شخصيات في "العمل" تتلمس طريق الهرب تحسبا من تهاوي الحزب

وثائق وتقارير

أكدت ندوة خاصة عن التعامل الإسرائيلي مع "قضية اللاجئين السودانيين" أنّ الحكومة الإسرائيليّة تتعامل مع موضوع اللاجئين كإشكاليّة وأنّ انتهاجها لسياسة غضّ البصر قائمة على أساس الاعتقاد أنه إذا ما تمّ تجاهل القضيّة وصرف النظر عنها فإنّها ستختفي وسيختفي على أثر ذلك اللاجئون من البلاد. كما أكدت أنّ مسألة اللاجئين يمكن أن تحل فقط فيما لو تمّ التعامل معها وطرحها على طاولة النّقاش وبذل الجهد لإيجاد الحلول لها

 

 

كتبت غصون ريّان، مندوبة "المشهد الإسرائيلي":

 

 

في ندوة مسائيّة أقيمت في حرم الجامعة العبريّة في القدس، في الثالث من كانون الأول الجاري، وشارك فيها عضوا الكنيست دوف حنين، من كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وزهافا غالئون، من حزب ميرتس، بالإضافة إلى ممثلي منظمات مختلفة للدفاع عن حقوق الإنسان، طرحت ونوقشت قضيّة طالبي اللجوء السودانيين الذين يمكثون في إسرائيل من غير أيّ مكانة قانونيّة أو حقوق اجتماعيّة.

 

افتتح عضو الكنيست دوف حنين كلمته بوصف موضوع اللاجئين السودانيين بأنه أحد المواضيع المؤلمة والأكثر صعوبة التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي. وأسف حنين على تعامل الحكومة الإسرائيليّة مع موضوع اللاجئين كإشكاليّة، وانتهاجها لسياسة غضّ البصر والقائمة على أساس الاعتقاد أنّه إذا ما تمّ تجاهل القضيّة وصرف النظر عنها فإنّها ستختفي وسيختفي على أثر ذلك اللاجئون من البلاد. إلا أنّه أكّد أنّ مسألة اللاجئين يمكن أن تحل فقط فيما لو تمّ التعامل معها وطرحها على طاولة النّقاش وبذل الجهد لإيجاد الحلول لها.

 

درب من الهوس!

 

في الكنيست الحاليّ، أضاف حنين، بادر هو وعضو الكنيست أوفير بينيس من حزب العمل، في شهر تموز المنصرم، لطرح مسودّة قانون تمّت صياغته بمساعدة منظمات حقوقيّة وكليّة الحقوق في جامعة تل أبيب، والذي يحمي حقوق اللاجئين ويطرح نهجا معيّنا ومحدّدا يتمّ من خلاله الإعتراف باللاجئين واستيعابهم، كما يتضمّن إقتراح القانون المقاييس التي يتمّ الإعتراف وفقها بشخص ما كلاجئ وتحديد حقوقه والحقوق الأساسيّة لهؤلاء الذين لم يتم الإعتراف بهم كلاجئين حتى يتمّ إيجاد مكانة قانونيّة لهم. ويقترح كذلك القانون تحديد الجهة المسؤولة عن التداول بشأن طالبي اللجوء. إلا أنّ الحكومة إعترضت طريق المصادقة على القانون الذي فشل في اجتياز القراءة التمهيديّة في الكنيست، علماً أنّ الحكومة لا تتبنّى أو تتبع موديلا أو نهجا بديلا لكيفيّة التعامل مع القضيّة. حنين نعت الوضع القائم في إسرائيل فيما يتعلق بالتعامل مع اللاجئين بدرب من الهوس، وانتقد "التنوع الهائل من السيناريوهات التي تتنافس معاً في مدى غرابتها. فعند مجيء أي طالب لجوء بالإمكان إمّا تحويله إلى السّجن كأحد الخيارات أو رميه في أزقة إحدى المدن وتركه لتدبير أموره بمفرده، وهي خيارات لا يبرّرها أيّ منطق".

