ثلاثة تقارير جديدة عن إسرائيل: تعذيب المعتقلين الفلسطينيين وتقطيع أوصال الضفة الغربية

وثائق وتقارير

حالة الحرب أو حالة الاستعداد للحرب- هما الخياران الوحيدان للجيش الإسرائيلي! * احتمال تحوّل إيران إلى قوة نووية يشكل تطورًا إستراتيجيًا سلبيًا بالنسبة لإسرائيل والاستقرار الإقليمي والسلم العالمي

 [بقلم: الجنرال غابي أشكنازي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي]

 سأحاول هنا استعراض التحديات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية الماثلة أمام دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي، ومستوى الاستجابة التي نحاول مواءمتها إزاء التحديات المتغيرة في الساحة الشرق أوسطية المركبة.

 

تقبع إسرائيل منذ ستة عقود في حالة حرب متواصلة ضد جيوش ومنظمات إرهابية لم تسلّم بعد بوجودها في المنطقة كدولة مستقلة وديمقراطية. كذلك ما انفكت إسرائيل في عامها الستين منغمسة في نزاع ما زال حله الشامل والكامل غير منظور في الأفق. نزاع جذوره قومية- إقليمية ينبع من تصادم بنيوي بين غاية دولة إسرائيل في أن تشكل وطناً قومياً للشعب اليهودي وبين رفض قسم من جيراننا الاعتراف بحقنا في الوجود كدولة يهودية وقومية. خلال العقود الأخيرة طرأت في الواقع تغييرات ملموسة في البيئة الإستراتيجية لإسرائيل، غير أن أسس ومقومات النزاع بقيت قائمة، فإسرائيل ما زالت تعتبر نبتة غريبة في المنطقة بينما تواصل القوى المركزية الرافضة لوجودها العمل ضدها بالوسائل العسكرية ومن خلال منظمات إرهابية تحظى بدعم سياسي لا سيما من جانب إيران.

 

هذا النزاع يتطلب من إسرائيل أن تواصل لسنوات طويلة مقبلة الاحتفاظ بجيش قوي، كبير ونوعي، مسلح أفضل تسليح، ويعتمد على خيرة القادة والمقاتلين، وذلك بما يضمن تحقيق الغاية الثابتة للجيش الإسرائيلي والمتمثلة في ضمان وتأمين سيادة ووجود دولة إسرائيل وسلامة مواطنيها بواسطة الردع أو خطوات عسكرية إذا اقتضت الضرورة.

 

إن الجيش الإسرائيلي، كجيش يخضع للمستوى السياسي وينفذ توجيهاته وتعليماته، سوف يعمل على تحقيق هدفه هذا عبر الانتصار على أي عدو تقرر حكومة إسرائيل العمل ضده. ولهذا الغرض فإن على الجيش الإسرائيلي أن يبني قوته بشكل يتيح له تحقيق هدفه والبقاء في مستوى الاستعداد والأهلية والكفاءة الذي يتطلبه طابع التهديدات المتغيرة في الساحة، إلى جانب العمل في محاربة الإرهاب.

 

لقد أكدت في توجيهاتي لقادة الجيش على أن جيشاً مثل الجيش الإسرائيلي إنما يمر طوال الوقت في حالة من اثنتين: حالة الحرب أو حالة الاستعداد للحرب.

 

أحد الإفرازات المهمة لمبنى القوة العسكرية وتفعيلها يتمثل في ردع جيراننا عن مهاجمة دولة إسرائيل. فبفضل كون الجيش الإسرائيلي قوياً ونوعياً ورادعاً أمكن دفع رئيس جمهورية مصر العربية الراحل أنور السادات إلى الإقرار في حينه بأن النزاع مع إسرائيل يمكن حله فقط حول طاولة المفاوضات وليس في ساحة القتال. وفي اعتقادي أنّ وجود جيش إسرائيلي قوي وكبير منتصر إلى جانب دولة إسرائيل هو الكفيل فقط بإجبار باقي أعدائنا على القدوم إلى مائدة المفاوضات. وأود التوكيد في هذه المرحلة أن الردع الإسرائيلي ما زال قوياً ونافذاً حتى بعد حرب لبنان الثانية، بل وتعزز بنسب كبيرة منذ ذلك الوقت.

