وثائق وتقارير

* "التغييرات التي أجرتها حكومة أبو مازن في أجهزة الأمن التي تستند إليها سلطته في الضفة الغربية لا تزال حتى الآن تجميلية وشكلية فقط"! *

تعريف

هذه ترجمة خاصة لأهم ما تضمنه تقرير مطوّل أعده "مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب" في "مركز تراث الاستخبارات" الإسرائيلي، والذي يتناول فيه المعدون بالقراءة والعرض والتقييم الجهود والنشاطات التي قامت بها السلطة الوطنية الفلسطينية والأجهزة الأمنية التابعة لها خلال السنة الأخيرة، في نطاق تنفيذ التزاماتها الأمنية بموجب ما نصت عليه المرحلة الأولى من "خريطة الطريق".

 

ويركز التقرير، الذي صدر بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش لإسرائيل والأراضي الفلسطينية وانطلاق مفاوضات التسوية النهائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي (التقرير مؤرخ في 10 كانون الثاني / يناير 2008)، على استعراض وتقييم أداء السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية في مجال ما يصفه معدو التقرير بـ "محاربة الإرهاب والتحريض ضد إسرائيل" وخاصة في مناطق الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة السلطة الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن".

 

مدخل

قامت الأجهزة الأمنية الفلسطينية خلال الشهرين الأخيرين، في موازاة المفاوضات مع إسرائيل والاستعداد للقاء أنابوليس الذي عقد في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بنشاطات أمنية مكثفة في نابلس وبدرجة أقل في مدن فلسطينية أخرى في الضفة الغربية. وقد استهدفت هذه النشاطات وضع حد لمظاهر الفوضى وتطبيق النظام العام، إضافة إلى تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية وإضعاف حركة "حماس" وشل حركتها في مناطق الضفة الغربية.

فضلاً عن ذلك فقد استهدفت هذه النشاطات الأمنية التأكيد أمام الولايات المتحدة وإسرائيل والمجتمع الدولي أن السلطة الفلسطينية تفي بالتزاماتها الأمنية في نطاق المرحلة الأولى من خريطة الطريق. التقييم المرحلي (لغاية بداية كانون الثاني 2008) يشير إلى أن أجهزة الأمن الفلسطينية حققت، في مجالات فرض القانون والنظام والحد من الأنشطة السياسية والاجتماعية والدعائية لحركة "حماس"، نجاحات محلية في مدينة نابلس وفي عدد من بؤر الفوضى الأخرى في الضفة الغربية. في المقابل، كانت نشاطات هذه الأجهزة الأمنية في كل ما يتعلق بتفكيك "البنى التحتية الإرهابية" وإحباط "عمليات الإرهاب"، محدودة للغاية وغير ناجعة إذ لم يظهر فعلياً أي تغيير ملموس في سلوك وعمل هذه الأجهزة ذاتها مقارنة مع الفترة السابقة. كذلك فإن السلطة الفلسطينية لا تفي أيضاً بالتزامها في كل ما يتصل بوقف التحريض ضد إسرائيل، والذي تصاعد بالذات في أعقاب لقاء أنابوليس. وكتحصيل حاصل يمكن القول إن "البنى الإرهابية لحركة حماس" و"الجهاد الإسلامي" وحتى مجموعات حركة "فتح" المسلحة التي رفضت الانضمام إلى "اتفاقية المطلوبين"، ما زالت قائمة، وسط قيامها بمحاولات لتنفيذ هجمات مسلحة في مناطق الضفة الغربية وداخل إسرائيل (بما في ذلك عمليات انتحارية). صحيح أن انخفاضاً قد طرأ في سنة 2007 على حجم الهجمات في الضفة أو انطلاقاً منها، لكن ذلك كان نتيجة سلسلة متصلة من النشاطات المكثفة التي قامت بها قوات الأمن الإسرائيلية لا أجهزة الأمن الفلسطينية. وقد استمرت هذه الأنشطة الوقائية لقوات الأمن الإسرائيلية في بداية سنة 2008 وأبرزها الحملة الواسعة النطاق التي شنتها قوات الأمن الإسرائيلية في حي "القصبة" بمدينة نابلس (من 2-5 كانون الثاني 2008).