 

وقال إنّ إسرائيل كدولة تقوم بمصادرة القضيّة بأكملها لمواطنين طيّبي القلب وللمجتمع المدني والذين يأخذون على عاتقهم معالجة الموضوع وكأنّه يخصّهم بشكل شخصي ولا علاقة للحكومة به. ويضيف أنّ هذا الأمر لا يمكن أن يقبله العقل في دولة تقوم بإنتاج تفسيرات كونيّة لوجود مواطنيها، فإسرائيل أقيمت كدولة لاجئين وهذا هو المبرّر لقيامها.

 

واعتبر حنين أنّ مسألة اللاجئين هي مثال إضافي لتخلي الدولة عن مسؤولياتها في معالجة المشاكل الصعبة. كما عرض ما يحدث مؤخراً للاجئين، مع أنّ ذلك لا يزال يكتنفه الغموض ولم يتمّ التّحقق بعد من الأعداد الدقيقة التي تشملها هذه الظاهرة، إلا أنّه من المرجّح أنّ إسرائيل تعيد اللاجئين إلى مصر فور وصولهم الحدود وقبل إنقضاء أربع وعشرين ساعة على مكوثهم في إسرائيل، وهذه الظاهرة تحمل بطبيعتها تساؤلات خطيرة كونها لا تتوافق مع قواعد القضاء والقانون الدولي، نظراً لحقيقة الخطر المحدق بحياة هؤلاء الأشخاص فيما لو أعيدوا إلى الدولة التي هربوا منها. إذن فإسرائيل لا تتبع سياسة واضحة وشاملة في تعاملها مع القضية وإنما ما يبرز للعيان هو قرارات غير متعاقبة تفتقد إلى المنطق وهي تعبّر عن ضغوطات معيّنة أدّت إلى إتّخاذ هذه القرارات في لحظات معيّنة. وأحد الأمور الأكثر غرابة أنّ هذه القرارات المصيريّة بالنسبة للاجئين يقوم باتخاذها رقيب ما أو ملازم شاب يتواجد بالصدفة في المكان، ولا تأتي نتيجة إجتماع وزاري يبادر إليه رئيس الحكومة للتداول بالموضوع. على الرّغم من خطورة ذلك، يقول حنين، إلا أنّ هذه هي صورة الوضع مثلما يتّضح من تحليل بعض الحالات. كما أنّ الجيش هو من يقوم بنقل اللاجئين إلى معسكر التوقيف الذي أقيم في كتسيعوت في النقب والذي يضم لغاية الآن ما يقارب الألف شخص، علماً أنّ هذا العدد معرض للزيادة في أيّ وقت.

 

واختتم حنين كلمته بإعرابه عن أسفه للتعامل مع اللاجئين بهذه الشاكلة، ووصفهم أنهم ضحية سياسة الحكومة الاعتباطية والاستبداديّة والتي لا تريد تبنّي حل يستند إلى نظام معيّن ورؤية شاملة وواضحة وإنسانيّة لقضيّة لاجئي السودان ودارفور كما يفرض القانون الدولي.

 

لا تلوح في الأفق عقوبات يمكن أن تهدّد الحكومة!

 

 

من جانبها شجبت عضوة الكنيست زهافا غالئون، بشدّة، تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية من على منبر الكنيست عند طرح موضوع اللاجئين السودانيين والذي ردّ بأسلوبه السّاخر المعهود، وفق تعبيرها، بقوله: "ما لنا ولهم". وإستنكرت غالئون رد رئيس الحكومة قائلةً: "رئيس حكومة في إسرائيل يقول عن آلاف الأشخاص الملاحقين والذين يفدون إلى هنا هرباً من المجازر الجماعيّة التي تنفّذ في بلادهم، ما لنا ولهم؟". وأضافت أنّه من واجب الدولة أن تقدّم يد العون لأشخاص ملاحقين ومن العار للدولة أن تتنصّل من مسؤولياتها وتلقيها على كاهل أفراد ومنظّمات حقوقيّة. وتساءلت بسخرية "هل هكذا تتصرف دولة؟ دولة متحضّرة، والتي احتفلت اليوم بحضور ممثلين من كلّ العالم بالذكرى الستين لقرار تقسيم أرض إسرائيل وإقامة دولة إسرائيل كدولة ديمقراطية، والتي سبق أن وقعت على ميثاق صيانة حقوق اللاجئين، ولا تزال تتساءل ما لنا ولهم".

