اعتقاده فإن "الفشل الأساس للجنة فينوغراد يكمن في أنها سلكت طريقاً غريباً حين روت للأشخاص الذين تم التحقيق معهم عما سوف تسألهم عنه، ولم تصدر رسائل تحذير لهم مما يحتمل أن يمس بهم. وفي نهاية الأمر فإن اللجنة لم تزود الجمهور الإسرائيلي بملف يمكنه من التوصل إلى إستنتاجات بشأن عمل وأداء الجهاز برمته. والقول إن المستويين السياسي والعسكري فشلا معناه إلقاء اللوم على العشرات والمئات من الأشخاص".

 

إيلي روتشيلد، العميد في الاحتياط، قال إنه لا يهمه دق الأعناق وإنما أن يستيقظ بعد سنة ليرى أنه تم الأخذ بإستنتاجات اللجنة والعمل وفقها، كأن يكون لرئيس الحكومة جهاز يساعده في اتخاذ القرارات.

 

وأوضح "إذا كان رئيس الحكومة يقبل ما يقوله الجيش من دون أي قدرة على الاعتراض على ذلك، فلا أفهم أي قرارات يستطيع اتخاذها". وشدد روتشيلد على الحاجة لإصلاح الجهاز لا تعليق أشخاص على حبل المشنقة. وقال إنه إذا كان الجهاز السياسي مبنيا بشكل آخر لكان سيتصرف بشكل آخر، غير أن هذا الجهاز مريض.