محللون: أولمرت ليس قادرا على إبرام اتفاقات سياسية

اقتصاد ومجتمع

الحكومة الإسرائيلية لم تعرض الكثير من تفاصيل الخطة سوى بعض الحديث عن التحفيز للخروج إلى العمل وزيادة المخصصات للعاجزين عن العمل كليا، وقال بعض المحللين إنه "إذا كانت الحكومة جادة في مكافحة الفقر فيجب أن تعلن الحرب على نفسها"...

 

عرضت الحكومة الإسرائيلية، في الأسبوع الماضي، "خطة جديدة لمكافحة الفقر"، لم تعرض الكثير من تفاصيلها، سوى بعض الحديث عن التحفيز للخروج إلى العمل، وزيادة المخصصات للعاجزين عن العمل كليا.

ووضعت الحكومة هدفا هو تخفيض الفقر بنسبة 1% سنويا ولمدة ثلاث سنوات، ابتداء من العام 2008 وحتى العام 2010، ليصل معدل الفقر إلى 2ر17% بدلا من 2ر20%، علما أن معدل الفقر في الدول المتطورة التي تُدرج إسرائيل نفسها ضمنها هو 4ر10%.

إلا أن نسبة 1% لا تعني بالتأكيد انخفاض عدد الفقراء في إسرائيل، الذين يزدادون في السنوات الأخيرة من 5ر2% إلى 5%، في حين أن النمو السكاني الطبيعي في إسرائيل هو في حدود 2ر2%.

واعترف رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، في المؤتمر الصحافي الذي عقده برفقة عدد من الوزراء، بأن النمو الاقتصادي الحاصل في إسرائيل لم يصل إلى شرائح المجتمع. وقال "إن النمو الاقتصادي لم يساعد على مواجهة القضايا الاجتماعية، فلا يوجد أي تناقض بين النمو والفقر، والأمران لا يتضاربان، وإنما النتائج العملية للنمو لم تنعكس على معدلات الفقر، والسياسة التي تجاوبت مع النمو تجاهلت في المقابل قضايا الفقر والسعي لتقليصه".

 

وتقول المحللة في الشؤون الاقتصادية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ميراف أرلوزوروف، إن السنوات العشر من العام 1995 وحتى العام 2005 بالإمكان اعتبارها سنوات جيدة للاقتصاد الإسرائيلي، على الرغم مما تخللها من ركود كبير في السنوات 2001 وحتى أواسط العام 2004، وإن الاقتصاد الإسرائيلي استطاع أن يسجل أرقاما قياسية في عدة مجالات.

 

وتضيف أرلوزوروف أنه على الرغم من الأرقام القياسية في البورصة، فلا يوجد أي سبب للفرحة العامة والشعور بالعظمة بشأن وضعية الاقتصاد الإسرائيلي، لأنه سيكون من الصعب على إسرائيل أن تستمر في المنافسة بسبب الأثقال الضخمة التي تحملها على ظهرها على مدى سنوات، خاصة ثقل الفقر المستفحل في المجتمع الإسرائيلي، فالمتدينون الأصوليون اليهود (الحريديم) والعرب يشكلون النواة الصلبة في دائرة الفقر، فهم يشكلون 25% من الجمهور ولكنهم 55% من الفقراء في إسرائيل.

وتقول أرلوزوروف إنه من ناحية عمق الفجوات الاجتماعية ونسبة المشاركة في قوة العمل، فإن إسرائيل تأتي في المرتبة الأخيرة من بين الدول الغربية والمتطورة، وقد خاب أمل الذين اعتقدوا أن النمو الكبير في قطاع التقنية العالية (هايتك) سيرفع إسرائيل من قاع اللائحة، فإسرائيل لا تزال في قاع اللائحة أيضا على صعيد التحصيل العلمي لطلابها، واليوم بات من الواضح أن هناك تراجعا في مستوى تحصيل التعليم العالي والإنجازات العلمية.

إن "النظرة إلى المستقبل بقلق" يجب أن تكون استنتاج من يحلل المسارات البعيدة المدى التي يمر بها الاقتصاد الإسرائيلي، وهذه هي الرسالة التي يحاول نشرها رئيس المجلس الوطني الاقتصادي في ديوان رئيس الحكومة، البروفيسور مانويل تريختنبرغ، فهو الذي حدد الأجندة الاقتصادية الاجتماعية للسنوات 2008 إلى 2010، التي في أساسها محاولة لتحسين وضعية إسرائيل في مقياسين لا تزال متخلفة فيهما إلى درجة كبيرة، وهما: نسبة الفقر العالية ونسبة المشاركة المتدنية في سوق العمل.

