محمود درويش في حيفا انطباعات كاتبة إسرائيلية

اقتصاد ومجتمع

تقرير "جمعية حقوق المواطن" يؤكد أن العرب والنساء في رأس قائمة التمييز ومواجهة الاضطهاد في أماكن العمل، يليهم المهاجرون الجدد، وخاصة الإثيوبيين

 

قال تقرير جديد لجمعية حقوق المواطن الإسرائيلية، صدر أخيرًا، إن 92% من أصحاب العمل في إسرائيل يخرقون حقوق العمال، في حين أن ما بين 50% إلى 70% من الأجيرين في إسرائيل الذين من المفترض أن يتقاضوا الحد الأدنى من الأجر، يتقاضون أقل منه. كما أشار إلى أن معدل الأجور لدى العرب أقل بـ 37% من معدل الأجور لدى اليهود، وإلى أن المهاجرين الجدد، خاصة من أثيوبيا، يواجهون تمييزا في أماكن العمل.

وحسب معطيات التقرير، الذي صدر بمناسبة أسبوع حقوق الإنسان، فإن 38% من العاملين في إسرائيل (قرابة 800 ألف عامل) يعملون في وظيفة جزئية، في حين أن 145 ألفا منهم يعملون في وظائف جزئية رغما عنهم، لكونهم لم يجدوا عملا بوظيفة كاملة.

إضافة إلى هذا فإن مئات آلاف الأجيرين في إسرائيل يعملون من خلال شركات قوى عاملة، وحسب التقديرات فإن نسبة هؤلاء تصل إلى 10% من العاملين، في حين أنّ هذه النسبة في الدول الأوروبية لا تتعدى 2%. ومعدل الرواتب في شركات القوى العاملة لا يتعدى 60% من معدل الأجور في إسرائيل، فيما يعمل 46% من العاملين من خلال شركات القوى العاملة في القطاع العام، وفي بعض الوزارات فإن نسبتهم عالية جدا، فمثلا في وزارة الصحة يعمل حوالي 4500 عامل من خلال شركات القوى العاملة بشكل غير مباشر، بدءا من الأطباء والممرضات وحتى عاملي النظافة.

وتدور في إسرائيل ضجة كبيرة وهناك مطالبة واسعة في الكنيست الإسرائيلي لفرض قوانين تحد من ظاهرة انتشار الشركات العاملة، إضافة إلى سن قوانين تحفظ حقوق العمال، فإلى جانب الأجور المتدنية، فإن هذه الشركات تفصل العاملين لديها في غضون بضعة أشهر، لكي لا يتمموا عاما كاملا، وتصبح لديهم حقوق أخرى مثل التعويضات (الأتعاب) وغيرها.

ويقول التقرير إن أصحاب العمل يتبعون سلسلة من الأساليب للاحتيال على قانون الحد الأدنى من الأجر، الذي يصل اليوم إلى حوالي (835 دولارا)، ومن بينها الإدعاء أن العامل، وبالاتفاق معه رغما عنه، لا يزال في مرحلة تعلم المهنة، أو أنه تفرض على العامل غرامات يتم حسمها من إيصال الراتب، رغم أن هذه أساليب غير قانونية، إلا أن تطبيق القانون في هذه الحالة نادر جدا، بمعنى أنه لا يتم تقديم أصحاب عمل للقضاء بتهمة خرق القانون.

كذلك فإن المس بحقوق العاملين لا يتوقف عند الأجر، كما يقول التقرير، بل أيضا عند قوانين عمل عينية، وأيضا بمسألة التعامل الإنساني مع العامل، ومن بين هذا، فإن شركات الهواتف الخليوية، تمنح أصحاب العمل خدمة مراقبة ومتابعة مكان العامل، من خلال الهاتف الذي بحوزة العامل.

ويتوقف التقرير عند عدة قطاعات تواجه تمييزا في سوق العمل، وعلى رأسها بالدرجة الأولى قطاع العمال الفلسطينيين مواطني إسرائيل، ومن ثم قطاع العاملين الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم قطاع النساء، وقطاع العاملين من بين المهاجرين الجدد إلى إسرائيل.

ويقول التقرير: "إن غالبية خروقات قوانين العمل في إسرائيل، خاصة القاسية منها، موجهة بالأساس إلى مجموعات عاملين من قطاعات ضعيفة، التي تجد صعوبة في المطالبة بحقوقها خوفا من فقدان مكان العمل، وهم: المهاجرون الجدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق، والمهاجرون من إثيوبيا، ومواطنو إسرائيل العرب، والعمال الأجانب، والعمال الفلسطينيون من الضفة الغربية وقطاع غزة، والعاملون المتقدمون في السن، والقاصرون والمعوقون والنساء".

