الجيش الإسرائيلي يتحسب من رفض ثلث جنوده أوامر عسكرية لإخلاء بؤر استيطانية

وثائق وتقارير

* الاحتلال اعتقل منذ العام 1967 أكثر من نصف مليون فلسطيني يحتجزون في سجون خارج الضفة وغزة بما يتناقض مع اتفاقات جنيف، ويصعب على ذوي الأسرى القيام بزيارتهم * مندوب النيابة العسكرية قال مرّة لمحامية الدفاع: "ليس مهمًا إذا ما كان موكلك الفلسطيني ارتكب المخالفة أم لا، فهو دائما يرغب في ذلك"!!*

 

لمندوب "المشهد الإسرائيلي":

 أكدت مجموعة من الحقوقيين والناشطين الإسرائيليين أن الأسرى الفلسطينيين وذويهم يتعرضون، منذ بدء الاحتلال قبل حوالي أربعة عقود، لسلسلة من الانتهاكات تبلغ حد ممارسة أقسى صنوف التنكيل والتعذيب أبرزها العزل والضرب والحرمان من لقاء الأهل وتلقي العلاج الطبي.

 

ودعا هؤلاء ضمن يوم دراسي بعنوان "سجناء أمنيون أم سياسيون"، نظمته مؤخرًا كلية المحاماة في جامعة تل أبيب بالتعاون مع مركز "عدالة" القانوني، إلى محاكمة المسؤولين الإسرائيليين مشددين على أن الاحتلال يستخدم المحاكم العسكرية بشكل منهجي كسلاح من أجل كسر إرادة الفلسطينيين عبر إبقاء الآلاف منهم قيد الأسر لفترات طويلة وفي ظروف غير إنسانية وخلافا لكل المواثيق الدولية.

 

وتمّ الكشف في اليوم الدراسي عن أن الاحتلال اعتقل منذ العام 1967 أكثر من نصف مليون فلسطيني يحتجزون في سجون خارج الضفة وغزة بما يتناقض مع اتفاقات جنيف، ويصعب على ذوي الأسرى القيام بزيارتهم.

 

وقالت المحامية تمار بيلغ من "المركز لحماية الفرد" إن إسرائيل تعتقل سنويا من ألف إلى ألفي فلسطيني بالاعتقال الإداري غير القانوني كوسيلة لخدمة الاحتلال.

 

وأسهب المحامي ميخائيل سفراد، من "جمعية حقوق المواطن"، في تبيان التمييز الصارخ ضد الأسرى الفلسطينيين ولفت إلى أن التعريف "سجين أمني" في القاموس الإسرائيلي يستبطن محاولة لمحو البعد السياسي في عملية الاعتقال. وأضاف "إسرائيل لا تتعامل معهم كأسرى ومناضلي حرية وإنما كسجناء جنائيين لكنها تسلبهم حقوقهم المتعددة الممنوحة للجنائيين اليهود كالزيارات واستخدام الهاتف وتخفيض مدد محكومياتهم وغيرها وبذلك فإنها أيضا تنزع الصفة السياسية لتطلعاتهم الوطنية وتتنكر لكل واقع الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني برمته".

وأشار سفراد إلى دأب إسرائيل على التعامل بمكيالين لافتا إلى المعاملة بقفازات من حرير مع السجناء الأمنيين اليهود الذين يدانون بقتل فلسطينيين فتمنحهم كافة الحقوق والامتيازات وتطلق سراح الكثيرين منهم بعد سنوات رغم حكمهم بالمؤبد، كما جرى مع المجرمين عامي بوبر ويورام شكولنيك اللذين خفضت محكوميتهما أكثر من مرة من المؤبدات إلى سبع سنوات فقط رغم إدانتهما بقتل فلسطينيين. وأضاف "أما طالي فحيمة فقد حظيت بالمعاملة الخاصة بالأسرى الفلسطينيين بعد تماثلها مع النضال الفلسطيني".

 

وقدّم البروفيسور ألون هارئيل، من كلية الحقوق في الجامعة العبرية- القدس، وجهة نظر تعكس مجمل توجهات اليسار الصهيوني الليبرالي مفادها الدعوة إلى منح الأسرى الفلسطينيين كافة حقوق السجناء الجنائيين الإسرائيليين بدون تمييز باعتبارهم صنوا لهم..

 

وقالت المحامية سحر فرنسيس من مؤسسة "الضمير" إن الفوارق الجوهرية في تعامل السلطات الإسرائيلية مع السجناء الفلسطينيين واليهود الذين قاموا بأعمال على خلفية أيديولوجية تشابه الفرق بين الليل والنهار وهي تدلل على الاعتبارات السياسية. ولفتت إلى قيام إسرائيل بمقاضاة الأسرى الفلسطينيين بمحاكم عسكرية فيما يحاكم المستوطنون الذين يرتكبون مخالفات بحق الفلسطينيين في محاكم مدنية. وأضافت "ومن هنا يولد الفرق الكبير في الحالة والحقوق القضائية لكل من الطرفين كما يتبين من مدة الحكم الفعلي وشروط الاعتقال". وتطرقت فرنسيس إلى الجحيم الذي يتعرض له ذوو الأسرى في يوم زيارتهم للسجون داخل إسرائيل. وأضافت "حرم الأسرى من الزيارات العائلية من العام 2000 حتى 2003 بحجة الانتفاضة فيما يحظر الكثيرون من زيارة أعزائهم في الأسر بجريرة الأمن". ونوهت فرنسيس إلى قصة الحاجة لطيفة أم يوسف من مخيم الأمعري التي تحرم من زيارة أبنائها الأسرى الخمسة رغم أنها تجاوزت الستين من عمرها لأنها لا تزال مسجلة من سكان غزة رغم أنها تقيم منذ ثلاثة عقود في الضفة الغربية.