وأسفت للسياسة التي تتّبعها الحكومة في التنصل من المواثيق الدولية التي تمّ تبنيها في أعقاب فظائع الحرب العالمية الثانية والتي كانت إسرائيل قد وقّعت عليها. وأشارت غالئون إلى أنها توجهت إلى رئيس الحكومة مشكّكة "بمدى جدية الجانب المصري وعدم وجوب الاتكال عليهم في تطبيق الإتفاق الذي توصّل إليه أولمرت مع الرئيس المصري، حسني مبارك، وبموجبه تعهّد مبارك بألا يتعرّض اللاجئون الذين تعيدهم إسرائيل إلى مصر لأيّ سوء والذي على أثره أقدمت الحكومة الإسرائيليّة على طرد خمسين لاجئا في التّاسع عشر من شهر آب الماضي. وتبيّن حسب التقارير المختلفة أنّ الرّئيس المصري لم يف بالتزاماته وأنّ اللاجئين الذين أعيدوا إلى مصر ضربوا وسجنوا وطردوا". وجاء رد أولمرت على هذه الأقوال أيضاً بشكل ساخر ودرامي كما وصفته غالئون حيث أجاب: "ويوجد هنا عضوة كنيست تشكّك بمدى التزام الرئيس المصري". وقالت غالئون:" أنا أعترف أنني أشك ليس فقط بمدى إلتزام الرئيس المصري، بل أيضاً بمدى إلتزام رئيس الحكومة الإسرائيلية". وبشأن تصريح رئيس الحكومة عن استيعاب أربع مائة وثمانية وتسعين شخصا من دارفور والذين اعترفت بهم الحكومة كلاجئين وتعهّدت بمد يد العون لهم، بينما اعتبرت كل البقيّة مهاجرين يبحثون عن عمل، لفتت غالئون إلى أنّها استفسرت بخصوصهم ووجدت أنّه لم يتم إستيعاب ومساعدة أي شخص من مجمل هؤلاء اللاجئين. وذكرّت أنّ أحد المواضيع الهامة التي خاضتها كان الإتجار بالنساء لغرض تشغيلهم بالزنى وصناعة الجنس. وعند طرح هذا الموضوع في الكنيست قبل ما يقارب ثماني سنوات، لاقت أيضاً تجاهلا ولامبالاة من جانب الحكومة ولم تتم معالجة الموضوع إلا بعد تدخل دول أخرى من ضمنها الولايات المتحدة والتي مارست ضغوطات على الحكومة. أمّا عن العوامل التي تقف وراء سياسة الحكومة الإعتباطيّة في التعامل مع قضيّة اللاجئين السودانيين فخلصت غالئون إلى أنّها تتلخص في الحماقة والظلم والجهل والإنغلاق، فالحكومة تواجه عدّة مشاكل كمشكلة الفلسطينيين وحرب لبنان الأخيرة وتقرير فينوغراد وهناك أيضاً أنابوليس وقضايا الفساد ودولة رفاه تتقوّض وأزمة التربية والتّعليم، كل هذا لا يترك حيّزا للاجئين الأفارقة على أجندة الحكومة. واستنكرت المعسكر الذي أقيم خصيصاً للاجئين في النقب قائلة إنّ كلمة معسكر تحمل مدلولات سلبيّة وتذكّر بأماكن أخرى، في إشارة إلى معسكرات الإبادة التي جمع فيها اليهود إبان وخلال الحرب العالميّة الثانية. وقالت إنّ "على إسرائيل أن تلتزم بتطبيق ما تفرضه المواثيق والأعراف الدوليّة، وللأسف هذه لن تكون المرّة الأولى التي تنقض فيها حكومة إسرائيل التزاماتها الدوليّة، فطالما أنّه لا تلوح في الأفق عقوبات من الممكن أن تهدّد الحكومة فإنّ حكومة إسرائيل تتحول إلى المنتهكة الأولى للقانون الدولي".