 

سمات نشاط أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية

 

تركزت نشاطات أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية منذ بداية تشرين الثاني الماضي في مدينة نابلس بشكل رئيس، والتي تشكل تقليدياً "بؤرة مركزية للإرهاب والفوضى في يهودا والسامرة". وقد جرت مثل هذه النشاطات فيما بعد (ولكن بوتيرة أقل) في وسط مدن أخرى مثل جنين، الخليل، طولكرم وبيت لحم. في منطقة نابلس وعدد من مراكز المدن الأخرى حققت أجهزة الأمن الفلسطينية "نجاحات محلية" في الحد من مظاهر الفوضى وإعادة النظام العام الذي "اضطرب خلال سبعة أعوام من المواجهة العنيفة مع الفلسطينيين". الجهود التي قامت بها السلطة الفلسطينية لإضعاف البنى التحتية لحركة "حماس" في الضفة الغربية، وخاصة في محافظتي نابلس وجنين، وجدت تعبيراً لها في الاعتقالات الواسعة لمشبوهين بالانتماء إلى حركة "حماس" (حوالي 430 معتقلاً معظمهم محسوبون على حماس) إلا أنه "جرى إطلاق سراح غالبية هؤلاء ولم يبق رهن الاعتقال سوى بضع عشرات".

تمثل تجل آخر لهذه الجهود في النشاطات المكثفة جداً التي قامت بها السلطة الفلسطينية ضد "لجان الزكاة" ومؤسسات أخرى مرتبطة بالبنية المدنية لحركة حماس (جهاز "الدعوة"). وقد أغلقت في هذا الإطار مكاتب عدد من "لجان الزكاة" وأقيل رؤساؤها وموظفوها المحسوبون على "حماس" كما استبدل عدد من أئمة المساجد في الإطار ذاته.

وكانت حكومة سلام فياض قد باشرت بإصلاحات هدفها إضعاف سيطرة حركة "حماس" في "لجان الزكاة" ومؤسسات "الوعظ والإرشاد"، ومن ضمن ذلك سن قانون لمنع تبييض الأموال واتخاذ قرار بحل 92 من "لجان الزكاة" العاملة في الضفة الغربية ودمجها في (11) لجنة تعمل تحت إشراف وزارة الأوقاف.

لا شك في أن هذه الخطوات هي في الاتجاه الصحيح، لكن درجة نجاحها ستكون منوطة بدرجة تصميم وقدرة السلطة الفلسطينية على مواصلتها والمضي قدماً لفترة طويلة.

في نطاق إجراءات السلطة الفلسطينية ضد البنية المدنية لحماس في الضفة الغربية "عملت أجهزتها الأمنية ضد المساجد" التي يُشكل الكثير منها تقليدياً معاقل للحركة تجري فيها أنشطة الدعوة والتحريض، بل وجرت فيها في الماضي "نشاطات تنفيذية لفصائل الإرهاب". ففي الشهرين الأخيرين جرت في هذا الإطار نحو 30 عملية دهم لمساجد وضبطت فيها مواد تحريضية. كذلك اعتقل ستة من أئمة المساجد واستبدل عدد من خطبائها، "غير أن هذه العملية (استبدال رجال الوعظ وخطباء المساجد) ما زالت حتى الآن محدودة جداً في حجمها، إذ ما زالت ظاهرة التحريض في المساجد ضد إسرائيل والسلطة الفلسطينية مستمرة".