ويقول تريختنبرغ إنه من دون تحسين وضعية هذين المقياسين، لا يمكن توقع مستقبل جيد للاقتصاد الإسرائيلي، ويدعو إلى وضعهما على رأس جدول الأعمال وعلى رأس سلم الأولويات. وقال إن وزارة المالية ركزت جهودها في السنوات العشرين الأخيرة على إعداد مبنى جديد للاقتصاد الإسرائيلي، ولكن المطلوب اليوم التركز فقط في القضية الساخنة: الفقر.

إلا أن أرلوزوروف تشكك في صدق نوايا رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، وتقول إنه بالإمكان تصديق أقوال تريختنبرغ، لكن من الصعب تصديق أقوال رئيسه، أولمرت، الذي وقع على الأجندة الاجتماعية، وانه يريد تخفيض عدد العمال الأجانب، بعد أسبوعين فقط من قراره إضافة 3 آلاف عامل لقطاع الزراعة، وفي الوقت الذي يرفع فيه راية التعليم والتعليم العالي، فيكفي النظر إلى الإضرابات في جهاز التعليم، وإضراب الطلاب الجامعيين.

ويشكك المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، في نجاعة الوسائل التي تطرحها الحكومة لتقليص دائرة الفقر، خاصة وأنها ليست جديدة، ولكن على الحكومة الآن أن تتركز في قطاعين على وجه الخصوص "الحريديم" (المتدينون الأصوليون اليهود)، والعرب، وتحفيز هذين القطاعين على الخروج إلى العمل، خاصة وأن نسبة العاملين بين الرجال الحريديم والنساء العربيات هي الأقل.

ويتابع بلوتسكر قائلا إن النمو الاقتصادي الحاصل في السنوات الأخيرة لم يصل إلى هذين القطاعين، وهما بقيا متخلفين عن كل المعطيات الاقتصادية الجيدة، وضم هذين القطاعين إلى سوق العمل وبأجور معقولة سيخرجهما من دائرة الفقر.

ويقول البروفيسور يوسي يونا، المحاضر والباحث في الجامعة العبرية، إنه "حين تعلن الحكومة حربا على الفقر فإننا نعتقد بأن الحرب هي على عدو خارجي، ولكن العالمين بالأمور الذين يعرفون ظاهرة الفقر، يعرفون ان هذه نظرة خاطئة من أساسها، فالفقر ليس عدوا خارجيا، ولا هو كارثة طبيعية وقدر من السماء، ولا هي فيضانات غير متوقعة وهزة أرضية مفاجئة، وإنما هو من فعل الإنسان، وهو نتيجة، تحصيل حاصل لسياسة الحكومات، نفس الحكومات التي تعلن بين الحين والآخر الحرب على الفقر، بمعنى أنها تعلن الحرب على نفسها".

وتابع يونا، في مقال له يرد فيه على الخطة الحكومية، يقول "على الحكومة أن تعلن الحرب على نفسها، لأنها تتحمل المسؤولية الأساسية عن ازدياد نسب الفقر واتساع الفجوات بين الفقراء والأغنياء في إسرائيل في العقدين الأخيرين، وسبب هذا كامن في توجه منتشر بين أوساط القيادة السياسية والاقتصادية، يجعل الاقتصاد أشبه بمصنع كل همه تحقيق النمو والأرباح بكافة الوسائل".

وقال يونا إن هذا التوجه قاد إلى تعامل مميز مع القطاع الاقتصادي، مقارنة بالتعامل مع سائر الجمهور، ففي حين أن القطاع الاقتصادي يحظى بامتيازات ضخمة، فإن الجمهور الواسع يتلقى الضربات التي تزداد قسوة، وخاصة جمهور الأجيرين.

وعلى سبيل المثال، يقول يونا، ففي حين أن ضريبة الدخل على الشركات انخفضت في العقدين الأخيرين من 61% إلى 36%، انخفضت في المقابل المخصصات الاجتماعية بشكل قاس، كما انخفضت ميزانيات الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي، وبتشجيع مباشر من الحكومة نشأت ظروف عمل مهينة ومذلة، من دون حقوق اجتماعية وحماية نقابية.

ويشير يونا إلى أن 50% من الأجيرين في إسرائيل يتقاضون راتب الحد الأدنى، ومداخيل ثلث العائلات أقل من خط الفقر، وهذا يناقض مزاعم أن الفقر ناجم عن عدم الجاهزية للعمل، ونحن نرى أن قطاعا واسعا من الأجيرين وعلى الرغم من انخراطه في سوق العمل، إلا أنه يبقى دون خط الفقر.