 

مؤخراً صادقت على خطة العمل المتعددة السنوات للجيش الإسرائيلي للسنوات الخمس المقبلة. ففي ضوء توطيد العلاقات بين دول ومنظمات مختلفة، تسعى إلى جر إسرائيل إلى مجابهة، ازدادت احتمالية أن تضطر إسرائيل لخوض مواجهة في عدة ساحات يستخدم فيها الأعداء وسائل قتالية متقدمة آخذة في الانتشار والتسرب أكثر فأكثر إلى جهات إرهابية في الشرق الأوسط.

 

في إطار المواجهات المحتملة ضد جيوش وجهات إرهابية هناك قاسم مشترك وهو التهديد للجبهة الداخلية الإسرائيلية. هذا التهديد ازداد في السنوات الأخيرة بصورة ملموسة وهو يتطلب من دولة إسرائيل وجيشها إعطاء جواب معقول إزاء هذا التحدي، سواء على الصعيد الهجومي أو على الصعيد الدفاعي. وأود أن أؤكد في موضوع التهديد على العمق الإسرائيلي أن هذا التهديد راح ينمو ويزداد حينما أدرك أعداؤنا أنهم لا يستطيعون التغلب علينا في مواجهة بين جيوش (جيش في مقابل جيش). عندئذٍ فقط اتجهوا نحو تطوير وسائل لتهديد العمق الإسرائيلي ابتداء من شن عمليات إرهابية وإطلاق صواريخ "القسّام" في الجنوب وانتهاء بالقدرات الصاروخية البعيدة المدى التي يمتلكها "حزب الله" وسورية وإيران، أو إن شئتم من "القسّام" وحتى الـ "شهاب".

 

خطة العمل الخماسية تتضمن الدروس التي استخلصها الجيش الإسرائيلي من حرب لبنان الثانية، ودروس الخطط المتعددة السنوات السابقة وفهمنا لصورة الوضع الإستراتيجية والتحديات الماثلة أمامنا في السنوات المقبلة.

 

 

كيف نفهم التحديات والطرق التي سنواجهها بها؟

 

 

في السنوات المقبلة سوف تتسم المنطقة بحدوث عمليات تغيير عميقة تؤدي إلى مستوى عالٍ من انعدام الوضوح والاستقرار، إلى جانب الفرص التي يمكن أن تنشأ نتيجة لسيرورات سياسية أو تحولات أخرى. نحن نتوقع أيضاً مخاطر تصل إلى درجة مواجهة محتملة جداً في أكثر من ساحة بشكل متزامن.

 

نحن نقدر بأن الجواب على هذا الاتجاه سيتوفر عن طريق تطوير قدرات هجومية مباشرة في مواجهة التهديدات على العمق (الإسرائيلي) جنباً إلى جنب مع تطوير قدرة الجيش الإسرائيلي على هزيمة أعداء إسرائيل وسط استغلال نقاط ضعفهم، وكل ذلك بالتضافر مع قدرات دفاعية متقدمة وتقوية العمق المدني على اختلاف مكوناته.

 

إن سعي إيران لامتلاك سلاح نووي يؤثر على مجمل الشرق الأوسط وما يتعدى الشرق الأوسط. إن احتمال تحول إيران إلى قوة نووية يشكل تطوراً إستراتيجياً سلبياً بالنسبة لإسرائيل والاستقرار الإقليمي والسلم العالمي. لذا يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل بحزم من أجل وقف برنامج التسلح النووي الإيراني، غير أنه تقع على إسرائيل مسؤولية الاستعداد لمواجهة أي سيناريو إذا لم تنجح الجهود الدولية.

 

في ضوء تحليل البيئة الإستراتيجية ومسح التحديات، واستناداً لنظرية الأمن الإسرائيلية، استعد الجيش الإسرائيلي لإعطاء إجابة على التحديات الأمنية- العسكرية بطرق مختلفة. نحن نعمل لإيجاد تلاؤم أفضل بين نظرية الأمن القومي ونظرية عمل الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من تعقيد وتشابك المجابهات المحتملة، فإن على الجيش الإسرائيلي أن يكون مهيئاً ومستعداً لتحقيق حسم سريع في أية مواجهة. والأساس الذي يستند إليه هذا الأمر هو قدرة الحسم في مواجهات متكافئة، فهذه القدرة ستكسب الجيش الإسرائيلي الأهلية للحسم في مواجهات غير متكافئة أيضاً، وليس العكس. إضافة إلى ذلك يتعين علينا بناء قدرة على القتال المتزامن في ساحات مختلفة لها سمات مختلفة أيضاً وبصورة متعددة الأبعاد.