موقع آخر حققت فيه نشاطات الأجهزة الأمنية الفلسطينية نجاحاً محلياً هو مدينة بيت لحم التي تشكل محط أنظار العالم في فترة أعياد الميلاد المسيحية. وقد ساهمت الإجراءات والتدابير الأمنية التي اتخذتها أجهزة أمن السلطة في المدينة، وسط التنسيق والتعاون فيما بينها، في جعل احتفالات وشعائر عيد الميلاد، التي حضرها الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وعشرات الآلاف من رجالات الدين والسياح، تسير بانتظام وهدوء دون أي تشويشات أمنية. كذلك أقيم في بيت لحم بمناسبة الذكرى الـ43 لانطلاقة حركة "فتح" استعراض عسكري لأجهزة الأمن الفلسطينية شارك فيه نحو 600 عنصر. وصرح رئيس المخابرات العامة في بيت لحم، محمد غانم، أن أجهزة الأمن الفلسطينية نفذت خلال الشهرين الأخيرين اعتقالات في صفوف ناشطي حركة "حماس" ووضعت يدها على كمية من الأسلحة والوسائل القتالية.

في المقابل بقيت محافظة الخليل، التي يوجد للتقاليد والدين فيها تأثير كبير، معقل القوة المركزي لحركة "حماس" في الضفة الغربية. إذ تتمتع الحركة في منطقة الخليل ، تقليدياً، بنفوذ سياسي واجتماعي وتنفيذي قوي وراسخ، وفي الوقت ذاته تتمتع الحمائل الكبيرة بنفوذ بالغ بالمقارنة مع المحافظات الأخرى في الضفة. خلال الأشهر الأخيرة قامت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بنشاطات مختلفة في الخليل ضبطت في أثنائها وسائل قتالية وخاضت عدة مواجهات مع حركة "حماس" وحزب التحرير الإسلامي الراديكالي.

تلخيص: مؤخراً صرح وزير الداخلية الفلسطيني عبد الرزاق اليحيى أن "الفوضى الأمنية انتهت" وأنه تم القضاء نهائياً على نشاط المجموعات المسلحة". (إذاعة "صوت فلسطين"، 26/12/2007).

هذا التصريح لا يوجد له سند حقيقي على الأرض. وهو ما أكدت عليه عملية اعتقال 23 مطلوباً وضبط كمية كبيرة من الوسائل القتالية على يد قوات الأمن الإسرائيلية في حي القصبة بنابلس.

نحن نعتقد أن السلطة الفلسطينية لم تستكمل نشاطها بعد في مضمار تطبيق القانون والنظام، وبالقطع ليس في محافظة إشكالية مثل الخليل. عدا عن ذلك، فإنه ما زال من السابق لأوانه الجزم فيما إذا كانت الإنجازات، في بؤرة فوضى تقليدية مثل نابلس وغيرها، هي إنجازات راسخة وحقيقية؟ وهل وبأي درجة ستقوم السلطة الفلسطينية ببذل جهود من أجل المحافظة على هذه الإنجازات لفترة طويلة؟.

 

نشاط محدود لتفكيك "البنى التحتية" وإحباط "الإرهاب"

 

في الوقت الذي أحرزت فيه أجهزة الأمن الفلسطينية نجاحات محلية في مضمار تطبيق القانون والنظام وضرب البنية المدنية لحركة "حماس"، فقد امتنعت هذه الأجهزة عن القيام بنشاطات وجهود فعّالة تؤدي إلى "تفكيك البنى التحتية التنفيذية- الإرهابية لحركة حماس" (ومنظمات إرهابية أخرى) في أنحاء الضفة الغربية. وعلى سبيل المثال:

أ‌- هناك قلائل جداً من الـ430 ناشطاً الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية، (غالبيتهم محسوبة على حماس) لهم ارتباط فعلي بالذراع العسكرية ("الإرهابية") لحركة حماس. فمعظم المعتقلين هم نشطاء في البنية المدنية/ السياسية للحركة، وخاصة في محافظتي نابلس وجنين. كذلك امتنعت الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن اعتقال ناشطين مسلحين في الذراع العسكرية لحركة "فتح" (وفصائل أخرى) والذين كان من المحتمل أن يقاوموا عملية اعتقالهم. وعليه فقد تمت الاعتقالات بصورة عامة دون مقاومة تذكر ما عدا في حالات قليلة جداً حيث اضطرت الأجهزة الأمنية للتصادم مع نشطاء مسلحين قاوموا اعتقالهم.

