جديد "مدار": صورة الوضع الاجتماعي في إسرائيل

وثائق وتقارير

بات رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، يشعر أنه دخل إلى آخر دائرة ستحسم مصيره السياسي، مع اقتراب موعد صدور تقرير لجنة فحص مجريات الحرب على لبنان، "لجنة فينوغراد"، الذي كان من المفترض أن يصدر حتى نهاية الشهر الجاري، ولكن الآن يجري الحديث عن بضعة أشهر، وسط غياب واضح لتحركات هذه اللجنة عن وسائل الإعلام الإسرائيلية، مما يزيد من مستوى التكهنات حول شكل هذا التقرير، الذي سيكون له الكلمة الأخيرة في حسم مصير أولمرت.

 

وفي هذه المرحلة فإن كل خطوة سياسية يقدم عليها أولمرت، إن كانت على الساحة السياسية الداخلية، أو على مستوى العلاقات الخارجية، يتم ربطها مباشرة بسعي أولمرت لإنقاذ نفسه من السقوط السياسي، في حال كان التقرير النهائي للجنة فينوغراد قاسيا وحتى أكثر من التقرير المرحلي. وعلى ما يبدو فإن أولمرت بدأ يسجل لصالحه نقاطا في هذا المجال سنأتي عليها، ولكن هناك شك في ما إذا سيشفع له هذا أمام توصيات قاسية مفترضة ضده في ذلك التقرير.

 

تعديل وزاري وإبطال عبوات ناسفة

 

الخطوة الأبرز التي أقدم عليها أولمرت في الأيام الأخيرة، هي التعديل الوزاري في حكومته، بهدف إشغال بعض الحقائب الوزارية التي أصبحت شاغرة لأسباب مختلفة، فبعد أن تولى رئيس حزب "العمل" الجديد، إيهود باراك، حقيبة الدفاع، بدلا من سلفه في زعامة الحزب عمير بيرتس، الأمر الذي يعتبر تعيينا "مهنيا من الدرجة الأولى"، فقد عيّن أولمرت وزير الداخلية السابق، روني بار أون، وزيرا للمالية، وأيضا رأى الكثير من المراقبين والمحللين أنه تعيين "ناجح"، كون أن بار أون، لديه مواصفات كثيرة مناسبة لتولي هذا المنصب.

وقد جرت عدة تنقلات بين الوزارات المختلفة، فقد تولى وزير الإسكان السابق، مئير شطريت، حقيبة الداخلية، وتولى وزير الهجرة زئيف بويم حقيبة الإسكان، وضم أولمرت إلى الحكومة النائبة روحاما أبراهام، ورفع من مكانة الوزير من دون حقيبة يعقوب إدري، والخطوة الأخيرة التي أحدثت ضجة لدى بعض الأوساط، هي إعادة وزير القضاء الأسبق، حاييم رامون، إلى الحكومة، بمنصب نائب رئيس حكومة، ومن دون حقيبة وزارية، بعد أن قضى عقوبة العمل لخدمة الجمهور 120 ساعة، إثر إدانته بتهمة التحرش الجنسي ضد ضابطة في الجيش الإسرائيلي، وتنظر المحكمة العليا في عدة التماسات ضد تعيين رامون وزيرا، وأغلب التوقعات تشير إلى أن المحكمة سترد هذه الالتماسات.

إلا أن أولمرت وفي هذه الخطوة ككل، نجح في "ضرب عصفورين بحجر واحد"، فهو كما يظهر "تعلم" من تجربة الماضي، وقام بتعيينات مهنية، لكن الأمر الأهم من ناحيته هو أنه أعاد ترتيب أوراقه في الحزب الحاكم، "كديما"، إذ نجح في السيطرة على عدة "عبوات ناسفة"، ويسعى إلى إبطال مفعول عبوات أخف ضررا لا تزال تنتظره في عمله السياسي.

وقد برز هذا الأمر في تقلب "التسريبات" التي كانت تصدر عن مقربيه بشأن عملية إسناد الحقائب الوزارية، فمثلا كان أولمرت ينوي إسناد حقيبة الداخلية لوزير الهجرة بويم، رغم أن مئير شطريت، الذي يملأ خانة "الشرقي" في رأس هرم الحزب الحاكم، كان يطمح لهذا المنصب، لا بل وأعلن مرارا أنه يرى نفسه مرشحا لتولي رئاسة الحزب، ومن ثم الحكومة.

وقد أدرك أولمرت أن عدم إسناد الداخلية لشطريت، يعني أنه سيفتح على نفسه جبهة هو في غنى عنها في هذه المرحلة، وقد سارع لتغيير ترتيب الحقائب، على الشكل الذي رأيناه.

لكن أولمرت يبدو قلقًا من إمكانية ظهور تكتل متمرد عليه في حزب "كديما"، من أعضاء كنيست لم ينعموا "بمناعم" الحزب الحاكم، ولا يزالون في مقاعدهم البرلمانية، دون أية وظائف فعلية، ومن بينهم من كانوا بوظائف كهذه في حكومة أريئيل شارون، وهم لا يرون أي مانع في الحصول على وظائف كهذه في ظل هذه الحكومة.

وتقول مصادر صحافية إن أولمرت يفحص إمكانية تعيين نواب وزراء، وهو الأمر غير القائم في هذه الحكومة، باستثناء نائب وزير الدفاع، وهو لحزب "العمل"، وقيل إن أولمرت قد يقرر تعيين خمسة نواب وزراء من حزب "كديما"، ولكن قرارا كهذا سيفرض عليه تعيين نواب وزراء للأحزاب الأخرى المشاركة في الحكومة، وقد يضطر لتعيين خمسة نواب آخرين.