 

في السنوات القليلة المقبلة وفي ظل التأكيد على قدرة الذراع الطويلة، من الممكن أن تزداد ضرورة العمل في مواجهة تهديدات ملموسة من مسافات بعيدة. وعليه فإن قدرة العمل في المجالين، الهجومي والدفاعي، في مواجهة تهديدات بعيدة من أنواع مختلفة سوف يجري تطويرها بشكل ملموس في السنوات القريبة. علاوة على ذلك فإن الاستخبارات النوعية تشكل شرطاً للحسم والإنذار والردع وحتى للدفاع.

 

وبغية زيادة الفاعلية التنفيذية لعمل القوات الميدانية، يتعين علينا أن نحسن المعلومات الاستخبارية المزوَّدة للقوات مع التركيز على مجال إنتاج الأهداف ونقلها في أسرع وقت ممكن من خط الإنتاج الاستخباري إلى الذين يضغطون على الزناد، في الطائرة والدبابة والسفينة أو المدفع. وتتوقف زيادة الفاعلية التنفيذية أيضاً على تحسين قدرة المستويات العسكرية، من مستوى رئيس هيئة الأركان وحتى مستوى الكتيبة، على تجسيد قدرة اتصال تنفيذية مستمرة ونوعية في زمن حقيقي، وتحسين القدرة على إغلاق الدوائر في مجال نقل المعلومات الاستخبارية النوعية. نحن عازمون على تخصيص موارد كبيرة لهذا الموضوع خلال السنوات القريبة.

 

على صعيد الجبهة الداخلية، نحن نعمل على تقوية وتدعيم المكونات الدفاعية والتي تشمل الإنذار ووسائل الدفاع واعتراض الصواريخ. لقد علمتنا حرب لبنان الثانية بأن الإنذار الفعال يساهم بصورة ملموسة في حماية المواطنين وتقليص حجم الإصابات. نحن نعكف على بناء منظومة دفاعية متدرجة قادرة على مواجهة التهديدات من مسافات مختلفة، بما في ذلك زيادة فرص اعتراض القذائف الصاروخية. إن الجهد الحربي المتواصل يقتضي زيادة احتياطي التسليح والوسائل اللازمة لإتاحة التحلي بنفس طويل. هذا الموضوع له أهمية بالغة في ضوء الفهم بأن الحروب يمكن أن تستمر وقتاً أطول في المستقبل.

 

منذ الأيام الأولى لإقامة الجيش الإسرائيلي قال بن غوريون: "نظراً لأننا متخلفون كمياً، فإنه يتحتم علينا أن نتفوق نوعياً". ترجمة هذا المبدأ إلى لغة عملية ليست بالأمر السهل، فهي تتكون من سلسلة من الجهود العسكرية والقومية في مجالات التربية والتعليم وتأهيل القوة البشرية والأبحاث والتطوير التكنولوجي، والصناعة والإنتاج والتسلح وغيرها، وكل ذلك لصالح تعميق التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي.

 

في السنوات الأخيرة جرى التركيز على تعزيز مكونات حماية المعلومات ومن ضمن ذلك تحسين حماية شبكات المعلومات المختلفة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي. وتزداد أهمية هذا الموضوع بمقدار قيام الأعداء في الساحات المختلفة بتحسين قدرتهم على الجمع الاستخباري وازدياد انتشار الوسائل التكنولوجية التي تتيح اختراق الشبكات المحوسبة.