ب‌- غالبية المعتقلين أفرج عنهم بعد احتجازهم لبضعة أيام وذلك وفق الطريقة المعروفة بطريقة "الباب الدوار". هذا الأمر يمكن أن نجد تعبيراً له في إطلاق سراح 31 معتقلاً من ناشطي "حماس" الذين اعتقلوا في نابلس، وذلك بمناسبة حلول "عيد الأضحى" (في 17 تشرين الثاني 2007) وفي الإفراج عن أحمد دولة، الناشط الحمساوي البارز في نابلس، وكذلك في الاعتقال والإفراج ثم إعادة الاعتقال للناشطين الذين خططوا لاغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية في أثناء توجهه للقاء الرئيس الفلسطيني في أريحا.

ج‌- منذ بداية تشرين الثاني الماضي صادرت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بضع مئات من الأسلحة والوسائل القتالية من ناشطي "حماس" وفصائل أخرى (خاصة من ناشطين في الجناح العسكري لحركة "فتح" الذين شملوا في "اتفاقية المطلوبين"). كذلك سلمت الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى قوات الأمن الإسرائيلية عدداً من العبوات الناسفة المعدة للاستخدام وعدة كيلوغرامات من المواد المتفجرة. غير أن معظم الأسلحة والوسائل القتالية التي ضبطتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية ليست صالحة وقد بدا واضحاً أنها ليست الأسلحة الفردية للمطلوبين. إذ ما تزال في حوزة المطلوبين (سواء الذين شملتهم "اتفاقية المطلوبين" أو الذين رفضوا الانضمام إليها) كمية كبيرة من الأسلحة الفردية والوسائل القتالية التي لم تسلم لأجهزة السلطة.

انعدام المنهجية والمواظبة في إحباط الهجمات

 

نفذت أجهزة الأمن الفلسطينية عدة نشاطات موضعية لإحباط "هجمات إرهابية"، وطبقا لإدعاء السلطة فقد منعت الأجهزة في عدة حالات تنفيذ "هجمات إرهابية" ضد إسرائيل. غير أن نشاط هذه الأجهزة في هذا المجال اتسم بانعدام المنهجية والمواظبة، واعتمد على معلومات نقلت من جانب قوات الأمن الإسرائيلية. عدا عن ذلك فإن الهجومين المسلحين اللذين وقعا خلال الأشهر الأخيرة (ضد جنود ومستوطنين إسرائيليين في منطقتي نابلس والخليل) نفذا بمشاركة ناشطين في حركة "فتح" وعناصر في أجهزة الأمن الفلسطينية.

إن غياب "العلاج الجذري" للبنى التنفيذية "الإرهابية" يعيق النشاط الهادف إلى منع تنفيذ "هجمات إرهابية " من جانب الفصائل المختلفة في الضفة الغربية. آخر شاهد على هذا الموضوع تمثل في الهجوم الذي أسفر عن مقتل جنديين إلى الشمال من الخليل (في 28/12/2007) على يد خلية مؤلفة من ثلاثة أعضاء بينهم ناشطان من "فتح" أحدهما منتسب إلى جهاز "قوات الأمن الوطني" والثاني كان على صلة بجهاز المخابرات العامة الفلسطينية. في أعقاب حادث الهجوم قام اثنان من أعضاء الخلية (الثالث قتل في أثناء تبادل إطلاق النار مع الجنديين الإسرائيليين) بتسليم أنفسهما إلى جهاز المخابرات العامة الفلسطيني خشية اعتقالهما على يد قوات الأمن الإسرائيلية. عقب التحقيقات التي أجرتها أجهزة الأمن الفلسطينية ادعى مسؤولون في السلطة، ومن ضمنهم رئيس الوزراء سلام فياض، أن الحادث "وقع على خلفية جنائية" (وهو إدعاء غير صحيح) هذا فيما كان التعاون مع قوات الأمن الإسرائيلية ضعيفاً للغاية في هذه القضية.