 

في وسع المجتمع الدولي إلزام إسرائيل باستيعاب اللاجئين

 

 

من ناحيته تطرّق مندوب منظمة العفو الدولية (أمنستي) إلى الصعوبات التي يواجهها اللاجئون في مسيرتهم من جنوب السودان، مروراً عبر المركز، حيث النظام الذي يخوض حرب إبادة ضدهم، ثمّ وصولهم إلى مصر. أمّا الحكومة الإسرائيليّة فهي تتعامل معهم بإستبداديّة موجهة تقوم على أساس التخطيط وإعداد الظروف لوقوع الظلم. وانتقد تصريح وزير الداخليّة، روني بار- أون، والذي قال من على منبر الكنيست إنّه يتفهم معاناة طالبي اللجوء وإنّ الشعب اليهودي خاض التجربة ذاتها، إلا أنّ إسرائيل هي دولة صغيرة مع العديد من المشاكل لذا لا يمكنها تحمّل مسؤولية اللاجئين.

 

وقارن مندوب المنظمة الحال في الدولة مع دول أخرى بنفس الحجم تمّ فيها استيعاب لاجئين بأعداد أكبر. وأفاد أنّ عدد طالبي اللجوء في إسرائيل يقارب أربعة آلاف وأربع مائة شخص تمّ الإعتراف فقط بمائة وستة وعشرين شخصا من بينهم على أنهم لاجئون مما يدل على غياب الإرادة السياسية. واستطرد قائلاً: "قبل ثلاثة أيّام، صادقت الحكومة على إتباع سياسة معينة بشأن الاتجار بالبشر والتي قامت بوضعها العديد من منظمات حقوق الإنسان، إسرائيل لم تشأ تبني هذه السياسة ولم تشأ تخصيص الأموال لذلك. إلا أنّ المجتمع الدولي هو من فرض عليها ذلك، الولايات المتحدة أعلنت أنّ مجلس الشيوخ لن يصادق على تحويل أموال لأيّ دولة لا تعالج قضيّة الإتّجار بالبشر، ما حدا بإسرائيل لمعالجة الموضوع خشية خسارة 2ر3 مليار دولار تتلقاها سنوياً من الولايات المتحدة".

 

وقدّر عدد طالبي اللجوء السودانيين في إسرائيل بما يقارب الألفين ومئتي شخص، وهذا يعتبر عددا ضئيلا إذا ما قورن بعدد اللاجئين الذين تم استيعابهم في الولايات المتحدة واستراليا ودول أوروبا.

 

وبشأن الاتفاق بين أولمرت ومبارك في شرم الشيخ قال "إنّه اتفاق لم يتجاوز إعداده سبعا وأربعين ثانية، بموجبه يتم إعادة طالبي اللجوء إلى مصر وتتعهد الأخيرة بضمان سلامتهم وعدم تعرضهم للسوء. إلا أنّه منذ إبرام الإتفاق شهدنا ما لا يقل عن إثنتي عشرة حالة لأشخاص بإمكاني ذكر أسمائهم قتلوا بعد إطلاق النار عليهم على يد جنود مصريين". وأضاف "المصريون يطلقون النار لأننا نحن (الإشارة إلى الحكومة الإسرائيلية) طلبنا ذلك".

 

يذكر أنّ مندوبية الأمم المتحدة اعتبرت الإبادة الجماعيّة في السودان "الكارثة الإنسانية الأكثر خطورة التي يشهدها العالم اليوم".

 

وبدأ طالبو اللجوء السودانيون بالتوافد إلى إسرائيل عبر الحدود المصريّة منذ سنتين، ويتم التعامل معهم بشكل يناقض قواعد المواثيق الدوليّة لحماية اللاجئين منذ سنة 1951 والتي وقعت إسرائيل عليها، وهي تنص على عدم طرد أو إعادة أي شخص إلى مكان تكون حياته فيه مهددة بالخطر. كما تنص هذه المواثيق على عدم معاقبة لاجئين على دخولهم أو مكوثهم في دولة بشكل غير قانوني، حتى وإن كانوا ينتمون لدولة عدوّة.