 

وأشارت مندوبة "الضمير" إلى أن الأهالي ممن يسمح لهم بالزيارة يحصلون على ترخيص لدخول أراضي 48 ليوم واحد ويضطر بعضهم للانتظار في قاعة السجن ساعات بدون حمامات أو أي خدمات إنسانية أساسية ساعات طويلة. وأضافت "بعد ساعات الانتظار على الحواجز والسجون والخضوع لتفتيش مهين تنتهي العملية بزيارة لمدة 45 دقيقة من خلف حائط زجاجي".

 

وقالت المحامية ليئه تسيمل، الناشطة في الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، إن عملية سلب الحقوق تمرّر من خلال تأطيرهم كـ"سجناء أمنيين" لافتة إلى أن يغئال عمير، قاتل رئيس الحكومة الإسرائيلي إسحق رابين، يتمتع بالكثير من الامتيازات والحقوق التي يحرم منها موكلوها الفلسطينيون. وأضافت "وخلافا للسجناء الإسرائيليين يحرم الأسرى بشكل فوري من تخفيض مدة المحكومية بالثلث من قبل مصلحة السجون كونهم "أمنيين" وهذا جزء من مسعاها لخدمة رواية الدولة اليهودية".

 

وأكدت تسيمل أن الجهاز القضائي وسائر السلطات الإسرائيلية تطابق بين الهوية الفلسطينية للمعتقل وبين الإرهاب والخطورة لافتة إلى أن ذلك يتسبب بالتصعيد. وأضافت "هذه التوجهات ناجعة في صنع ممارسات عنصرية كالتشريع والإدارة واستخدام المحاكم العسكرية كوسيلة قتال ولكنها هي في الواقع السبب في إيجاد المخاطر بالوعي والعمل لدى الطرف الآخر". وقالت تسيمل إن مندوب النيابة العسكرية قال لها أخيرا: "ليس مهما إذا ما كان موكلك قد ارتكب المخالفة أم لا فهو دائما يرغب في ذلك، وهذا دليل إضافي على أن المحاكم العسكرية ليست محاكم إنما بندقية".

واستعرضت د. روحاما مارتون، من منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، الآثار المدمرة لعزل الأسرى بالزنازين والذي يعتمد إستراتيجية لكسر إرادة الفلسطينيين ومحاولة تحويلهم لمتعاونين مع الاحتلال. وأضافت: "يشكل العزل وسيلة وحشية لتحويل المرء إلى كسرة معدنية ومخلوق غير اجتماعي وهذه جريمة ينبغي مقاضاة المسؤولين الإسرائيليين عنها".

وقدمت روحاما نماذج مرعبة حول عزل وتعذيب أسرى وأسيرات بعضهن قاصرات. وأضافت "اطلعت مؤخرا على قصة أسيرة شابة تدهورت حالتها النفسية بسبب العزل فتوقفت عن الأكل والنوم وكانت تخلع ثيابها بالكامل أحيانا بسبب الضغوطات". ونوهت روحاما بأن الأبحاث العلمية في العالم تؤكد أن العزل في السجن يولد ردودا نفسية قاسية تبلغ حد الجنون والانفصام بالشخصية وبلبلة الحواس والتفكير وفقدان الاستقرار الشعوري والتركيز والخوف المستديم والقنوط. وأضافت "وهذا ما يدفع بعض الأسرى لإصابة أنفسهم بجراح كي يشعروا بألم هو أهون من اللاشعور بأي شيء وكل ذلك يؤدي إلى ضياع شخصية الأسير والقضاء على إمكانية عودته إلى ممارسة حياة عادية مستقبلا".

 

وقال الأسير المحرر محمود زهرة من القدس المحتلة الذي شارك في اليوم الدراسي إنه قضى 18 سنة لمجرد مشاركته برمي الحجارة في العام الأول من الانتفاضة الأولى. وأكد لـ"المشهد الإسرائيلي" أن الجهاز القضائي الإسرائيلي هو ذراع سياسي وتشكل أحكامه عمليات انتقام. وأضاف "بصفتنا ممثلين للشعب الفلسطيني يتعرض الأسرى لأقسى صنوف التنكيل والتعذيب كما لو أنهم أعداء طليقون وليسوا أسرى". وأشار زهرة إلى أن العزل يعني سجن الأسير في زاوية معتمة وباردة لا يسمح بالخروج منها إلى الحمام إلا مرة واحدة في اليوم وبيدين موثقتين بالأصفاد. وأضاف "ينتظر المئات من الأسرى المرضى النظر بطلباتهم للعلاج فيضطرون للبقاء تحت وطأة المرض شهورا وأكثر لأن مستشفى سجن الرملة لا يتسع إلا لخمسين سريرا وإليه ينقل 15 أسيرا فقط بالشهر ولذا فإنني أعرف عن وفاة 20 أسيرا داخل السجون".

 

وقالت الناشطة في خدمة الحركة الأسيرة سناء دقة، وهي زوجة المناضل وليد دقة المحكوم بثلاثة مؤبدات، لـ"المشهد الإسرائيلي"، إن أسرى فلسطينيي الداخل يعانون محنة أشد، لافتة إلى تعامل إسرائيل معهم كفلسطينيين وأعداء عند محاكمتهم لتعود وتزعم أنهم مواطنون إسرائيليون كلما طولب بالإفراج عنهم من قبل جهة فلسطينية.