 

سمات أنشطة الفصائل المسلحة في الضفة الغربية والنشاطات الوقائية لقوات الأمن الإسرائيلية سنة 2007

 

سمات الهجمات

واصلت "المنظمات الإرهابية" في الضفة الغربية في سنة 2007 القيام بمحاولات وجهود مكثفة لتنفيذ هجمات مسلحة سواء في مناطق الضفة أو ضد أهداف إسرائيلية. خلال هذه السنة ذاتها، التي لم تتراجع فيها دافعية الفصائل لتنفيذ هجمات، طرأ انخفاض حاد على كم "الهجمات الإرهابية" المنفذة فعلياً. وقد كان ذلك نتيجة لجهود الإحباط المكثفة والمتواصلة التي قامت بها قوات الأمن الإسرائيلية وليس نتيجة لجهود الإحباط من جانب أجهزة الأمن الفلسطينية.

وتبرز بشكل خاص حقيقة أن "البنى الإرهابية" في الضفة الغربية لم تتمكن خلال سنة 2007 من تنفيذ عمليات انتحارية وذلك بسبب نشاطات الإحباط والإجراءات الوقائية التي تقوم بها قوات الأمن الإسرائيلية. لكن لا بد من التأكيد أن مهاجمين انتحاريين نجحوا في ثلاث مرات في التسلل إلى داخل إسرائيل من مناطق الضفة الغربية إلا أنه تم إحباط الهجمات الانتحارية المخططة في اللحظة الأخيرة.

الهجمات التي نفذت في مناطق الضفة على يد المنظمات المختلفة شملت بشكل أساس عمليات إطلاق نار وعمليات طعن. وقد أسفرت ثلاث هجمات من هذا النوع عن مقتل أربعة إسرائيليين بينهم مدنيان وعسكريان. كذلك فإن درجة دموية عمليات إطلاق النار والطعن أقل بكثير من الهجمات الانتحارية، لكنها في منظور "فصائل الإرهاب" أسهل من الناحية التنفيذية.

سمات أنشطة الإحباط وأهدافها

يرجع الانخفاض في حجم "الإرهاب" في الضفة الغربية كما أسلفنا، إلى أنشطة الإحباط والعمل الوقائي المكثفين من جانب قوات الأمن الإسرائيلية. ففي نطاق هذه الأنشطة أُعتقل في سنة 2007 قرابة 4000 ناشط في "المنظمات الإرهابية" (مقابل 5000 معتقل سنة 2006) وضبطت كمية كبيرة من المتفجرات والوسائل القتالية. ووصف جهاز مخابرات "الشاباك" الإسرائيلي 117 معتقلاً من مجموع المعتقلين خلال 2007 على أنهم "مخربون انتحاريون محتملون" (مقابل 279 معتقلاً من هذا النوع سنة 2006). وعلى الرغم من انخفاض عدد مثل هؤلاء "الانتحاريين المحتملين" إلا أن الحديث ما زال يدور عن ظاهرة واسعة النطاق، والتي لولا جهود الإحباط المكثفة التي تقوم بها قوات الأمن الإسرائيلية لكانت قد وجدت تعبيراً لها في عمليات انتحارية دموية داخل المدن الإسرائيلية.