ويضيف التقرير أن العاملين من هذه القطاعات يواجهون بطالة مرتفعة، وتمييزا لدى التقدم لأماكن عمل، ومن ثم يتقاضون أجورًا منخفضة، فمثلا يتقاضى العاملون من المهاجرين الجدد أجورًا يقلّ معدلها بثلاثين بالمائة عن معدل الأجور في إسرائيل.

ويشير التقرير إلى أن ظاهرة العولمة والتطورات الداخلية في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي أدت في السنوات العشر الأخيرة إلى تغييرات كبيرة جدا في سوق العمل، ومن بينها تراجع العمل المنظم.

 

العمال الفلسطينيون من إسرائيل

 

يؤكد التقرير أن مكانة العمال العرب الفلسطينيين، مواطني إسرائيل، منخفضة جدا في سوق العمل الإسرائيلي، وهم يعانون من نسبة بطالة مرتفعة جدا، ويواجهون تقييدات جمّة في فرص العمل، ويتواجدون في أسفل سلم الأفضليات للقبول في العمل، كما أنهم يواجهون خطر الخروج من دائرة العمل في جيل مبكر نسبيا، في حين أنّ نسبة النساء العاملات العربيات منخفض جدا (التقرير يقول إن نسبتهن في حدود 18% فيما تقول تقارير أخرى إن نسبتهن 27% بعد ضم اللاتي يعملن في أماكن عمل ليست منظمة).

ويؤكد التقرير أن معدل الأجور لدى العرب يساوي 63% من معدل الأجور العام، فمثلا حين كان معدل الأجور في العام 2004 حوالي 6314 شيكلا، فإنه بين العرب كان في حدود أربعة آلاف شيكل، إضافة إلى أن العرب يواجهون في أماكن العمل كافة أنواع التمييز الممارسة ضد العرب، كذلك فإن الكثير من المواصفات المطلوبة للوظائف الشاغرة تتضمن بنودا يكون المقصود منها تحييد العرب، مثل بند الخدمة العسكرية، أو طلب أن تكون اللغة العبرية اللغة الأم للعامل، وغيرها من الطلبات.

وحول فرص العمل للعرب يقول التقرير "إن غالبية المواطنين العرب (85%) يسكنون في بلدات بالأساس في الريف، في الجليل والمثلث والنقب، وقلة فرص العمل في بلداتهم تفرض عليهم الاندماج بالأساس في جهاز التربية والتعليم والسلطات المحلية (المجالس البلدية والقروية)، ويتحولون للعمل في الأماكن التي لا يعمل فيها اليهود عادة، مثل الصيانة والأشغال المتفرقة (أشغال الياقات الزرقاء)".

وتتعزّز هذه الظاهرة على ضوء تقلص قطاع الزراعة الذي كان قائما بحجم أكبر بكثير في الوسط العربي، فتقلص قطاع الزراعة نابع بالأساس من قيام السلطات الرسمية بمصادرة الأراضي العربية على مدى سنوات، دون أن تخلق فرص عمل بديلة، ولهذا فإن العرب اضطروا للبحث عن فرص عمل في البلدات اليهودية، على الرغم من التمييز الذي يواجهونه لدى التقدم لأماكن العمل.

ويؤكد التقرير أن قلة فرص العمل في البلدات العربية هي نتيجة مباشرة للسياسة الرسمية تجاه الجمهور العربي، فحتى سنوات التسعين لم يكن في البلدات العربية أية منطقة صناعية واحدة، كما لم يتم تخصيص ميزانيات لحل قضايا البنى التحتية والأسواق التجارية، إضافة إلى أن السياسة الحكومية تضع الكثير من العوائق أمام إقامة مناطق صناعية عربية كبيرة، خاصة في أكبر مدينتين، الناصرة وأم الفحم.

 

يذكر هنا أن المناطق الصناعية التي أقيمت في بعض البلدات العربية تضم عمليا ورشا صناعية صغيرة، وليست أماكن عمل كبيرة، ويضطر العاملون العرب للسفر عشرات الكيلومترات يوميا للعمل في أماكن بعيدة، مما يخلق الكثير من الصعوبات، ويستهلك جزءا هاما من الدخل الشهري، إضافة إلى ما يسببه هذا من حوادث طرق قاتلة.