غير أنّ أولمرت، الذي يسعى إلى الحفاظ على الهدوء النسبي ضده في وسائل الإعلام الإسرائيلية، يعرف أن قرار تعيين نواب وزراء قد يحل لديه مشكلة تكتل محتمل في حزب "كديما"، لكنه في المقابل سيواجه معركة في وسائل الإعلام، ومن ثم في الشارع الإسرائيلي والحلبة السياسية برمتها، بدعوى أن هذا يعتبر تبذيرا للمال العام. فالحكومة تضم عمليا 27 وزيرا (بينهم وزيران ليسا عضوي كنيست)، يضاف إليهم 10 نواب وزراء، بمعنى أن 35 عضو كنيست سيكونون بعيدين عن العمل البرلماني، وهم يشكلون 45% من أعضاء الائتلاف الحاكم، وهذا يضع الائتلاف في نقطة ضعف في العمل البرلماني الجاري.

في المقابل فإن أولمرت بات مطمئنا، أكثر من ذي قبل، من عدم إمكانية حدوث انشقاق في كتلة "كديما"، بمعنى انشقاق تعترف به أنظمة الكنيست، لتصبح الكتلة كتلتين، لأن انشقاقا كهذا يستوجب وجود ثلث الكتلة "الأم"، بمعنى عشرة مقاعد من أصل 29 مقعدا.

من جهة أخرى فإن أولمرت يحاول الهروب في اتجاه الانشغال في العلاقات الخارجية، وعلى وجه الخصوص في ما يتعلق بالمفاوضات مع الجانب الفلسطيني، ورغم أن تحركات أولمرت في هذا المجال لم تخرج بعد عن إطار التصريحات، إلا أن أولمرت يسعى هنا للظهور وكأنه يقوم بمهامه، دون أي قلق، ويعمل كالمعتاد ويمسك بزمام الأمور.

 

فرص الإفلات من الاستقالة والإقالة

 

على غير عادة، منذ أكثر من عام، فإن أولمرت بدأ في الأيام الأخيرة يحظى ببعض المديح من قبل صناع الرأي في إسرائيل. مثلا محلل الشؤون الحزبية في القناة الثانية للإذاعة الإسرائيلية، حنان كريستال، وصف التعيينات الوزارية الأخيرة على أنها نقاط ايجابية تسجل لأولمرت، الذي "نجح في إقامة طاقم مهني من حوله" كما قال. وساندته في هذا الرأي جزئيا محللة الشؤون الحزبية في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي رينا متسليح.

في المقابل، فإن محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، شكك في إمكانية أن يفلت أولمرت من مسألة الاستقالة أو الإقالة في أعقاب التطورات والتعديلات في حكومته.

وحتى استطلاعات الرأي الأخيرة بدأت تمنح أولمرت نقاطا أعلى من ذي قبل، فقد أشار استطلاع صحيفة "هآرتس"، إلى أن شعبية أولمرت الحالية هي 15%، في حين أنها كانت حتى قبل عدة أسابيع في حدود 7%.

لكن الامتحان الحقيقي لأولمرت يبقى في محورين: الأول التقرير النهائي للجنة فينوغراد واللهجة التي سيعتمدها التقرير واستنتاجاته النهائية، والمحور الثاني، هو رد فعل الحلبة السياسية، الذي سيكون مرتبطا بقدر كبير بلهجة التقرير المذكور.

ومن دون الدخول إلى حلبة التكهنات هناك أمر ما ملفت للنظر، ولم يكن من قبل، هو أن الغالبية الساحقة من التقارير في إسرائيل، التي تتطرق إلى مسألة التقرير النهائي للجنة فينوغراد، تتعامل بحذر شديد، وهي ليست حاسمة بشأن حدة هذا التقرير، بمعنى أنها تأخذ بالحسبان أن يكون التقرير النهائي أخف وطأة من ناحية أولمرت. وهذا لأن التقرير النهائي سيتطرق إلى شكل انتهاء الحرب، وقرار مجلس الأمن الدولي 1701، وتطبيق القرار على أرض الواقع، ودور الحكومة الإسرائيلية في صياغة القرار الدولي.

 

من جهة أخرى فإن قرار الاستقالة قد يكون مفروضا عليه في حال انهيار الائتلاف الحاكم، وإذا ما نفذ حزب "العمل" تهديده بالانسحاب من الحكومة بعد صدور التقرير النهائي المذكور، لكن هنا أيضا رأى مراسلو الشؤون الحزبية في صحيفتي "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت" أن قرار حزب العمل قبل أسبوعين لم يكن بذلك الشكل القاطع، وقد أبقى الحزب نوعا من المخرج في حال شعر أنه لا يمكنه التوجه إلى انتخابات مبكرة، أو أن مصلحته تقتضي البقاء في حكومة يرأسها إيهود أولمرت، بدلا من الوزيرة تسيبي ليفني، التي لا تزال تحظى بشعبية أكثر من غيرها من قادة الائتلاف الحكومي، حسب استطلاعات الرأي.

حتى الآن ليس من الواضح موعد صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد، ففي حين أن الحديث كان يجري عن نهاية الشهر الجاري، أصبح هناك من يتوقع صدوره في شهر أيلول/ سبتمبر القادم، وهناك من ذهب بعيدا إلى نهاية العام الجاري. وطالما أن هذه المسألة لم تحسم، فإننا سنبقى أمام رئيس حكومة وبالتالي الحكومة تحت التهديد، وهذا ما يمنعها من خوض مسارات سياسية حقيقية وجدية، تنتج عنها قرارات بعيدة المدى، وستبقى حكومة تسيير أعمال لا أكثر.