لقد شكلت البنى التنفيذية لحركة "حماس" في الضفة الغربية هدفاً مركزياً للأنشطة الإحباطية والوقائية التي تقوم بها قوات الأمن الإسرائيلية، والتي استهدفت بؤرتين رئيسيتين: بنية "حماس" في شمال الضفة، وخاصة منطقة نابلس، والتي يصفها جهاز "الشاباك" على أنها بنية خطيرة تعمل بشكل حثيث على إعادة تنظيم صفوفها التي ضربت في أثناء عملية "السور الواقي". ففي غضون سنة 2007 نفذت ضد هذه البنية سلسلة من نشاطات الإحباط التي اعتقل خلالها عدد كبير من ناشطي الحركة ومن ضمنهم ناشطون كبار. البؤرة الثانية المستهدفة هي بنية "حماس" في جنوب الضفة. معظم المعتقلين (في هذه المنطقة) المشتبه بضلوعهم في نشاطات إرهابية والذين خضعوا سنة 2007 لتحقيق جهاز "الشاباك" كانوا ينتمون لبنية حركة "حماس" في جنوب الضفة. في إطار أنشطة الإحباط تم في نيسان 2007 كشف وتفكيك خلية تابعة لحركة "حماس" في منطقة الخليل، تنسب لها مسؤولية زرع عبوات ناسفة على مقربة من شارع "عابر يهودا" استهدفت قوات الجيش الإسرائيلي. وقد ضبطت في أعقاب إلقاء القبض على أفراد هذه الخلية كمية كبيرة من المواد المعدة لصنع متفجرات. هذه البنى والقواعد التنفيذية وُجّهت وتلقت التعليمات من قبل قيادة "حماس" في الخارج. وقد أرسلت هذه القيادة مجندين إلى مناطق الضفة كلفوا بإعادة بناء وإحياء شبكة خلايا "حماس" والسعي إلى تنفيذ هجمات داخل إسرائيل. كذلك فقد أقيمت خلال الأشهر الأخيرة بضع "شبكات إرهابية" جديدة في شمال الضفة تعمل بتوجيه من قيادة "حماس" في الخارج. أحد الأهداف للنشاط المتزايد لقيادة "حماس" يتمثل في تطوير وإنتاج قدرات إطلاق صورايخ (في مناطق الضفة الغربية) على غرار القدرات التي تمتلكها "حماس" (وغيرها من الفصائل) في قطاع غزة.

· وفيما يتعلق بحركة "الجهاد الإسلامي" فقد لعبت الخلايا المسلحة لهذه الحركة في شمال الضفة الغربية دوراً مركزياً في "إرهاب الانتحاريين" ضد إسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول 2000. وتعمل هذه الشبكة الخطيرة بتوجيه من قيادة حركة "الجهاد الإسلامي" في سورية وبمساعدة كبار مسؤولي الحركة في قطاع غزة، وهي تحاول طوال الوقت تنفيذ "هجمات إرهابية" ضد إسرائيل، غير أن أنشطة قوات الأمن الإسرائيلية وإقامة الجدار الأمني (جدار الفصل) يعيقان قدرة خلايا "الجهاد" على تنفيذ عمليات انتحارية داخل إسرائيل.

 

خلال سنة 2007 قامت قوات الأمن الإسرائيلية بجهود إحباطية كثيفة ضد هذه البنية (الشبكة) التابعة لـ"الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية، أُعتقل خلالها قرابة 300 ناشط في المنطقة يشتبه بضلوعهم في تخطيط أو تنفيذ هجمات انتحارية داخل إسرائيل.

 

تقويم مرحلي لتنفيذ الالتزامات الفلسطينية في محاربة الإرهاب بموجب خريطة الطريق

يشير التقويم المرحلي (لغاية نهاية كانون الأول 2007) على هذا الصعيد، وبشكل واضح إلى أن السلطة الفلسطينية لم تنفذ في هذه المرحلة التزاماتها في كل ما يتعلق بمحاربة الإرهاب، بموجب ما نصت عليه خريطة الطريق.

ويبرز هذا الأمر بشكل خاص في قطاع غزة الذي يخضع منذ شهر حزيران 2007 لسيطرة "حماس". فالبنى الإرهابية القائمة في قطاع غزة تزداد قوة، إذ طرأ خلال العامين الأخيرين تطور نوعي على النشاطات الإرهابية المنطلقة من القطاع (وجوهرها إطلاق الصورايخ باتجاه إسرائيل)، فيما يستمر في مناطق الضفة الغربية توجيه "بنى الإرهاب" من قبل تلك العاملة في قطاع غزة وسط استمرار الإنتاج الواسع النطاق للصواريخ والوسائل القتالية الأخرى، واستمرار عمليات تهريب الأسلحة عبر محور "فيلادلفي"، وفي الوقت ذاته تواصل وسائل إعلام "حماس" بل والسلطة الفلسطينية أيضاً برئاسة أبو مازن بث التحريض ضد إسرائيل وضد العملية السياسية التي أطلقها لقاء أنابوليس.