وتنعكس قلة فرص العمل في البلدات العربية، بالأساس، على العاملات العربيات، حيث أن نسبة النساء العربيات العاملات هي 18% (هناك ملاحظة سابقة في التقرير حول حقيقة هذه النسبة) أمام 55% لدى النساء اليهوديات، فانعدام أماكن عمل منظمة يفرض صعوبات على المرأة العربية في مغادرة بلدتها من أجل العمل، نظرا للظروف والاحتياجات العائلية، خاصة وأنه يرافق هذا عدم وجود شبكة مواصلات نشطة بين القرى العربية والمدن الكبرى، مما يزيد من صعوبات التحرك والتنقل.

ونتيجة هذا الوضع القائم، فإنّ التقرير يشير إلى أن 40% من العاملين العرب في إسرائيل يعملون في قطاع البناء والصناعة، مقابل نسبة 16% لدى اليهود، أما نسبة العمال غير المهنيين عند العرب فهي 15%، بينما نسبتهم عند اليهود 7%، وهذه النسب شبه ثابتة في السنوات الأخيرة.

ويقول التقرير إن العاملين في المجالات التي يعمل فيها العرب معرضون للسقوط في دائرة البطالة أكثر من غيرهم، كما أنهم معرضون للبطالة في جيل مبكر أكثر مما هو لدى اليهود، ولهذا فإن البلدات العربية ومنذ سنوات طوال تحتل الغالبية الساحقة لقائمة البلدات المنكوبة بالبطالة، وأحيانا لا تكون في القائمة أية بلدة يهودية. فمثلا في ربيع العام 2006، وحين كان معدل البطالة العام في البلاد 9%، فإنه في قرية كسيفة، في الجنوب، وصلت نسبة البطالة إلى 19%، وفي مدينة رهط (جنوب) 16%، وفي قرية كفر كنا (مجاورة للناصرة) 13%، ومدينة شفاعمرو (شمالا) 11%.

ويقول التقرير إن 37% من الرجال العرب من جيل 45 عاما إلى 54 عاما لا يعملون، بينما هذه النسبة بين اليهود تهبط إلى 13%، كذلك فإن الأقدمية التي جمعها العامل العربي في مكان العمل أقل مما هي لدى اليهود، فمعدل بقاء العربي في مكان عمل واحد هو 5ر8 سنوات، بينما يبلغ عند اليهود عشر سنوات.

 

العمال الفلسطينيون والأجانب

 

 

يتوقف التقرير عند وضعية العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم شحّ أعدادهم اليوم في إسرائيل، إلا أن التقرير يعالج قضيتهم تاريخيا، ويقول إنهم دخلوا إلى سوق العمل الإسرائيلي بعد الاحتلال فورا في العام 1967، وفورا أصبحوا عمالا حقوقهم مسلوبة، وبأجور زهيدة، واستمرت هذه الحال على مدى عشرين عاما، إلى حين اندلاع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في نهاية العام 1987.

ويقول التقرير إن عدد العمال الفلسطينيين وصل في منتصف سنوات التسعين إلى 110 آلاف عامل، وهذا بطبيعة الحال لا يشمل العمال غير المنظمين، ولكنهم كانوا يتلقون أجورا زهيدة، عدا عن المعاملة القاسية التي كانوا يتعرضون لها من أصحاب العمل الإسرائيليين، وخاصة مسألة سلب الرواتب، أو تأخير دفعها، مستغلين الأوضاع الأمنية.

ويدعي التقرير أن هذه المعاملة مع العمال الفلسطينيين غرست في سوق العمل الإسرائيلي مبدأ العمل الرخيص، فبعد بدء تراجع أعداد العمال الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلي نتيجة الحصار، والإجراءات الإحتلالية، فقد بدأت إسرائيل تستوعب عمالا أجانب من دول مختلفة من العالم، وبأجور زهيدة.

ويتوقف التقرير أيضا عند وضعية العمالة الأجنبية، والأجور البخسة التي يحصلون عليها، عدا عن المعاملة القاسية. وأحيانا يكون العمال الأجانب ضحايا عمليات احتيال ونصب، خاصة أولئك الذين دخلوا إلى البلاد للعمل بطرق غير قانونية، وكانوا معرضين لملاحقة السلطة لهم.

ويقول التقرير إن مبدأ الأجر الرخيص لم ينطبق فقط على العمال الفلسطينيين والأجانب بل انسحب أيضا على العمال الإسرائيليين، خاصة من بين المهاجرين الجدد، وبشكل خاص المهاجرين من أثيوبيا الذين يتلقون أبخس الأجور بين العاملين اليهود.