 

القوة البشرية

 

فيما يتعلق بموضوع الميزانية، حدثت مؤخراً عدة تطورات مهمة تساعد في تحسين الاستقرار المالي/ التمويلي وتخلق فرصة مميزة لوضع قاعدة تمويلية لخطة عمل متعددة السنوات مستقرة للجيش الإسرائيلي. فمن أجل تنفيذ خطط بناء القوة والتخطيط البعيد المدى للتعاظم، ثمة أهمية بالغة للمحافظة على استقرار الميزانية في المستقبل. إضافة إلى ذلك، فإن اتفاقية المساعدات المتعددة السنوات الجديدة مع الولايات المتحدة تتيح زيادة حجم المصادر للميزانية المتعددة السنوات، وتوفر بدورها أيضاً مساراً تمويلياً واضحاً ومستقراً للسنوات العشر المقبلة. ولا بد من التأكيد في هذا السياق أيضاً على أنه، ورغم الميزانية المتفق عليها، ما زالت هناك فجوة ملموسة في قاعدة الميزانية وذلك في ضوء ضرورة الإبقاء على حجم قوات الجيش الإسرائيلي على المدى البعيد ضمن الحجم والأهلية والجهوزية المطلوبة، وفي الوقت ذاته من أجل تطوير وإيجاد الأجوبة المطلوبة على مجمل التحديات الماثلة أمامنا. وفي هذا الصدد أود التطرق إلى الموضوع الأهم في كل ما يتصل بالجواب الذي يعكف الجيش على تطويره حيال هذه التحديات، وهو القوة البشرية للجيش الإسرائيلي. نحن ملتزمون بتنمية مجمل الفئات التي تخدم في الجيش: قوات الاحتياط، القوات النظامية، جنود الخدمة الإلزامية والمدنيون من عمال ومستخدمي الجيش الإسرائيلي، علينا العمل على تجنيد وإبقاء المتفوقين واستنفاد الخدمة في الجيش إلى أقصى حد.

 

وفي ضوء ضرورة توطيد وتعميق جهوزية الجيش الإسرائيلي لسيناريوهات مواجهة متنوعة، سنواصل في السنوات القريبة العمل على زيادة كفاءة وجهوزية جهاز الاحتياط. سوف نتطلع قدر المستطاع إلى تجنيد أفراد الاحتياط من أجل تدريبهم وإعدادهم لحالات الطوارئ، إضافة إلى تقليص حجم انشغالهم في مهام الأمن الروتينية.

 

وبرؤية بعيدة المدى فإنني أشعر بالقلق حيال تراجع قيمة الخدمة العسكرية. إن من الجدير أن يشمل واجب الخدمة في الجيش الإسرائيلي سائر مجموعات وفئات المجتمع، أما الفئات السكانية التي لا تتجند فينبغي توسيع نطاق الخدمة الوطنية والمدنية لتشملها وبما يؤدي إلى تقليص الفجوة بين المجندين وغير المجندين.

 

جيش الدفاع الإسرائيلي هو جيش الشعب، ويتعين على دولة إسرائيل أن تواصل في السنوات المقبلة تجنيد جل طاقاتها ورجالها للخدمة في الجيش. ليس هناك نموذج آخر قابل للتحقق بالنسبة للجيش الإسرائيلي. فالجيش المهني ليس واقعياً أو عملياً في هذا الأوان. لذا سنواصل القيام أيضاً بالمهمة الوطنية المتمثلة في تشجيع التجنيد ودعم الفئات الخاصة، مثل المهاجرين والأقليات وسائر الفئات الأخرى التي تحتاج إلى رعاية ومؤازرة وأذن صاغية، بغية تمكينها من تأدية خدمة ملموسة ومثمرة.

 

ختاماً، فإن جهود بناء قوة وتعاظم الجيش الإسرائيلي سوف تنصب في السنوات القريبة على ما يلي:

- المحافظة على حجم قوات وتشكيلات الجيش الحالية؛

- تعزيز الردع؛

- تحسين الجهوزية والنَفَس الطويل؛

- تطوير قدرة المناورة البرية؛

- تعزيز عناصر وقيادات تفعيل القوة؛

- تعزيز القدرة الدفاعية؛

- الاستثمار في مضاعفات القوة القتالية والمحافظة على التفوق النوعي.

 

______________________

 

* هذه المقالة هي نصّ المحاضرة التي ألقاها رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في المؤتمر الخاص الذي عقد في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب في الفترة بين 11 – 13 كانون الأول 2007، وتمحور حول "التحديات الأمنية للقرن الـ21- طبيعة حروب المستقبل والتحديات الاستخبارية".