ولكن حتى في مناطق الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة أجهزة الأمن الموالية للرئيس عباس، ما زالت السلطة الفلسطينية بعيدة عن تنفيذ التزاماتها في "محاربة الإرهاب" بموجب ما نصت عليه المرحلة الأولى في "خريطة الطريق"، هذا الأمر يبرز في شكل خاص في كل ما يتعلق بثلاثة سياقات مركزية:

أولاً- تفكيك "البنى الإرهابية" و"منع الإرهاب": لم تقم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية بتفكيك "البنى الإرهابية" للفصائل المختلفة في الضفة الغربية، كما أن نشاطاتها ضد هذه "البنى" غير ناجعة أو فعالة. نتيجة لذلك تواصل "البنى الإرهابية لحركة حماس" وفصائل أخرى نشاطها ومحاولاتها لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل على غرار سلسلة عمليات إطلاق النار التي أوقعت قتلى وجرحى في صفوف الإسرائيليين في مناطق الضفة خلال النصف الثاني من سنة 2007.

ثانياً- إصلاحات جوهرية في أجهزة الأمن: بحسب "خريطة الطريق" يتعين على السلطة الفلسطينية إعادة بناء أجهزتها الأمنية بما يمكنها من تنفيذ الالتزامات الواقعة عليها وينهي حالة العجز والوهن التي تعتريها . فالتغييرات التي أجرتها حكومة أبو مازن في أجهزة الأمن التي تستند إليها سلطته في الضفة الغربية كانت حتى الآن تجميلية وشكلية فقط. بل إن بعضها ما زال مجرد خطط وطموحات مستقبلية. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى تدريب الأجهزة وتسليحها ودمج عناصر "القوة 17" في قوات الأمن الوطني وحرس الرئاسة والنية بإحالة آلاف العناصر على التقاعد وإعادة بناء السجون ومقرات أجهزة الأمن التي دمرت في أثناء مواجهات الانتفاضة الثانية. غير أن الإصلاحات الجوهرية التي دعت خريطة الطريق إلى تنفيذها في نطاق تطبيق "المرحلة الأولى" كإقامة أجهزة أمنية جديدة وفعالة، لم تنفذ حتى الآن.

ثالثًا- التحريض ضد إسرائيل: تلقى "أعمال الإرهاب" ضد إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة حافزاً وتشجيعاً من وسائل الإعلام الفلسطينية التي تواصل التحريض ضد إسرائيل خلافاً لما نصت عليه "خريطة الطريق". ويدور الحديث هنا عن وسائل إعلام "حماس" وباقي الفصائل، بما في ذلك وإن بدرجة أقل، من جانب وسائل إعلام محسوبة على السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس. وفيما عدا التحريض السافر ضد إسرائيل، تواصل وسائل الإعلام الفلسطينية استخدام رموز وصور وتعابير "ذات طابع لا سامي".

وفي الوقت الذي يصر فيه أبو مازن ومسؤولون آخرون في السلطة على طرح مطالبهم القصوى في قضايا النزاع الجوهرية، فإنهم يمتنعون بصورة منهجية عن تمهيد الأرضية الذهنية لدى الرأي العام الفلسطيني للتوصل إلى معاهدة سلام مع إسرائيل، ولإمكان تقديم تنازلات والتوصل إلى حلول وسط في نطاق مثل هذه الاتفاقية. وقد نشأت نتيجة لذلك فجوة توقعات ومشاعر إحباط في صفوف الجمهور الفلسطيني تمس بعملية أنابوليس وتعطي شرعية للعنف والإرهاب.